محللون: قانون الإعدام تشريع للعنصرية وشرعنة لجرائم الحرب الإسرائيلية
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
لم يكن تصويت الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين حدثا عابرا في سياق الحرب على غزة، بل خطوة تُقنّن رسميا ممارسة ميدانية ظلّت لعقود خارج النصوص.
فالقانون المقترح الذي دفع به وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وحظي بتأييد أحزاب اليمين المتطرف، يفتح بابا جديدا لتكريس منظومة تمييز ممنهجة، تنقل جرائم الحرب من واقع التنفيذ إلى بنية التشريع.
وفي قراءة قانونية للأمر، يرى الدكتور حسن جبارين، مدير مركز عدالة الحقوقي، أن مشروع القانون ليس تعديلا عابرا في منظومة العقوبات الإسرائيلية، بل خطوة لتوسيع نطاق الإعدام بما يتجاوز الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون، وجعلها قابلة للتطبيق حصريا على الفلسطينيين.
ويوضح في حديثه لبرنامج ما وراء الخبر أن ما يُعرض اليوم أمام الكنيست "ينزع صفة المساواة" بين المواطنين داخل إسرائيل، ويجعل الفلسطيني وحده خاضعا لعقوبة الإعدام في سياق سياسي محدد، الأمر الذي يُكرّس "منظومة أبارتايد تشريعية" مكتملة.
ويشير جبارين إلى أن سلطات الاحتلال مارست فعليا الإعدام الميداني منذ سنوات طويلة من دون محاسبة، لكن الفرق الآن أن الجريمة تتحول إلى قانون.
فبمجرد أن يصبح النص نافذا، سيُمنح القضاة العسكريون صلاحية إنزال حكم الإعدام في قضايا تُحدّدها القيادة السياسية والأمنية، ما يعني -برأيه- أن الدولة لم تعد تكتفي بالتغاضي عن القتل، بل تشرّعه وتحوّله إلى سياسة دولة.
إبادة منظمةأما الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، فيرى أن تبنّي هذا التشريع يشكّل تجسيدا لإبادة منظمة ضد الشعب الفلسطيني، لأن جوهره يقوم على تحويل منطق الحرب إلى قانون دائم.
ويقول إن إسرائيل انتقلت من الاغتيال الميداني إلى تقنينه، لتصبح عقوبة الموت وسيلة لإدارة الصراع، لا أداة عدالة.
إعلانويضيف أن تمرير المشروع في هذا التوقيت يعكس طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تضمّ أشد تيارات اليمين تطرفا، معتبرا أن هدفها ليس الردع، بل شرعنة القتل الجماعي ضمن نظام فاشي عنصري.
ويربط البرغوثي بين هذا المسار التشريعي وتزايد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، إذ يرى أن الخطاب الرسمي الإسرائيلي يغذّي الكراهية ويمنحها غطاء قانونيا.
ويؤكد أن القانون المقترح لن يردع المقاومة، بل سيزيد تمسك الفلسطينيين بحقهم في الدفاع عن أنفسهم، بينما يدفع المنطقة إلى مزيد من العنف المنظّم والمقونن.
وفي مقاربة أشمل للسياق السياسي، يوضح الدكتور زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بباريس، أن مشروع القانون يعكس حالة توظيف سياسي صريح للدم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي.
فالحكومة -كما يقول- تستخدمه لكسب جمهور اليمين الديني والقومي عبر خطاب الانتقام والردع، بينما تتجاهل تماما تداعياته الأمنية والإنسانية.
انتصار أيديولوجيويضيف أن نتنياهو وحلفاءه يدركون أن القانون قد لا يغيّر الواقع الميداني، لكنه يمنحهم انتصارا أيديولوجيا، إذ يربط الولاء للدولة بقبول فكرة الإعدام كأداة هوية قومية.
ويحذر ماجد من أن تمرير القانون سيخلق تفاعلات خطيرة، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تزال مترددة، لأن تطبيق الإعدام على أسرى قد يعقّد المفاوضات حول أي صفقات تبادل مستقبلية، ويعرّض الإسرائيليين المحتجزين لمصير مماثل.
ويتفق المحللون الثلاثة على أن خطورة المشروع لا تكمن في نصوصه فحسب، بل في دلالاته السياسية والأخلاقية، فهو يعبّر عن مرحلة جديدة من التشريع العنصري، تُكرّس التمييز داخل منظومة القضاء نفسها، وتحوّل القضاء العسكري إلى أداة للانتقام لا للمحاسبة.
ويرى جبارين أن ما يجري هو تحويل البنية القانونية الإسرائيلية إلى مؤسسة تضفي الشرعية على القتل، وهو ما يتناقض جذريا مع أبسط مبادئ العدالة الدولية.
وبينما تتباين المواقف الغربية الرسمية من المشروع، يرى ماجد أن الازدواجية في ردود الفعل الأوروبية والأميركية تمنح إسرائيل غطاء ضمنيا للمضيّ في هذا الاتجاه، فالمواقف التي تعبّر عن "قلق" بدون تبعات حقيقية، كما يقول، تُقرأ في تل أبيب كضوء أخضر لمواصلة التصعيد التشريعي والسياسي ضد الفلسطينيين.
وفي المحصلة، تبدو إسرائيل اليوم على عتبة مرحلة جديدة من "الأبارتايد المقنّن"، كما وصفها البرغوثي، حيث يصبح القانون أداة لحماية الجريمة لا لمساءلتها، ويغدو الإعدام عنوانا لتحوّل الفاشية من ممارسة متطرفة إلى نظام حكم معلن.
وبينما يحتفل اليمين بتصويت الكنيست، يرى محللون أن التشريع الجديد لا يكرّس الردع بقدر ما يفضح جوهر الدولة التي تصوغ قوانينها على مقاس الحرب، وتكتب فصول أبارتايدها القادم بحبرٍ من دماء ضحاياها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
فصائل المقاومة تدين إقرار قانون الإعدام بحق الأسرى وتؤكد أنه جريمة حرب جديدة
القدس المحتلة - صفا
أدانت فصائل المقاومة الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، تصديق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على قانون يقر عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين.
وقالت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إن تمرير مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، بعد وصمهم بـ"الإرهاب" في المحاكم الفاشية في الكيان الغاصب، إلزامياً، بالقراءة الأولى في الكنيست أمس، هو تصعيد إجرامي خطير ضمن سلسلة الإبادة والتطهير الممنهج الذي يمارسه الكيان بحق شعبنا الفلسطيني وفوق أرضه.
وأوضحت الحركة في بيان وصل وكالة "صفا"، أن هذا القانون يكشف جوهر هذا الكيان القائم على العنصرية والبطش والتنكيل، ويثبت أن جميع أجهزته، بما في ذلك الكنيست والنظام القضائي، هي أدوات إجرامية تستخدم للتنكيل بشعبنا.
وأضافت "في الوقت الذي تقوم فيه أجهزة الكيان الأمنية وجيش الاحتلال والمستوطنين بقتل أبناء شعبنا بلا مساءلة ولا محاكمة، يحاول الاحتلال من خلال السعي لتمرير هذا القانون فرض نظام قانوني مزدوج في الضفة، يدين الفلسطينيين ويمنح الحصانة الكاملة للمستوطنين والمحتلين".
وأشادت ببيانات ومواقف المؤسسات والحكومات التي أدانت هذا السلوك الإجرامي الجديد، مطالبة باتخاذ خطوات جدية للجم هذا الإجرام المتمادي، وملاحقة وزراء حكومة الكيان وأعضاء الكنيست الذين صوتوا لصالح تشريع هذه الجريمة أمام المحاكم الدولية بتهم التشجيع على ارتكاب جرائم حرب.
وأكدت أن أسرى شعبنا في سجون الاحتلال هم أمانة في أعناق أبناء شعبنا، ولن تدخر قوى المقاومة جهداً ولا وسيلة لإطلاق سراحهم، ونهيب بأبناء شعبنا تصعيد كل أشكال مقاومة هذا الكيان الذي يتكشف تدنيه الأخلاقي وطبيعته اللاإنسانية يوماً بعد يوم.
من جهتها، قالت لجان المقاومة في فلسطين، إن تصديق الكنيست الإسرائيلي على قانون يقر عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، جريمة حرب إسرائيلية جديدة تعبر عن العقلية الإجرامية والنزعة الانتقامية الصهيونية، وانعكاس للفاشية وتشريع لمجزرة صهيونية بحق أسرانا في السجون.
وأضافت "القانون الإسرائيلي العنصري بإعدام الأسرى الفلسطينيين يدوس على اتفاقية جنيف الثالثة والتي تلزم الموقعين عليها بما فيها الكيان الإسرائيلي بمعاملة أسرى الحرب بإنسانية تامة، ويحظر أي فعل يسبب الموت أو يهدد الصحة".
وأشارت اللجان إلى أن هذا القانون سيحول الأسرى الفلسطينيين إلى أهداف للإعدام الفوري، في انتهاك واضح وصارخ للقانون الدولي والإنساني.
ودعت المنظمات الدولية والأممية كافة لإطلاق حملة قانونية لإدانة هذا التشريع الإجرامي الانتقامي، وتشكيل لجان دولية لزيارة السجون الذين يعانون تحت وطأة المجرمين الصهاينة المتوحشين.
كما دعت اللجان، شعوب الأمة وكل أحرار العالم إلى ثورة شعبية وتحرك فاعل وعاجل من أجل وقف جرائمه البشعة التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي ووزارءه المتطرفين بحق أسرانا الأبطال والشعب الفلسطيني بأسره.
بدورها، أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن مصادقة الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على مشروع قانون يهدف إلى إعدام أسرى فلسطينيين، تُمثّل جريمة حرب مكتملة الأركان، وتُجسّد الطبيعة الفاشية والعنصرية لهذا الكيان الذي يواصل انحداره نحو مزيد من تشريع القتل، وإضفاء الصبغة القانونية على سياسات الإعدام الممنهج.
وقالت الجبهة، إن محاولة تمرير هذا القانون تُشكّل ضوءاً أخضر رسمياً لتوسيع ما يُمارس فعلياً داخل السجون من قتلٍ بطيء عبر التعذيب والإهمال الطبي والحرمان من العلاج.
وتابعت "فمن دون هذا القانون، استُشهِد عشرات الأسرى على مدى السنوات الماضية بقراراتٍ غير مُعلَنة تصدر عن منظومة أمنية يقودها مجرما الحرب بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير".
وأشارت إلى أن تمرير هذا القانون يؤكد مجدداً وجود سياسة إسرائيلية ممنهجة تنبع من عقلية إجرامية وعنصرية ترى في الفلسطيني هدفاً مباحاً، وقد تكشّفت خلال الأشهر الماضية من خلال جرائم التعذيب والتنكيل في معتقل سيدي تيمان، إلى جانب ما جرى الكشف عنه داخل السجن السري المعروف باسم "راكيفيت"، حيث يُحتجز المعتقلون في ظروف لا تليق بالبشر، في عزلة تامة، بلا شمس، وبلا غذاء كافٍ، وبلا قدرة على التواصل مع ذويهم.
ولفتت إلى أن مشروع القانون يبيّن توجهاً نحو تحويل المحاكم العسكرية الصهيونية إلى منظومة قتل مُشرعَنة تُضفي الشرعية على العنصرية والجرائم بحق الأسرى.
وحملت الجبهة المجتمع الدولي مسؤولية واضحة عن استمرار هذه الجرائم، إذ أن صمته وتخاذله يجعلان منه شريكاً فيها، خصوصاً أن الأسرى الفلسطينيين يتعرضون للقتل والتعذيب بشكلٍ متواصل، سواء جرى إقرار القانون أو لم يُقرّ.
ودعت المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والقوى الحيّة في العالم إلى التحرّك العاجل لوقف هذه التشريعات الفاشية، ومحاسبة المسؤولين عنها، وإجبار الاحتلال على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وبحقوق الأسرى وفق اتفاقيات جنيف، والعمل على تدويل قضية الأسرى واعتبارهم مقاتلين من أجل الحرية.