الجفاف والحشرات الغازية يقوضان غابات الصنوبر التاريخية في لبنان
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
لعدة قرون، كانت أشجار الصنوبر شامخة ووفيرة في قلب جنوبي لبنان، لكنها بدأت تواجه في السنوات الأخيرة تحديات كبيرة جراء الجفاف الناجم عن تغير المناخ وحشرات غازية، إذ باتت الغابات التي كانت شريان حياة لمجتمعات بأكملها عرضةً للتآكل.
طوال السنوات الماضية شهد مزارعو غابة بكاسين، إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء جزين، تراجعا في إنتاجهم من الصنوبر.
ويقول خبير صحة الغابات في جامعة الروح القدس كسليك الدكتور نبيل نمر إن "الأمر لا يقتصر على الثمار، فهذه الحشرة تهاجم المخروطات على مدى 3 سنوات، وهي لا تقلل من الإنتاجية فحسب، بل تقضي عليها تمامًا".
ويؤكد أنه في بعض الحالات يُترك ما يبلغ 82% من القرون التي تحمل البذور على شكل قشور فارغة، أما الأشجار التي أضعفتها آثار تغير المناخ فهي معرضة للخطر بشكل خاص.
ويقول نبيل نمر إن الحشرة التي تحمل الاسم العلمي "ليبتوجلوسوس أوكسيدنتليس" (Leptoglossus occidentalis) نشأت في الأصل في أميركا الوسطى، ويرجح أنها وصلت إلى لبنان عبر سفن ومراكب شحن خشبية، ومنذ ذلك الحين انتشرت عبر البحر الأبيض المتوسط إلى تركيا ومناطق أخرى.
وتعد محمية بكاسين، أكبر غابة صنوبر منتجة في الشرق الأوسط. ورغم أن هذه الأشجار توجد في مناطق أخرى من لبنان، فإنها ليست بالانتشار نفسه وليس لأغراض تجارية في الغالب.
لعقود عاشت عائلة ميلاد حرب على خيرات غابة الصنوبر، لكن الوضع تغير الآن. ويقول حرب لرويترز "ورثتُ هذا العمل. بنيتُ منه منزلي وربيت عائلتي. لكن الأشجار بدأت تموت، ومعها أسلوب حياتنا".
زُرعت معظم غابات الصنوبر في لبنان منذ مئات السنين. ولا تزال هذه الأشجار القديمة منتجة، إلا أن الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ جعلها أكثر عرضة للآفات والتآكل التدريجي.
إعلانويؤكد نبيل نمر أن "الشجرة السليمة قادرة على المقاومة، لكن عندما تعاني من العطش المتواصل جراء الجفاف لا تملك أي دفاع".
كانت غابة بكاسين موطنًا لنحو 100 ألف شجرة صنوبر منتجة، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكن سنوات من الإجهاد المناخي وإصابات الآفات أدتا إلى انخفاض أعدادها، حسب نمر، الذي يؤكد أن الجهود المبذولة لإعادة الزراعة كانت تهدف إلى تعويض تلك الخسائر، لكن لا توجد دراسات حديثة تقدم أرقاما جديدة دقيقة، وفق تقديره.
بالإضافة إلى الحشرة آكلة القرون المخروطية الحاملة للبذور، تُلحق الخنافس آكلة الخشب الضرر بأشجار الصنوبر أيضًا. وتنتشر الأشجار الميتة على أرض الغابة، مما يجذب المزيد من الآفات ويُسرّع من تدهورها.
كما أثّرت عقود من الاضطرابات السياسية والاقتصادية في لبنان سلبا على الوضع. فبعد الحرب الأهلية الطاحنة التي شهدتها البلاد بين عامي 1975 و1990، تلاشت إدارة الغابات التي تقودها الدولة، وقلت الرقابة على التحطيب وإزالة الأشجار.
ومنذ الانهيار الاقتصادي في عام 2019، ارتفعت عمليات قطع الأشجار غير القانونية وتراجعت الإنتاجية، كما ارتفعت أسعار السوق، وبات قلة من اللبنانيين لا يستطيعون تحمّلها، إذ يُباع الكيلوغرام من حبات الصنوبر الآن بحوالي 100 دولار بعد أن كان نحو 65 دولارًا قبل 5 سنوات.
ورغم الخطر المحدق بثروة غابات الصنوبر، فإن جهود مكافحة الآفات كانت بطيئة، فرشّ المبيدات يتطلب طائرات مروحية من الجيش اللبناني. وتؤدي التأخيرات اللوجستية إلى تفويت فرص المعالجة في كثير من الأحيان، وهي الفترة الحرجة التي تضع فيها الحشرات بيضها.
وكانت وزارة الزراعة اللبنانية قد أعلنت عن حملة رش وطنية في أغسطس/آب الماضي. لكن نبيل نمر يُحذّر من أنه من دون إستراتيجية أوسع تُشرك المزارعين أنفسهم، لن تكون هذه الحملة كافية.
في بكاسين يتعلم المزارعون كيفية تحديد الآفات والإبلاغ عن تفشيها والمشاركة في إدارة الغابات من خلال برامج تدريبية تقودها جامعة الروح القدس كسليك، ووزارة الزراعة اللبنانية، ومنظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وفي هذا السياق يقول نمر "علينا إدارة الغابة ككل. هذه ليست حديقة، وليست مزرعة، بل هي نظام بيئي حي".
وقبيل انعقاد مؤتمر المناخ "كون 30" (COP-30) في بيليم بالبرازيل هذا الشهر، أكد مسؤولون من الأمم المتحدة على أهمية حماية الغابات من الإصابة بالآفات وغيرها من المخاطر، ووصفوا الغابات بأنها "أقوى دفاع طبيعي على كوكب الأرض". وهو الدور الذي تقوم به غابة بكاسين التي تهددها الآفات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات تغي ر المناخ تغیر المناخ
إقرأ أيضاً:
نيابة عن رئيس الدولة.. آمنة الضحاك تترأس وفد الإمارات في قمة «بيليم للمناخ» بالبرازيل
نيابة عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ترأست معالي الدكتورة آمنة بنت عبد الله الضحاك، وزيرة التغير المناخي والبيئة وفداً إماراتياً رفيع المستوى خلال قمة «بيليم للمناخ» في البرازيل، بمشاركة رزان المبارك، المبعوث الخاص لوزير الخارجية لشؤون الطبيعة.
عقدت القمة يومي 6 و7 نوفمبر 2025 في منطقة الأمازون بدعوةٍ من الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وجمعت نخبة من رؤساء الدول والحكومات والوزراء وقادة المنظمات الدولية لمناقشة أبرز التحديات والالتزامات الرئيسية في مواجهة تغير المناخ.
وألقت معالي الدكتورة آمنة بنت عبد الله الضحاك، البيان الرسمي لدولة الإمارات في اليوم الأول للقمة، وشاركت كذلك في جلسة رفيعة المستوى حول تحوّل قطّاع الطاقة لمناقشة التحديات الملحّة التي يواجهها العالم اليوم.
من جانبها، سلطت رزان خليفة المبارك الضوء على التزام دولة الإمارات بالحلول القائمة على الطبيعة خلال إطلاق مبادرة «مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد».
وخلال إلقائها الكلمة الرسمية لدولة الإمارات، أشارت معالي الدكتورة الضحاك إلى أن الإمارات تضع الشفافية في صميم تنفيذ التزاماتها المناخية، وأنها تعمل على حصر الغازات الدفيئة الستة في تقرير الشفافية الخاص بها، ما يعزز استجابتها لتغير المناخ بفاعلية.
واستعرضت معاليها كذلك الجهود الوطنية في مواجهة التغير المناخي والتكيف معها من خلال العديد من مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة وتحول قطاع الزراعة والغذاء ومشاريع البنية التحتية لضمان تطبيق أفضل الممارسات وخلق نموذج عالمي متطور لتحقيق الاستدامة الشاملة في كل القطاعات.
ودعت معاليها جميع الأطراف إلى الانضمام للمسعى العالمي لمواجهة التغير المناخي من خلال تعزيز الشفافية ورفع سقف الطموحات المناخية من خلال المساهمات المحددة وطنياً.
كما أبرزت الضحاك دعوة الإمارات لجميع الدول لتكثيف الجهود والعمل المشترك لاعتماد المؤشرات التي ستمكن جميع الأطراف من قياس التقدم الجماعي في التكيف بشفافية ووضوح، مشيرة إلى الأهمية القصوى لتعزيز التمويل المناخي من خلال تحقيق «الهدف الكمي الجماعي الجديد» للتمويل المناخي، مؤكدة في الوقت نفسه على ضرورة زيادة القدرات لتحقيق الأهداف المناخية مع ضمان عدم ترك أحد خلف الركب.
كما شاركت دولة الإمارات، ممثلة برزان خليفة المبارك، المبعوثة الخاصة لوزير الخارجية لشؤون الطبيعة، في إطلاق مبادرة «مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد» الذي قاده الرئيس لولا في 6 نوفمبر.
وأعلنت المبارك عن تأييد دولة الإمارات لإعلان إطلاق المرفق، وسلطت الضوء على دور الدولة كداعم مبكر وعضو في اللجنة التوجيهية المؤقتة للمرفق، مؤكدةً عزم الدولة على «تعزيز الدبلوماسية والمناصرة السياسية، وحشد المستثمرين والشركاء ذوي التفكير المماثل، ودعم دول الغابات الاستوائية في جاهزيتها»، وهو ما يمثل استمراراً لريادة دولة الإمارات بموجب «اتفاق الإمارات» في مؤتمر الأطراف COP28 بوقف وعكس اتجاه إزالة الغابات العالمية بحلول عام 2030.
وقالت «إن حماية ما تبقى من الغابات الاستوائية في العالم ليست مسألة ضرورية فحسب، بل هي أساسية لصحة كوكبنا ومناخنا وللأجيال الحالية والمستقبلية. وبدونها، لا يوجد اتفاق باريس».
وفي 7 نوفمبر، وخلال جلسة بعنوان «تحول قطاع الطاقة»، أكدت معالي الدكتورة الضحاك على الأهمية الاستراتيجية لتحول قطاع الطاقة بشكل منصف يحقق أمن الطاقة ويضمن وصول الجميع إلى مواردها.
كما جددت معاليها التزام دولة الإمارات بالمساهمة الفاعلة في العمل المناخي والعالمي وجهود الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، وبمستهدفات اتفاق الإمارات الرامي إلى مضاعفة القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2030.
عقدت قمة بيليم للمناخ تمهيداً لانطلاق مؤتمر الأطراف COP30 الذي ينعقد خلال الفترة من 6 إلى 21 نوفمبر الجاري في مدينة بيليم البرازيلية.
وتجمع القمة تحت مظلتها قادة العالم والعلماء والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لمناقشة الإجراءات ذات الأولوية لمواجهة تغير المناخ.
وسيركز مؤتمر الأطراف COP30 على الجهود الدولية المبذولة للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، وعرض أحدث المساهمات المحددة وطنياً، إلى جانب التقدم المحرز في تعهدات التمويل التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الأطراف COP29.