يهودُ نيويورك يصوِّتون للمسلم ممداني!
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
أثار فوزُ المرشح المسلم زهران ممداني، بمنصب عمدة نيويورك في الانتخابات المحلية الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، ضجَّة واسعة لم تهدأ إلى حدّ الساعة؛ ليس بسبب ديانة الرجل، فقد سبقه المسلم الصادق خان إلى منصب عميد لندن قبل سنوات من دون أن يثير ضجَّة مماثلة، وليس بسبب قناعاته اليسارية التي لا تروق لكبار الرأسماليين الأمريكيين وفي مقدّمتهم الرئيس دونالد ترامب وإيلون ماسك، بل لأنّ زهران تمرّد ببساطة على اللوبي الصهيوني، ومن دون تردُّد أو خوف على مصيره السياسي، وندّد علنًا بمجازر الاحتلال في غزة، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما تعهّد باعتقال مجرم الحرب بنيامين نتنياهو إذا دخل نيويورك مستقبلا للمشاركة في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا استجابة لمذكرة الاعتقال الدولية الصادرة عن المحكمة الجنائية بلاهاي!
قبل أن يفوز ممداني بعمادة بلدية نيويورك، لم يجرؤ أيُّ سياسيٍّ أمريكي منذ قيام الكيان الصهيوني في 1948 إلى اليوم، على إدانة جرائمه أو نقد سياساته، وكان المرشَّحون جميعا، سواء للانتخابات المحلية أو التشريعية أو الرئاسية، يتسابقون على تنميق خطابات المدح والمجاملات والنفاق وتقديم الولاء المطلق للكيان بغية كسب ودّ اللوبي الصهيوني في أمريكا باعتباره شرطا ضروريًّا لا غنى عنه لأيِّ مرشح يريد الفوز في أيِّ انتخابات، وكان أيُّ نقدٍ للكيان، مهما كان بسيطًا أو موضوعيًّا ووجيهًا، ممنوعًا منعًا باتًّا، لأنّه يعني ببساطة خسارة الانتخابات حتما وكذا تشويه صورته والقضاء النهائي على مساره السياسي.
أمّا اليوم، فقد بدأت الهيمنة المطلقة للوبي الصهيوني على الانتخابات الأمريكية تتراجع تدريجيًّا حتى تلاشت في مدينة نيويورك قبل أيام، وهذا كلّه من بركات غزوة “طوفان الأقصى” المباركة، التي بقدر ما عرّت المتخاذلين والمتصهينين بيننا، والحكّام الغربيين المتواطئين ذوي المعايير المزدوجة، فقد عرّت أيضا الوجه الإجرامي النازي والوحشي للاحتلال الصهيوني الذي طالما تشدّق بأنه “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، بعد أن ارتكب مجازرَ مهولة بحقّ الأطفال والنساء في غزة، ودمّرها عن بكرة أبيها، وحاول تهجير سكانها، ومارس عليهم تجويعا جهنميا…
وقد أثّرت الصورُ القادمة من هناك أيما تأثير في الجيل الجديد من الأمريكيين، ودفعتهم إلى الخروج في مظاهرات في شتى المدن الأمريكية طيلة سنتين كاملتين من الحرب، قبل أن يصوّت سكانُ نيويورك لصالح المرشح الديمقراطي المسلم ذي الأصول الهندية زهران ممداني الذي أدان علنًا جرائم الاحتلال في غزة، من دون أيّ اكتراث بضغوط اللوبي الصهيوني في أمريكا والذي حاول جاهدا تشويه صورته خلال الحملة الانتخابية واتِّهامه بـ”معاداة السامية” لدفع سكان نيويورك إلى معاقبته والعزوف عن منحه أصواتَهم.
زلزالٌ سياسي كبير في أمريكا دمّر السردية الصهيونية الزائفة في نيويورك
الانتصارُ المدوّي لممداني دقّ أجراس الخطر في الكيان؛ فلأول مرة يجرؤ مرشحٌ أمريكيٌّ على نقد مذابحه في فلسطين المحتلة ثم يفوز بالانتخابات! إنّه زلزالٌ سياسي كبير في أمريكا دمّر السردية الصهيونية الزائفة في نيويورك، وغدًا قد يدمِّرها في مدن أمريكية أخرى وحتى في الكونغرس والبيت الأبيض كما قال جلعاد أرادان، السفيرُ الصهيوني الأسبق في واشنطن، ويُضعف النفوذ الصهيوني بعد قرابة ثمانية عقود من الهيمنة المطلقة على أمريكا. وحينما تُنسَف السَّرديةُ الصهيونية فإنّ ذلك يعني، بالنتيجة، انتصار السَّردية الفلسطينية، ولاسيما لدى الأجيال الأمريكية الجديدة التي أضحت لا تؤمن بما تردِّده وسائلُ الإعلام الأمريكية المتصهينة، وتقابل تهمة “معاداة السامية” بالسُّخرية والتنكيت، وتخرج في المظاهرات لتردِّد “فلسطين حرّة”.
أكثر ما حزَّ في نفوس القادة الصهاينة الذين أعلنوا الحداد إثر فوز ممداني، أنّ 33 بالمائة من يهود نيويورك، قد صوّتوا لصالح المسلم ممداني، وهذه ليست نسبة بسيطة، علما أنّ عدد يهود المدينة يبلغ 950 ألف نسمة، وهم يشكِّلون أكبر تجمُّع لليهود في العالم بعد فلسطين المحتلّة، وفي هذا دلالةٌ أكيدة أيضا على مدى تهاوي السَّردية الصهيونية التي استندت إلى ما قامت به المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 لتبرير ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب مروِّعة وقتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء في مجازر مهولة.. لكنّ كلّ التبريرات المقدَّمة فشلت حتى في إقناع يهود نيويورك بوجاهتها، فما بالكم بالجيل الجديد من الأمريكيين!
لا أحد ينتظر أن يفعل ممداني شيئا لفلسطين، وقد لا يتمكّن من اعتقال نتنياهو ما دام ترامب يحميه ويوفّر له الحصانة من العدالة الدولية، لكنّ تكفي هذه الهزيمة السِّياسية المدوِّية للكيان وللإدارة الأمريكية المؤيِّدة له، فهي تعبِّر بوضوح عن بداية تغيُّر الرأي العامِّ الأمريكي تجاه الاحتلال ورفض سياساته العنصرية وأعمال الإبادة الوحشية التي يرتكبها.. هناك جيلٌ أمريكي جديد يقوده الشباب بدأ يثور على السياسات الأمريكية الحالية الداعمة لهذا الكيان الفاشي.. هذا الجيل هو الذي سيحكم الولايات المتحدة مستقبلا، وهذا ما يؤرِّق الاحتلال بشدَّة.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ممداني نيويورك الاحتلال نيويورك الاحتلال ممداني مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی أمریکا
إقرأ أيضاً:
نيويورك تايمز: أزمة بي بي سي هي الأكثر خطورة منذ عقود
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن الأزمة التي تواجهها شبكة "بي بي سي" هي الأكثر خطورة منذ عقود، مشيرة إلى أن الأزمة لا ترتبط بالرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي هدّد بمقاضاة الشبكة بمبلغ مليار دولار، بقدر ما تتعلق بأزمات مستعصية تعاني منها محطة بث عامة شهيرة تعمل في عالم منقسم بشدة.
وبيّن الكاتب في الصحيفة الأميركية مارك لاندلر أن الشبكة تتعرض للهجوم من قبل أعدائها السياسيين الذين يتهمونها بالتحيز المزمن، كما تستهدفها المؤسسات الإخبارية المنافسة والمستاءة من تمويلها العام، مضيفا أنه بفضل انتشارها العالمي تتعارض الشبكة بشكل منتظم مع الحكومات الأجنبية، بما في ذلك الهند والولايات المتحدة.
واستقال مدير الشبكة ورئيس تحريرها تيم دافي، والرئيسة التنفيذية للأخبار ديبورا تورنيس، بعد أيام قليلة من صدور تقرير مفاجئ نشرته صحيفة تلغراف البريطانية كشف أن "بي بي سي" ضللت المشاهدين ودمجت بين خطابين لترامب في مقطع فيديو واحد، على نحو بدا فيه الرئيس الأميركي كأنه يدعو إلى العنف خلال أحداث الشغب التي وقعت في الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021.
استقالة مدير “بي بي سي” عقب اتهامات بـ”التضليل”.. ما علاقة خطاب ترامب؟ pic.twitter.com/UtZGZxSL0W
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 10, 2025
تحديات متعددة أمام "بي بي سي"وقال لاندلر إن النظر إلى الاستقالات المفاجئة على أنها امتداد للضغط الذي مارسه ترامب على المؤسسات الإعلامية في الولايات المتحدة يعدّ فكرة مغرية، لكنها جاءت كذلك بعد سلسلة من الخلافات حول تغطية "بي بي سي" لقضايا حساسة أخرى، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وقضية المتحولين جنسيا.
وأضاف أن دافي، وهو مدير تنفيذي قديم في "بي بي سي" له جذور في مجال التسويق وليس الصحافة، اضطر إلى مواجهة أزمة تلو الأخرى منذ تعيينه مديرا عاما في عام 2020، حيث تعرض لانتقادات غير مرة لعدم اتخاذه إجراءات إزاء موظفين في الشبكة اتهموا بقضايا أخلاقية.
إعلانويرى الكاتب أن الحرب على غزة جلبت لدافي مجموعة جديدة من المشاكل، إذ تعرض الفيلم الوثائقي "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب" لانتقادات شديدة، بعد أن تبين أن والد الراوي البالغ من العمر 13 عاما هو مسؤول في حماس، وآنذاك سحب دافي الفيلم من خدمة "آي بلاير" التابعة لـ"بي بي سي"، قائلا إنه فقد ثقته به.
وفي الصيف الماضي، كان دافي مرة أخرى في موقف دفاعي عندما لم تقطع "بي بي سي" البث عن "بوب فيلان"، وهو ثنائي "راب بانك" إنجليزي، بعد أن هتف خلال مهرجان غلاستونبري الحاشد "الموت للجيش الإسرائيلي".
وحتى قبل دخول ترامب إلى الساحة، كانت "بي بي سي" تُستهدف بانتظام من قبل المحافظين، مثل بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق الذي دعا مؤخرا إلى إقالة المسؤولين عن إنتاج الفيلم الوثائقي الذي تسبب بالاستقالات.
وخلص الكاتب إلى أنه على الرغم من الانتقادات المستمرة، فإن "بي بي سي" ما زالت تحظى بثقة المشاهدين أكثر من الشبكات الأميركية الكبرى، وفقا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث.
ويلفت لاندلر إلى أن الحكومة البريطانية قدّمت دعما مشروطا لـ"بي بي سي"، رغم أن دور ترامب في هذه الأزمة وضع رئيس الوزراء كير ستارمر في موقف حرج، إذ حاول تجنب الصراع مع الرئيس الأميركي في قضايا مثل الرسوم الجمركية والحرب في أوكرانيا.
The front page of tomorrow’s Daily Telegraph:
‘Trump to sue BBC for $1bn’#TomorrowsPapersToday pic.twitter.com/z0tL1jBYQg
— The Telegraph (@Telegraph) November 10, 2025
غارديان: لا ينبغي الصمتبدورها، أكدت صحيفة غارديان في افتتاحيتها أن تهديد ترامب بمقاضاة "بي بي سي" يأتي في أسوأ وقت ممكن، إذ إن الشبكة بلا قيادة، ومجلس إدارتها عديم الخبرة في إدارة الأزمات، ومعارضيها اليمينيين مبتهجون بالغنائم التي حصدوها.
وشددت الصحيفة على أهمية تحرك الحكومة البريطانية للدفاع عن الشبكة، وقالت "بدلا من التزام الصمت لتجنب إهانة البيت الأبيض، يجب على السير كير ستارمر الدفاع عن حرية التحرير في هيئة الإذاعة البريطانية، عليه أن يعترف باستقلالية وسائل الإعلام وسيادتها على الفضاء المعلوماتي كمسألة أمن قومي".
وحذرت من تلاشي الوعي بقيمة الشبكة ووقوع خطأ إستراتيجي أمام مواجهة المنافسة من شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة، مؤكدة أن "بي بي سي" تعدّ أكثر مصادر الأخبار موثوقية في المملكة المتحدة، ومن بين الخمسة الأوائل على مستوى العالم.
وفي تحليل كتبه جيريمي بار، حذّرت الصحيفة من انتقال تهديدات ترامب لوسائل الإعلام إلى المستوى العالمي، فمنذ إعادة انتخابه قبل عام اختارت سلسلة من الشركات الإعلامية والتكنولوجية أن تسلك الطريق الأسهل بالموافقة على تسويات مهمة مع الرئيس.
وعند جمع تسويات ترامب مع "إيه بي سي" و"سي بي إس"، بالإضافة إلى القضايا المرفوعة ضد كل من شركة ميتا، وغوغل، يكون قد حصل على أكثر من 80 مليون دولار.