البيت الأبيض ينفي الموافقة على إنشاء قاعدة أميركية مؤقتة قرب غزة
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
البيت الأبيض ينفي الموافقة على إنشاء قاعدة أميركية مؤقتة قرب غزة.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
كلفة استقبال الشرع في البيت الأبيض ومكاسبه
حين تنشر هذه المقالة يكون أحمد الشرع قد التقى في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هي زيارة تاريخية بلا شك من أكثر من وجه، فصّلت وسائل الإعلام في الإشارة إليها بما يعفينا من تكرارها. فإذا تجاوزنا صخب إعلام سلطة دمشق ومؤيدي السلطة على وسائل التواصل الاجتماعي في الاحتفال المبالغ بها، وركزنا على ثمن اللقاء بالرئيس الأمريكي والمكاسب المرجوة منه، لرأينا مجموعة عناوين ستشكل مضمون المباحثات بين الرجلين.
لنبدأ بالمكاسب المباشرة: إن مجرد حدوث اللقاء في البيت الأبيض يعزز شرعية الشرع كرئيس مؤقت لسوريا ما بعد الأسد، ويمنحه قوة معنوية إزاء خصومه أو منافسيه المفترضين، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية التي كانت قيادتها تأمل في المشاركة في الوفد المرافق للشرع وفشلت مساعيها في تحقيق ذلك. وقد تشكل هذه الزيارة مدخلاً لرفع اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب كما قيل إنه مطروح فعلاً على طاولة البحث حالياً. وقبل الزيارة تمكنت واشنطن من إقناع مجلس الأمن برفع العقوبات المفروضة على الشرع ووزير داخليته بسبب علاقتهما السابقة بمنظمة القاعدة.
يبقى في اليد موضوع رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا وإدخالها في نظام السويفت لفتح باب المساعدات والاستثمارات الدولية التي تحتاجها السلطة بصورة ملحة، كمجرد أمل لا نعرف متى يمكن تحقيقه. كذا يأمل الشرع في الحصول على دعم سياسي يشكل جدار حماية في مواجهة العربدة الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ سقوط نظام الأسد، وفي سحب المظلة الأمريكية عن قسد والضغط عليها بهدف إخضاعها لسلطة دمشق. في هذه الأبواب ليس ثمة مكاسب محققة بل مجرد آمال دون تحقيقها اشتراطات صعبة.
أما من حيث الأكلاف فيمكن تلخيصها بعدد من العناوين: أولها القطع النهائي مع الماضي الجهادي، وما ينطوي عليه ذلك من صراعات دامية محتملة مع الشركاء الذين أوصلوا الشرع والنخبة المحيطة به إلى حكم سوريا. وقد رأينا بروفا تجريبية مصغرة لهذه «الوظيفة المنزلية» في الصدام مع فصيل الغرباء المكون من جهاديين فرنسيين، انتهت بالفشل من غير أن يعني ذلك أن محاولات أخرى لن تجري مع الفصيل نفسه أو فصائل أخرى بعد حين. فإدخال سلطة دمشق في التحالف الدولي لمحاربة داعش سيتطلب تفكيك الفصائل الموسومة بالإرهاب من قبل التحالف.
وعلى أي حال أعلنت وزارة داخلية الشرع عن حملة مستمرة ضد خلايا لداعش في مدينة حمص وأريافها بصورة متزامنة مع زيارة الشرع المرتقبة إلى واشنطن. كما سبق للسلطة أن اعتقلت مسؤولي مكتب منظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في دمشق وطردتهم، قبل بضعة أشهر، بدعوى علاقتهم مع إيران في إطار الاشتراطات الأمريكية للتعاطي معها.
أما بخصوص الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وسعي السلطة لإبرام اتفاق أمني، تأمل السلطة أن تنسحب القوات الإسرائيلية بموجبه إلى حدود اتفاق فض الاشتباك للعام 1974، فمن المحتمل أن سبب الفشل في التوافق عليه بعد ثلاث جولات من المفاوضات هو رغبة إسرائيل في فرض نص يطوي المطالبة السورية بالأراضي المحتلة منذ العام 1967، وربما يشرعن أيضاً احتلال إسرائيل المستجد لجبل الشيخ.
وأوردت تقارير إعلامية عن نية الإدارة الأمريكية في إنشاء قاعدة عسكرية في العاصمة دمشق أو في جوارها القريب، بهدف منح إسرائيل تطمينات للحصول على موافقتها على الاتفاق الأمني، وربما لتنسيق العمليات الاستخبارية مع دمشق في إطار التحالف الدولي الذي من المفترض أن تنضم إليه سلطة الشرع، ومن باب آخر لموازنة الوجود العسكري الروسي في سوريا الذي تم تكريس استمراره أثناء زيارة الشرع لموسكو.
في موضوع قوات سوريا الديمقراطية، ليس ثمة أي إشارة إلى نية واشنطن في سحب وجودها العسكري من شرق الفرات ومنطقة التنف. وتسعى واشنطن إلى إيجاد صيغة للتعامل مع الوضع بما لا يثير حفيظة تركيا ولكن من غير تسليم عنق قسد لسلطة دمشق، من خلال الضغط على الطرفين للتوافق على شكل اندماج قسد مع وزارة دفاع الشرع. وتظهر إشارات متضاربة بهذا الخصوص، الأمر الذي يفهم منه مراهنة كل طرف على تغييرات محتملة في المشهد السياسي.
حين تصافح رجلاً كترامب، يحسن بك أن تتفقد ذراعك، فربما خسرتها!
كذلك تتواتر معلومات عن ضغط أمريكي لإحداث تفاهم إسرائيلي ـ تركي حول تقاسم النفوذ على الجغرافيا السورية، وعن عزم تركيا على إنشاء قواعد عسكرية جديدة خارج الشريط الحدودي في الشمال في إطار الاتفاق العسكري مع سلطة دمشق، الأمر الذي تعذر في محاولات سابقة بسبب استهدافها بطائرات إسرائيلية.
إذا نظرنا إلى مجموع هذه التطورات الجديدة أو المحتمل حدوثها قريباً، لرأينا أن ثمن دخول الشرع البيت الأبيض سيكون باهظاً جداً على سوريا التي يتم تقاسم النفوذ العسكري فوق أراضيها بين روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل، في حين تسعى سلطة دمشق لاتباع نموذج ليبرالي منفتح تتقاسم فيه «الكعكة السورية» دول وشركات عابرة للحدود في الوقت الذي يئن فيه السوريون جوعاً وعوزاً.
قبيل زيارة أردوغان إلى واشنطن، في شهر أيلول الماضي، كشف زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزال عن استقبال الرئيس التركي لنجل ترامب، دونالد ترامب الابن، في قصر دولمة بهجة في إسطنبول، وقال إن أردوغان قد وعد ضيفه بشراء 300 طائرة ركاب من طراز بوينغ مقابل الحصول على موعد للقاء بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، إضافة إلى صفقات أخرى لشراء طائرات حربية من طراز F16. علماً أن أردوغان كان قد طلب هذا اللقاء منذ تنصيب ترامب في ولايته الثانية، وكان يأمل تحقيقها في شهر نيسان. معروف أن شركات علاقات عامة تحصل على مبالغ طائلة من زعماء العالم الذين يرغبون بلقاء الرئيس الأمريكي. أما مع ترامب فترتفع الكلفة أكثر.
فإذا كانت هذه هي الحال مع رئيس دولة إقليمية قوية وعضو في حلف الناتو، فلنا أن نتخيل تكاليف «اقتناص» دعوة من ترامب من قبل دولة صغيرة ومدمرة كسوريا ورئيس مؤقت بسلطة هشة كسلطة الشرع. وهو اقتناص لا علاقة له طبعاً بجهود دبلوماسية منها بل بفضل جهود إحدى الدول الحاضنة.
حين تصافح رجلاً كترامب، يحسن بك أن تتفقد ذراعك، فربما خسرتها!
القدس العربي