قال رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، الدكتور صلاح عبد العاطي، إن الخطوة التي اتخذتها تركيا بإصدار مذكرات توقيف بحق 37 مسؤولا إسرائيليا، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تُمثل تحولا كبيرا في مسار العدالة الدولية، مؤكدا أن "أنقرة فتحت الباب لمحاسبة قادة الاحتلال وأسقطت أولى طبقات الحصانة التي حمتهم لعقود".



وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "ما قامت به تركيا نقلة نوعية تؤسس لمرحلة جديدة من الملاحقة القانونية، تستند إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية واتفاقيات جنيف وميثاق روما الأساسي، الذي يُلزم الدول بفتح تحقيقات جدية باستخدام مبدأ الولاية القضائية الدولية"، معتبرا أن "هذه الخطوة تسونامي قانوني سيُجبر العالم على مواجهة جرائم إسرائيل بالعدل لا بالمجاملة".

وأوضح عبد العاطي أن "هذه المذكرات (التركية) كسرت جدار الصمت الذي حال دون ملاحقة قادة الاحتلال لسنوات، وأن حصانتهم السياسية والقانونية بدأت تتهاوى أمام إرادة العدالة الدولية"، مشيرا إلى أن "أنقرة فعّلت مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية بموجب التزاماتها الدولية، في خطوة تُعيد الاعتبار للقانون الدولي بعد عقود من التجاهل".

ولفت رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، إلى أن "المسؤولين الذين صدرت بحقهم مذكرات الاعتقال التركية سيواجهون مشكلات قانونية كبيرة عند السفر إلى الدول الموقعة على اتفاقيات لتسليم المجرمين مع تركيا، ما يضيّق الخناق القضائي على قادة الاحتلال ويحد من حركتهم الدولية".

كما دعا عبد العاطي دول العالم إلى أن تحذو حذو تركيا في تفعيل العدالة الدولية، مؤكدا أن "التحرك الفوري بات واجبا لضمان عدم إفلات قادة الاحتلال من العقاب، خاصة أن غياب الإرادة السياسية والقضائية في الماضي عطّل هذا المسار، لكن فداحة الجرائم الإسرائيلية لم تترك لأي دولة مبررا للتقاعس عن استخدام صلاحياتها القانونية".

وأكد أن "الاعتداء الإسرائيلي على نشطاء أسطول الحرية وأسطول الصمود العالمي شكّل دافعا لعدد من الدول، منها إسبانيا وتركيا، لرفع دعاوى ضد إسرائيل باعتبارها اعتدت على مواطنيها"، مؤكدا أن "المسؤولية الأكبر لا تقتصر على حماية المواطنين، بل تمتد إلى حماية مبادئ العدالة والقانون الدولي الإنساني".

والجمعة، أفاد مكتب المدعي العام بإسطنبول، عبر بيان، أنه بناءً على طلب النيابة العامة، أصدرت محكمة الصلح الجنائية مذكرات توقيف بحق 37 مشتبها فيهم بتهمة "الإبادة الجماعية"، مؤكدا أن المذكرة صدرت بحق المشتبه فيهم لارتكابهم "جرائم ضد الإنسانية" و"الإبادة الجماعية" في غزة، فضلا عن استهدافهم "أسطول الصمود العالمي" لكسر الحصار عن غزة.



مبدأ الولاية القضائية الدولية
وفي 1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هاجم الجيش الإسرائيلي 42 سفينة تابعة لأسطول الصمود أثناء إبحارها في المياه الدولية باتجاه غزة، واعتقل مئات الناشطين الدوليين على متنها، ونقلهم إلى سجن كتسيعوت، قبل البدء بترحيلهم في الثالث من الشهر نفسه.

ونوّه عبد العاطي إلى أن "بعض الدول تراجعت سابقا عن مبدأ الولاية القضائية الدولية، كما حدث في بلجيكا أثناء دعوى رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أريئيل شارون، بسبب الضغوط السياسية الأمريكية والإسرائيلية".

وأكد رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، أن "العديد من الدول تغلّب الاعتبار السياسي على القضائي؛ فقصرت مبدأ الولاية القضائية على مواطنيها لتجنب الصدام مع واشنطن وتل أبيب، ومع ذلك فهي مُلزمة قانونا بفتح تحقيقات جدية في الجرائم وإصدار مذكرات اعتقال بحق مرتكبيها وتسليمهم عبر الإنتربول الدولي دون تمييز".

وأوضح أن "توسيع نطاق الولاية القضائية الدولية سيُفقد إسرائيل حصانتها السابقة التي كانت موجودة نتيجة الضغوط السياسية"، مشيرا إلى أن "تركيا سبق أن حاكمت إسرائيل بشأن سفينة مافي مرمرة، لكنها رغم ذلك واصلت اعتداءاتها على النشطاء، ما يجعل من الواجب على الدول العربية والأوروبية التحرك الجدي لفتح تحقيقات بهذا الإطار".

وشدّد على أن "الولايات المتحدة لم تعد قادرة على التغطية على جرائم الاحتلال، ومواقفها ستتغير على المدى المتوسط، وقد يكون ترامب آخر رئيس يدعم إسرائيل بهذا الشكل الفج"، مؤكدا أن "العالم يشهد تحولا في المواقف؛ فهناك تغيّر في بنية الشارع والمنظمات الحقوقية والجاليات اليهودية في الغرب، وباتت قناعة متزايدة بأن إسرائيل أصبحت عبئا على نفسها وعلى حلفائها، وهو ما عكسته استطلاعات الرأي التي أظهرت وعيا أوسع بالسردية الفلسطينية".

وبيّن عبد العاطي أن "المطلوب فلسطينيا اليوم هو وضع استراتيجية وطنية شاملة لتوظيف هذه المتغيرات، وتشكيل هيئة وطنية فاعلة، وتفعيل دور القضاء الوطني"، منوها إلى أن "إحالة جرائم الاحتلال لمحكمة الجنايات الدولية وفرض عقوبات ومقاطعة إسرائيل باتت واجبا وطنيا وسياسيا وأخلاقيا".

وزاد: "آن الأوان لاستخدام أوراق القوة الفلسطينية، والتوافق على إدارة ومرحلة انتقالية واضحة، ومن المعيب غياب استراتيجية لتدويل الصراع"، متابعا: "مسار العدالة الدولية يقترب رغم الصعوبات، والولايات المتحدة وإسرائيل حاولتا الضغط على الفلسطينيين للامتناع عن الذهاب إلى القضاء الدولي، إلا أن العدالة لا تُساوم عليها، ويجب على دول العالم دعم المسار القضائي لمنع الجرائم القادمة ومحاسبة مرتكبيها".

تجميد الكارثة الإنسانية
وعلى صعيد الوضع الإنساني في قطاع غزة، أشار رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، إلى أنه "ما يزال كارثيا، ويمكن وصفه بأنه مرحلة من تجميد الكارثة"، موضحا أن "وقف إطلاق النار لم يتحول فعليا إلى وقف للمعاناة اليومية".

وذكر أن "مؤشرات التحسّن سطحية ومحدودة للغاية؛ إذ تقتصر على دخول شحنات رمزية وصدور بيانات سياسية عن نوايا لا تغيّر من حقيقة استمرار الحصار"، منوها إلى أن "نسب دخول المساعدات - التي لم تتجاوز 30% من الاحتياجات - تؤكد أن الأزمة ما زالت بنيوية وعميقة ولم تنتقل بعد إلى مرحلة التعافي أو حتى الحد الأدنى من الاستقرار".

وأوضح عبد العاطي أن "الفجوة بين الاحتياجات اليومية وما يدخل فعليا من مساعدات هائلة ومقلقة"، لافتا إلى أن "البروتوكول الإنساني ينص على ضرورة تدفق لا يقل عن 600 شاحنة يوميا، بينما المعدل الفعلي منذ تثبيت وقف النار لا يتجاوز 171 شاحنة يوميا، وهذا نقص يومي يتراكم على شكل أزمات غذائية وطبية وخدمية تضرب كل مقومات الحياة المدنية".

وأشار عبد العاطي إلى أن "الاحتلال يعتمد في تحديد نوعية الأصناف المسموح بدخولها معايير سياسية–أمنية، لا إنسانية، وهذه المعايير تُترجم على الأرض بإجراءات تفتيش مشددة واشتراطات أمنية مزاجية تستثني أصنافا أساسية".

وأضاف أن "استبعاد البروتينات والمواد الطازجة يُمثل محاولة للتحكم بسلة الغذاء وتقنين الإمداد، ومنع إعادة بناء قدرة مدنية مستقلة، الأمر الذي ينعكس مباشرة على الفئات الأكثر هشاشة، مثل الأطفال والمرضى والنساء الحوامل".

ولفت إلى أن "النتيجة المباشرة لهذه السياسات هي تحويل المساعدات إلى (سلة بقاء) لا (سلة حياة)؛ فما يدخل القطاع يبقي السكان على قيد الحياة بحدود دنيا دون أن يضمن تغذية سليمة، أو يوفر قدرة اقتصادية، أو يحفظ الحد الأدنى من الكرامة"، مؤكدا أن هذا الوضع "يتطابق مع تعريف استخدام المجاعة كوسيلة ضغط، حيث يُسمح بالحد الأدنى الضروري لاستمرار الحياة، مع حرمان الناس من شروط العيش الكريم".

وذكر عبد العاطي أن "غياب أي تحسّن هيكلي، واستمرار القيود على الأصناف، واتساع الفجوة في الإمدادات، ينذر بتحوّل المرحلة الحالية إلى مسار تدهور طويل الأمد"، مطالبا بضرورة "توفير ضمانات دولية لتدفق مستقر ومنتظم للمساعدات، ورفع القيود التي تتحكم في السلة الغذائية والصحية، وإعادة تفعيل الخدمات الأساسية بصورة عاجلة قبل أن تتفاقم الكارثة مجددا".

وقال إن "دخول المساعدات عبر القطاع الخاص حوّل الجوع، إلى حدّ كبير، إلى تجارة قسرية تتغذى على ندرة العرض وارتفاع الأسعار"، موضحا أن "السلع التي تمر عبر القنوات التجارية تُباع بأضعاف سعرها في ظل غياب الرقابة وتعطل الإغاثة المنظمة. هذا الواقع يحوّل الكميات المحدودة إلى ربح تجاري بدل أن تكون وسيلة لتخفيف المعاناة، بينما نحو 90% من السكان يفتقرون للقدرة الشرائية، ما يعمّق فجوة عدم العدالة ويُفرغ المساعدة من مضمونها الإنساني".



المعابر أداة ضغط سياسي
وأشار إلى أن "الاحتلال ما زال يوظّف المعابر كأداة ضغط سياسي حتى بعد وقف إطلاق النار، حيث ذلك يتم عبر التحكم في كمية ونوعية الشاحنات، وتأخير التراخيص، وتقييد عمل منظمات إغاثية أو نزع شرعيتها"، لافتا إلى أن "الانعكاسات اليومية لهذه السياسة تظهر في نقص الوقود، توقف المخابز عن العمل، تعطل أجهزة المستشفيات، وانقطاع سلاسل الإمداد، ما يؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار ويضاعف معاناة المدنيين".

وذكر أن "فترات الانتظار الطويلة عند المعابر والإجراءات الأمنية المشددة تخلق حالات تأخير خطيرة، بينما يؤدي ضعف التنسيق المحلي إلى أولويات توزيع غير متّسقة"، مُشدّدا على أن "الحل يتطلب فتح معابر أو مسارات خاصة للمساعدات الشتوية، وتوفير الوقود للشاحنات، وتفعيل شراكة بين المنظمات المحلية والقطاع الخاص ضمن مظلة أممية مستقلة".

وأوضح عبد العاطي أن "أزمة الإيواء مع اقتراب الشتاء تُعد إحدى أخطر التحديات الراهنة"، مشيرا إلى "تحذيرات البلديات والدفاع المدني من وجود آلاف المباني المهددة بالانهيار، في وقت يعيش فيه عشرات إلى مئات الآلاف في خيام متهالكة أو مبان متضررة لا تصلح للسكن الشتوي".

وأضاف أن "الضغط المتزايد على قدرات الإيواء، وغياب بدائل آمنة، يضع مجموعات كبيرة من النازحين أمام خطر مباشر في الأشهر الباردة، ما يفرض أولوية عاجلة لتوفير خيام عالية الجودة، وبيوت متنقلة، وحماية للمواقع المعرضة للانهيار".

ولفت إلى أن "التحديات اللوجستية في توزيع الأغطية والملابس الشتوية تفاقمت بفعل القيود على دخول البضائع، وندرة الوقود، وتعطّل شبكة النقل"، لافتا إلى أن "نقص المعدات الثقيلة يعيق إزالة الركام ووصول الشاحنات، كما أن البنية التحتية ومستودعات التخزين المتضررة تزيد من معدلات التلف".

ونوّه إلى أن "أكثر من 10 آلاف شهيد ومفقود ما زالوا تحت ركام المنازل، في ظل حاجة ماسة لانتشالهم"، مضيفا أن "هناك أكثر من 60 مليون طن من الركام يجب إزالته، إضافة إلى إصلاح البنية التحتية التي تمنع إسرائيل إدخال المعدات اللازمة لترميمها، بما يشمل آبار المياه ومحطات الصرف الصحي".

تعزيز الاستجابة الإنسانية
وقال رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، إن "المرحلة الحالية تتطلب تعزيز الاستجابة الإنسانية في ظل الشتاء، وتوفير الإيواء، ورفع الركام، وإزالة مخلفات الاحتلال"، مُشدّدا على أن ذلك يجب أن يتزامن مع "قيادة جهود التعافي وإعادة الإعمار، خاصة مع تحضير مصر لمؤتمر إعادة الإعمار المنتظر عقده خلال أسابيع قليلة".

وأشار عبد العاطي إلى أن "ما دخل من بيوت متنقلة وخيام ومعدات لإصلاح شبكات المياه والكهرباء والمشافي لم يتجاوز 10% فقط من الاحتياج"، مؤكدا أن "قطاع غزة يعيش كارثة بل إبادة بطيئة"، داعيا إلى "ضغط حقيقي على الولايات المتحدة لإلزام إسرائيل باحترام اتفاق وقف إطلاق النار وتعظيم الاستجابة الإنسانية وصولا إلى إعادة الإعمار".

وأكد أن "إعادة تشغيل منظومة صحية دُمّر نحو 90% من بنيتها التحتية تتطلب خطة مرحلية واضحة تبدأ من الطوارئ وتنتهي بإعادة الإعمار"، موضحا أن "المرحلة الأولى لإدخال المساعدات، والتي تصل مدتها من شهر إلى 3 أشهر، تقوم على إدخال عاجل للأدوية الأساسية، وتوفير وقود مستمر للمولدات، وتشغيل وحدات طبية متنقلة، واستقدام فرق طبية دولية لتعزيز الكوادر، إلى جانب توفير مختبرات ومستلزمات لمراكز الطوارئ".

وأشار عبد العاطي إلى أن "مرحلة الاستقرار، والتي تصل مدتها من 3 أشهر إلى 12 شهرا، يجب أن تركز على إصلاح محطات الكهرباء الحرجة للمستشفيات، وصيانة محطات المياه، وإعادة تأهيل أقسام حيوية مثل الطوارئ والولادة وجراحة الأطفال، فضلا عن تدريب ودعم الطواقم الطبية".

في حين رأى أن "مرحلة إعادة الإعمار والتي تتجاوز أكثر من 12 شهرا تتطلب إعادة بناء المستشفيات وفق معايير مقاومة للكوارث، وإنشاء نظام إمداد دوائي مستدام، وتطوير سلسلة توريد مستقلة قادرة على تجاوز القيود السياسية"، مشيرا إلى أن "الأولويات الراهنة تتمثل في توفير وقود ثابت للمستشفيات، وأدوية منقذة للحياة، ووحدات لغسيل الكلى، وقطع غيار للأجهزة الأساسية".

وأكد عبد العاطي أن "تأمين التمويل اللازم لعملية إعادة الإعمار يُشكّل تحديا إضافيا"، موضحا أن "الاحتياجات المالية المقدرة تتراوح بين 70 و80 مليار دولار لإعادة بناء ما دمره العدوان".



قوة الاستقرار الدولية
وحول احتمال تحول ما تسمى بقوة الاستقرار الدولية إلى احتلال جديد لغزة، قال عبد العاطي: "نعم، هذا أحد المخاوف الرئيسية، أن تكون هذه القوة قوة نزع السلاح"، موضحا أن "إسرائيل، رغم الكارثة الإنسانية والدمار، فشلت في نزع سلاح المقاومة، وهي الآن تريد قوة جديدة للقيام بالمهمة، وهذا أمر غير منطقي ومخالف للقانون الدولي".

وأوضح أن "إسرائيل تسعى إلى تشكيل قوة مواجهة للفلسطينيين، وهو ما لا يمكن لأي دولة قبوله، لأن ذلك يعد شراكة آثمة في جريمة"، مشيرا إلى أن "تجارب دولية سابقة، كما في إيرلندا وغيرها، أظهرت أن مثل هذه العمليات يجب أن تُدار ضمن ترتيبات سياسية وقانونية متفق عليها، وليس بفرض قوى عسكرية".

وأكد أن "الفصائل الفلسطينية من حيث المبدأ تطالب بإنهاء الاحتلال، فإذا انتهى الاحتلال لا مبرر لوجود السلاح، ويمكن نقله إلى جيش وطني أو إلى السلطة الوطنية الفلسطينية أو إلى طرف عربي مُتفق عليه"، مضيفا أن "هناك أيضا حديثا عن هدنة طويلة تمتد بين 10 و15 سنة ضمن مقاربات سياسية قابلة للنقاش".

واستدرك: "أما أن تُجعل القوة الدولية فقط لحفظ أمن الاحتلال الإسرائيلي أو لتكون شكلا جديدا من أشكال الاحتلال، فهذا أمر مرفوض تماما، وإذا لم يُعدَّل البند الذي يوحي بذلك في مشروع القرار الأمريكي، فإن الفصائل الفلسطينية ودولا عديدة في العالم لن تقبل بهذا الطرح إطلاقا"، داعيا إلى "ترتيب الإجراءات المتعلقة بمشروع القرار الخاص بإرسال قوة حماية دولية إلى غزة، بما يضمن انسجامها مع القانون الدولي وتفويضها من الأمم المتحدة لا من أي طرف منفرد".

وحول احتمال فشل تطبيق "قوة الاستقرار الدولية"، قال عبد العاطي: "لا شك أن جميع السيناريوهات واردة، وهذا الاحتمال لم يعد مجرد سيناريو، بل أمر قد يتحقق فعليا على الأرض"، مشيرا إلى أن "استمرار الاحتلال في فرض قيوده ومنع تنفيذ القرارات الدولية يزيد من احتمالية انفجار الأوضاع من جديد في أي لحظة، ويهدد كل الجهود السياسية الراهنة".

تنسيق غير كاف
وأشار إلى أن "مستوى التنسيق بين المنظمات الأهلية والأونروا وبرنامج الغذاء العالمي موجود لكنه غير كاف"، موضحا أن "قيود الوصول ونقص الشفافية في البيانات وتقييد بعض المؤسسات يعيق بناء خطة توزيع موحدة، والمطلوب هو إنشاء آلية تنسيق ميداني ثابتة بمثابة مركز تنسيق إغاثي موحّد يضمن قاعدة بيانات مشتركة وتوزيعا واضحا للمهام لتفادي الازدواجية والثغرات التي تؤثر على المدنيين".

وقال إن "أزمة الوقود المحدودة تضرب القطاعات الحيوية بشكل مباشر؛ فتوقف المخابز يؤدي إلى نقص الخبز، وتعطّل أجهزة المستشفيات - بما فيها أجهزة التنفس والعناية المركزة - يهدد حياة المرضى، فيما تعمل محطات التحلية ومعالجة المياه بطاقة منخفضة جدا أو تتوقف بالكامل".

وشدّد على أن "الحلول المؤقتة تشمل استثناء الوقود الطبي ووقود المياه من القيود، وإقامة مسارات مرور عاجل له، وتوفير مولدات احتياطية تعمل بالديزل، لكن هذه حلول وقتية لا تعالج الأزمة ما لم يُسمح بتدفق وقود ثابت ومنتظم".

وأشار إلى أن "العجز في الأدوية والمهمات الطبية واسع وممتد وخطير؛ إذ يشمل أدوية الأورام والمضادات الحيوية والمحاليل الوريدية ومواد التعقيم والأدوات الجراحية"، مؤكدا أن "مئات الأصناف الأساسية باتت مفقودة أو شحيحة، وهذا العجز يهدد استمرارية العمليات الجراحية ورعاية الأمراض المزمنة والسرطان، ويجعل المستشفيات تعمل عند الحد الأدنى من القدرة الفعلية".

وأوضح أن "المنظمات الأهلية المحلية تراجعت قدرتها بشكل حاد بعد تقييد دخول التمويل والمعدات"، مؤكدا أن "هذه المنظمات كانت تُشكّل العمود الفقري للاستجابة الإنسانية خلال الأشهر الماضية، وأن تقييد عملها يقلّص سرعة الوصول إلى المحتاجين ويزيد الاعتماد على آليات خارجية بطيئة وضعيفة الفاعلية".

وذكر رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، أن "حظر بعض الشركاء الدوليين وصعوبة إدخال المستلزمات حرم هذه المؤسسات من أدوات عملها الأساسية، ما انعكس مباشرة بشكل سلبي على مستوى الخدمة في الميدان".

ولفت إلى أن "تقييم أداء الأمم المتحدة والمانحين بعد وقف النار واقعي ونقدي في آن واحد"، موضحا أن "الخطاب الدبلوماسي والدعوات لزيادة المساعدات موجودة، لكن التنفيذ على الأرض لا يزال بطيئا وغير كاف".

وأضاف أنه على الرغم من الانتقادات، فإن "الثقة في منظومة الأمم المتحدة لم تُفقد بالكامل، بل تتوقف على قدرتها في تحويل الوعود إلى وصول حقيقي للمساعدات ضمن آليات رقابة فاعلة"، مُحذّرا من أن "استمرار العجز سيفاقم فقدان الثقة، وندعو لاستحداث آليات دولية بديلة عند الضرورة، مثل تحالفات حماية إنسانية، أو إجراءات ردع ومساءلة قانونية، أو فرض آليات تنفيذية ملزمة لحماية المدنيين".

وبيّن رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، أن "بعض الوعود المالية أعلنت بالفعل، إلا أن تحويلها إلى سلع وخدمات فعلية داخل غزة يصطدم بعقبات لوجستية وسياسية، ما يجعل الفجوة بين الوعود والتنفيذ كبيرة"، مضيفا: "النتيجة الأوضح هي وجود نوايا جيدة غالبا، وتنفيذ ضعيف متأثر بعوائق الإجرائية والسياسية".

ولفت إلى أن "التنسيق مع المجتمع الدولي لتوفير دعم مالي لإعادة الإعمار ما يزال في مستوى الوعود، لا في مستوى الخطط"، موضحا أن "غياب آلية تمويل مُحكمة يمنع تحويل المساعدات النقدية إلى مشاريع تعافٍ وإعادة إعمار آمنة، والمطلوب هو فصل واضح بين الدعم الإنساني الطارئ وبرامج الإعمار طويلة الأمد، مع ضمان رقابة دولية محايدة تمنع أي تسييس أو تعطيل".



أولويات المرحلة المقبلة
وتطرق إلى أولويات المرحلة المقبلة في غزة، قائلا إن "الأولوية الأولى هي رفع الحصار وفتح المعابر بالكامل، يليها تأمين تدفق يومي لا يقل عن 600 شاحنة تشمل الوقود وغاز الطهي والمستلزمات الطبية، إضافة إلى إنشاء آلية أممية مستقلة تشرف على التوزيع دون تدخل سياسي".

وذكر أن "دعم القطاع الصحي يبقى حجر الأساس، عبر توفير وقود للمستشفيات وأدوية منقذة للحياة وفرق طبية متنقلة، إلى جانب برنامج إيواء طارئ قبل الشتاء يشمل خياما عالية الجودة أو منازل متنقلة ومواد تدفئة".

وأضاف أن "استمرار تعطيل المرحلة الثانية من الاتفاق يقطع الطريق على الشعب الفلسطيني لاستعادة حياته الطبيعية"، معتبرا أن "تداخل المصالح السياسية الداخلية لنتنياهو مع هذا السلوك يجعل الموقف أكثر تعقيدا ويمنع أي تقدم حقيقي في المسار الإنساني والسياسي".

وأشار إلى أن "دور المجتمع الدولي يجب أن يتجسد في الضغط السياسي لرفع القيود، وتمويل طارئ مباشر، وفتح مسارات لوجستية آمنة، وتفعيل التزامات قانونية تمنع استخدام الغذاء كأداة حرب".

ووجّه رسالة إلى المجتمع الدولي قائلا إن المطلوب اليوم هو الانتقال من الأقوال إلى الأفعال الملموسة، مشيرا إلى أن "وقف النار لا يمكن اعتباره ناجحا إذا استمر الحصار وتجويع المدنيين، لأن هذا لن ينقذ الأرواح، بل سيؤخّر العدالة ويُبقي المعاناة على حالها، والهدنة لا تكتسب معناها الإنساني ما دام مئات الآلاف من المدنيين محرومين من الغذاء والوقود والرعاية الصحية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مقابلات نتنياهو الاحتلال الإبادة غزة غزة نتنياهو الاحتلال الإبادة المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدالة الدولیة قادة الاحتلال إعادة الإعمار عبد العاطی أن وأشار إلى أن مشیرا إلى أن موضحا أن مؤکدا أن وأضاف أن على أن یجب أن

إقرأ أيضاً:

زيارة رئيس إسرائيل للكونغو الديمقراطية وزامبيا تثير انتقادات فلسطينية

في أول زيارة لرئيس إسرائيلي إلى وسط أفريقيا، وصل إسحاق هرتسوغ إلى كينشاسا حيث التقى نظيره الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين تل أبيب والدول الأفريقية.

غير أن الزيارة أثارت رفضا فلسطينيا، إذ اعتبرتها حركة حماس محاولة لاختراق المواقف الأفريقية التقليدية الداعمة للقضية الفلسطينية.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أكد الرئيس الكونغولي أن بلاده تملك فرصا كثيرة يمكن أن تستفيد منها الشركات الإسرائيلية في مجالات التعدين والطاقة والبنية التحتية والزراعة والتعليم، مشيرا إلى أن المحادثات مع هرتسوغ تسير بشكل جيد جدا.

ومن جانبه، وصف الرئيس الإسرائيلي العلاقات بين البلدين بأنها صداقة عميقة، لافتا إلى أن التعاون يشمل قطاعات متعددة من الأمن والدبلوماسية إلى الزراعة والرقمنة.

وجاءت الزيارة إلى الكونغو الديمقراطية بعد محطة أولى في زامبيا، في إطار مسعى إسرائيلي لتوسيع حضورها في القارة الأفريقية، حيث تسعى تل أبيب إلى بناء شراكات جديدة مع دول لطالما دعمت الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

رئيس زامبيا، هاكيندي هيشيليما، لدى استقباله الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في مطار كينيث كاوندا الدولي في لوساكا (رويترز)الموقف الفلسطيني

واعتبرت حركة حماس في بيان صحفي، أن استقبال الرئيس الإسرائيلي يمثل تبييضا لصفحة الاحتلال وتطبيعا مع جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبها ضد الفلسطينيين في غزة.

وأكدت الحركة أن استقبال "مجرم حرب ملطخة يداه بدماء الأبرياء" يعد مشاركة فعلية في تبرير جرائم الاحتلال.

ودعت الحركة الدول الأفريقية إلى رفض هذه العلاقات ومواصلة دورها التاريخي المناهض للاستعمار والظلم، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمثل أبشع صور الاستعمار وأكثرها دموية ووحشية.

وزير خارجية زامبيا مولامبو هايمبي (يسار) مع نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر (الحساب الرسمي لجدعون ساعر)خلفية سياسية

شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في السنوات الأخيرة محاولات متكررة من تل أبيب لتعزيز حضورها في القارة، سواء عبر التعاون الاقتصادي أو عبر مشاريع زراعية وتقنية.

إعلان

غير أن هذه التحركات غالبا ما تواجه بانتقادات من قوى سياسية وشعبية ترى فيها مسعى لتقويض الموقف الأفريقي التقليدي الداعم للقضية الفلسطينية.

وتأتي زيارة هرتسوغ إلى زامبيا والكونغو الديمقراطية في وقت حساس، إذ تتواصل تداعيات الحرب على غزة، مما يجعل أي تقارب أفريقي مع إسرائيل محل جدل واسع، ويضع الدول الأفريقية أمام اختبار صعب بين مصالحها التنموية ومواقفها التاريخية من القضية الفلسطينية.

وبينما تسعى إسرائيل إلى توسيع نفوذها في أفريقيا عبر الاقتصاد والدبلوماسية، يظل الموقف الفلسطيني حاضرا بقوة في الخطاب السياسي والإعلامي، مما يضع الدول الأفريقية أمام معادلة معقدة تجمع بين حسابات المصالح ومقتضيات المواقف المبدئية تجاه القضية الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • تكريم المخرج موري بيلجي جيلان رئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي
  • «عبد العاطي»: نتطلع لزيادة التعاون التجاري مع تركيا إلى نحو 15 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة
  • بدر عبد العاطي: دعوت وزير خارجية تركيا لـ مؤتمر إعادة إعمار غزة
  • زيارة رئيس إسرائيل للكونغو الديمقراطية وزامبيا تثير انتقادات فلسطينية
  • عاجل.. عبد العاطي يستعرض في تركيا دور مصر المحوري منذ اندلاع حرب غزة
  • إسرائيل فتحت معبر زيكيم شمال غزة لإدخال شاحنات المساعدات الإنسانية
  • وزير فلسطيني سابق: إسرائيل تستغل الإزدواجية في القانون الدولي
  • تقرير رسمي فلسطيني: إسرائيل تُعرقل دخول مُساعدات غزة
  • رئيس الاتحاد الدولي للرماية: مصر أثبتت قدرتها على استضافة البطولات الدولية بكفاءة عالية