ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
في الأول من يناير/كانون الثاني 2026، عندما يُقسم زهران ممداني اليمين الدستورية كأول عمدة مسلم واشتراكي ديمقراطي لمدينة نيويورك، ستقف خلفه مباشرة والدته، المخرجة ميرا ناير، وعلى وجهها ابتسامة هادئة وفخورة. هذه المخرجة التي أسهمت في تشكيل الخيال الثقافي العالمي عبر أفلام ناجحة مثل "زفاف مونسون" (Monsoon Wedding) و"الاسم نفسه" (The Namesake) و"ملكة كاتوي" (Queen of Katwe)، يبقى إنتاجها الأكثر شخصية ومدعاة للفخر ذلك الابن الذي يقف اليوم في طليعة حركة قد تغيّر الولايات المتحدة وتقود العالم إلى عصر جديد تمامًا.
وإذا كان زهران ممداني قد أظهر وعيا متقدما وصلابة في مواجهة عواصف اليمين الأميركي، وشراسة اللوبي الصهيوني في المدينة الأيقونية، فإن التعرف على والدته يبدد كثيرا من الدهشة. فميرا ناير مخرجة مقاتلة، لا تساوم على رؤيتها الفنية، وترفض الانصياع لإملاءات أستوديوهات هوليود الكبرى. اختارت طريق الإنتاج المستقل، لتقدّم أفلامًا تضاهي أعمال الشركات العملاقة في الإيرادات، وتحظى في الوقت نفسه بثناء النقاد واحترامهم. كانت دائمًا منحازةً للعمال والمهمّشين، في دلهي وكمبالا ونيويورك، تعبّر عن ذلك بوضوح في أعمالها التي بدأت بوصفها وثائقية، قبل أن تتحوّل إلى سرديات روائية تحمل الخيال والوعي الاجتماعي معًا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مغني الـ"راب" الذي صار عمدة نيويورك.. كيف صنعت الموسيقى نجاح ممداني؟list 2 of 2اشتهر بدوره في "محارب الظل".. وفاة الممثل الياباني تاتسويا ناكاداي عن 92 عاماend of listورغم أن أفلامها أنارت حياة الناس حول العالم، فإن مشروعها الأكثر حميمية تجلّى في بيتها. وُلد ابنها زهران في كمبالا عام 1991، في وقتٍ كانت فيه هي وزوجها الأكاديمي محمود ممداني، المولود في أوغندا، منخرطَين بعمق في الفكر والسياسة على جانبي الأطلسي. ربّت ميرا ابنها في نيويورك، ونسجت له نسيجًا من العدالة والحكاية وهوية الشتات. ويروي العمدة المستقبلي في مقابلاته كيف كانت أحاديث العائلة تمتد على مائدة العشاء من إنهاء الاستعمار إلى دوستويفسكي، ومن بوليوود إلى ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في مصر.
إعلانلم تكتفِ ميرا بتربية طفل، بل كوّنت مواطنا واعيا. أدركت منذ البداية أن فهم الأنظمة العالمية شرطٌ لفهم الذات، فحرصت على أن يرى ابنها موقعه داخل قصة أكبر من حياته الخاصة. وفي أجواءٍ فنية نابضة، تعلّم زهران أن التعاطف فعلٌ لا شعور، وأن الإيمان بالعدالة لا يكتمل إلا بالنضال من أجلها.
ورغم أنها ابتعدت إلى حد كبير عن صور الحملات الانتخابية وجلسات التخطيط الإستراتيجي العامة، فإن بصمات ميرا ناير واضحة في مسيرة ابنها السياسية. فقد ساعدته على تطوير فهم عميق للسرد والصورة والرمزية، وهي مهارات جعلت خطاباته ورسائله السياسية مؤثرة بشكل غير عادي.
ولدت ميرا ناير في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1957 في ولاية أوديشا الهندية. نشأت مع شقيقين أكبر منها. كان والدها موظفًا حكوميًا ووالدتها أخصائية اجتماعية. في سنوات مراهقتها، انتقلت مع عائلتها إلى بوبانسوار والتحقت بمدرسة إنجليزية، درست الأدب والمسرح والفنون. كان زواجها الأول من المصور والمحاضر ميتش إبستين بعد أن التقيا أثناء وجودها في جامعة هارفارد وتزوجا في الهند عام 1981، ثم انفصلا. كان زواجها الثاني من عالم السياسة محمود ممداني، الذي التقت به في نيروبي أثناء قيامهما بأبحاث، وتزوجا عام 1991 وأنجبا لاحقًا "العمدة زهران".
بدأت ميرا مسيرتها المهنية في مجال السينما بعد دراسة علم الاجتماع في جامعة دلهي، ثم في جامعة هارفارد، حيث قادها شغفها المتزايد بالسرد القصصي البصري إلى صناعة الأفلام الوثائقية. في نهاية سبعينيات القرن الماضي، أخرجت أفلامًا وثائقية قصيرة حول الفقر والهوية في الهند، منها "بعيدًا عن الهند" 1983(So Far from India)، الذي نال ثناء كبيرًا في مهرجان نيويورك السينمائي. في عام 1988، حققت شهرة دولية بفيلم "سلام بومباي!" 1988 (Salaam Bombay!)، وهو تصوير رصين لأطفال الشوارع في مومباي، وحصل على ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية. وقد رسخ هذا النجاح مكانة ناير كصوت عالمي مزج بين الأصالة الهندية ولغة سينمائية عالمية، مما مهد الطريق لأعمالها اللاحقة مثل "ميسيسيبي ماسالا" و"زفاف مونسون".
أعمال أيقونيةاعتبر فيلم "ميسيسيبي ماسالا" 1991 بمثابة وعد بمخرجة متميزة، وقد نجحت من خلاله ميرا ناير في تصوير تعقيدات الهوية والمنفى والعلاقات بين الأعراق. ليصبح عملا رائدا في تمثيل أصوات جنوب آسيا في السينما الغربية. يروي الفيلم قصة مينا، وهي شابة هندية أوغندية، وعلاقتها العاطفية برجل أميركي من أصل أفريقي في الجنوب الأميركي. الفيلم من بطولة ساريتا تشودري ودينزل واشنطن، ويتناول التوترات الثقافية داخل مجتمعات المهاجرين والسود.
نالت أفلام ميرا ناير شهرة كبيرة، وبرزت منها 3 أفلام باعتبارها أيقونية بشكل خاص "زفاف مونسون" Monsoon Wedding) 2001)، و"نفس الاسم" 2006 (The Namesake)، و"ملكة كوتوي" Queen of Katwe) 2016). لا تمثل هذه الأفلام ذروة مسيرتها الفنية فحسب، بل تعكس أيضًا التزامها العميق بسرد قصص غنية عاطفيا وجذور ثقافية ذات صلة عالمية. ولعل "زفاف مونسون" هو الأكثر شعبية، إذ يروي قصة نابضة بالحياة وفوضوية وإنسانية إلى حد بعيد عن استعدادات عائلة بنجابية لزواج من نوع الصالونات. وقد تم الاحتفال بالفيلم لتصويره للتصادم بين التقاليد والحداثة، وفاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي وأصبح منذ ذلك الحين من كلاسيكيات السينما العالمية، حتى إنه تم تحويله إلى مسرحية موسيقية في برودواي.
إعلانأما فيلم "الاسم نفسه" والمقتبس من رواية غومبا لاهيري، فهو رصدٌ أكثر حميمية وتأملا للهويات المهاجرة والتوتر بين الأجيال وتعقيدات الانتماء، وذلك من خلال عدسة عائلة أميركية بنغالية. صنعت ناير فيلمًا لاقى صدى واسعًا لدى جماهير الشتات حول العالم. وفي فيلم "ملكة كاتوي"، قدمت دراما رياضية مؤثرة تتناول قصة لاعبة الشطرنج الأوغندية المعجزة فيونا موتيسي. قدّم الفيلم أداءً قويًا من الممثلة لوبيتا نيونغو وديفيد أويلوو، وقد شكّل انطلاقةً للاحتفاء بالتميز والصمود الأفريقيين، لا سيما بين النساء.
يتميز كل فيلم من هذه الأفلام بأسلوبه المميز وطابعه الجغرافي، إلا أنه يجمعها أسلوب ميرا ناير المميز، والنابض بالحياة، والواعي اجتماعيًا. رسّخت هذه الأعمال مكانتها كصاحبة رؤية تربط بين العوالم بروحها وتألقها السينمائي.
لا تعد بداية العام القادم مجرد يوم يبدأ خلاله عمدة أكبر مدن العالم عمله، ولكنه تأكيد على أن موازين القوى الحقيقية تكمن في البيت حيث يغرس الأب الدكتور محمود ممداني قيما تتعلق بالبسطاء، وتغرس الأم المخرجة ميرا ناير قيم الأصالة والتمسك بالحق، وحين تنجح المعادلة تصرح والدة العمدة قائلة لمجلة فورتشن "لطالما آمن زهران بأن العدالة ليست صدقة، بل حق. إن مشاهدته وهو يُجسّد هذا الإيمان في الشوارع، ثم في المجلس، ثم في مبنى البلدية، قصةٌ لا أستطيع كتابتها أبدًا، بل أشهدها بخشوع."
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
زهران ممداني.. ظاهرة جديدة في التاريخ الأميركي
12 نونبر، 2025
بغداد/المسلة:
محمد صالح صدقيان
فوز زهران ممداني في انتخابات عمدة ولاية نيويورك كرّس ظاهرة تستحق المتابعة. بدءاً بالهوية والمواصفات والانتماء وكل المسار الذي جعله يُقارع الأقوياء في حزبه الديموقراطي كما خصومه في الحزب الجمهوري، وصولاً إلى دخوله مبنی بلدية إحدى مدن العالم الأكثر غنى، صناعياً وتجارياً ومالياً وثقافياً وسياحياً وترفيهياً.
لا أحد كان يعرف من هو زهران ممداني قبل شهور قليلة من فوزه. لمع اسمه في مدينة المال والأعمال؛ المدينة التي تُعتبر رمز القوة الناعمة للولايات المتحدة والتي تحتضن “وول ستريت”؛ المدينة التي تضم أكبر عدد من المليارديرات في العالم؛ المدينة المصنفة بين المدن الغنية في العالم. مدينة المال والأسهم والسندات.
من هو زهران ممداني ابن الأربعة وثلاثين عاماً؟ هُو، كما يُردّد، ليس المرشح المثالي “لكنني مسلم اشتراكي ديموقراطي وأرفض الاعتذار عن أي من هذه (الصفات)”. وزاد في خطاب الفوز أمام جمهوره: “نيويورك مدينة المهاجرين وبُنيت بواسطة المهاجرين وتدار بقوة المهاجرين، واعتباراً من هذه الليلة يقودها مهاجر”.
في قراءة أولية للمصطلحات التي تضمنها خطاب ما بعد الفوز يظهر جلياً أنه يتباهى بهوياته: “مسلم”، “اشتراكي”، “ديموقراطي”، “مهاجر”، وهي مصطلحات جدلية حسّاسة وساخنة تتجاذبها التيارات والأحزاب الأميركية المختلفة، ولا سيما في ضوء قرار الرئيس دونالد ترامب بتضييق الخناق علی المهاجرين والاستمرار في خطته وبرامجه الاقتصادية التي أدت الی مستويات قياسية من التضخم والبطالة وغلاء المعيشة. خططٌ وبرامج أدت إلى جعل نسبة التأييد لترامب في أدنى مستوياتها، إذ تجاوزت الفجوة السلبية بين المؤيدين والمعارضين حاجز العشر نقاط مئوية، وفقًا لمؤشر “ريل كلير بولينج”، الأمر الذي يُمكن أن يؤثر سلباً على انتخابات التجديد النصفي في خريف العام 2026، ويتزامن هذا التراجع مع الإغلاق الحكومي الحالي الذي أصبح الأطول في التاريخ هذا الأسبوع، بعدما تجاوز الأربعين يوماً.
الخطاب الاجتماعي قال زهران ممداني في خطاب الفوز: “سوف نحاسب أصحاب العقارات السيئين لأن أمثال ترامب في مدينتنا اعتادوا علی استغلال المستأجرين من دون محاسبة، سننهي ثقافة الفساد التي سمحت للمليارديرات أمثال ترامب بالتهرب من الضرائب واستغلال الاعفاءات الضريبية.. سوف نقف إلی جانب النقابات وندافع عن حقوق العمل.. وكما يعلم ترامب، عندما يتمتع العمال بحقوق قوية يصبح أصحاب العمل الذين يستغلونهم صغاراً جداً بالفعل. سنقاتل من أجلكم لأننا منكم”.
هنا ينبري السؤال الآتي: من هم هؤلاء الذين كان يخاطبهم ممداني؟ وهل خاطب عموم الشعب الأميركي أم فقط قاعدته في نيويورك؟ هذا سؤالٌ مهمٌ لأن الوسط الاجتماعي الذي تحدث معه ممداني هو الوسط الذي أوصله إلى منصب عمدة نيويورك. إنّه جيل “Z” وجيل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً. هذه القوة الخارقة التي لا تقرأ الصحف ولا تشاهد القنوات التلفزيونية ونشرات الأخبار، لا “فوكس نيوز” ولا “سي. إن. إن”. إنهم يملكون وسائل التواصل الاجتماعي والجهاز السحري الذي استطاعوا عبره خلال أقل من ستة أشهر تغيير المعادلة الانتخابية وإبعاد ديناصورات السياسة، من جمهوريين وديموقراطيين، علی حد سواء. نجح الشاب في مخاطبة عقول الجيل الجديد. طرح خلال حملته الانتخابية أفكاراً كتلك التي يحلم بها الشباب وهم يناضلون لأجل وظيفة مفقودة أو مسكن بسعر أو ايجار عادل أو نقل عام مجاني إلی حد كبير.. طرح أيضاً أن تكون حضانة الأطفال شبه مجانية.
ظاهرة سياسية زهران ممداني ظاهرة سياسية أخلاقية بكل معنى الكلمة. قاوم جماعات الضغط الإسرائيلية.. كان لافتاً للانتباه أن أغلب يهود نيويورك من فئة الشباب وقفوا إلى جانبه. تعاطف مع فلسطين ووقف ضد المذبحة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضد سكان غزة.. كافأهم ترامب بقطع ميزانية الجامعات التي وقفت ضد إسرائيل مثل جامعة هارفرد.
نحن نتحدث عن نيويورك، المدينة التي شهدت أفظع المشاهد في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. لم يناصره الديموقراطيون في حين حاربه الجمهوريون كما الدولة العميقة التي جنّ جنونها وسعت بشتی الطرق لابعاده واقصائه عن المسرح. مسارٌ جديدٌ لكنه بلا مآلات محددة. لم يكن الضيف المناسب للجمهوريين غير أن الديموقراطيين الذين انتمی لهم بدوا أيضاً محرجين لأن 70 – 80 بالمئة من شباب هذا الحزب تأثروا بما يحمل من أفكار وتصورات وخطاب سياسي واقتصادي جديد لأنه جدّد الأمل بالتغيير، بعدما صار الحزب الذي ينتمون إليه غير قادر على تجديد نفسه وقياداته. من جهته، يعتقد دونالد ترامب أن النظام السياسي الأميركي وأدبياته يجب أن يتغيروا بما يخدم مستقبل الولايات المتحدة. ويُؤخذ على ترامب أنه لم ينجح في استمالة شريحة الشباب التوّاقة للتغيير في المجتمع الأميركي.. في المقابل، وبرغم دينه الإسلامي الذي من شأنه أن يُدغدغ عواطف المسلمين، إلا أن خطاب ممداني كان بعيداً كل البعد عن التعصب والمذهبية والانغلاق.. خاطب العقول والآمال قبل القلوب والمشاعر.
قد يتصور البعض بأن الكاتب يُبالغ في الحديث عن زهران ممداني لكن الرأي العام الأميركي نفسه يبدو مشدوهاً في التعامل مع ظاهرة يصعب أن تمر مرور الكرام. ظاهرةٌ ستخضع للتدقيق والتمحيص من مراكز الأبحاث وأساتذة علم الاجتماع والسياسة والميديا.. لأجل محاولة رصد ما سيكون لها من انعكاسات مستقبلية علی المجتمع الأميركي.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts