يوتيوب تعيد هيكلة إدارتها استعدادًا لعصر الذكاء الاصطناعي وتمنح موظفيها خيار المغادرة الطوعية
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
في خطوة تعكس التحول الجذري الذي تشهده صناعة المحتوى الرقمي، أعلنت شركة يوتيوب عن إعادة هيكلة واسعة داخل إدارتها، تركز بشكل رئيسي على الذكاء الاصطناعي وتطوير أدواته في مختلف أقسام المنصة.
وجاء الإعلان على لسان نيل موهان، الرئيس التنفيذي ليوتيوب، الذي أكد في مذكرة داخلية للموظفين أن المرحلة المقبلة ستشهد دمجًا أوسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في كل جزء من المنصة، مع منح الموظفين خيار المغادرة الطوعية ضمن خطة إعادة التنظيم.
وأوضح موهان أن "المجال التالي ليوتيوب هو الذكاء الاصطناعي، الذي يمتلك القدرة على إحداث تحول جذري في كل جزء من المنصة"، مؤكدًا أن الشركة لن تلغي أدوارًا محددة في الهيكل الجديد.
وأضاف أن البرنامج الطوعي للمغادرة يهدف إلى منح الفرصة لمن يرغبون في خوض تجارب مهنية جديدة، بينما يستعد الباقون لمواكبة التغيير القادم في بيئة العمل داخل المنصة.
وتهدف إعادة الهيكلة إلى تعزيز كفاءة اتخاذ القرار وتسريع التنفيذ، مع التركيز على المجالات الأسرع نموًا مثل الذكاء الاصطناعي والمحتوى التفاعلي، ووفقًا للمذكرة، ستنقسم يوتيوب إلى ثلاث مجموعات رئيسية من المنتجات: منتجات المشاهدين، ومنتجات المبدعين والمجتمعات، ومنتجات الاشتراكات، في خطوة تهدف إلى تحسين الأداء وتعزيز تجربة المستخدم.
المجموعة الأولى، "منتجات المشاهدين"، ستركز على تطوير تجربة المستخدم من خلال تحسين خوارزميات البحث والاكتشاف والتفاعل داخل المنصة، إضافةً إلى تطوير تجربة المشاهدة عبر أجهزة التلفزيون الذكية وتطبيقات غرفة المعيشة.
أما المجموعة الثانية، "منتجات المبدعين والمجتمعات"، فستعمل على دعم صانعي المحتوى بالأدوات الذكية التي تساعدهم على الإبداع، بما في ذلك أدوات الذكاء الاصطناعي للفيديوهات القصيرة والبث المباشر وتعزيز التواصل المجتمعي.
أما "منتجات الاشتراكات"، فستتولى تعزيز إيرادات الشركة عبر توسيع خدمات الاشتراك المدفوع، مثل YouTube Music وYouTube Premium، إلى جانب منصة YouTube TV التي تشهد نموًا ملحوظًا في الولايات المتحدة.
وأشار موهان إلى أن يوتيوب أصبحت خلال العامين الماضيين منصة البث الأولى في الولايات المتحدة، حيث تجاوز عدد المشتركين في خدماتها المدفوعة والموسيقية 125 مليون مستخدم، بالإضافة إلى 8 ملايين مشترك في YouTube TV.
ووفقًا للبيانات الرسمية، دفعت الشركة أكثر من 100 مليار دولار لمنشئي المحتوى وفناني الموسيقى خلال السنوات الماضية، ما يعكس مدى أهمية المنصة كمصدر دخل رئيسي لملايين المستخدمين حول العالم.
ويأتي هذا التحول في يوتيوب في وقتٍ تشهد فيه شركات التكنولوجيا الكبرى موجة من إعادة الهيكلة تحت شعار "الذكاء الاصطناعي أولًا".
فبعد أن أعلنت أمازون مؤخرًا عن تسريح نحو 14 ألف موظف بحجة تعزيز الكفاءة مع توسع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسير شركة ألفابت – الشركة الأم ليوتيوب – على نهج مشابه، إذ سجلت لأول مرة في تاريخها ربعًا ماليًا تجاوزت فيه الإيرادات 100 مليار دولار، مدعومة بنجاح خدماتها السحابية وتطور محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ويرى مراقبون أن خطوة يوتيوب تمثل بداية مرحلة جديدة في صناعة المحتوى الرقمي، حيث ستتحول المنصة من مجرد مساحة لمشاركة الفيديوهات إلى بيئة ذكية متكاملة قادرة على التفاعل مع المستخدم وتخصيص التجربة بناءً على سلوكياته واهتماماته.
وفي المقابل، يُتوقع أن تؤدي هذه التحولات إلى تغييرات في طبيعة الوظائف داخل المنصة، مع تزايد الاعتماد على الأنظمة الذكية في إدارة المحتوى والإعلانات والتوصيات.
بهذا الاتجاه، يبدو أن يوتيوب تستعد لحقبة جديدة تقودها الخوارزميات بدلًا من الإدارات التقليدية، لتؤكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح جوهر استراتيجية الشركة للسنوات القادمة، في سباق محموم بين عمالقة التكنولوجيا للسيطرة على مستقبل الإعلام الرقمي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
التوازن بين الذكاء الاصطناعي والنزاهة الأكاديمية
#التوازن بين #الذكاء_الاصطناعي و #النزاهة_الأكاديمية… من السياسات التفاعلية إلى الحوكمة الاستباقية
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
يشهد العالم الأكاديمي في المنطقة العربية تحولاً نوعياً عميقاً مع تسارع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى مجالات البحث والنشر والتعليم، وهو تحول يفرض على الجامعات والمراكز البحثية إعادة النظر في أدواتها ومنهجياتها ومعاييرها الأخلاقية. وقد شكّلت حلقة النقاش “التوازن بين الذكاء الاصطناعي والنزاهة في منظومة البحث العلمي المعاصرة”، التي عُقدت ضمن فعاليات منتدى QS العربي 2025 في مسقط – سلطنة عُمان، محطة فكرية مهمة لتبادل الرؤى حول كيفية توظيف هذه التقنيات في خدمة جودة البحث العلمي دون الإخلال بمبادئ النزاهة الأكاديمية التي تُعد أساس الثقة في المعرفة.
يُعدّ الذكاء الاصطناعي اليوم أحد أبرز المحركات التي تعيد رسم خريطة البحث العلمي العالمي. فهو يسرّع التحليل، ويرفع دقة النتائج، ويتيح الوصول إلى كمّ هائل من البيانات في وقت قياسي. غير أن هذه القوة التحليلية غير المسبوقة تثير في المقابل تساؤلات أخلاقية وقانونية معقدة، تتعلق بالأصالة الفكرية وحقوق الملكية، ومدى موثوقية المخرجات البحثية التي تنتجها الأدوات التوليدية. فغياب الحوكمة المؤسسية يجعل قرارات الاستخدام فردية ومتفاوتة بين جامعة وأخرى، ويزيد من خطر الاعتماد المفرط على التقنيات دون تحقق نقدي أو إشراف علمي دقيق.
مقالات ذات صلة ترمب والوساطة العربية والإسلامية في الميزان ! 2025/10/31وتبرز هنا مجموعة من التحديات التي تستدعي معالجة جادة، في مقدمتها ضعف التشريعات الداخلية في الجامعات، ما يؤدي إلى تضارب الممارسات البحثية وتفاوت معايير الجودة. يضاف إلى ذلك قصور الوعي البحثي والتقني لدى بعض الأكاديميين والطلبة، مما يجعلهم غير قادرين على التمييز بين المساعدة التحليلية المشروعة والاستخدام غير الأخلاقي للأدوات الذكية. كما يشكّل غياب الشفافية في الإفصاح عن دور الذكاء الاصطناعي في إعداد الأبحاث تحدياً آخر، إلى جانب تأخر تبنّي أنظمة حوكمة رقمية متكاملة تضمن الموازنة بين التقنية والقيم الأكاديمية الأصيلة. هذه التحديات، إن لم تُواجه برؤية مؤسسية واضحة، قد تُضعف ثقة المجتمع العلمي بالمخرجات العربية وتحدّ من قدرتها على المنافسة الدولية.
ومن بين الحلول المقترحة، تبرز أهمية وضع سياسات مؤسسية محددة وواضحة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث والنشر، وإنشاء وحدات متخصصة داخل الجامعات تُعنى بحوكمة هذه التقنيات ومتابعة تطبيقها. كما يُوصى بدمج مساقات “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” في برامج الدراسات العليا، وتشجيع الباحثين على الإفصاح الصريح عن استخدامهم للأدوات الذكية في جميع مراحل العمل البحثي. ومن الضروري كذلك الاستفادة من التجارب العالمية في مجال “الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي”، مع تكييف هذه المعايير لتلائم البيئة الثقافية والقيمية للمجتمعات العربية.
إن الذكاء الاصطناعي ليس تهديداً للنزاهة الأكاديمية، بل فرصة لإعادة تعريفها. الجامعات التي تمتلك أنظمة شفافة وتتبنّى ثقافة مؤسسية استباقية قادرة على تحويل هذه التقنيات إلى قوة داعمة للإبداع العلمي. أما الاكتفاء بالتحذير دون تنظيم فسيُبقي الذكاء الاصطناعي منطقة رمادية بين الابتكار والمخاطرة. الطريق نحو التوازن الحقيقي بين الابتكار والنزاهة يبدأ من الاعتراف بأن الذكاء الاصطناعي غيّر طبيعة البحث ذاته، وأن استيعاب هذا التحول بوعي وشفافية سيجعل من الذكاء الاصطناعي رافعةً عربيةً للبحث العلمي، تدفعه نحو مزيد من الأصالة، والمساءلة، والتنافسية العالمية.