عالم آثار أردني: الرقمنة والسيناريوهات التفاعلية تجعل المتحف المصري الكبير أيقونة المتاحف الحديثة
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
أكد عالم الآثار الأردني ورئيس جامعة اليرموك الأسبق الدكتور زيدان كفافي أن المتحف المصري الكبير يمثل نقلة حضارية وفكرية فريدة، مشيرا إلى أن عرض مقتنيات الملك "توت عنخ آمون" الذهبية ، مجتمعة لأول مرة ، يجسد عمق التقدم الحضاري الذي بلغته مصر القديمة، ويقدم لكل قطعة من هذه الكنوز درساً فنياً وفكرياً للعالم.
وأضاف كفافي ، في تصريحات لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان ، أن المتحف الكبير لا يُعد مجرد مكان لعرض الآثار، بل هو جامعة مفتوحة تجمع الناس من مختلف الثقافات للتعلم والمعرفة، موضحا أن تميّزه لا يقتصر على معروضاته النادرة، بل يمتد إلى موقعه الفريد أمام أهرامات الجيزة، الذي يمنح الزائر تجربة بصرية وتاريخية استثنائية.
وأشار إلى أن طرق العرض الحديثة داخل المتحف، القائمة على الرقمنة والسيناريوهات التفاعلية، تجعل منه نموذجا متطورا للمتاحف العالمية، مضيفا أن تنوع القطع الأثرية يعكس التاريخ العريق للحضارة المصرية على مر العصور.
ولفت كفافي إلى أن الحضارة المصرية هي أم الحضارات الإنسانية، إذ برعت مصر القديمة في مختلف المجالات الفكرية والدينية والفنية والعلمية والمعمارية، إلى جانب تفوقها العسكري والتنظيمي.
وقال : "إن العلاقات الحضارية بين مصر والأردن ممتدة منذ الألف الرابع قبل الميلاد ، حيث كانت هناك طرق تجارية تربط مصر ببلاد الشام، خاصة في منطقة وادي عربة بالأردن التي كانت تزخر بخامات النحاس، ما يعكس عمق الترابط الحضاري بين الشعبين منذ آلاف السنين".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المتحف المصري الكبير
إقرأ أيضاً:
أستاذ آثار: توت عنخ آمون الأيقونة الخالدة للحضارة المصرية القديمة
قال الدكتور محمود حامد الحصري، أستاذ الآثار واللغة المصرية القديمة المساعد – جامعة الوادي الجديد، إن الملك توت عنخ آمون هو الأيقونة الخالدة للحضارة المصرية القديمة، والأيقونة الذهبية للمتحف المصري الكبير.
وأضاف الحصري أن الملك الذهبي توت عنخ آمون، رغم سنوات حكمه القصيرة، إلا أنه يمثل الأيقونة الخالدة للحضارة المصرية القديمة، وبؤرة التركيز الرئيسية في المتحف المصري الكبير (GEM). إن قصة هذا الفرعون الشاب هي قصة اكتشاف عظيم غير مسار علم الآثار، ومتحف عملاق وُلد ليحتضن كنوزه كاملة لأول مرة في التاريخ، مقدماً إياها للعالم برؤية حديثة تليق بعظمة هذا الكنز الذي يزيد عن 5398 قطعة أثرية.
الاكتشاف الأعظم في القرن العشرينفي أوائل القرن العشرين، كان عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر يعمل بتمويل من اللورد كارنارفون في منطقة وادي الملوك بالأقصر، التي اعتبرها الكثيرون قد استنفدت كنوزها بالفعل. بعد سنوات من التنقيب الشاق والمحبط، وصلت جهود كارتر إلى نقطة الانهيار في عام 1922، لكنه قرر خوض موسم أخير. في الرابع من نوفمبر عام 1922، اكتشف العامل الصغير حسين عبد الرسول بمحض الصدفة أول درجة من سلم مدفون تحت أنقاض مدخل مقبرة رمسيس السادس، وهي اللحظة التي قادت إلى فتح الباب على كنز أثري لم يمسه الزمن.
وبعد أيام من الحفر الدقيق، وصل كارتر إلى بابين مختومين، وعندما فُتحت فتحة صغيرة في الباب الأخير في 26 نوفمبر 1922، سأله اللورد كارنارفون بلهفة عما إذا كان يرى أي شيء، ليرد كارتر بعبارته الشهيرة: "نعم، أرى أشياء رائعة!". كانت المقبرة (KV62)، ورغم صغر حجمها مقارنة بمقابر الفراعنة العظام، هي المقبرة الملكية الوحيدة التي عُثر على محتوياتها سليمة وكاملة نسبيًا منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.
استغرقت عملية استخراج وتوثيق الكنوز نحو عشر سنوات، حيث كانت المقبرة مكتظة بالآلاف من التحف التي تعكس نمط الحياة الملكية وتفاصيل عقيدة البعث والخلود، من التوابيت والمقاصير الذهبية المتداخلة، مروراً بكرسي العرش والعجلات الحربية والمجوهرات، وصولاً إلى أدوات الطعام والملابس والألعاب. وأحدث هذا الاكتشاف ضجة إعلامية عالمية، محولاً الفرعون المغمور تاريخيًا إلى أشهر ملوك مصر.
الملك الصغير وتأثيره التاريخيلم يكن توت عنخ آمون (الذي حكم مصر من 1334 إلى 1325 ق.م تقريباً) ملكاً محارباً أو بناءً عظيماً كـ تحتمس الثالث أو رمسيس الثاني؛ بل تعود أهميته التاريخية إلى عاملين رئيسيين:
أولاً: موقعه في الثورة الدينية، حيث كان الابن الروحي للملك إخناتون (أمنحتب الرابع) الذي أعلن التوحيد وعبادة الإله آتون. توت عنخ آمون (الذي كان اسمه توت عنخ آتون سابقاً) قاد عملية العودة إلى عبادة الآلهة المتعددة وعلى رأسها آمون، مما أعاد الاستقرار الديني والسياسي للبلاد بعد فترة الاضطراب التي سببها إخناتون، ولهذا كان اسمه قد مُحي من قوائم الملوك لاحقاً.
ثانياً: الكنوز المذهلة والكاملة؛ فعلى الرغم من أن توت عنخ آمون لم يترك آثاراً معمارية ضخمة، إلا أن اكتشاف مقبرته بتلك الحالة الاستثنائية قدم للعالم وثيقة حية نادرة عن فنون وحرف وثقافة عصر الدولة الحديثة، وأهمها القناع الذهبي المصنوع من الذهب الخالص والمطعم بالأحجار الكريمة، وهو أيقونة الفن المصري القديم. كما كشفت دراسات مومياءه، عن تفاصيل حياته القصيرة وظروف وفاته المحتملة، مما أضاف بعداً إنسانياً وعلمياً لشهرته الأسطورية. إن القيمة الفنية والمادية والمعرفية لهذه المجموعة لا تقدر بثمن، مما يجعله بالفعل "الفرعون الذهبي" الذي لم تُنسَ قصته.
مقتنيات الملك توت عنخ آمون في موطنها الجديد بالمتحف الكبيريُمثل المتحف المصري الكبير نقطة التحول التاريخية التي طال انتظارها لعرض كنوز توت عنخ آمون، حيث سيتم لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة قبل أكثر من قرن، جمع وعرض المجموعة الكاملة للفرعون الشاب التي تبلغ حوالي 5398 قطعة أثرية في مكان واحد. هذا الجمع الكامل ينهي التشتيت التاريخي الذي عانت منه المجموعة، حيث كانت تُعرض جزئياً في المتحف المصري بالتحرير، وتُنقل بعضها بين المخازن أو تجوب العالم في معارض مؤقتة.
خصص المتحف الكبير قاعة ضخمة جداً، تبلغ مساحتها حوالي 7500 متر مربع، لتكون بمثابة "مملكة توت عنخ آمون". لم يقتصر العرض على التجميع فحسب، بل تم استخدام أحدث أساليب وتقنيات العرض المتحفي لتقديم رؤية متكاملة لقصة حياة ووفاة الملك. وتضم القاعة عرضًا لمراحل الدفن الأربع للملك، متسلسلة عبر أربع مقاصير مذهبة ضخمة، تعرض لأول مرة مجتمعة، بالإضافة إلى التوابيت الذهبية، وكرسي العرش المذهب، وأكثر من 3000 قطعة من المجوهرات والتمائم والأسلحة، بما في ذلك الخنجر المصنوع من حديد نيزكي نادر.
كما تهدف هذه القاعة إلى تقديم "سرد قصصي" وليس مجرد عرض لقطع صامتة؛ فباستخدام الإضاءة الحديثة، وفتارين العرض التي تضمن أعلى معايير الحفظ المتحفي، بالإضافة إلى المحتوى الرقمي التفاعلي، سيتمكن الزائر من تتبع مسيرة حياة الملك ومماته في رحلة بصرية ومعرفية، مما يجعل من المتحف المصري الكبير ليس مجرد خزانة للكنوز، بل وثيقة حية ومتكاملة تحكي سيرة الملك توت عنخ آمون بالكامل، وتؤكد على مكانته كأيقونة خالدة للحضارة المصرية.