أمريكا صانعة الإرهاب وإعادة تدوير قادته
تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT
دأب الشيطان الأمريكي على صياغة التحالفات والتحالفات المضادة وقيادة كلّ منها بشكل يثير العجب والاشمئزاز، ولكن العجب الأكبر هو في انصياع الدول التابعة لهذه التناقضات الصارخة والتزامها التبعية في جميع الحالات، وانضمامها لكل تحالف ونقيضه، فقد صنعت أمريكا التنظيمات الإرهابية تحت راية “الإسلام” زورًا مثل تنظيم “القاعدة” لمحاربة الاتحاد السوفييتي بعد حملة دعايات لشيطنته، ثمّ ما لبثت أن بثت حملة دعايات لشيطنة “القاعدة” لصياغة تحالفات دولية لمحاربته.
حتّى على مستوى الانشقاقات والتنوعات المنبثقة من “القاعدة”، فقد وظفت أمريكا “داعش” في منظومة الهيمنة بحيث شكلت رأس حربة على خصوم أمريكا والكيان وتحولت إلى ميليشيا جيواستراتيجية تنفذ أهداف أمريكا في المنطقة.
وفي أحدث التجليات لهذا الاستخفاف بالعالم، استقبل الرئيس الأمريكي واحدًا من قيادات تنظيم “القاعدة” في البيت الأبيض بصفته رئيسًا لبلد عربي كبير مثل سورية، وهو بلد هام وله وزنه الاستراتيجي في الأمن القومي العربي ودور وازن في الصراعين الإقليمي والدولي.
استقبل ترامب “أبو محمد الجولاني” بمسماه الآخر “أحمد الشرع” والذي كان عضوًا بارزًا في تنظيم “القاعدة” بالعراق ومقربًا من مؤسسه أبو مصعب الزرقاوي، ثمّ كان موفد أبو بكر البغدادي إلى سورية لتأسيس فرعها في سورية باسم “جبهة النصرة”، والذي لا يعرف أعضاء الجبهة عنه شيئًا بما فيه تاريخ مولده.
واللافت أن هناك تضاربًا حتّى في المصادر التي تروي لقاء الجولاني والبغدادي، فبينما تذهب معظمها إلى أن التعارف جاء في سجن “بوكا” الأمريكي في العراق والذي شكّل مفرخة لقيادات “داعش”، تقول بعض المصادر الأمريكية أن الجولاني تم سجنه في معتقل آخر، وذلك لزيادة هالة الغموض المحيطة بالرجل.
إلا أن الثابت أن فترة احتجاز الجولاني كانت أطول بكثير من البغدادي الذي خرج لمهمة محدّدة ليتوارى عن الأنظار، بينما تم إعداد الجولاني لمهمة أكبر بدأت تتكشف مع العفو عنه ورفع اسمه من قائمة الإرهاب وتنصيبه رئيسًا لسورية ورفع العقوبات عنها وإبداء ترامب إعجابه الشخصي بالجولاني وتأييد برّاك له وجعله نموذجًا يطالب لبنان والمنطقة بالاقتداء به!.
والمطروح حاليًّا كشفت عنه صحيفة “هآرتس” الصهيونية والتي أفادت بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضع اللمسات الأخيرة على صفقة شاملة مع سورية حول تفاهمات أمنية مع “إسرائيل”، وانضمام دمشق إلى “الاتفاقات الإبراهيمية”.
وهذه الصفقة، وفقًا للصحيفة، تُعد جزءًا من جهود أمريكية لتعزيز الاستقرار في سورية من خلال دمجها في إطار أمني وإقليمي أوسع، بما يشمل مشاركتها في “التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش””، وتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” ضمن آلية غير مباشرة تُدار عبر الوساطة الأمريكية.
وهو ما أكده المبعوث الأمريكي إلى سورية، توم برّاك، والذي قال إن أحمد الشرع (الجولاني) سيوقّع اتفاقية الانضمام الرسمي لسورية إلى “التحالف الدولي ضدّ تنظيم “داعش””.
وبنظرة إلى هذا التحالف فهو من التحالفات التي تشكّل اختراقات جيواستراتيجية، وهو دأب أمريكا في أكثر من منطقة بالعالم.
فقد تأسس التحالف رسميًا في 10 أيلول/سبتمبر 2014 بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية، وضمّ في بدايته أكثر من 60 دولة، ثمّ توسّع ليشمل أكثر من 85 دولة ومنظمة دولية حتّى عام 2024.
ورغم الشواهد والأدلة التي قالت إن أمريكا تدعي قصف التحالف نهارًا وإمداده بالعتاد والسلاح ليلًا بعد الكشف عن معدات أمريكية أنزلت بالمظلات في معسكرات””داعش”، إلا أن أمريكا استمرت في تكوين التحالف وضم الدول والمنظمات الدولية له.
وهناك عدة أمور لافتة في تشكيل التحالف يمكن رصدها تاليًا:
1 – الدول الغربية والقوى المؤسسة للتحالف تحت قيادة أمريكا ضمت تحالف العيون الخمس الذي يشمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهو تحالف يخضع لمعاهدة تختص بمجال التعاون المشترك في استخبارات الإشارات، وتعود أصوله إلى فترة ما بعدَ الحرب العالمية الثانية، عندما أصدر الحلفاء “ميثاق الأطلسي” لوضع أهدافهم لعالم ما بعدَ الحرب، ثمّ طوّر التحالف نظام المُراقبة “إيكيلون” لمراقبة اتّصالات الاتحاد السوفييتي السابق والكتلة الشرقية، ويستخدم حاليًّا لمراقبة الاتّصالات في جميع أنحاءِ العالم، وأثناء (الحرب الأمريكية على الإرهاب) ركَّزَ التحالف على شبكة الويب العالمية، وقد وصف المُتعاقد السابق معَ وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن العيون الخمس بأنَّها “منظَّمة استخبارات فوق وطنية لا تستجيب للقوانين المَعْروفَةِ لبلدانها”، وكشفت الوثائق التي سرّبها سنودن في 2013 أنَ مكتب التحقيقات الفيدراليّ يتجسس على المُواطنين ويُشارك المعلومات التي يجمعها معَ العيون الخمس للتحايل على اللوائح المحلية التقييدية المتعلّقة بمراقبة المواطنين.
2 – يضمّ التحالف دول أوروبا التابعة لأمريكا وكذلك السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت والأردن ومشاركات من الدول العربية الأخرى الدائرة في الفلك الأمريكي ودول آسيا التابعة لأمريكا في مواجهة الصين ودول أفريقية منها نيجيريا والنيجر وتشاد وكلها موظفة في تموضعات أمريكا في أوروبا وآسيا وقلب أفريقيا في منطقة الساحل والصحراء.
3 – التحالف يضمّ المنظمات الدولية التابعة والموظفة لدى أمريكا وهي الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” والانتربول ومعهم جامعة الدول العربية!.
4 – التحالف بالطبع لا يضمّ القوى الحقيقية التي حاربت «داعش» والإرهاب وهي حركات المقاومة بداية من إيران ووصولًا للمقاومة العراقية وحزب الله والذي كان له اليد الطولى في محاربة التنظيم ودحره، بل يتعاطى مع المقاومة كحركات إرهابية!
الأهداف الخفية للتحالف:
وهناك أهداف مباشرة يحققها التحالف تمترسًا وراء أهدافه المعلنة بمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار، ويمكن رصد أبرزها باختصار كالآتي:
أولًا: خلق مبررات وذرائع للتموضع العسكري وحرية القصف وتشكيل القواعد العسكرية.
ثانيًا: السيطرة على خطوط الإمداد اللوجستية لحصار المقاومة بدعوى أنها خطوط إمداد لوجستي للإرهاب، وكذلك السيطرة على المصارف والحسابات البنكية والتحويلات والسيطرة على حقول النفط ومصادر الثروات بدعوى عدم وصولها للإرهابيين واستخدامها كمصادر تمويل!
ثالثًا: حرية التجسس دون قيود قانونية ودون كلفة إبداء مبررات وتوفير الحرج على الدول المنضمّة لتوفير المعلومات والمشاركة في الرصد والتجسس.
رابعًا: وهو الأهم، وهو تدريب ودعم ميليشيات موالية ودعم أنظمة حكم بعينها باعتبارها متعاونة في مكافحة (الإرهاب) ومنضمة لـ»التحالف الأمريكي».
والخلاصة، أن أمريكا وظفت ولا تزال توظف حركات الإرهاب كترس في منظومة الهيمنة وكقواعد جيوإستراتيجية لمحاربة خصومها ولا تخجل من تحويل الإرهابيين إلى قادة دول ورفع أسمائهم من قوائم الإرهاب وتكريمهم واستقبالهم في البيت الأبيض، ولا تخجل من دعم ميليشيات تقوم بالذبح والقتل على الهوية بينما تلاحق سلاح حركات المقاومة التي تقاتل لتحرير الأرض ولا ترفع سلاحها لتهديد المدنيين، بل هي الحركات التي حاربت الإرهاب حصرًا دون ادعاءات زائفة وتحالفات كاذبة.
كاتب مصري
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
سوريا تنفي تعاون الشرع مع التحالف الدولي عام 2016.. القرارات اتُّخذت بشكل مستقل
نفت الرئاسة السورية وجود تعاون بين الرئيس السوري أحمد الشرع والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيمي "الدولة" و"القاعدة" منذ عام 2016، وفق وكالة الأخبار السورية (سانا). وقالت مديرية الإعلام في الرئاسة السورية إن: "المعلومات التي وردت في بعض التقارير الصحفية عن وجود تعاون بين الشرع مع التحالف غير صحيحة".
وأوضحت مديرية الإعلام أن ما سبق لا يعدو "كونه ادعاءات لا تمت إلى الحقيقة بصلة، مشيرة إلى أن الشرع "لم ينسق أو يتعاون مع أي جهة أجنبية في هذا الإطار، ولم تصدر عنه توجيهات تتعلق بذلك. وأضافت المديرية أن "جميع القرارات والإجراءات المتخذة آنذاك جاءت بقرار داخلي مستقل دون أي تنسيق أو طلب من أي طرف خارجي".
مديرية الإعلام في رئاسة الجمهورية العربية السورية للإخبارية:
????نؤكد عدم صحة المعلومات التي وردت في بعض التقارير الصحفية عن وجود تعاون بين فخامة رئيس الجمهورية أحمد الشرع مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيمي "داعش" و"القاعدة" منذ عام 2016، ونود التوضيح أن ما سبق لا… pic.twitter.com/aB2kxQ4slN — الإخبارية السورية (@AlekhbariahSY) November 14, 2025
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد ذكرت في تقرير مفصل، أن الشرع "كان يتعاون سراً مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة والقاعدة منذ سيطرته على جزء من المناطق في شمال غرب سوريا عام 2016"، وقالت الصحيفة إن "الشرع الذي زار البيت الأبيض للمرة الأولى هذا الأسبوع والتقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقّع رسمياً على إعلان للتعاون السياسي والعسكري مع التحالف الدولي لمحاربة داعش".
واستندت "نيويورك تايمز" في تقريرها إلى مسؤولين سوريين ودبلوماسيين غربيين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، وذكرت أن التحالف "زوّد الحكومة السورية الجديدة بمعلومات استخباراتية وتعاون عسكري للمساعدة في اعتقال خلايا داعش ومنع هجماتها"، وفق ما أكّده معاذ مصطفى، رئيس "الفرقة السورية للطوارئ"، وهي منظمة إنسانية وداعمة في الولايات المتحدة.
ووفق "نيويورك تايمز"، كانت الولايات المتحدة قد وضعت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار على رأس أحمد الشرع حتى ديسمبر 2024، أي بعد فترة وجيزة من قيادته هجوماً مسلحاً أطاح بحكم بشار الأسد، وأشارت الصحيفة إلى أن الشرع سُجن سابقاً على يد القوات الأمريكية في العراق، قبل أن يؤسس الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
وأكدت "نيويورك تايمز" أن أبو بكر البغدادي، زعيم "داعش"، قُتل في تشرين الأول/أكتوبر 2019 خلال غارة أمريكية في شمال غرب سوريا، في عهد الرئيس ترامب الأول، حين كانت المنطقة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" التي كان يقودها الشرع آنذاك.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا ولبنان، توم براك، أعلن الخميس أن زيارة رئيس الشرع إلى واشنطن، ولقائه بالرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، شكّلت ما وصفها "منعطفاً حاسماً في التاريخ الحديث للشرق الأوسط"، و"تحوّلاً استثنائياً لسوريا من عزلة إلى شراكة".
وأكد براك في منشور على منصة "إكس"، أن الرئيس "الشرع ومن داخل المكتب البيضاوي، وأمام ترامب وفريقه، قطع التزاماً صريحاً وموثّقاً يشمل دوراً فعّالاً لدمشق في مواجهة وتفكيك بقايا تنظيم داعش، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وحركة حماس، وحزب الله، وشبكات أخرى"، وهو التزام يُجسّد "انتقال سوريا من دولة تُعدّ مصدراً للإرهاب إلى شريكٍ فاعل في مكافحته، والتزامٌ أيضاً بإعادة الإعمار والتعاون والمساهمة في استقرار المنطقة بأسرها".
Statement by Ambassador Thomas J. Barrack, Jr.
On the Historic Visit of Syrian President Ahmed al-Sharaa to the White House
This week marks a decisive turning point in the modern history of the Middle East - and in the remarkable transformation of Syria from isolation to… — Ambassador Tom Barrack (@USAMBTurkiye) November 13, 2025
وشدّد باراك، على أن "هذا الالتزام لا يقتصر على البُعد الأمني، بل يشمل رؤية شاملة تهدف إلى بناء شراكة استراتيجية في مواجهة التطرف، ودعم جهود إعادة الإعمار، وتعزيز التعاون الإقليمي بما يخدم الاستقرار الشامل"، كما لفت إلى أن "هذا الدور يُسهم في الجهود الدولية الرامية إلى ترسيخ السلام في منطقة عانت عقوداً من الاضطراب".
وفي ختام منشوره، أكد براك أن قيادة الرئيس ترامب تُرسي مساراً جديداً يقوم على مبدأ "الأمن أولاً، ثم الازدهار"، مستقبلاً لا تُحدّده ظلال الماضي أو مآسيه، بل تُنيره آمال وطموحات مرحلة جديدة تُعاد فيها صياغة التحالفات، وأوضح أن "تحويل الخصوم السابقين إلى حلفاء أوفياء" ليس ظاهرة جديدة في تاريخ المنطقة، لكن الاستثنائي هو أن هذه التغييرات "تتحقق بقيادة الدول الإقليمية نفسها، لا بقراراتٍ أو وصايا غربية من خارج السياق".
وقبيل زيارة الشرع إلى واشنطن ولقاءه بالرئيس ترامب، شطبت الولايات المتحدة رسميا الشرع من قائمة الإرهاب، غداة رفع مجلس الأمن الدولي العقوبات عنه أيضا، وأصبحت سوريا، العضو التسعين في الدول التي تشكل التحالف ضد تنظيم الدولة "داعش" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بحسب تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا ولبنان، توم براك.
وفي نيسان/ أبريل من العام 2021، قال الرئيس أحمد الشرع، "أبو محمد الجولاني سابقا" خلال مقابلة الأبرز حينها، الصحفي الأمريكي مارتن سميث، عن ضرورة قبول المجتمع الدولي بالواقع الذي فرضته هيئة تحرير الشام، كما أكد استحالة شن هجمات ضد الدول الغربية، قائلا إن نقد السياسات لا يعني توجيه ضربات ضد هذه الدول.