تواجه صناعة الألعاب العالمية واحدة من أكثر مراحلها اضطرابًا في السنوات الأخيرة، وهذه المرة بطلتها شركة Square Enix اليابانية، الناشرة لعدد من أشهر الألعاب في التاريخ مثل Final Fantasy وKingdom Hearts وTomb Raider.
فبحسب تقرير جديد لمجلة Video Games Chronicle، بدأت الشركة تنفيذ خطة إعادة هيكلة واسعة تشمل تسريح مئات المطورين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بهدف إعادة تركيز جهود التطوير على استوديوهاتها في اليابان وتعزيز الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مراحل إنتاج الألعاب وضمان جودتها.

لم تكشف سكوير إينكس رسميًا عن عدد الموظفين المتأثرين، إلا أن مصادر المجلة تشير إلى أن ما بين 100 إلى 140 مطورًا في المملكة المتحدة قد يفقدون وظائفهم خلال الأسابيع المقبلة، فيما لم تُعرف بعد الأرقام الدقيقة في الولايات المتحدة.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب موجة من التسريحات التي بدأت مطلع عام 2024، عندما قررت الشركة تقليص حضورها في الأسواق الغربية بعد مراجعة شاملة لهياكلها المالية وخططها الاستثمارية.

ويبدو أن القرار لا يقتصر على تقليل النفقات فقط، بل يتماشى مع رؤية الشركة الجديدة نحو مركزية التطوير داخل اليابان، حيث تخطط لإعادة دمج أقسام التصميم والإنتاج وضمان الجودة داخل مقراتها الرئيسية، بهدف تحقيق كفاءة أعلى وتكامل أعمق بين فرق العمل.

وفقًا لعرض تقديمي للمستثمرين اطّلع عليه موقع IGN، وصفت سكوير إينكس ما يجري بأنه إصلاح هيكلي خارجي يهدف إلى توحيد عمليات التطوير في اليابان، مع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق.
وتؤكد الشركة أن خطتها تشمل أتمتة نحو 70% من مهام ضمان الجودة واكتشاف الأخطاء في عملية تطوير الألعاب بحلول عام 2027.
هذه المهام عادةً ما تتطلب آلاف الساعات البشرية لاختبار الألعاب قبل الإطلاق، ما يعني أن اعتماد الذكاء الاصطناعي عليها قد يؤدي إلى تسريح المزيد من موظفي الاختبار خلال الأعوام القادمة.

ورغم أن الاتجاه نحو الأتمتة في صناعة الألعاب ليس جديدًا، إلا أن قرار سكوير إينكس يُعد من أكثر القرارات الجذرية في هذا الصدد. فبينما تعتمد شركات أخرى مثل Ubisoft وEA الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إنتاج الرسومات أو كتابة الحوارات، يبدو أن سكوير إينكس تراهن على الذكاء الاصطناعي كمحرك أساسي لتقليص التكاليف وتسريع التطوير.

القرار الأخير يُعد تتويجًا لعقدٍ كامل من انسحاب الشركة التدريجي من سوق الألعاب الغربية.
ففي عام 2013، باعت سكوير إينكس ثلاثة من أبرز استوديوهاتها في أمريكا الشمالية — إيدوس مونتريال وسكوير إينكس مونتريال وكريستال داينامكس — إلى مجموعة Embracer Group، بعد سنوات من ضعف الأداء التجاري للألعاب الغربية مقارنةً بنجاحات العلامات اليابانية.

وخلال السنوات التالية، حاولت الشركة عدة مرات العودة إلى الأسواق الغربية من خلال مشاريع محدودة مثل Outriders وLife is Strange، إلا أن النتائج المالية لم تكن بالمستوى المتوقع.
ومع تزايد المنافسة وارتفاع تكاليف التطوير، يبدو أن الشركة وجدت في الذكاء الاصطناعي مخرجًا استراتيجيًا لتقليص الاعتماد على القوى العاملة المكلفة في أوروبا وأمريكا.

رغم أن الشركة تروّج لخطة التحول باعتبارها خطوة نحو "الكفاءة والإبداع المدعوم بالذكاء الاصطناعي"، فإن القرار أثار قلقًا واسعًا بين العاملين والمطورين في الصناعة.
فألعاب سكوير إينكس لطالما اشتهرت بطابعها الإنساني والدرامي العميق، وهو ما يخشى البعض أن يتراجع إذا أُوكلت المهام الإبداعية إلى خوارزميات لا تفهم المشاعر والسرد بنفس العمق.

بعض المحللين وصفوا الخطوة بأنها مجازفة خطيرة قد تؤدي إلى فقدان التنوع الثقافي في أعمال الشركة.
فاستوديوهاتها الغربية، مثل Eidos وCrystal Dynamics، كانت وراء نجاحات كبيرة كـTomb Raider وDeus Ex، التي منحت سكوير إينكس طابعًا عالميًا متوازنًا بين الشرق والغرب.
ومع رحيل هذه الفرق، قد تقتصر هوية الشركة على الطابع الياباني فقط، ما يُقلّل من جاذبيتها في الأسواق الغربية.

من الواضح أن سكوير إينكس تسعى لتأسيس نموذج تطوير جديد قائم على الذكاء الاصطناعي في اليابان، وربما تُصبح هذه التجربة نموذجًا تحتذي به شركات أخرى إذا أثبتت نجاحها.
لكن حتى الآن، تبقى الأسئلة قائمة:
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعوّض الخبرة البشرية في بناء عوالم الألعاب وسرد القصص؟ وهل تستطيع سكوير إينكس الحفاظ على جودتها التاريخية وسط موجة الأتمتة؟

الإجابات لم تتضح بعد، لكن المؤكد أن ما يحدث اليوم يُمثّل فصلًا جديدًا في تاريخ واحدة من أعرق شركات الألعاب في العالم — فصلًا يُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة في صناعة الترفيه التفاعلي.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي صناعة الألعاب اليابان تطوير الألعاب على الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الجامعة التنموية في عصر الذكاء الاصطناعي: عقل الأمة ومحرك مستقبلها

#الجامعة_التنموية في #عصر_الذكاء_الاصطناعي: عقل الأمة ومحرك مستقبلها
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم

نحن نعيش في زمن السرعة والتكنولوجيا، ففي الوقت الذي تتسابق فيه الأفكار كما الضوء، وتتبدّل فيه مفاهيم التعليم والعمل تحت ضغط ثورة الذكاء الاصطناعي، لم تعد الجامعة مجرد منبرٍ للعلم، بل أصبحت عقلَ الأمة وضميرَها الحي. ولا يبدو العالم كما كان، فهذا العالم المتحوّل الذي تُقاس فيه قوة الدول بعقول أبنائها لا بعدد مصانعها، تغدو الجامعة التنموية الحقيقية هي البوصلة التي توجه الوطن نحو مستقبلٍ يصنعه العلم لا يُملى عليه.

وقد عبّر جلالة الملك عبد الله الثاني عن جوهر هذا التحوّل حين قال: “لا يمكن للأمم أن تتقدم إلا إذا استثمرت في عقول شبابها، فهم الثروة الحقيقية والضمانة للمستقبل.” فالمستقبل اليوم لا يُبنى بالحجارة بل بالمعرفة، ولا يُقاس بارتفاع الأبراج بل بعمق الفكر. والجامعة التنموية هي التي تدرك أن التنمية ليست في الجدران، بل في الإنسان، وأن الذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للعقل البشري بل شريكًا في توسيع آفاقه.

وهاهي الثورة الصناعية الرابعة قد شارفت على الأفول لتبدأ الثورة التقنية الخامسة، حيث تتبدل أدوار الجامعات من مراكز تلقينٍ إلى منصات إبداعٍ، ومن مؤسسات شهاداتٍ إلى مصانع أفكارٍ. من هنا تتجلى رؤية سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني الذي قال: “التكنولوجيا إن لم تكن وسيلة لخدمة الإنسان، فهي عبء عليه.” إنها دعوة عميقة لأنسنة المعرفة، بحيث تبقى الجامعة خادمةً للإنسان لا عبداً للتقنية، وأن يكون التقدم الرقمي جسرًا إلى الوعي لا جدارًا يعزله.

مقالات ذات صلة الانزياح المفهومي..وعيال جوردن) 2025/11/08

ولا بد من الإشارة بأن التحديات أمام هذا النموذج الجامعي كثيرة، تبدأ بفجوة رقمية تتسع بين الأجيال، وتمر بجمود بعض المناهج أمام زحف الحداثة، ولا تنتهي عند ضعف الصلة بين التعليم وسوق العمل. ومع ذلك، فإن الرؤية الهاشمية لطالما أكدت أن النهضة لا تتحقق إلا حين تتناغم مخرجات التعليم مع احتياجات التنمية. وكما قال جلالة الملك: “لا نريد جامعات تُخرّج عاطلين عن العمل، بل نريد جامعات تصنع فرصًا وتنتج حلولًا.” إنها رسالة بليغة تختصر فلسفة الجامعة التنموية التي يجب أن تكون بيتًا للحلول لا مصنعا للشهادات.

أما الأمير الحسن بن طلال، فكان دائم التأكيد على أن الجامعة يجب أن تكون “ضمير الأمة وعقلها المتقد”. فليست الجامعة بناياتٍ ومختبراتٍ فحسب، بل فضاءٌ روحيٌّ وفكريٌّ يجمع بين البحث والتأمل، بين الإبداع والمسؤولية، وبين العلم والقيم. إنها منصة تُعيد تعريف التنمية لا كمفهومٍ اقتصادي ضيق، بل كحالةٍ إنسانيةٍ متكاملة تنهض بالإنسان والبيئة والاقتصاد في منظومةٍ واحدةٍ متناسقة.

ولكي تكون الجامعة التنموية نموذجية في أدائها، لا بد أن تقوم على أسسٍ ثلاث: أولها شراكةٌ حقيقية مع المجتمع والقطاعين العام والخاص لإنتاج المعرفة وتطبيقها؛ وثانيها دعم البحث العلمي التطبيقي الذي يخدم احتياجات الوطن قبل سباق التصنيفات العالمية؛ وثالثها تمكين الشباب وتحرير طاقاتهم عبر بيئةٍ جامعيةٍ مرنةٍ ومفتوحةٍ، تُحفّز الإبداع وتربط الفكر بالإنتاج.

ولعلّ كلمات سمو ولي العهد الأمير الحسين تختصر جوهر هذا التحول حين قال: “جيلنا ليس أمامه خيار سوى أن يكون صانعًا للتغيير، لا متفرجًا عليه.” تلك هي روح الجامعة التنموية التي تبث في طلبتها ثقافة المبادرة، وتزرع فيهم شغف الإسهام في بناء الوطن، مؤمنةً بأن المستقبل لا يُنتظر بل يُصنع بالإرادة والعلم والعمل.

وهكذا، في عالمٍ تتغير فيه الخوارزميات أسرع من المناهج، وتتحول فيه الأفكار إلى ثروات، تظل الجامعة التنموية حصنَ العقل ورافعةَ الأمة. إنها جسرٌ بين الحلم والواقع، بين الفكر والفعل، بين الإنسان وما يمكن أن يكون عليه إن أُتيح له أن يفكر بحرية ويبدع بمسؤولية. ففي قاعاتها تُكتب فصول المستقبل، وعلى مقاعدها يجلس صُنّاع الغد الذين سيُعيدون للوطن مجده، وللعلم رسالته، وللإنسان مكانته في عالمٍ يقوده الذكاء… لكن يضيئه الضمير.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. حرب باردة جديدة تعيد تشكيل العالم
  • الذكاء الاصطناعي في طريقه إلى ما يفوق الذكاء
  • التقنيات الناشئة .. أوسع من الذكاء الاصطناعي
  • ناشرون: الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الإبداع الروائي
  • محافظ الغربية يستقبل وفد الشركة المصرية للتنمية الزراعية والريفية
  • مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى واعتقال 20 فلسطينيا من مدن الضفة الغربية
  • الخشت يحذر من غرف صدى خوارزميات الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يخلق 16 وظيفة جديدة في سوق العمل
  • الجامعة التنموية في عصر الذكاء الاصطناعي: عقل الأمة ومحرك مستقبلها