ما الذي يؤخر تدفق الاستثمارات وعودة السيولة النقدية إلى سوريا؟
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
دمشق – بعد سقوط النظام السوري السابق و دخول سوريا مرحلة التعافي، وبعد أن قضت الحرب والفساد والعزلة الممنهجة المصحوبة بالعقوبات الاقتصادية على منظومة الاقتصاد السوري بكل مقوماتها الطاقية والمالية والمصرفية وحتى البشرية، جاءت مذكرات التفاهم الاستثمارية التي تم الإعلان عنها خلال الشهور الأخيرة مع العديد من البلدان وفي مجالات مختلفة كخطوة واسعة المدى على درب إعادة الإعمار والنهضة المعيشية للمواطن السوري و البلد بأكمله.
وفي العرف الاقتصادي فإن مذكرات التفاهم تبقى مذكرات مكتوبة لفترة زمنية معينة وليس بالضرورة أن تتحول كلها إلى اتفاقيات تُطبق فعليا، ولتأتي أُكلها الاستثماري تحتاج إلى شروط مختلفة تحددها إرادة المستثمر التي تُبنى عادة على الثقة وعلى طبيعة البلد المُستَثمر به والإمكانيات المتاحة للمستثمر للبدء وكذلك التسهيلات ومن هنا يأتي السؤال ما سبب تأخر الاستثمارات وتدفق السيولة المالية إلى سوريا؟
البيئة الآمنةيمكن القول إن هناك عوامل عديدة حالت دون تحويل مذكرات التفاهم التي تم توقيعها إلى اتفاقيات وبما أن الاستثمار والأمن صنوان لا يفترقان، فإن المستثمر سواء أكان محلياً أم أجنبياً فهو يبحث أولاً عن البيئة المستقرة والآمنة، وهنا لا نقصد بالبيئة الآمنة هو تحول البلد من بؤرة الحرب إلى حالة التصافي الاجتماعي فقط، وإنما البيئة التشريعية الناظمة للقوانين الواضحة والمنفتحة على دول العالم بدون قيود واشتراطات تعيق تدفق رؤوس الأموال، بمعنى أن تكون بيئة جاذبة لأي مستثمر خالية من العقوبات والعقبات.
وعلى ما سبق يفنّد المحلل الاقتصادي د.علي محمد في حديث للجزيرة نت أهم أسباب تأخر الاستثمارات وتدفق السيولة المالية إلى سوريا فيقول:
المستثمر يحتاج إلى أمرين قبل بدء الاستثمار وهما الأمن والطاقة، وبالطبع هناك ضعف كبير في البنية التحتية سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة ودمار واسع في قطاع الطاقة والكهرباء والمواصلات. وهذا الضعف يتطلب استثماراً مباشراً بالطاقة كون المستثمر لمجالات أخرى يبحث عن الطاقة فغيابها يجعل تدفق الاستثمارات بطيئاً. والبدء بمشاريع الطاقة يحل عقبة كبيرة وهي توفير الطاقة للسوريين أولاً و للمستثمرين في قطاعات أخرى غير الطاقة. البيئة التشغيلية من مواصلات وموانئ ومطارات وجسور بحاجة ماسة إلى تطوير وبدء فعلي للاستثمارات فيه كحل لعقبة ثانية في تدفق الاستثمارات. توقيع مذكرات التفاهم الاستثماري بين بلدين لا يعني تدفق فوري لرؤوس الأموال، فهناك مراحل متتالية من حيث تدعيم دراسة الجدوى الاقتصادية التي قام عليها هذا المشروع الاستثماري لتكون مبنية على معلومات صحيحة مستندة على أرض الواقع والشروط المتعلقة بحماية الملكية. الظروف المتعلقة بالبيئات القانونية والتشريعية، كاتفاقية حماية الاستثمارات المتبادلة بين وزارة الاقتصاد السورية ووزارة الاستثمار السعودية التي تمت بعد شهر من توقيع مذكرات التفاهم في سوريا. الاستقرار الأمني والاجتماعي مهم جداً على كافة المستويات حتى تتمكن رؤوس الأموال من التعامل مع البيئة المراد الاستثمار بها وفق دراسات دقيقة لكافة العوامل المؤثرة على الاستثمار وبخاصة القوانين الناظمة للحركة النقدية في البلد المُستَثمر به من كل النواحي كالتشريعات النقدية والمالية. رأس المال حكيم فهو يختار المواقع الصحيحة والاستثمارات التي تدر الأموال لذلك فإن مسألة بناء الثقة متعددة المناحي على الصعيد التشريعي والقانوني والواقع ككل أمنياً وسياسياً واقتصادياً. العقبة الأكبر وهي قانون قيصر فبالرغم من إزالة معظم العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، إلا ان وزارة الخزانة الأميركية حتى تسمح بتصدير بعض المعدات ذات الطابع المدني والتكنولوجي إلى سوريا، فلا بد من تجميد قانون قيصر وهو ما قد يحتاج لشهر أو شهرين. من المهم أن تصبح سوريا على قوائم مجموعة العمل المالي وبالتحديد على قائمتها العادية وليست الرمادية أو السوداء، الأمر الذي يسهل زيادة تفعيل ربط سوريا بالنظام المالي العالمي (SWIFT) و تسهيل حركة التحويلات المالية من وإلى سوريا، لتتجاوب بدورها كافة المصارف العالمية مع مثيلتها السورية لفتح حسابات المصارف السورية لديها وبالتالي تحريك الحوالات والتحويلات النقدية.
واقع العمل الاستثماري
وبالحديث عن واقع العمل الاستثماري ما الذي يؤخر تدفق الاستثمارات وعودة السيولة النقدية إلى سوريا؟ فقد وجدت بعض الاستثمارات بالفعل طريقها في سوريا و بخاصة الاستثمارات السعودية والقطرية وحتى بعض الشركات التي بدأت باستقطاب العديد من الكفاءات والخبرات السورية للبدء بتنفيذ المشاريع على أرض الواقع، في حين بدأت شركات أخرى بالعمل على تحسين البيئة التحتية الملائمة لاستهلال مشاريعها المتفق عليها مع الحكومة السورية. وبالرغم من ذلك تقف استثمارات اخرى على العتبة بانتظار حلول لعقبات البنى التحتية و العقوبات الاقتصادية وسواها.
إعلانوعلى اعتبار أنه لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة في بلد عُزل لفترة طويلة عن العالم و تحول إلى محمية بشرية مغلقة قاتلة لأهلها عوضاً عن حمايتهم، فلا يمكن تصور نجاح أي شأن استثماراتي دون الوصول إلى كيان بشري واحد متآلف وضمان حالة ثقة متوازنة بين النسيج السوري أولاً و بين سوريا مع العالم الخارجي أيضاً وهو ما تعمل عليه الحكومة السورية جاهدة من ضبط للأمن والعمل على كشف حالات الفساد والرشوة والوصول إلى نظام مؤسساتي مبني على تنوع الكفاءات وفاعليتها وضمان تواجد الشخص المناسب في المكان المناسب. و عليه يؤكد الكاتب و الباحث ونائب رئيس مجلس النهضة السوري أمجد اسماعيل الآغاً موضحاً التالي:
الحديث عن الاستثمارات في سوريا يبدو بأنه بوابة قد تُشكل المفتاح الأساسي لتحقيق ما يريده السوريين حيال التعافي الاقتصادي والنهضة المعيشة، أو بداية لمسارٍ منظم يهدف إلى إعادة بناء الواقع السوري بكل مستوياته بعد سنوات طويلة من الصراع والدمار، بيد أن هذه الصورة الزاهية تصطدم بحقيقة ماثلة على الأرض، حيث لا يمكن فصل المشهد الاقتصادي عن التعقيدات السياسية والأمنية التي لا تزال تفرض نفسها بقوة، وتمنع تأسيس بيئة مستقرة تنطلق منها الاستثمارات بشكل حقيقي ومستدامة.
ورغم توقيع عقود واتفاقيات ضخمة وهو ما أعتبر مؤشراً على انفتاح الاقتصاد، إلا أن الأمر لا يتعدى كونه أمراً رمزياً، خاصة في ظل غياب ضمانات تطبيقية، وعدم توفر بيئة عمل مستقرة، وسط استمرار التقلبات الأمنية وعدم وضوح المشهد السياسي وتأخر إعادة الإعمار الحقيقي. فاستعادة الاقتصاد لا تُقاس فقط بمليارات الأموال المتداولة، بل بمدى قدرة المنظومة السياسية على توحيد الرؤى وإرساء أسس التوافق الوطني الذي يواكب إعادة بناء مؤسسات الدولة وتوزيع السلطات بشكل عادل ومستدام.
في المقابل تنطوي عملية إعادة الإعمار على ما هو أكثر من مجرد أموال وجهود تقنية. إنها عملية سياسية بامتياز تستدعي إرادة حقيقية على مستوى حكم الدولة، ترتكز على مشروعية تشاركية تضمن حقوق كافة المكونات الاجتماعية وتتيح مشاركة فعالة في إدارة الاقتصاد والمجتمع. وعليه، تعثر التسوية السياسية والمصالحة الوطنية ينعكس مباشرة على عرقلة التحسن الاقتصادي، ويطيل أمد حالة الانقسام وعدم الاستقرار التي تخيم على المشهد.
ويختم الآغا مؤكداً أن التأخير في استعادة الاقتصاد السوري لا يمكن اختزاله في عامل الوقت فقط، بل هو تعبير عن إعادة تأسيس مشددة للنظام السياسي وإقامة ترتيبات وطنية تضمن استقرار الدولة وشمولية التنمية، إلى جانب تأثير مباشر للبيئة الإقليمية والدولية التي تحيط بسوريا والتي تتحكم بحجم الدعم الاقتصادي والسياسي المتاح. ولهذا، تبقى العلاقة بين الاقتصاد والسياسة مفتاحاً لتفسير واقع التأخر حيال تفعيل الإستثمارات بمعناها الواقعي والحقيقي وكذا تأخر تدفق السيولة المالية، حيث يجب أولاً إزالة العوائق السياسية الكبرى بما يشمل بناء توافقات وطنية، وتعزيز شفافية الحوكمة، وتحسين مقومات الإدارة، قبل أن يكون الحديث بجدية عن إطلاق استثمارات فعلية تقود البلاد نحو تعافي اقتصادي مستدامة.
إعلانومما سبق يمكن التأكيد على أن تسهيل تدفق الاستثمارات وعودة السيولة النقدية تحتاج مسار اقتصادي إصلاحي مبني على قوانين واضحة ومقترن بإعادة هيكلة البنى التحتية لتصبح قادرة على استيعاب الاستثمارات وجذبها إضافة إلى إرساء الثقة المجتمعية والآمنية التي توفر بيئة صحية للمستثمر وتعطي ثقة للعالم تُفضي إلى إلغاء أي عقوبات تعيق الحركة النقدية من وإلى سوريا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات تدفق الاستثمارات مذکرات التفاهم إلى سوریا لا یمکن التی ت
إقرأ أيضاً:
قصف إسرائيلي يستهدف مواقع في الجنوب السوري
صراحة نيوز -أطلقت القوات الإسرائيلية، مساء اليوم الأربعاء، عدداً من القذائف المدفعية استهدفت مواقع في منطقة تل الأحمر الشرقي بريف القنيطرة الجنوبي. وتشهد مناطق الجنوب السوري منذ عدة أشهر سلسلة انتهاكات متكررة ينفذها الاحتلال الإسرائيلي، شملت توغلات عديدة واعتقالات وعمليات تفتيش ومداهمات، في انتهاك واضح لاتفاقية فصل القوات لعام 1974 وقرارات مجلس الأمن.