المقارنة بين الطلبة.. أسلوب تربوي خاطئ يزرع التنافس السلبي ويقوّض الثقة بالنفس
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
ربما مرَّ العديد منا بتجربة المقارنة في طفولته أو خلال سنوات دراسته، حين يلجأ بعض الآباء أو المعلمين إلى مقارنة الأبناء بزملائهم أو حتى بإخوتهم، مستخدمين عبارات قد تبدو في ظاهرها دافعًا للتحفيز، لكنها تترك أثرًا عميقًا في نفس الطفل، مثل "زميلك أشطر منك" أو "شوف أخوك كيف يذاكر". في كثير من الأحيان، يعتقد الآباء أن المقارنة وسيلة فعالة لتحفيز أبنائهم، لكن ما يغفلونه هو أن هذا السلوك -رغم نواياه الطيبة- يحمل تأثيرات عكسية؛ إذ يضعف ثقة الطفل بنفسه، ويزرع في قلبه مشاعر الغيرة والشعور بالنقص.
تعد التربية بالمقارنة أكثر من مجرد ظاهرة اجتماعية، إنها سلوك متكرر ينشأ عن رغبة حسنة، لكن غالبًا ما يؤدي إلى نتائج غير مرجوة. هذا السلوك، الذي يمارس من قبل بعض الأهل بدافع الحرص على تحفيز الأبناء، قد يسبب أضرارًا نفسية وسلوكية عميقة، سواء داخل الأسرة أو في محيط المدرسة. وفي هذا السياق، يناقش عدد من المختصين الاجتماعيين والتربويين تأثير هذا الأسلوب التربوي وما يترتب عليه من تداعيات على نمو الطفل النفسي والاجتماعي.
وفي هذا الإطار، يوضح عبدالله بن سالم الهاشمي، الأخصائي التربوي والأسري بمدرسة مالك بن فهم بمحافظة الداخلية، أن التربية بالمقارنة هي أسلوب يتبعه بعض الآباء والأمهات عبر مقارنة الطفل بإخوته أو أقرانه أو حتى أبناء الأصدقاء، سواء في التحصيل الدراسي، السلوك، أو المظهر. ويضيف الهاشمي أن هذا الأسلوب يظهر جليًا في عبارات متكررة مثل: "شوف أخوك كيف يذاكر" أو "فلان أحسن منك في الأدب". ورغم أن الغاية من هذه المقارنات غالبًا ما تكون التحفيز، إلا أن نتائجها عادة ما تكون عكسية، حيث تؤدي إلى إضعاف ثقة الطفل بنفسه، وزرع مشاعر الغيرة أو الكراهية تجاه من يُقارن بهم، ما يؤثر سلبًا على علاقاته وأدائه الشخصي.
دوافع اجتماعية وثقافية
وذكر الهاشمي أن ظاهرة التربية بالمقارنة تُعد شبه شائعة في المجتمع العُماني، مثلها مثل المجتمعات العربية الأخرى، مرجعًا انتشارها إلى الثقافة الجماعية التي تُعلي من شأن الصورة الاجتماعية للأسرة، وإلى اعتقاد بعض الآباء أن المقارنة وسيلة فعّالة للتحفيز، إلى جانب ضعف الوعي بأثر الكلمات على النمو العاطفي للطفل. وأشار إلى أن الوعي التربوي المتزايد وانتشار المحتوى التوعوي عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ساعد في تقليل ممارسة هذا الأسلوب لدى بعض الأسر.
وبيّن الهاشمي أن المقارنة تمثل في كثير من الأحيان نوعًا من العقاب النفسي غير المباشر؛ لأنها توصل للطفل رسالة ضمنية تقول له: "أنت لست جيدًا بما فيه الكفاية"، مما يولّد ضغطًا نفسيًا يدفعه نحو الانطواء أو العدوانية، وقد يفقد الطفل شعوره بالقبول الذاتي في سعيه لإرضاء والديه.
المقارنة التحفيزية والهدامة
ووضح الهاشمي أن المقارنة التحفيزية تقوم على تقديم القدوة دون التقليل من الذات، بينما المقارنة الهدّامة تُضعف الثقة وتُفسد العلاقة بين الطفل ووالديه. وأشار الهاشمي إلى أن من تعرضوا للمقارنة في طفولتهم غالبًا ما يشعرون في شبابهم بأن حب والديهم كان مشروطًا بالتفوّق، مما يترك أثرًا نفسيًا طويل المدى يتجلى في الشعور بالنقص أو القلق المستمر. وأضاف أن بعضهم قد يجعل من المقارنة دافعًا للتميز، لكن بثمن نفسي مرتفع.
وختم الأخصائي عبدالله الهاشمي حديثه بأن من المهم أن يقارن الآباء أبناءهم بأنفسهم لا بغيرهم، وأن يركزوا على التقدم الشخصي والمدح على الجهد لا النتيجة فقط، مشيرًا إلى أن الحب غير المشروط هو أعظم محفز. كما وجّه نصيحته للأبناء بعدم السماح للمقارنة أن تسرق ثقتهم بأنفسهم، وأن يحتفلوا بتقدمهم الخاص دون قياسه بغيرهم.
تقلل من تقدير الذات
بدورها، تطرّقت لطيفة البادية، عضوة جمعية الاجتماعيين العُمانية، إلى أن أساليب معاملة الوالدين لأبنائهم تتنوع بتنوع الثقافات والبيئات الأسرية، موضحةً أن بعض الأساليب التربوية تقوم على الاحتواء والتشجيع، بينما أخرى قد تكون مثبطة دون قصد، مثل أسلوب المقارنة أو النقد المفرط أو التفضيل بين الأبناء.
وأشارت إلى أن مقارنة الوالدين للطفل بإخوته أو أقرانه بهدف التحفيز تؤدي غالبًا إلى نتائج عكسية تضرّ بنفسيته، حيث تجرح مشاعره وتُضعف ثقته وتُقلل من تقديره لذاته. فيشعر بأنه أقل قيمة من الآخرين، ويتولد لديه تصور دائم بأنه غير قادر على مجاراتهم، ما يقلل دافعيته نحو التطور.
آثار نفسية واجتماعية
أوضحت لطيفة البادية، عضوة جمعية الاجتماعيين العُمانية، أن أسلوب المقارنة بين الأطفال قد يسبب مشاعر الغيرة والحسد، ويؤدي إلى إضعاف روابط الأخوة والانسجام داخل الأسرة. وتستمر تأثيراته السلبية لتطال العلاقة بين الطفل ووالديه، حيث يفقد الطفل إحساسه بالأمان العاطفي، ويشعر أن حب والديه له مشروط بالإنجاز والتفوق. فيتحول الوالدان -في نظره- من مصدر للحب والدعم إلى مصدر للتقييم والمكافأة، مما يضعف مشاعر الدفء والاطمئنان في الأسرة ويزيد من التوتر العاطفي بين أفرادها.
وأضافت البادية أنه يجب على الوالدين أن يشجعوا أبناءهم على التقدم الشخصي والتطور دون مقارنة، وذلك من خلال التركيز على تحسين الذات والجهود المبذولة، لا على المقارنة بالآخرين. وأشارت إلى أهمية استخدام عبارات إيجابية تحفز الطفل، مثل "أنت اليوم أفضل من الأمس" بدلاً من المقارنة المباشرة مع الآخرين، مثل "صديقك ما زال أفضل منك". وأوضحت أن الثناء على الجهد والسعي نحو التحسن يكون أكثر فعالية من التركيز على النتائج النهائية فقط، مما يعزز الثقة بالنفس ويحفز الطفل على بذل المزيد من الجهد.
كما نوهت البادية إلى الدور الحيوي الذي تلعبه المدارس في غرس قيم التعاون والعمل الجماعي بين الطلبة، من خلال الأنشطة المشتركة التي تخلق بيئة تنافسية صحية وتشجع على النجاح الجماعي بدلًا من التنافس الفردي المفرط. وأكدت على ضرورة أن تقوم المؤسسات التربوية بعقد ورش توعية لأولياء الأمور حول تأثيرات المقارنات السلبية، وضرورة دعمهم في تربية أبنائهم بشكل يراعي الفروق الفردية ويحفزهم على الاستقلالية.
وختمت بضرورة أن يدرك الجميع أن كل طفل يمتلك مهارات وقدرات فريدة تستحق التقدير والاحتفاء، وأن التربية الفعالة تتطلب من الآباء والمعلمين تبني أسلوب التوجيه الإيجابي الذي يعزز الثقة بالنفس ويشجع الأطفال على اكتشاف إمكانياتهم الخاصة.
وختمت لطيفة البادية حديثها بالتأكيد على ضرورة غرس قيم التقبل وتعليم الأبناء الإيمان بقدراتهم، مشددة على أن المقارنة لا تثمر تطورًا بل تؤدي إلى هدم الثقة بالنفس، وأن التربية الإيجابية تقوم على الاحتفاء بالاختلاف لا محوه.
تولّد الضغط
من جانبه، تناول محمد طناف، أخصائي اجتماعي بمحافظة الداخلية، ظاهرة المقارنة بين الأبناء والطلبة، معتبرًا أنها أصبحت شائعة في الوقت الحالي، خصوصًا في الجانب الدراسي، سواء من قبل أولياء الأمور أو المعلمين، بحجة تحفيز الأبناء وبث روح التنافس. لكنه أشار إلى أن هذه المقارنة، في الغالب، تؤدي إلى نتائج عكسية.
وأوضح الأخصائي محمد طناف أن المقارنة تُعد نوعًا من الضغط النفسي غير المباشر، حيث تُشعر الطالب بأنه أقل من أقرانه، مما يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس. وأكد أن استمرار هذا الأسلوب ينعكس في مظاهر عدة، أبرزها القلق، العزلة الاجتماعية، والشعور بالدونية، مما يحد من دافعية الطالب نحو التعلّم.
حساسية الفتيات
وأشار إلى أن الإناث أكثر حساسية وتأثرًا بالمقارنة من الذكور، وأن تأثير المقارنة يكون أشد في المراحل التعليمية الأولى؛ لأنها تساهم في تشكيل شخصية الطفل وتكوين صورته الذاتية. وأضاف أن استمرار المقارنة يولد خوفًا من الفشل ويفقد الطالب شغفه بالتعلم والتنافس، مما يؤدي إلى تراجع مستواه تدريجيًا.
ولفت طناف إلى أن مقارنة الطالب علنًا بإخوته أو أقرانه تولّد لديه شعورًا بالنقص وتغذي الغيرة، وربما الكره تجاه من يُقارن بهم. ودعا إلى رفع وعي الأسر بأساليب التنافس الصحي التي تعتمد على التشجيع والتقدير بدلًا من المقارنة.
التوعية والتدخل التربوي
كما أكد على أهمية دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والمدرسة بكل طواقمها إلى أهمية استغلال اللقاءات التي تُعقد مع أولياء الأمور لتفعيل دورهم في نشر الثقافة التربوية وتوعيتهم بالفروق الفردية بين الطلبة، كما شدد على ضرورة إقامة شراكة مجتمعية تهدف إلى دعم الطلاب نفسيًا وتزويد الأسر بأساليب تربوية تركز على التقدم الذاتي. من خلال هذه الشراكة، يمكن العمل على تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية دعم التميز الفردي وتحفيز الطلاب على العمل الجماعي. ودعا إلى تحويل المنافسة بين الطلبة إلى دافع إيجابي يعتمد على تقدير الجهد، بدلاً من التركيز على النتائج النهائية.
كما أوصى طناف الأسر بأن تنظر إلى كل طفل باعتباره "مشروع نجاح فريد"، يمتلك قدرات ومواهب خاصة يجب تقييمها بناءً على ظروفه الشخصية وطبيعته، وليس وفقًا لمعايير الآخرين. وأضاف رسالته للمعلمين قائلًا: "المقارنة المستمرة قد تقتل نفسًا شغوفة، بينما التشجيع الفردي يحييها". وركز على ضرورة منح الطلبة شعورًا بالتميز والتفرد، دون التأثير السلبي على الآخرين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الثقة بالنفس هذا الأسلوب بین الطلبة على ضرورة غالب ا إلى أن التی ت
إقرأ أيضاً:
القيم والترابط الأسري بالمدارس.. ندوة بإعلام الوادي الجديد
نظم مجمع إعلام الوادي الجديد، ندوة إعلامية بمقر مدرسة الخارجة الثانوية الفنية للبنات بعنوان " الحوار ودعم قيم الترابط الأسري".
وذلك فى إطار محور السكان وتنمية الأسرة وبرعاية الكاتب الصحفي ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات وتوجيهات الدكتور أحمد يحيى رئيس قطاع الإعلام الداخلي.
حاضر فيها فضيلة الشيخ حسن عبد الحافظ وكيل مديرية أوقاف الوادي الجديد وبحضور هالة راغب مدير المدرسة وخضر غريب مدير وحدة تكافؤ الفرص بإدارة الخارجة التعليمية، وبإشراف السيدة أزهار عبد العزيز مدير مجمع إعلام الوادي الجديد.
تناول فضيلة الشيخ حسن عبد الحافظ مكانة الأسرة في الإسلام، وذكر أنها المحضن التربوى للأبناء ويحكمها منهج حدده الاسلام في عدة خطوات تبدأ من حسن الاختيار لكل طرف شريك فى الاسرة ثم حسن تربية الأبناء ودور كل من الأب والأم في عملية التربية، مؤكدا على أن واجب الأبناء يتمثل في بر الوالدين والإحسان إليهما وأن قيام كل طرف فى الأسرة بواجباته وتحمله للمسؤولية من شأنه الحفاظ على الأسرة واستقرار المجتمع بصفة عامة والتصدى لما يواجه الأسرة من مشكلات أودت فى النهاية إلى انتشار ظاهرة الطلاق في المجتمع.
وذكر فضيلته الأسباب التى تؤدى إلى الطلاق ونتائجه التى يتحملها ويدفع ثمنها الأبناء وختم بنصح الطالبات بضرورة الصداقة بين الأم والابنة وأن تكون العلاقة طيبة بين أفراد الأسرة وذلك من شأنه المساعدة في حل الكثير من المشكلات التى تواجه الفتاة خاصة في مرحلة المراهقة وأكد على ضرورة الاستخدام الأمثل والمنضبط لوسائل التواصل الاجتماعي.
تأتي هذه الندوة في إطار خطة مجمع إعلام الوادي الجديد للتوعية المجتمعية وتعزيز القيم الإيجابية داخل الأسر، ضمن أنشطة قطاع الإعلام الداخلي بالهيئة العامة للاستعلامات، والتي تهدف إلى نشر ثقافة الحوار البنّاء ودعم استقرار الأسرة المصرية ومواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية.