هناك حالات تكشف الناقد أمام منهجيته، ولدينا مثالٌ يمتحن هذه اللحظة الفارقة مع طه حسين وموقفه من رواية السد لمحمود المسعدي، حيث رفضها طه حسين ابتداءً ثم عدل موقفه بعد أن رافع المسعدي عن روايته، والموقفان معاً منشوران في مقدمة الرواية. وهذا مثال خطير يكشف عقلية الناقد وشجاعته في التحول والارتقاء لحقوق المستجدات بين أن يظل محكوماً بمحفوظاته أم تنتصر مهارته الذهنية والمعرفية كما فعل طه حسين.


وهنا نقف على الهوس الثقافي في الاستسهال الذي فاجأته تغيرات شروط اللعبة من حيث بروز الشعبي وسقوط النخبوي، وسبب السقوط هو العمى الثقافي الذي نجد أبرز مثالٍ له موقف أمبرتو إيكو ضد جماهير تويتر وفيس بوك، حيث وصفهم بالحماقة وراح يستهزئ بهم ويسخر منهم مفوتاً على نفسه موقفاً كموقف طه حسين وآثر التعالي والانغلاق الذاتي عوضاً عن قراءة علاماتية هذا التحول وانكسار شروط اللعبة التقليدية.
وتبعاً لذلك انفضح التعنت النخبوي كما نرى لدى أدونيس بقوله (كل شعر جماهيري هو شعر تافه) وذم درويش ونزار قباني والجواهري وقبلهما شوقي بأنهم لم يقدموا شيئاً للشعر العربي، ودليله على ذلك هو جماهيريتهم التي تعني عنده التفاهة الذوقية. وشاعت هذه النظرة مع انتشار ظاهرة الثورة الثقافية في بروز جيل شاب حظي بقبول جماهيري، فلم تجد النخبوية غير أن تصف النصوص ذات القبول العام بالتفاهة فقط لأنها خالفت ذائقتهم الخاصة، وغفلوا عن قراءة الظواهر وما تنتجه من تغيرات تفرض نفسها كما فرض نص «ألف ليلة وليلة» نفسه بعد أن وصفته النخبة الفحولية بأنه لا يصلح إلا للأطفال والنساء وضعاف العقول. وتتكرر العقلية ذاتها من حيث خضوعها لمسلماتها المدرسية ولا تطرح سؤال التغير وكيف ولماذا، ولا تقف على شروط النص لكي تكون هي البرهنة. وهنا تأتي فائدة النقد النصوصي الذي يحتكم على النص ويستنبط منه ما فيه من متغيرات تتغير معها قواعد الحكم وقواعد التذوق. ولذا نجد الجماهير تستجيب فوراً للتغير لأنها ليست محكومةً بمعاييرَ متصلبةٍ وذهنيات تقف عند شروط الدرس النقدي، ودوماً نلحظ أن النخبة هي آخر من يتغير لأنها تقع تحت سلطة القاعدة وما تسميه جيداً ولا تعي أن الجودة هي مسألةٌ لاحقة وليست سابقةً على النص ولو سبقت الجودة النص لأصبح مؤسسياً ومن ثم تقليدياً، وقد قلت مرة، إن محمود درويش يجعلنا نعيد النظر في نظرياتنا ويدفعنا لتطوير وعينا النظري والمنهجي. وهذه هي حيوية الناقد بمثل ما هي حيوية المبدع، وهما معاً يصنعان التحول والتطور المعرفي. وكل مبادرة لرفض المختلف هي كاشفٌ نسقي يفضح أي عقلية تقليدية تتلبس لبوس الانفتاح من دون تمثله ومثال طه حسين وأمبرتو إيكو يكشف فروق الذهنية المنفتحة والأخرى المنغلقة، وكل حالة استسهال لحقوق النقد الواعي هي حالة امتحان ترسب فيها العقلية العاجزة عن قراءة الظواهر، على أن الاحتكام للنص هو الفارق الفاصل. وهذا شرط في النقد النصوصي ونظرية موت المؤلف، أي تحرير النص من أي سلطة خارجة عنه، سلطة المؤلف وسلطة الناقد معاً.

كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: النجومية والقلعة الثقافية د. عبدالله الغذامي يكتب: الدفاع عن النفس.. الخدعة الثقافية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: عبدالله الغذامي الغذامي طه حسین

إقرأ أيضاً:

حمزة العيلي يشوق الجمهور للموسم الثاني من مسلسل النص | خاص

بدأ الفنان حمزة العيلي التحضير للموسم الثاني من مسلسل «النص» الذي يشارك في بطولته إلى جانب الفنان أحمد أمين، والمقرر عرضه ضمن الموسم الدرامي لشهر رمضان 2026.

وقال حمزة العيلي لـ صدى البلد  عن حماسه لتجربته في الجزء الجديد من العمل، قائلاً:

بنحضر لتصوير مسلسل النص الموسم الثاني، واللي هيكون يحمل العديد من المفاجآت واستعد لتصوير مسلسل المداح الجزء السادس هيعمل العديد من المفاجآت 


يذكر أن احتفل الفنان حمزة العيلي، بنجاح مسلسل «كارثة طبيعية»، موجهًا رسالة شكر وامتنان لكل فريق العمل الذي شاركه هذا النجاح.


وكتب العيلي عبر حسابه على «فيسبوك»: «الحمد والشكر والفضل لله دائمًا وأبدًا، مبروك تألقك ونجاحك ونجاحنا كلنا عشان معك أخي وصديقي وحبيبي وحبيب قلوب البشر محمد سلام، مبروك لكل الحبايب صناع العمل وشكرًا لكل من أخلص في هذا العمل، والجميع رائعين واشتغلوا من قلبهم».

واختتم العيلي منشوره قائلاً:«شكراً لصديقي المحترم المخرج حسام حامد، والمؤلف الرائع أحمد عاطف فياض، وكل الزملاء الممثلين والأقسام اللي شاركوا في نجاح العمل، شكراً لمتابعة حضراتكم الطيبة».

يشارك في بطولة المسلسل إلى جانب محمد سلام، عدد من النجوم، من بينهم جهاد حسام الدين، كمال أبورية، وحمزة العيلي، المسلسل من تأليف أحمد عاطف فياض، وإخراج حسام حامد.

طباعة شارك اخبار الفن نجوم الفن حمزة العيلي

مقالات مشابهة

  • الناقد خالد عبدالحليم : مصر عاصمة الفن العربي وقبلة الفنانين
  • حمزة العيلي يشوق الجمهور للموسم الثاني من مسلسل النص | خاص
  • عاجل .. بنك السودان المركزي ينهي قرار احتكار تصدير الذهب
  • محمود عبدالشكور ينعى أحمد عبدالله.. ويحكي كواليس الخضة من اللمبي
  • رئيس مجلس الشيوخ يستقبل المستشار عدلي حسين والنائب العام الأسبق
  • مراجعة براءة نينتندو تهز قضيتها ضد Palworld وتشعل جدلاً حول احتكار آليات اللعب
  • بنك السودان المركزي ينهي احتكار تصدير الذهب
  • فوز زهران ممداني يعيد تعريف الديمقراطية الأمريكية ويكسر احتكار النخب
  • المتلقي المذعن لزياد الزعبي.. تحرير عقل القارئ من سطوة النص