التكنولوجيا.. تحول جوهري في طبيعة العلاقات الاجتماعية
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
كتبت- مُزنة الفهدية -
أحدثت التكنولوجيا الحديثة تحولا جوهريا في طبيعة العلاقات الاجتماعية، نقلتنا من التواصل المباشر إلى تفاعل افتراضي يعتمد على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، هذا التحول أوجد فرصا جديدة للتقارب والتبادل الثقافي، لكنه في المقابل أسهم في تراجع الدفء الإنساني وازدياد العزلة الاجتماعية، حيث باتت العلاقات اليوم أكثر سرعة وسطحية، وغالبًا ما تُبنى على التفاعل اللحظي بدلا من العلاقات المتينة طويلة الأمد، لذا فالتحدي الأكبر هو الحفاظ على العمق الإنساني في عصر الاتصال الفوري.
وقالت الدكتورة ريا بنت حمد المعمرية -أستاذ العمل الاجتماعي المساعد- كلية الآداب والعلوم الاجتماعية- جامعة السلطان قابوس " أن الخصوصية اليوم لم تعد ثابتة، بل أصبحت قيمة متغيرة بحسب الثقافة والسياق الاجتماعي، فبينما تُعد الخصوصية في الغرب حقًا فرديًا مقدسًا، تراها بعض المجتمعات الشرقية في إطار جماعي يرتبط بالقيم والعلاقات الأسرية، والتكنولوجيا أعادت صياغة هذا المفهوم؛ إذ أصبح الأفراد يشاركون طواعية تفاصيل حياتهم اليومية على المنصات الرقمية، مما يجعل الحدود بين “الخاص” و“العام” أكثر ضبابية، والمشكلة لا تكمن فقط في انتهاك الخصوصية من الخارج، بل في تفريط الأفراد أنفسهم فيها نتيجة الاستخدام غير الواعي للتقنيات الحديثة.
وأضافت :" تعتمد الشركات الكبرى على خوارزميات معقدة لجمع بيانات المستخدمين عبر كل ما نقوم به تقريبًا: من محركات البحث، إلى التسوق الإلكتروني، وحتى الأجهزة المنزلية الذكية. هذه البيانات تُستخدم لتحليل السلوك البشري، وتوجيه الإعلانات، والتأثير في القرارات الشرائية أو السياسية أحيانًا.
برأيي، هناك بالفعل استغلال ممنهج للبيانات الشخصية، حيث تحوّلت المعلومات إلى سلعة فيما يُعرف بـ“اقتصاد البيانات”. وما يثير القلق أن الأفراد في الغالب لا يدركون حجم المعلومات التي تُجمع عنهم ولا كيفية استخدامها، مما يخلق علاقة غير متكافئة بين المستخدمين والشركات الرقمية."
قيم الاستخدام
وقالت: "أهم القيم التي ينبغي أن توجه استخدام التكنولوجيا هي: الشفافية، والعدالة، واحترام الكرامة الإنسانية، والمسؤولية، والخصوصية.
إن تحقيق التوازن بين الابتكار وحماية الخصوصية يتطلب إطارًا أخلاقيًا تشاركيًا تشترك فيه الحكومات والشركات والأكاديميون والمجتمع المدني.
لا يكفي أن نضع قوانين، بل يجب أن نغرس قيم الاستخدام المسؤول في التعليم والإعلام والممارسات المهنية.
والابتكار يجب أن يخدم الإنسان لا أن يستغله، وهذا ما نحتاج إلى تأكيده في كل نقاش حول المستقبل الرقمي".
مشيرة إلى أن التكنولوجيا جعلت الحق في الخصوصية أكثر هشاشة، فمعظم التطبيقات تطلب أذونات واسعة تفوق حاجتها الفعلية، والذكاء الاصطناعي قادر على تحليل بيانات بسيطة واستخلاص استنتاجات حساسة عنها.
بالتالي، أصبح الأفراد يفتقرون إلى السيطرة على بياناتهم، مما يستدعي تعزيز الأطر القانونية والمؤسسية التي تضمن حق الفرد في إدارة بياناته ومراقبة استخدامها. الخصوصية ليست ترفًا، بل هي ركن أساسي من الكرامة الإنسانية.
الذكاء الاصطناعي
وحول سؤالنا عن كيفية مواجهة التحديات الأخلاقية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية، قالت: "هذه من أخطر القضايا الراهنة. الذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية يثيران مخاوف تتعلق بالتمييز والتحيز الخوارزمي وفقدان الخصوصية.
ومن أجل مواجهتها، أرى ضرورة إنشاء مواثيق أخلاقية ملزمة تعتمد على الشفافية والمساءلة، وتُراقب من هيئات مستقلة.
كما يجب الاستثمار في تطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي الذي يضمن العدالة وعدم التحيز في القرارات الآلية. والأهم هو نشر ثقافة الوعي الرقمي حتى لا يُستخدم الذكاء الاصطناعي أداةً للهيمنة على الإنسان."
وأفادت أن التكنولوجيا تؤثر على الفئات الضعيفة في المجتمع كالأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة، فهم أكثر عرضة للمخاطر الرقمية بسبب محدودية وعيهم أو مهاراتهم التقنية.
فالأطفال يواجهون التنمر الإلكتروني والإدمان الرقمي، في حين يعاني كبار السن من الاحتيال الإلكتروني أو العزلة الرقمية.
وكمتخصصة في العمل الاجتماعي، أكدت على أهمية التمكين الرقمي لهذه الفئات من خلال التدريب، والمراقبة الواعية، وتوفير بيئة إلكترونية آمنة، فالتكنولوجيا يجب أن تكون وسيلة للدمج الاجتماعي لا سببًا في الإقصاء أو الاستغلال.
المؤسسات التعليمية
وأشارت المعمرية إلى دور المؤسسات التعليمية في تعزيز الوعي بالخصوصية الرقمية، حيث تتحمل المدارس والجامعات مسؤولية محورية في نشر الوعي بالخصوصية الرقمية تمامًا كما تفعل في التربية الأخلاقية. يمكن للمؤسسات التعليمية أن تدرج مقررات حول المواطنة الرقمية، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وحماية البيانات الشخصية، وأن تنظم ورشًا توعوية للطلبة وأولياء الأمور.
فالمؤسسات التعليمية الآن لم تعد مكانا لنقل المعرفة فقط، بل أصبحت مؤسسة لصناعة الوعي الأخلاقي والتكنولوجي معًا.
وقالت: "نحن بحاجة إلى تشريعات جديدة لمواجهة التحديات الحالية، فالقوانين الحالية وُضعت في زمن لم تكن فيه التكنولوجيا بهذه السرعة أو التعقيد. لذلك نحن بحاجة إلى تشريعات رقمية محدثة تنظم جمع البيانات، وتحدد مسؤوليات الشركات والمنصات، وتفرض عقوبات واضحة على الانتهاكات. كما يجب أن تراعي هذه القوانين الخصوصية الثقافية لكل مجتمع، وألا تُستنسخ من النماذج الغربية دون تكييف. ولابد أن نؤكد أن القانون الفعّال هو الذي يوازن بين الحرية الرقمية والمسؤولية المجتمعية."
وأوضحت أن السياسات تلعب دورًا أساسيًا في ضبط سلوك الشركات التقنية، فوجود لوائح مثل اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات (GDPR) أجبر الشركات على الإفصاح والشفافية. لكن الالتزام الفعلي ما يزال متفاوتًا، فبعض الشركات تتخذ من “الخصوصية” شعارًا تسويقيًا أكثر من كونه التزامًا حقيقيًا. لذلك نحن بحاجة إلى رقابة فعالة ومساءلة حقيقية، لأن الأخلاقيات الرقمية لا يمكن أن تُترك لتقدير الشركات وحدها.
وأكدت المعمرية أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا من تشكيل الهوية الحديثة، فالأفراد يعرضون ذواتهم على المنصات الاجتماعية بطريقة انتقائية، مما يؤدي أحيانًا إلى فجوة بين الذات الحقيقية والذات الرقمية، وهذا قد يخلق شعورًا بالاغتراب أو المقارنة الاجتماعية المرهقة. ومن منظور اجتماعي، نحن نعيش مرحلة إعادة تعريف للهوية، حيث لم يعد الانتماء إلى المكان أو الجماعة هو المحدد الوحيد، بل أصبحت الهوية تتشكل عبر الفضاءات الافتراضية متعددة الانتماءات.
الآثار الاجتماعية
وتحدثت عن الآثار الاجتماعية للانفتاح على المعلومات الشخصية عبر الإنترنت، وقالت: "إن الانفتاح المفرط على المعلومات الشخصية ألغى الفاصل بين الحياة العامة والخاصة، وأصبح الأفراد أكثر عرضة للتنميط أو الابتزاز أو الوصم الاجتماعي نتيجة الإفراط في المشاركة. كما أدى ذلك إلى نشوء مجتمعات افتراضية بديلة تقوم على الإعجابات والمتابعة، لا على التفاعل الإنساني الحقيقي. هذه الظاهرة أضعفت التضامن الاجتماعي والانتماء الحقيقي للمجتمع المحلي، واستبدلته بانتماءات رقمية مؤقتة."
وتوقعت أن تصبح قضايا الخصوصية أكثر تعقيدًا مع انتشار الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والمراقبة البيومترية، وسننتقل إلى مرحلة تُراقب فيها الأجهزة حياتنا لحظة بلحظة، لكنها في الوقت ذاته متفائلة بظهور ما سمتها الوعي الحقوقي الرقمي، الذي سيقود إلى مطالبات مجتمعية بالحق في النسيان والحق في التحكم بالبيانات. المستقبل سيشهد صراعًا أخلاقيًا بين التكنولوجيا كقوة تمكينية والخصوصية كقيمة إنسانية يجب حمايتها.
واختتمت الدكتورة ريا حديثها قائلة: "لا يمكن حماية الخصوصية بجهود طرف واحد. نحن بحاجة إلى تحالف أخلاقي ومؤسسي بين الحكومات التي تشرّع، والشركات التي تُنتج التكنولوجيا، والمجتمع الذي يستخدمها. ينبغي أن تُقام منصات حوار مفتوحة تجمع هذه الأطراف لصياغة سياسات عادلة، مع تشجيع الشفافية والمساءلة. كما يجب أن تلعب منظمات المجتمع المدني والإعلام دورًا رقابيًا وتوعويًا في الوقت ذاته. الخصوصية الرقمية قضية إنسانية عالمية، ولا يمكن الدفاع عنها إلا بتعاون شامل يحترم الإنسان قبل التقنية."
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی نحن بحاجة إلى یجب أن التی ت
إقرأ أيضاً:
أخبار التكنولوجيا.. بسعر معقول.. إليك أفضل هاتف اقتصادي بالأسواق في 2025 وأبل تستعد لإطلاق مزايا جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي فما القصة؟
نشر موقع "صدى البلد"، مجموعة من الموضوعات الخاصة بأحدث أخبار التكنولوجيا خلال الساعات الماضية، تناولت أخبارا وتقارير عن أحدث التقنيات، نستعرض أبرزها فيما يلي:
بسعر معقول.. إليك أفضل هاتف اقتصادي بالأسواق في 2025
إذا كنت تبحث عن هاتف اقتصادي بمواصفات رائدة فيمكنك التفكير في هاتف ZTE الاقتصادي القادم والذي يأتي بتصميم مألوفًا بعض الشيء.
تشير الصور المسربة حديثًا لهاتف Blade V80 Vita إلى أن الشركة قد استوحت تصميمه من طرازات iPhone 17 Pro من Apple .
يستخدم هاتف Blade V80 Vita وحدة كاميرا كاملة العرض بثلاث كاميرات وفلاش LED مثبت في أقصى اليمين، وهو نفس المكان تقريبًا الذي وضعت فيه Apple هذه الكاميرا في هاتف 17 Pro Max
روبوت محادثة ..أبل تستعد لإطلاق مزايا جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي فما القصة؟
تتضمن خطط الذكاء الاصطناعي لشركة أبل لعام 2026 تحديثات رئيسية، والتي تأمل الشركة أن تنجح فبعد مرور أكثر من عام على وعدها بإطلاق نسخة مُحسّنة من تطبيق Siri، لم تُصدر Apple بعد أي ميزة رئيسية مُدعّمة بالذكاء الاصطناعي وبعيدا عن جميع التأخيرات، لدى الشركة فلديها العديد من الخططٌ الكبيرة للذكاء الاصطناعي لعام ٢٠٢٦، بما في ذلك تحديث تطبيق الصحة.
تأكد من تحديث جهازك.. ميزة جديدة ينتظرها مستخدمي الأجهزة اللوحية |ما هي؟
ميزة جديدة ستحصل عليها أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية من هواوي MateBook قريبًا وهي ميزة تعدد الشاشات مع نظام HarmonyOS 6.0 .
تعد هذه الميزة متاحة حاليًا للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر فقط. وتخطط الشركة الآن لتوفير هذه الميزة المفيدة لأجهزة MatePad.
ومن المتوقع أن يُقدّم نظام HarmonyOS 6.0 ميزات الشاشات المتعددة لأجهزة هواوي اللوحية والكمبيوتر الشخصي