لندن , "د. ب. أ": في الأسبوع الماضي، أعلنت روسيا أنها نجحت في اختبار سلاحين نوويين: صاروخ كروز "بوريفيستنيك" وغواصة "بوسيدون" المسيرة. وقد جاء هذا الإعلان قبل أشهر فقط من موعد انتهاء آخر معاهدة متبقية للحد من التسلح النووي بين روسيا والولايات المتحدة.

وقالت جورجيا كول، محللة الأبحاث في برنامج الأمن الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني "تشاتام هاوس"، في تحليل نشره المعهد إن معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية "ستارت الجديدة" تضع قيودا ملزمة على عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية التي يتم نشرها وأنظمة إيصالها من جانب أكبر قوتين نوويتين في العالم.

ومن المقرر أن تنتهي المعاهدة في فبراير2026، الأمر الذي يهدد بإزالة الحاجز الأخير الذي يقيد حجم ترساناتهما وإمكانية رصدهما ويزيد من خطر بدء سباق تسلح نووي جديد.

وأكدت كول أنه في ظل انعدام الثقة الجيوسياسية العميق وتراجع القدرات الدبلوماسية، يشكل منع التصعيد والحفاظ حتى على الحد الأدنى من ضبط النفس أولوية ملحة.

تهديدات التجارب النووية

لقد فسر الغرب على نطاق واسع إعلان موسكو على أنه دليل على التحديث النووي الروسي السريع، وأثار قلق صانعي السياسات ووسائل الإعلام. كما أكدت موسكو أيضا أن هذه الأسلحة الجديدة يصعب اكتشافها وهي قادرة على تجنب الدفاعات الصاروخية.

وقالت كول إنه مع ذلك، لا يوجد تحقق مستقل من هذه الاختبارات أو الجاهزية التشغيلية لأي من النظامين. فقد كان النظامان قيد التطوير منذ سنوات، وواجها انتكاسات متكررة. ويعتمد النظامان على تصاميم سوفيتية قديمة لم يكن من الممكن الاستفادة منها مطلقا بسبب تحديات تقنية، وهو ما يثير تساؤلات جوهرية حول صحة بيانات موسكو. لذلك، ينبغي فهم هذه المزاعم، جزئيا على الأقل، على أنها إشارات استراتيجية وسط تصاعد المواقف النووية.

وترى كول أن الرد الأمريكي تسبب في تصعيد التوترات، فبعد إعلان روسيا، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزارة الخارجية باستئناف التجارب النووية الأمريكية "على قدم المساواة" مع الدول الأخرى. وقد تسبب هذا البيان في حالة ارتباك، نظرا لأنه لم تقم أي دولة نووية، باستثناء كوريا الشمالية، بإجراء تجربة تفجير نووي منذ تسعينيات القرن الماضي.

وأوضحت وزارة الطاقة الأمريكية منذ ذلك الحين أن الولايات المتحدة ستجري "تفجيرات غير حرجة"، وليست تفجيرات نووية، وتم سن قانون يمنع أي رئيس من الموافقة على مثل هذه التجارب بشكل أحادي. ومع ذلك فقد كان لهذا الغموض عواقب بالفعل. فقد أمر بوتين المسؤولين بصياغة مقترحات لاستئناف التجارب النووية الروسية، مشيرا إلى عدم اليقين بشأن نوايا الولايات المتحدة.

وتهدد هذه التطورات بانهيار وقف التجارب النووية الذي دام ثلاثة عقود. وفي حين أن العودة إلى التجارب النووية لن تفيد الولايات المتحدة، نظرا لأنها تمتلك بالفعل أكبر أرشيف في العالم لبيانات التجارب التاريخية - فإن الدول النووية الأخرى، وخاصة روسيا والصين، ستستفيد بشكل أكبر.

واعتبرت كول أن الخطر لا يكمن فقط في احتمال استئناف التجارب النووية، ولكن في تصاعد التهديدات والرسائل النووية في وقت وصلت فيه الثقة إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، مما يقوض الأساس الهش الذي أقيم عليه نظام الحد من الأسلحة بعد الحرب الباردة. ويسلط هذا الضوء على كيفية استخدام الخطاب النووي بشكل متزايد كأداة للإكراه السياسي - ومدى السرعة التي قد ينهار بها ضبط النفس.

المستقبل غير المؤكد لستارت الجديدة

في ظل هذا المناخ، يثير قرب انتهاء صلاحية معاهدة ستارت الجديدة القلق بشكل خاص، حيث أنه لا يمكن تمديد المعاهدة قانونيا بموجب شروطها الحالية. ورغم تعليق روسيا مشاركتها في المعاهدة عام 2023، فقد استمرت موسكو وواشنطن في الالتزام بالحدود العددية للرؤوس الحربية الاستراتيجية المنشورة وأنظمة إيصالها.

واقترحت روسيا تمديدا طوعيا لمدة عام واحد، تلتزم بموجبه الدولتان بالاستمرار في الالتزام بهذه الحدود. وقد أبدى ترامب انفتاحه على هذه الفكرة، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم ملموس. والأمر المهم، هو أن أنظمة الإيصال الجديدة التي أعلنت عنها روسيا (إذا تم تشغيلها) ستكون بالفعل ضمن القيود المفروضة على الرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق الحالية في معاهدة ستارت الجديدة.

وتقول كول إنه خلال ولاية ترامب الأولى، ضغط لإجراء مفاوضات ثلاثية مع الصين للحد من الأسلحة النووية، بدلا من المضي قدما في إبرام اتفاقيات ثنائية. ولكن ينبغي أن يتم تجنب إشراك الصين في المفاوضات حول تمديد معاهدة ستارت الجديدة، لأن هذا قد يتسبب في إبطاء أي تقدم أو يؤدي إلى فشله تماما. فعلى الرغم من أن الصين تمتلك الآن ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، إلا أنها لا تزال أصغر كثيرا من ترسانتي الولايات المتحدة وروسيا. لذلك، فإن الصين ليس لديها حافز كبير لقبول قيود على برنامجها النووي، مما يعني استبعاد إجراء مفاوضات مثمرة على المدى القصير.

وحذرت كول من انتهاء صلاحية معاهدة ستارت الجديدة دون تمديد رمزي، معتبرة أن هذا قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. ويمكن أن يؤدي غياب قيود متفق عليها بشكل متبادل إلى سباق تسلح توسع فيه روسيا والولايات المتحدة ترساناتهما النووية المنشورة، الأمر الذي يقوض الاستقرار الاستراتيجي.

وهذا سيضعف مصداقية معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي المعاهدة الدولية الرئيسية التي تنظم الأسلحة النووية. وتعتبر العديد من الدول بالفعل أن الدول التي تمتلك الأسلحة النووية تتراجع عن التزاماتها بنزع السلاح، ولذلك فإن التخلي عن آخر إطار ثنائي للحد من الأسلحة النووية سيؤدي إلى تعزيز هذا التصور.

وفي حين أن التمديد الطوعي لمدة عام واحد ليس حلا طويل الأمد، إلا أنه على الأرجح الخيار الأفضل المتاح في البيئة الحالية. إن التفاوض على معاهدة جديدة أو معاهدة أكثر شمولا هو أمر غير واقعي بالنظر إلى التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين السياسي الداخلي في الولايات المتحدة وضعف القدرات الدبلوماسية والتقنية داخل الحكومة الأمريكية، حيث لا تزال مناصب رئيسية في مجال الحد من الأسلحة شاغرة.

استراتيجية لتحقيق الاستقرار

وتعتبر كول أن الأمر المطلوب الآن ليس إطارا طموحا لمعاهدة جديدة، ولكن بذل جهد مركز للحفاظ على الحد الأدنى من الشروط اللازمة للتقدم في المستقبل. وينبغي أن تكون الخطوة الأولى هي موافقة الولايات المتحدة وروسيا على تمديد طوعي لمدة عام واحد للقيود الرئيسية لمعاهدة ستارت الجديدة. ورغم أن هذا لن يعيد الثقة بين الدولتين أو يوقف برامج التحديث النووي الجارية، فإنه سيمنع المزيد من التدهور الفوري في البنية العالمية للحد من الأسلحة، ويقلل من خطر حدوث سوء تقدير. كما سيشير إلى إدراك مشترك بأن التنافس النووي غير المقيد لا يفيد أحدا.

وتتمثل الخطوة الفورية الثانية في أن تجدد الدول المسلحة نوويا التأكيد على الوقف العالمي للتجارب النووية، وهو أمر غير ملزم قانونا. ويجب أن تصادق العديد من الدول على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، من بينها روسيا والولايات المتحدة، قبل أن تدخل حيز التنفيذ.

وفي الفترة التي تسبق مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في أبريل المقبل، حيث من المتوقع أن تعلن الدول التقدم المحرز في مجال نزع السلاح ومنع الانتشار، يتعين على الدول المسلحة نوويا بذل جهود منسقة لتعزيز هذه القاعدة وإظهار التزامها بتحقيق تقدم. وينبغي على الدول التي صادقت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، والدول التي لم تصادق عليها، مثل الصين والهند وباكستان، أن تشارك في هذا الجهد، حيث امتنعت جميعها عن إجراء تجارب نووية منذ تسعينيات القرن الماضي.

في غضون ذلك، يجب على واشنطن إعادة بناء الخبرات الدبلوماسية والمدنية اللازمة لإجراء مفاوضات مهمة للحد من التسلح عندما تسمح الظروف الجيوسياسية بذلك. وهذا يعني توضيح السياسة النووية لإدارة ترامب، وإعادة شغل المناصب المرتبطة بالحد من التسلح، وإعادة بناء المؤسسات التي ضعفت بسبب تسريح الموظفين وخفض التمويل.

وأكدت كول أنه قبل كل شيء، يجب على الدول تجنب الخطاب النووي الاستفزازي والتصعيد، ويجب تحقيق الاستقرار للوضع الحالي لكسب الوقت للدبلوماسية وإعادة بناء المؤسسات، وهو ما يساعد على تهيئة الظروف التي ربما يمكن فيها إبرام اتفاقيات أكثر شمولا.

واختتمت جورجيا كول تحليلها بالقول إن النظام النووي حاليا يشهد توترا لكنه لم ينهار. ويتطلب الحفاظ عليه انضباطا وصبرا واعترافا واضحا بأنه لن تستفيد أي دولة من استئناف تجارب الأسلحة النووية واحتمالية بدء سباق تسلح نووي جديد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: روسیا والولایات المتحدة معاهدة ستارت الجدیدة الولایات المتحدة التجارب النوویة الأسلحة النوویة من الأسلحة من التسلح الحد من للحد من

إقرأ أيضاً:

لافروف: موسكو مستعدة لمناقشة الاتهامات الأمريكية بشأن التجارب النووية

الثورة نت /..

أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اليوم الثلاثاء، أن روسيا مستعدة لمناقشة الشكوك الأمريكية حول استئناف التجارب النووية سرًا، مشددًا على أن هذه الاتهامات غير صحيحة.

وقال لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية: “مستعدون لمناقشة الشكوك التي أثارها زملاؤنا الأمريكيون حول قيامنا بحفريات سرية في أعماق الأرض والقيام بشيء ما هناك”، معرباً عن أمل موسكو في توضيح جوهر التصريحات الأمريكية بشأن التجارب النووية.

وأشار إلى أن اختبار حاملات الصواريخ دون استخدام أسلحة نووية، غير محظور، موضحًا أن التجارب على الصواريخ الناقلة دون تفاعل نووي مباشر مسموح بها.

وأضاف: “لا أستطيع الجزم بما يكمن وراء موقف الولايات المتحدة من التجارب النووية، فحديث الرئيس ترامب عن استئناف التجارب المزعوم في روسيا والصين غير صحيح فيما يتعلق بالاختبارات النووية”.

وعبر لافروف عن استياء موسكو من التصريحات الأمريكية التي توحي بأن روسيا تسعى من خلال التجارب النووية لتحقيق أهداف جيوسياسية، معتبرًا أن ذلك يشكل خروجًا عن مفهوم عدم قبول الحرب النووية.

وأكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يأمر بالتحضير للتجارب النووية، بل طلب من وزارة الخارجية والوزارات الأخرى والجيش وأجهزة الاستخبارات تحليل الوضع والتوصل إلى موقف مشترك بشأن الحاجة للنظر في استئناف التجارب.

وتابع: “ما أمر به الرئيس بوتين ليس إجراء التجارب أو حتى الاستعداد لها، بل دراسة الوضع بدقة”.

وأردف وزير الخارجية الروسي: “لم نسمع عن إعلان موسكو عن تجارب نووية، وربط الأمر بما قامت به واشنطن قد لا يكون دقيقًا تمامًا، ولم نتلق حتى الآن توضيحات من زملائنا الأمريكيين بشأن ما يعنيه الرئيس ترامب بالفعل، سواء التجارب النووية أو اختبارات حاملات الصواريخ دون الحرجة، المسموح بها بموجب معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية”.

وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية لا تزال في طور التشكيل، وأن العديد من المناصب القيادية في البنتاغون والمستويات الأخرى لا تزال شاغرة، لافتاً إلى تصريحات روبرت كادليك، المرشح لمساعد وزير الدفاع لشؤون الردع النووي وبرامج الدفاع الكيميائي والبيولوجي، الذي أكد أن قرار ترامب بشأن التجارب النووية كان مدفوعًا باعتبارات جيوسياسية وليس حاجة تقنية.

وأوضح لافروف: “الهدف الجيوسياسي للولايات المتحدة هو الهيمنة، وإذا استُخدمت الأسلحة النووية لهذا الغرض، فهذا أمر مقلق، ويشكل انحرافًا كبيرًا عن المفهوم الذي تبناه ريغان وغورباتشوف، القائل باستحالة كسب حرب نووية وبالتالي استحالة إطلاقها”.

ونفى وجود أي صلة بين النقاش حول التجارب النووية والقمة الروسية الأمريكية في بودابست، وقال: “لا أرى أي صلة بينهما”.

وانتقد الوزير الروسي تقرير صحيفة فاينانشال تايمز حول أسباب إلغاء القمة، واصفًا محتواه بالكثير من الأكاذيب، مؤكدًا أن المذكرة التي أشار إليها التقرير هي مسودة غير رسمية، أُرسلت قبل عدة أيام من محادثة بوتين مع ترامب، وكانت تهدف لتذكير المسؤولين الأمريكيين بما تم التوصل إليه مسبقًا.

مقالات مشابهة

  • رافن روك حصن أميركي سري ضد الأسلحة النووية
  • كيف تغيّر شكل القنبلة النووية الأميركية منذ آخر اختبار؟
  • اتهامات بالتجارب النووية ترفع مستوى التوتر: روسيا تعلن استعدادها للحوار مع الولايات المتحدة
  • لافروف: موسكو مستعدة لمناقشة الاتهامات الأمريكية بشأن التجارب النووية
  • لافروف: في هذه الحالة روسيا ستستأنف التجارب النووية
  • روسيا: لم نتلق حتى الآن تفسيرًا من الولايات المتحدة بخصوص التجارب النووية
  • تصريحات ترامب تثير أزمة.. روسيا تطلب تفسيرا حول استئناف التجارب النووية
  • العبيدي: الوقت ينفد من الليبيين بينما يتفشى الفساد وتغيب الحلول السياسية والاقتصادية
  • محلل أمريكي:كيف نفهم تصريحات دونالد ترامب بشأن التجارب النووية؟