وصف سياسيون وحقوقيون وناشطون يمنيون اعتقال ميليشيا الحوثي الإيرانية لأكاديميين وشخصيات وطنية بارزة، بأنه "جريمة وعار في جبين هذه الجماعة التي تمارس أبشع الانتهاكات ضد المواطنين والرموز الوطنية". 

وأكدوا أن استمرار احتجاز هؤلاء يُثير قلقاً بالغاً في الأوساط الوطنية والحقوقية، لافتين إلى أن "اعتقال العقل واستنفاد اليمن لرصيده من الحكمة في سجون السلطات في شمال الوطن وجنوبه وشرقه وغربه" يُعدّ مأساة وطنية.

وأشاروا إلى أن عملية استدعاء الدكتور حمود العودي والأستاذ عبد الرحمن العلفي وأنور خالد شعب للتحقيق لدى جهاز الأمن والمخابرات في صنعاء، واعتقالهم بعدها، تعكس ما وصفوه بأن الجماعة فقدت السيطرة وبدأت تلجأ إلى القمع كبديل عن الحوار والشرعية.

أوضاع صحية صعبة

جدد سياسيون وحقوقيون وناشطون إدانتهم الشديدة بما وصفوه "اعتقالاً جائراً" لثلاث شخصيات وطنية بارزة: الدكتور حمود العودي، الأستاذ عبد الرحمن العلفي، والأستاذ أنور خالد شعب، محمّلين ميليشيا الحوثي كامل المسؤولية عن تدهور أوضاعهم الصحية التي هي أصلاً في غاية السوء.

وأكد البيان أن اعتقال الدكتور العودي، الذي تجاوز الخامسة والثمانين من العمر ويعاني من ظروف صحّية بالغة سوءاً، بمثابة "جريمة ضد الإنسانية"، برغم أن أي نيابة تحترم القانون لا يمكن أن تقبل بسجن رجل في مثل هذا العمر.

كما ذكّر البيان بأن المهندس العلفي فقد إحدى عينيه نتيجة منع السفر للعلاج، وأجرى عدة عمليات قلب مفتوح ويحتاج إلى علاج دائم، بالإضافة إلى أن أوضاعه الصحية لا تسمح بالبقاء في الاعتقال، وكذلك الحال مع أنور خالد شعب الذي يعاني من حالة صحّية حرجة.

وأشاد البيان بأن هؤلاء الثلاثة يشكّلون جزءاً من "الرصيد الوطني لصناعة السلام في اليمن"، نظراً لإسهاماتهم في تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع، ودورهم في فتح الطرقات المغلقة بين المحافظات، مما يجعل اعتقالهم ليس فقط جريمة بحق الأفراد بل بحق المشروع الوطني بأكمله.

جريمة بحق الكلمة 

وصف الكاتب والصحفي اليمني البارز عبدالباري طاهر، حملة الاعتقالات التي نفّذتها الميليشيات الحوثية بحق المفكر والأكاديمي الدكتور حمود العودي وزميليه بأنها "جريمة بحق الكلمة الحرة والعقل النقدي".

وأوضح طاهر أن العودي "علَمٌ من أعلام اليمن، وأحد أبرز علماء الاجتماع الذين نذروا أنفسهم للمعرفة والعلم"، لافتًا إلى أن العودي تصدّى منذ ثمانينيات القرن الماضي لتيارات الإسلام السياسي السلفية وتعرّض للملاحقة والتكفير وحتى محاولة القتل داخل جامعة صنعاء، ما اضطره للتواري لفترة.

وأضاف أن اعتقال العودي وزملائه يأتي بسبب نشاطهم الثقافي والفكري في منتدى "دال" الذي أسسه العودي في منزله، والذي دعا إلى السلام والمدنية والتعايش. واعتبر طاهر أن "ما يجري من اعتقالات تعسفية ومصادرة للحريات العامة يعكس هشاشة السلطة وضعفها، وأن هذا النهج هو طريق الهلاك الذي سلكه كل الحكام الظلماء من قبل".

وختم بدعوة الضمائر الحيّة داخل اليمن والعالم العربي والإسلامي، وكذلك المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، إلى إدانة جرائم الاعتقال والاختطاف والاختفاء القسري التي تشهدها صنعاء وبقية مناطق اليمن، مؤكداً أن "الكلمة الحرة لن تُسكت، وأن القمع لا يصنع سلطة شرعية".

تعرية الذرائع

ومن جهته، قال الكاتب الصحفي محمد الخامري إن احتجاز الدكتور حمود العودي، الذي اشتهر بدعوته للسلام وحياديته التامة ونزوعه للحوار الحضاري بعيداً عن الانحياز لأي طرف، "لا يمكن أن يكون خطوة قانونية، ولا يمكن تبريره نهائياً، بل هو سلوك يشبه تصرفات العصابات لا ممارسات حكومية مسؤولة، كما تُقدّم نفسها حكومة صنعاء".

وأضاف: "استهداف رموز الفكر والأدب والدعوة السلمية لا يضعهم فقط في كفالة الضمير الوطني، بل يعرِّى أي ذريعة تُطرح باسم الأمن أو الاستقرار، ويحوّل الجهات القائمة في صنعاء إلى جهة تُخشى، كأي بلطجي يملك سلاح لا دولة تحمل هيبة النظام والقانون".

وانتهى الخامري بنداءٍ للقائمين على السلطة في صنعاء بأن "يتصرفوا بمسؤولية وطنية وقيم أخلاقية يمنية، ويطلقوا سراح الدكتور حمود العودي وزملائه المهندس عبد الرحمن العلفي وأنور خالد شعب، ويصحّحوا هذا الانحراف الذي يسيء إليهم قبل غيرهم، لأن الاستمرار في مثل هذه الإجراءات يُفاقم الاحتقان ضدهم، ويقوّض أي مقاربة للسلام، ويستبعد أي مصالحة يمكن أن تحصل بين الأطراف اليمنية، ويضع الجهات المسيطرة في مواجهة ضمير المجتمع الدولي والمحلي؛ وستُسجّل أفعالكم كدليل قاطع على غياب الحكمة والمسؤولية وممارسات الدولة".

رعب السلطة 

اعتبر النائب البرلماني أحمد سيف حاشد أن الاعتقالات التي نفّذتها سلطة صنعاء بحق شخصيات أكاديمية وسياسية بارزة تمثل "حمقاً متضاعفاً"، محذراً من تداعيات سياسية واجتماعية خطيرة قد تُعجّل بما يُخشى حدوثه.

وقال حاشد تعليقًا على قيام السلطة باعتقال الدكتور العودي وعبد الرحمن العلفي وأنور شعب بعد استدعائهم: "ما يحدث في صنعاء من اعتقالات حمق يتضاعف ويضاعف الاحتقان والتراكمات". وأضاف أن عمليات الاعتقال المتزايدة تُشِر إلى "انسداد سياسي ونوبات مخاوف تتحول إلى جنون سيكون له تداعياته وتعجيل ما يُخشى حدوثه".

كما ربط الناشط السياحي عادل الشبحي بين هذا الاعتقال وأزمة الثقة التي تواجهها جماعة الحوثي، مستدلاً بأن "اعتقال الدكتور حمود العودي هو أكاديمي مسن لم يكن طرفاً قط في الصراع أو الحرب ضد الحوثيين، بل حاول أن يبقى في علاقة مع سلطة صنعاء". 

وأضاف أن "هذا السلوك دليل على الفكر والمنهج الذي تتّبعه الجماعة ومدى تعايشها مع الشعب بكل شرائحه، وشمل قمعها الجميع أطفالاً ونساءً والمجتمع المدني والأكاديميين". وخلص إلى أن "جماعة الحوثي خطر على صنعاء وعدن وصعدة، وعلى القوى السياسية في الداخل وعلى الإقليم، فمن الصعب التعايش معها، ومن المستحيل أن يُحل السلام بوجودها في الصدارة مدججة بمليشياتها بالسلاح".

وقالت منظمة سام للحقوق والحريات إن ما جرى انتهاك جسيم لحقوق الإنسان"، ويعكس "تصاعدًا خطيرًا في سياسة استهداف الأصوات الفكرية والمجتمعية في صنعاء". وأضافت أن هذا الإجراء يُشكل انتهاكًا للمادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وللمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، محمّلة جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن سلامتهم الجسدية والنفسية.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: خالد شعب فی صنعاء إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما يجري في سجون الاحتلال وصمة عار على جبين الإنسانية

أتت إقالة المدعية العامة العسكرية للكيان الصهيوني يفعات تومر يروشالمي من منصبها قبل عدة أيام؛ نتيجة سماحها بتسريب مقاطع مصورة من قاعدة سدي تيمان سيئة السمعة في صحراء النقب ـ دفاعًا عن مؤسستها ـ، تظهر اعتداء غير أخلاقي وتعذيبًا وحشيًا بحق أسير فلسطيني، لتؤكد للرأي العام العالمي حقيقة ممارسات وجرائم جيش الكيان الصهيوني المجرم، وأجهزته الأمنية تجاه الأسرى الفلسطينيين. وهذا ما ذكرته المؤسسات الحقوقية الفلسطينية وبعض المؤسسات الحقوقية الدولية والإسرائيلية النزيهة، وروايات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من تعرضهم لأبشع أشكال التعذيب.

فمنذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م تعرض الأسرى الفلسطينيون لكل ما يمكن أن يتخيله العقل البشري من طرق التعذيب، كالضرب العنيف المستمر، وصب الماء المغلي على الوجوه، وتكسير الأضلاع، وأنواع أخرى من التعذيب غير الأخلاقي -والتي لا يسمح المقام هنا بذكرها- إضافة إلى انتشار الأوبئة والجرائم الطبية، والتجويع وإهانة المعتقلين بشكل منهجي، والضرب حتى الموت ما أدى إلى استشهاد العشرات من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. وهذا ما أكدته مظاهر المعتقلين المفرج عنهم؛ حيث كانت آثار الضرب والتعذيب واضحة على أجسادهم، كالكسور والجروح وآثار السحل على الأرض، وآثار القيود وبتر الأطراف إضافة إلى فقدانهم لنصف أوزانهم تقريبًا، وعدم قدرة الكثير منهم حتى على المشي من آثار هذا التعذيب الوحشي الذي يدل على حقد عميق وانعدام الأخلاق كليًا لدى سجانيهم وكبار مسؤولي هذا الكيان المجرم.

وقد ظهرت هذه المناظر المروعة لجثث الأسرى الفلسطينيين التي تم استلامها مشوهة من آثار التعذيب، والتي كان عدد كبير منها مقطوع الرأس والأطراف ومكسور الأضلاع. وبالعودة قليلًا إلى تاريخ اعتقال الكيان الصهيوني المحتل للفلسطينيين، ووفق معطيات مؤسسات الأسرى الفلسطينية؛ فإن عدد حالات الاعتقال بين الفلسطينيين منذ عام ١٩٦٧م حتى نهاية العام ٢٠٢٤م بلغ نحو مليون فلسطيني بينهم أكثر من ٥٠ ألف حالة اعتقال سُجلت في صفوف الأطفال دون سن ١٨ عامًا، وأكثر من ١٧ ألف حالة اعتقال لفتيات ونساء بينهم أمهات.

واستنادًا إلى بيانات هذه المؤسسات حول الاعتقال الإداري منذ العام ١٩٦٧م؛ فقد صدر أكثر من ٦٠ ألف أمر اعتقال إداري بحق أسرى فلسطينيين، وهو اعتقال لعدة أشهر قابل للتمديد بدون تهمة أو سقف زمني لمعتقلين أغلبهم مدنيون. ويقبع حاليًا في سجون الكيان الصهيوني أكثر من ١٠ آلاف أسير يتعرضون لأشكال مروعة من التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي، والمعاملة الحاطة بالكرامة، وبشكل منهجي، وعلى مرأى ومسمع العالم كله، وفي مقدمة دول العالم هذه الدول العربية والإسلامية، وكذلك الغربية التي كشفت أحداث السابع من أكتوبر مدى ازدواجية المعايير لديها، وخاصة في ملف حقوق الإنسان الذي كانت تدعي زورًا أنها حامية له.

لقد غابت التعليقات الرسمية الغربية على مشاهد التنكيل والتعذيب الوحشي للفلسطينيين الأسرى، والتي تسربت من سجون ومراكز اعتقال الكيان الصهيوني المجرم. فلم تجرؤ الحكومات الغربية ـ التي طالما تشدقت بحقوق الإنسان ـ على التعليق على هذه المشاهد المروعة، وتجاهلتها عمدًا ما يدل على ازدواجية في المعايير والأخلاق. لكنها بالمقابل أقامت الدنيا ولم تقعدها على عشرات من الأسرى الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس؛ بهدف مقايضتهم بالأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة.

وكانت حريصة ـ بشهادة الأسرى أنفسهم ـ على معاملتهم معاملة حسنة والحفاظ على أرواحهم بالرغم من الظروف الوحشية القاسية التي فرضتها آلة الحرب الصهيونية على قطاع غزة، والإبادة الجماعية التي تعرض لها القطاع ما تسبب في وفاة عدد منهم تحت الأنقاض؛ نتيجة للقصف الإجرامي العنيف الذي تعرض له القطاع، وشمل البشر والحجر.

لقد جرم القانون الدولي في كل أدبياته ونصوصه التعذيب؛ حيث يعد التعذيب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وهي محظورة تمامًا، ولا يمكن تبريرها تحت أي ظرف. فقد فرض كل من القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان حظرًا مطلقًا على التعذيب، وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو المهينة أو الاعتداء على الكرامة الشخصية، وذلك وفق نص المادة (١٧) من اتفاقية جنيف الثالثة للعام ١٩٤٩م، والبروتوكول الإضافي الثاني للعام ١٩٧٧م، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة لعام ١٩٨٤م، وكذلك ما نصت عليه المادة (٧) المعنية بالجرائم ضد الإنسانية، والمادة (٨) المعنية بجرائم الحرب من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من الصكوك الدولية.

لقد أكدت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيز، ومنظمة هيومن رايتس واتش ومنظمة العفو الدولية، والعديد من المنظمات الدولية والإسرائيلية غير الربحية إدانتها لهذا التعذيب المنهجي للفلسطينيين الذي يعد وصمة عار على جبين الإنسانية. ولكن ما شجع الكيان الصهيوني المجرم على الاستمرار في جرائمه هذه هو السكوت المشين للولايات المتحدة والحكومات الغربية عن الإشارة لهذه الجرائم، وكأنها لم تحدث، والدفاع المستميت الظالم لهذه الحكومات عن كل ما يصدر عن الكيان المجرم، ومعاملته ككيان فوق القانون الدولي محصن ضد أية مساءلة.

ولكن ما يثير الأسى والحزن حقًا أن النظام الرسمي العربي نفسه تجاهل هذه الجرائم البشعة، ولم يكلف نفسه حتى عناء الشجب والتنديد المعتاد. فهل بعد هذا يمكن أن نعتقد أن هناك من يضع وزنًا لهذا النظام الرسمي العربي الذي لم يملك حتى الجرأة على التنديد بهذه الجرائم؟

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تعيد تنظيم عملها الإنساني من عدن بعد التصعيد الحوثي في صنعاء
  • ما يجري في سجون الاحتلال وصمة عار على جبين الإنسانية
  • صحفيات بلاقيود: اختطاف الدكتور العودي جريمة جديدة في مسلسل القمع الحوثي
  • ميون: الحوثي يجهز على ما تبقى من الفضاء المدني ويخنق جهود السلام
  • بيان حول اختطاف الدكتور حمود العودي في صنعاء.. حين يتحول الإستدعاء إلى اعتقال ثم اخفاء قسري
  • منظمة حقوقية: احتجاز "حمود العودي" يعكس تصعيدا خطيرا لاستهداف الأصوات الفكرية في صنعاء
  • صنعاء.. مخابرات الحوثي تخفي أستاذ جامعي بارز بعد استدعائه للتحقيق
  • الحوثيون يستدعون الدكتور حمود العودي ويخفونه قسريا
  • عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني: ممارسات مليشيا الحوثي تعرقل مسار السلام والتنمية