الشرع يعيد رسم خريطة العلاقات مع أميركا في مقابلة حصرية مع واشنطن بوست
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
بعد زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها إلى الولايات المتحدة، جلس الرئيس السوري أحمد الشرع يوم الاثنين الماضي لإجراء مقابلة مع مراسلتي صحيفة واشنطن بوست، سوزانا جورج وتوبي راج.
وفي المقابلة التي استمرت ساعة كاملة عقب لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبار أعضاء الكونغرس، كشف الشرع عن ملامح توجه جديد في علاقة دمشق بواشنطن، بعد قرن من العداء والقطيعة.
وعرض الشرع -الذي كان في وقت سابق مقاتلا ضد القوات الأميركية في كلٍّ من العراق وسوريا قبل أن يصبح رئيسا- رؤية تقوم على المصالح المشتركة، مع التركيز على الأمن والاستقرار ورفع العقوبات الاقتصادية، في محاولة لإعادة إدماج بلاده في المنظومة الدولية.
"القتال ليس عارا إذا كان دفاعا عن الأرض وعن المظلومين"
وشدد في حديثه على أن الهدف الأساسي من زيارته إلى واشنطن هو "بناء علاقة جديدة بين سوريا والولايات المتحدة بعد 100 عام من التوتر وسوء الفهم".
وأوضح أنه لمس من إدارة ترامب إمكانية "وضع أسس لمصالح مشتركة"، خصوصا في الجوانب الأمنية والاقتصادية.
واعتبر الشرع أن استقرار سوريا شرط لاستقرار المنطقة بأكملها، وأن العقوبات المفروضة عليها تعرقل الإنعاش الاقتصادي، واصفا رفع العقوبات التي تشل اقتصاد بلاده وتعطِّل مشاريع إعادة الإعمار، بأنه خطوة جوهرية في هذا المسار.
وأشار الرئيس السوري إلى أن المفاوضات حول رفع العقوبات مستمرة منذ أشهر وتحققت فيها "نتائج جيدة"، في حين تنتظر دمشق القرار النهائي من واشنطن.
ملفات حساسة عالقة
وفي أحد أكثر ملفات العلاقة حساسية، تناول الشرع قضية الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، الذي اختفى عام 2012، مؤكدا أن بلاده أنشأت لجنة خاصة بالتنسيق مع السلطات الأميركية للبحث عن جميع المفقودين خلال سنوات الحرب، والذين يقدر عددهم بنحو 250 ألف شخص.
وكشف أنه التقى والدة تايس ونقل لها تضامنه الإنساني معها، موضحا أنه عاش تجربة مشابهة حين اختفى لمدة 7 سنوات وظن الجميع أنه قُتل، ما عدا أمه كانت وحدها تؤمن بعودته.
إعلانوفي مواجهة الانتقادات في الكونغرس التي تقول إن رفع العقوبات عن رجل "قاتل الأميركيين سابقا" يُعد مكافأة غير مستحقة، دافع الشرع عن تاريخه القتالي قائلا إن "القتال ليس عارا إذا كان دفاعا عن الأرض وعن المظلومين"، موضحا أنه شارك في حروب كثيرة لكنه "لم يتسبب في مقتل أبرياء".
وأضاف أن كثيرين في الولايات المتحدة نفسها باتوا يعترفون بأن سياسات واشنطن في الشرق الأوسط كانت خاطئة وأدت إلى "حروب عبثية"، مضيفا أنه يرى الآن تحولا داخل الولايات المتحدة باتجاه الاعتراف بذلك.
قضايا الأمن الداخليوفي ما يتعلق بالعنف الطائفي المستمر في سوريا حتى بعد سقوط النظام السابق، أقر الشرع بأن البلاد تمر بمرحلة انتقالية شديدة التعقيد بعد 6 عقود من الحكم الدكتاتوري وسنوات الحرب المدمرة.
وقارن الوضع في سوريا بما حدث في الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1865، مشيرا إلى أن "إعادة بناء دولة لا تتم خلال عام واحد".
واتهم مجموعات داخل سوريا بمحاولة استغلال المخاوف الطائفية لتحقيق مآرب سياسية أو انفصالية، لكنه أكد أن بلاده احتفظت بتنوّعها الديني والعرقي على مدى 1400 عام، وأن الدولة تعمل على إعادة بناء المؤسسات والقانون.
وفي الملف الأمني والعسكري، حمّل الشرع استمرار حالة الانقسام الداخلي ووجود قوى مسلحة خارج سيطرة الدولة مسؤولية تواصل نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في بعض المناطق الشرقية.
ورغم أن القوات الأميركية تؤكد ارتباط وجودها بمحاربة ذلك التنظيم، فإن الشرع أعلن أن الجيش السوري بات الآن قادرا على تولي هذه المهمة، معربا عن اعتقاده بأن الحل الأمثل يكمن في إشراف القوات الأميركية بشكل مؤقت على دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في أجهزة الأمن التابعة للدولة.
إسرائيل وروسياوفي منعطف سياسي آخر يعكس التحول في نهج القيادة الجديدة بدمشق، أكد الرئيس السوري أن بلاده منخرطة في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
واتهم الشرع إسرائيل بخرق اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974 بعد سقوط النظام السابق، وتنفيذ أكثر من ألف غارة داخل سوريا منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، بينها استهداف القصر الجمهوري ووزارة الدفاع.
وقال إن سوريا لم ترد عسكريا لأنها "تركز على إعادة البناء"، معتبرا أن التوسع الإسرائيلي داخل الأراضي السورية ليس بدافع الأمن، بل نتيجة "طموحات توسعية".
وشدد على أن أي اتفاق نهائي يقتضي انسحابا إسرائيليا إلى حدود ما قبل الثامن من ديسمبر/كانون الأول، رافضا فكرة إنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوبي دمشق لأنها تضع السيادة السورية تحت تهديد دائم.
نحن بحاجة لروسيا لأنها عضو دائم في مجلس الأمن. ونحتاج صوتها إلى جانبنا في بعض القضايا
وفي ما يتعلق بروسيا، قال الشرع إن العلاقة مع موسكو تنطوي على مزيج من البراغماتية والحذر. وعن مصير الرئيس المخلوع بشار الأسد المقيم في موسكو، أشار إلى أن الموضوع "يزعج موسكو"، وأن الحكومة السورية ستواصل المطالبة بتقديمه للعدالة "في الوقت المناسب".
وختم قائلا "نحن بحاجة لروسيا لأنها عضو دائم في مجلس الأمن. ونحتاج صوتها إلى جانبنا في بعض القضايا، ولدينا مصالح إستراتيجية معها، ولا نريد دفعها إلى خيارات بديلة في التعامل مع سوريا".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الولایات المتحدة القوات الأمیرکیة
إقرأ أيضاً:
التايمز: واشنطن تراهن على جهادي سابق لقيادة سوريا بعد الإطاحة بالأسد
تساءلت صحيفة "التايمز" البريطانية في افتتاحيتها عما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قادرا على عقد صفقة سلام مع شخص كان حتى وقت قريب يصنف "إرهابيا عالميا مطلوبا"، ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب استقبل هذا الرجل، الذي ينتمي إلى جماعات متشددة سابقة مثل القاعدة وتنظيم الدولة وجبهة النصرة، بحفاوة في البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي.
وأوضحت الصحيفة أن "هذا الجهادي السابق، الذي يُدعى السيد الشرع، تولى الرئاسة المؤقتة في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد العام الماضي، ويمكن أن يلعب دورا مهما في مساعي تحقيق السلام في الشرق الأوسط".
وأشارت إلى أن هذه الحالة ليست سابقة في التاريخ السياسي، مستذكرة تجربة ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الذي شارك في اتفاقيات أوسلو عام 1993 مع إسرائيل، حيث نبذ الفلسطينيون الإرهاب واعترفوا بحق دولة الاحتلال في الوجود.
وأضافت أن الاتفاق انهار في النهاية رغم الإشادة الواسعة به، لكنه شكّل سابقة للمسلحين الذين يبدلون مواقفهم مقابل الاعتراف الدولي.
والتقى ترامب الشرع سابقا في السعودية، وأن العلاقة بينهما تبدو في طور التطور، وتأمل واشنطن أن تصبح دمشق بقيادة الشرع شريكا في مكافحة تجارة المخدرات التي جعلت شبابا من دول الجوار مدمنين، وأن الرئيس الأمريكي يريد من سوريا الابتعاد عن الأسلحة الكيميائية ومنع عودة الجماعات الجهادية، في إطار انضمامها إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي لا يزال يضم نحو 2500 مقاتل نشط في سوريا والعراق.
وترى واشنطن أن السيطرة على هذا التهديد تتطلب تعاونا أكبر بين الجيش الأمريكي والسوريين الذين كانوا ينظر إليهم سابقا كأدوات بيد موسكو وطهران، ولفتت إلى أن الهدف الأبعد هو إدماج سوريا الديمقراطية مستقبلا في مجموعة اتفاقيات إبراهيم، التي تضم الدول العربية المعترفة بإسرائيل والراغبة في التعاون معها.
وأضافت الصحيفة أن تحقيق هذا الهدف ليس سهلا، لأن إسرائيل وسوريا ما زالتا رسميا في حالة حرب، حيث تحتل إسرائيل مرتفعات الجولان السورية، مشيرة إلى أن ترامب يسعى لتحسين الصفقة المحتملة مع دمشق، إذ قد تشمل رفع العقوبات الأمريكية المتبقية على سوريا، وتدفق الاستثمارات للمشاركة في إعادة الإعمار.
وقدر البنك الدولي تكلفة إعادة بناء البنية التحتية والمباني السكنية التي دمرت خلال 13 عاما من الحرب الأهلية السورية بما لا يقل عن 216 مليار دولار، وتأتي هذه التحركات في ظل تساؤلات من حلفاء واشنطن حول قدرة سوريا على الصمود، وما إذا كان جهادي سابق قادر على أن يحل محل ديكتاتور قوي، أم أنه سينشئ نظاما قمعيا جديدا.
وأشارت "التايمز" إلى أن حجم الدمار في سوريا وغزة يثير القلق في الغرب، حيث يتزايد الزخم نحو تخفيف العقوبات، ليس فقط من أجل استقرار حدود دولة الاحتلال، بل أيضا لتسهيل عودة مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين عاشوا عقدا من الزمن كمهاجرين غير مرحب بهم في أوروبا الغربية.
وختمت الصحيفة بالقول إن على الشرع أن يثبت قدرته على توحيد بلاده الممزقة، وأن الجهاديين السابقين قادرون على البقاء في السلطة دون اللجوء إلى العنف وسفك الدماء.