الحوثيون يتآكلون من الداخل ويعيدون تموضعهم على أنقاض النفوذ الإيراني.. الهروب من الشمال باتجاه الجنوب
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
في تطور ميداني يحمل دلالات استراتيجية عميقة، بدأت جماعة الحوثي انسحاباً تدريجياً من مواقعها المركزية في شمال اليمن، وعلى رأسها العاصمة صنعاء، متجهة نحو مناطق الجنوب في محاولة لإعادة التموضع بعد سلسلة من الضربات العسكرية والانهيارات التنظيمية.
هذا التحول الجغرافي لا يُقرأ كمناورة توسعية، بل كعلامة على فقدان السيطرة وتراجع النفوذ الإيراني الذي ظل لعقد من الزمن ممسكاً بمفاصل الجماعة.
مصدر دبلوماسي أمريكي كشف لـموقع "إرم نيوز" أن واشنطن تتابع هذه التحركات عن كثب، وتعتبرها مؤشراً على ضعف داخلي متفاقم داخل الجماعة، أكثر منها على تمدد فعلي. وأكد أن الحوثيين فقدوا كثيراً من قدراتهم على التنسيق والتمويل، وأن انتقالهم جنوباً يفتقر إلى الحاضنة الاجتماعية والسياسية اللازمة لبناء قواعد مستقرة.
الإدارة الأمريكية، وفق المصدر، ترى أن المواجهة مع الحوثيين باتت متعددة الأبعاد: عسكرية، اقتصادية، وسياسية. وتعمل واشنطن على تعزيز التنسيق البحري والاستخباراتي مع شركائها الإقليميين لتضييق الخناق على خطوط الإمداد الإيرانية، ومنع تحويل الجنوب إلى منصة تهدد الأمن الإقليمي والملاحة الدولية.
التقييم الأمريكي يشير إلى أن الحوثيين يعيشون حالة احتضار سياسي وعسكري، وأن المشروع الإيراني في اليمن يواجه انهياراً تدريجياً تحت ضغط الانقسامات الداخلية والضربات الجوية والبحرية. وتعتزم واشنطن تطبيق سياسة "الردع الذكي"، التي تجمع بين الضغط العسكري المحدود والعمل الدبلوماسي لعزل الجماعة وحرمان طهران من أي مكاسب استراتيجية.
في ظل هذا المشهد، تبدو مغامرة الحوثيين جنوباً كخيار يائس، محكوم بالفشل، وقد يقود إلى نتائج عكسية تماماً، في وقت لم يعد فيه الزمن في صالحهم ولا في صالح داعميهم.
في حين قالت مصادر سياسية يمنية إن التطورات الأخيرة في اليمن أظهرت بوضوح أن جماعة الحوثي فقدت قدرتها على المبادرة الميدانية، وأن أي انتقال جغرافي بعد تركز الاستهداف على نفوذها في صنعاء هو محاولة للهروب من الانهيار في الشمال بعد تفكك بنيتها القيادية واللوجستية. وأوضحت المصادر أن الضغط المتواصل أفقد الجماعة خطوط الإمداد التي كانت تشكل عمودها الفقري، وأن ما تبقى من تحركاتها مجرد ردود فعل متخبطة، تفتقر إلى الغطاء الشعبي والشرعية السياسية.
وأضافت أن إيران كانت تراهن على استثمار الحوثيين كورقة ضغط في مواجهة القوى الإقليمية والدولية، لكنها وجدت نفسها الآن أمام جماعة متآكلة لا تملك قاعدة اجتماعية مستقرة ولا قدرة على التمدد في بيئات مختلفة. وأشارت إلى أن المشروع الإيراني في اليمن بدأ يتآكل من الداخل بسبب تضارب المصالح بين القيادات الحوثية المحلية والمستشارين الإيرانيين؛ ما تسبب في تراجع الانضباط الداخلي داخل صفوف الجماعة، وتزايد الانقسامات حول إدارة الموارد والسيطرة على المناطق الحيوية.
وذكرت المصادر السياسية إن الضربات الدقيقة التي استهدفت مراكز القيادة في صنعاء ومواقع التخزين في الساحل الغربي أظهرت هشاشة ما يسمى "البنية العسكرية الحوثية" التي طالما رُوّج لها على أنها منيعة. مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستشهد على الأرجح انكماشاً حاداً في نفوذ الحوثيين، ليس فقط بسبب الضغط العسكري، وإنما بسبب فقدانهم الثقة حتى داخل الأوساط التي كانت تتعامل معهم بحذر. واعتبرت أن ما تبقى من تحركهم جنوباً مجرد مناورة يائسة لتضليل الرأي العام، وأن الواقع الميداني يؤكد أن قدرتهم على التوسع باتت شبه معدومة، خصوصاً في ظل عزلة سياسية متزايدة داخل الإقليم.
وزادت بالقول "اليوم نجد أنّ الحوثيين يعيشون حالة ضعف ميداني وسياسي لم يشهدها من قبل. عندما كان مطار صنعاء والموانئ الشمالية تعمل كمراكز لوجستية لتموين الجماعة، كان نفوذها أكثر رسوخاً؛ أما الآن، فبعد الضربات الجوية والبحرية المتكرّرة، فإنّ تلك المحاور تنهار واحدة تلو الأخرى، والحوثيّون يُجبرون على الانتقال نحو بعض مناطق الجنوب باعتباره ملاذاً تكتيكياً بديلاً".
وتابعت "هذا الانتقال هو اعتراف ضمني بأنّهم فقدوا القدرة على السيطرة في معاقلهم الأصلية. وفي الوقت ذاته، فإنّ جنوب اليمن ليس بيئة خصبة للمشروع الحوثي‑الإيراني؛ فتركيبته القبلية والاجتماعية والسياسية تختلف، وهذا يعيد حسابات إيران التي رأت اليوم في اليمن متنفساً لنفوذها الإقليمي".
عجز ميداني
من جهته رأى الباحث الأمريكي ديفيد هيلمان، المتخصص في السياسات الإقليمية، إن الإدارة الأمريكية تنظر إلى التحركات الحوثية الأخيرة بوصفها "تحولات اضطرارية" أكثر من كونها خطوات استراتيجية، معتبراً أن الجماعة تواجه حالياً إحدى أسوأ مراحلها من حيث الضغط العسكري والانكشاف الجغرافي.
وأوضح هيلمان خلال حديثه أن تقييمات وزارة الخارجية ووزارة الحرب الأمريكية تتقاطع حول فكرة أن الحوثيين باتوا يفقدون تدريجياً معظم قدراتهم على إدارة التموضع العسكري المعقّد، خاصة بعد تدمير غرف القيادة في صنعاء، وخسارتهم لعدد من نقاط التخزين والمراقبة في مناطق الساحل. وقال إن واشنطن تعتبر أن الانتقال جنوباً يأتي نتيجة لانهيار في خطوط الإمداد، وليس خياراً ضمن خطة توسع منضبطة.
وأشار هيلمان إلى أن إيران من جهتها لم تعد قادرة على الحفاظ على نموذج مركزي ثابت في اليمن، بل تحاول اليوم، كما وصف، "إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذها"، عبر تكتيكات لامركزية تشمل إعادة نشر المستشارين، وتحفيز الحوثيين على استخدام الموانئ والواجهات البحرية للضغط الإقليمي والدولي.
وتابع بالقول: "ما تراه واشنطن الآن هو أن الحوثيين يسعون للانتقال من السيطرة على الأرض إلى التأثير عبر البحر، لكن هذه المقاربة تواجه عقبات صلبة؛ لأنهم لا يمتلكون شبكات دعم محليّة جنوباً، ولا سيطرة طويلة المدى على أي منفذ استراتيجي بحري".
وأكد هيلمان أن السياسة الأمريكية الراهنة تجاه الحوثيين تقوم على "الردع الذكي"، أي مزيج من الضغط العسكري الموجّه، وتضييق التمويل، والعمل الدبلوماسي لتجفيف الحواضن السياسية التي ما زالت توفّر للجماعة نافذة للتفاوض أو الظهور. وأشار إلى أن واشنطن كثّفت من عمليات الرصد البحري وجمّدت قنوات دعم مالي يُشتبه في وصولها عبر وسطاء خارجيين مرتبطين بطهران.
كما كشف هيلمان أن التقديرات في واشنطن تشير إلى أن الحوثيين سيلجؤون خلال الأسابيع القادمة إلى تنفيذ عمليات رمزية – صاروخية أو بحرية – في محاولة لصناعة ضجيج سياسي يوازي خسائرهم الميدانية، لكنه شدد على أن الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة هذا النوع من السلوك، سواء عبر دعم مباشر لشركائها في البحر الأحمر، أو من خلال آليات العقوبات الذكية التي أثبتت فعاليتها في السنوات الأخيرة.
وختم هيلمان تصريحه بالقول: "الجنوب اليمني ليس المساحة التي تستطيع طهران من خلالها بناء وكيل طويل الأمد. التحرك الحوثي هناك ليس بداية توسع، لكنه علامة على نهاية النفوذ الإيراني المنظم في اليمن".
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
العليمي يطالب واشنطن بردع انتهاكات الحوثيين والإفراج عن المحتجزين دون قيد أو شرط
دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ موقف حازم لردع انتهاكات مليشيا الحوثي لحقوق الإنسان، ووقف حملات الاعتقال والتعذيب وتجنيد الأطفال وزراعة الألغام، مطالبًا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفي الأمم المتحدة وكافة المحتجزين في سجون الجماعة.
جاء ذلك خلال لقائه بالقائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة لدى اليمن، جوناثان بيتشا، حيث ناقش الجانبان العلاقات الثنائية وآفاق تعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح البلدين الصديقين.
وأشاد الرئيس العليمي بموقف واشنطن الثابت إلى جانب الشعب اليمني وقيادته السياسية، مثمنًا إسهاماتها الفاعلة في حماية الممرات المائية وردع الأنشطة الإرهابية للمليشيا الحوثية وداعميها في اليمن والمنطقة.
كما أعرب عن ثقته باستئناف الدعم الأميركي في المجالات الإنسانية، ومواصلة مساندة برنامج الإصلاحات الشاملة، بما يسهم في استقرار العملة الوطنية وتحسين الخدمات الأساسية، واستدامة وفاء الدولة بالتزاماتها.
وأكد رئيس مجلس القيادة أهمية تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات، ودعم قدرات خفر السواحل اليمنية، مشيدًا بالجهود الدولية المشتركة لاعتراض المزيد من الشحنات المهربة المرتبطة بالشبكات الإيرانية ووكلائها.
وجدد العليمي التزام المجلس بنهج السلام الشامل والعادل، المرتكز على المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، مؤكدًا أن إحلال الاستقرار في اليمن يمر عبر استعادة مؤسسات الدولة وتفكيك البنية العسكرية والفكرية للمليشيا الحوثية.
من جانبه، جدّد القائم بالأعمال الأميركي دعم بلاده لمسار الإصلاحات وجهود الحكومة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية، ومواصلة الشراكة الوثيقة في مكافحة الإرهاب وحماية أمن الملاحة الدولية.