لجريدة عمان:
2025-11-15@19:09:31 GMT

فضيحة إبستين .. مرض مزمن يلازم رئاسة ترامب

تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

تتميز الفضائح التي تقع في واشنطن بقدرة على التفشّي بطرق غير متوقعة. المثال الكلاسيكي على ذلك هو التحقيق المعروف باسم «وايت ووتر»، الذي استمر لسنوات في تسعينيات القرن الماضي، خلال فترة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في مبنى البيت الأبيض، مولّدًا حبكات فرعية لا تنتهي، قبل أن يتحوّل في نهاية المطاف إلى تحقيق المدّعي المستقل كينيث ستار، الذي أفضى إلى مساءلة كلينتون عام 1998 بتهمة الإدلاء بشهادة كاذبة بشأن علاقته بمونيكا لوينسكي.

وعندما بات التحقيق يهدد بإسقاط رئاسة كلينتون، لم يعد يحمل أي صلة تُذكر باتهامات «وايت ووتر» الأصلية، التي تعلّقت بصفقة عقارية في ولاية أركنساس خلال سنواته السياسية الأولى.

وبناءً عليه، لا نعرف بعد كيف ستنتهي القضية المرتبطة بعلاقة دونالد ترامب بمرتكب الجرائم الجنسية الراحل جيفري إبستين.

المؤكّد أنها باتت تستوفي تعريف «الفضيحة الممتدة».

ففي ولاية ترامب الأولى، اضطر وزير العمل ألكس أكوستا للاستقالة بعدما أثيرت تساؤلات بشأن اتفاق قضائي مخفّف أُبرم مع إبستين، ووافق عليه أكوستا عندما كان مدعيًا عامًا في فلوريدا.

أما ترامب نفسه، فواجه مرارًا أسئلة من نوع «متى علمت؟ وماذا كنت تعرف؟» بشأن صداقته مع إبستين، الذي كان يحضر معه مناسبات اجتماعية عديدة قبل أن يؤكد ترامب، بعد وفاة إبستين عام 2019، أنهما دخلا في «خلاف حاد» قبل خمسة عشر عامًا أدى إلى قطيعة تامة.

لكن الفضيحة لم تلتصق سياسيًا بترامب، إلى أن طرأ تطوّر حديث أعاد إحياءها، وذلك عندما رفضت إدارة ترامب في ولايته الثانية الإفراج عن ملفات وزارة العدل المتعلقة بإبستين. وقد أصبحت هذه الملفات قضية محورية لدى شريحة من أنصار ترامب المعروفين بنزعتهم إلى تبنّي نظريات المؤامرة، والذين يعتقدون منذ سنوات بأن إبستين كان محور شبكة ضخمة تضم مشاهير ديمقراطيين متورطين في الاتجار الجنسي. وبدأت تقارير موثوقة تشير إلى تكرار ظهور اسم ترامب في تلك الوثائق.

وهنا تبدأ التطورات المرافقة للقضية؛ ففي مبنى الكابيتول هيل، أبقى رئيس مجلس النواب مايك جونسون المجلس في إجازة من منتصف سبتمبر إلى منتصف نوفمبر، في محاولة واضحة لعرقلة التصويت على نشر ملفات وزارة العدل.

وقد كنتُ أرى دائمًا أن هذا السلوك يُعد فضيحة قائمة بذاتها، أن يتوقف عمل الكونجرس لأسابيع لأن رئيس المجلس يحاول حماية رئيس لا يرغب في الكشف عن مزيد من التفاصيل حول صلته بـ«رجل ثري فاسد» متوفى كان يمارس الجنس مع قاصرات في جزيرته الخاصة. كيف لم يتحوّل هذا إلى قضية وطنية كبرى؟

لكن لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، اضطر جونسون هذا الأسبوع إلى التراجع واستدعاء المجلس للانعقاد. وكان ذلك يعني أداء اليمين لنائبة ديمقراطية جديدة فازت في انتخابات فرعية في سبتمبر، وقد أصبحت سريعًا الموقّعة رقم 218 على عريضة الإعفاء الإجرائي، وهو ما سيجبر جونسون على طرح نشر الملفات للتصويت خلال الأيام القادمة، مع ترجيحات بانشقاق عشرات الجمهوريين، الأمر الذي سيطلق موجة جديدة من التحليلات بشأن تراجع قبضة ترامب ـ التي كانت تُعد «صلبة»ـ على المنتخبين الجمهوريين. وكل ذلك قبل نشر وثائق وزارة العدل نفسها. الفكرة ببساطة: هذه القضية ـ مهما حاولت تجاهلهاـ لن تختفي.

وقد شبّه الصحفي المخضرم جوناثان ألتر، الذي غطّى العديد من فضائح واشنطن، هذه الفضيحة بأنها «حالة هربس مزمنة» (مرض جلدي فيروسي يعود دوريًا)، قد تخمد مؤقتًا لكنها تواصل ملاحقة ترامب وظلالها لا تفارق رئاسته.

يوم الأربعاء، أُفرج عن أكثر من عشرين ألف صفحة من الوثائق المستمدة من ملفات إبستين ـ ليس من أرشيف وزارة العدل الذي يترقبه الجميع، بل من مجموعة مستقلة استدعاها الكونجرس عبر مذكرة قانونية من تركة إبستين ـ وسرعان ما اتضح، بعد تصفّحها، حجم المسارات الجديدة التي يمكن أن تفتحها أمام التحقيقات.

فقد ذكرت الصحفية جولي ك. براون، من صحيفة ميامي هيرالد، وهي الصحفية التي تابعت قضية إبستين بإصرار يفوق أي صحفي آخر، أن اسم ترامب ورد آلاف المرات في هذه الوثائق.

وخلال ساعات، بدأت التقارير تظهر عن مراسلات إبستين مع المستشار السياسي ستيف بانون، والاقتصادي لاري سامرز، والكاتب مايكل وولف.

وأشارت إحدى رسائل البريد الإلكتروني ـ دون تقديم أي دليل ـ إلى أن ترامب «كان يعلم بشأن الفتيات»، وكثير منهنّ أثبتت التحقيقات لاحقًا أنهنّ كنّ قاصرات. كما ألمحت رسالة أخرى من إبستين إلى أنه أمضى عيد الشكر الأول خلال رئاسة ترامب في مدينة بالم بيتش، على مقربة من ترامب، وذلك بعد سنوات من ادعائهما أن علاقتهما انقطعت بالكامل. وأوحَت رسائل أخرى بوجود تواصل مستمر بينهما.

وفي مفاجأة لم أتوقعها ـ رغم أنه ربما كان ينبغي أن أفعل ـ كشفت الرسائل أيضًا أن إبستين كان يتواصل مع شبكة واسعة من الشخصيات الدولية بشأن ترامب في السنوات التي سبقت وفاته، بما في ذلك محاولته إيصال رسالة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل قمة هلسنكي عام 2018 التي جمعت ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كانت الرسالة، عمليًا، دعوة للحصول على «معلومات داخلية» عن الرئيس الأمريكي، وقد نُقلت عبر توربيورن ياغلاند، رئيس وزراء النرويج السابق، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لـمجلس أوروبا.

وكتب إبستين: «أعتقد أنك قد تقترح على بوتين أن لافروف يستطيع الحصول على رؤية بشأن كيفية التحدث معي». وفي الرسالة نفسها، قال إنه تحدث في السابق مع المندوب الروسي الراحل لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بشأن ترامب. وكتب: «كان تشوركين رائعًا. لقد فهم ترامب بعد محادثاتنا. الأمر بسيط: يجب أن يُرى وهو يحقق مكسبًا ما ـ هذا كل شيء».

ولم أكن وحدي من صُدم بهذا؛ ففي تعليق على تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو، كتب السيناتور الديمقراطي شيلدون وايتهاوس قائلًا: «لطالما تساءلتُ عمّا قد يكون لدى بوتين ضد ترامب، وها نحن نكتشف أن جيفري إبستين كان يتواصل مع سفير بوتين بشأن ترامب».

ومع ذلك ـ وهذا أمر يجب التأكيد عليه ـ فإن هذه الرسائل، المليئة بالأخطاء الإملائية والصادرة عن رجل لم يعد موجودًا ليدلي بشهادته، لا تشكل دليلًا قاطعًا على شيء. لكنها بلا شك تمنح الوقود لموجات جديدة من الأسئلة، خصوصًا بعدما قرر سياسيون من حزب ترامب نفسه نشرها. ولا أحد يعرف ما الذي قد تكشفه الوثائق الأخرى. في مبنى البيت الأبيض، لم تُسهم محاولات احتواء الضرر حتى الآن إلا في إذكاء القصة وتعميقها. فترامب، الذي بات يطلق على القضية اسم «خدعة جيفري إبستين» ليُميّزها عن «الخدع» الأخرى التي يقول إن خصومه ألصقوها به عبر السنين، لم يُبدِّد القلق حين استدعى النائبة الجمهورية لورين بوبرت إلى غرفة العمليات في مبنى البيت الأبيض، في محاولة فاشلة لثنيها عن التوقيع على عريضة الإعفاء من القيود الإجرائية (وهي الأداة القانونية التي تُجبِر رئيس مجلس النواب على طرح موضوع للتصويت).

فغرفة العمليات هي المكان الذي يُفترض بالرؤساء أن يناقشوا فيه القضايا الأمنية العاجلة، لا رسائل جيفري إبستين الإلكترونية. يا للدهشة. الدخان يلتقي النار.

وفي الإحاطة الصحفية يوم الأربعاءـ التي هيمنت عليها أسئلة حول الرسائل ـ قالت كارولاين ليفيت، السكرتيرة الصحفية لمبنى البيت الأبيض، إن هذه الرسائل «لا تُثبت شيئًا على الإطلاق». ثم أضافت، دفاعًا عن ترامب: «كان جيفري إبستين عضوًا في نادي مارالاغو حتى طرده الرئيس ترامب لأنه كان متحرشًا بالأطفال وكان شخصًا دنيئًا».

لكن في عام 2019، عندما سأل أحد الصحفيين ترامب ـ خلال مؤتمر صحفي في مبنى البيت الأبيض ـ عمّا إذا كانت لديه «أي شكوك» بأن إبستين «كان يعتدي جنسيًا على نساء قاصرات»، أجاب الرئيس: «لا، لم تكن لدي أي فكرة. لم تكن لدي أي فكرة. لم أتحدث معه منذ سنوات طويلة». ويبرز هنا سؤال منطقي: إذا لم تكن لدى ترامب أي شبهات بشأن تصرفات إبستين مع الفتيات آنذاك، فكيف يكون قد طرده من نادي مارالاغو لأنه «متحرش بالأطفال»؟

وبحلول الخميس، بدأت ليفيت تشتكي من أن موجة الجدل الجديدة بشأن إبستين ليست سوى «خدعة أخرى من الديمقراطيين ووسائل إعلام تقليدية مدفوعة بغضب مصطنع لصرف الأنظار عن إنجازات الرئيس».

إن حجة «الإلهاء» هذه سمعتها كثيرًا عبر السنين من متحدثين رسميين غارقين في الأزمات. لكن يبدو لي أن إدارة ترامب، بقدر خصومه وربما أكثر، هي من ترغب في صرف الأنظار في هذه الفترة؛ فهذا هو ما يحدث عادة مع الرؤساء غير المحبوبين، الذين تتراجع نسب التأييد لهم إلى مستويات قياسية في ظل تضخم مستمر، وفي وقت يخسر فيه حزبهم الانتخابات بفوارق كبيرة، ويتصارع داخليًا حول ما إذا كان أحد أبرز مروّجي دعايته يفترض به أن يمنح مساحة محترمة لشخصية معروفة بتفوّقها العرقي الأبيض.

لكن هذا ترامب... ومن يدري؟

سوزان بي. غلاسر كاتبة في مجلة «ذا نيويوركر»،وتشارك في تقديم بودكاست «المشهد السياسي». وهي مؤلفة مشاركة لكتاب «المُفرّق: ترامب في البيت الأبيض 2017-2021».

الترجمة عن مجلة ذا نيويوركَر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مبنى البیت الأبیض جیفری إبستین وزارة العدل أن إبستین ترامب فی أن ترامب التی ت

إقرأ أيضاً:

ترامب يأمر بالتحقيق في علاقات إبستين مع بيل كلينتون

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب -اليوم الجمعة- إنه طلب من وزارة العدل التحقيق في علاقات رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين المزعومة مع الرئيس الأسبق بيل كلينتون ووزير الخزانة في عهده لاري سامرز وآخرين.

واتهم ترامب الديمقراطيين بأنهم يبذلون قصارى جهدهم لإعادة ترويج ما سماها "كذبة إبستين" مجددا رغم أن وزارة العدل نشرت 50 ألف صفحة من الوثائق.

وكتب ترامب على منصة "تروث سوشيال" أنهم يفعلون ذلك لصرف الأنظار عن سياساتهم الفاشلة وخسائرهم، لا سيما فضيحة الإغلاق الحكومي. وقال إن الحزب الديمقراطي في حالة فوضى تامة ولا يعرف ما يفعل.

وأضاف أنّ بعض الجمهوريين الذين وصفهم بالضعفاء وقعوا في براثنهم لأنهم ضعاف وسذج، على حدّ تعبيره.

وذكر أيضا أن إبستين كان ديمقراطيا وهو مشكلة الديمقراطيين، لا الجمهوريين، قائلا: "اسألوا كلينتون وريد هوفمان وسامرز عن إبستين، فهم يعرفون كل شيء عنه".

ودعا الديمقراطيين إلى عدم تضييع وقتهم معه فلديه بلد يجب أن يديره، على حدّ تعبيره.

مراسلات

وكان أعضاء ديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي نشروا، الأربعاء الماضي، رسائل بريد إلكتروني تفترض أن ترامب كان يعلم باعتداءات إبستين على فتيات قاصرات، الأمر الذي أغضب البيت الأبيض.

واستشهد الديمقراطيون بمراسلات متبادلة بين إبستين وكل من المؤلف مايكل وولف وجيلين ماكسويل، وهي سيدة مجتمع بريطانية وصديقة سابقة لرجل الأعمال، تقضي عقوبة السجن لمدة 20 عاما بتهم من بينها الاتجار بقاصر جنسيا.

وقال الديمقراطيون في لجنة الرقابة بمجلس النواب -في بيان- إن "إبستين كتب في مراسلات خاصة مع جيسلين ماكسويل عام 2011 أن دونالد ترامب قضى ساعات في منزلي مع إحدى ضحايا الاتجار الجنسي".

واستشهد الديمقراطيون برسالة بريد إلكتروني أخرى مع وولف عام 2019، ذكر فيها إبستين صراحة أن دونالد ترامب كان على علم بالفتيات، بحسب ما ورد في نص المراسلة.

إعلان

ورد البيت الأبيض باتهام الديمقراطيين في مجلس النواب بنشر رسائل البريد الإلكتروني لتشويه سمعة ترامب.

ودأب الرئيس الأميركي على نفي أي علم له بنشاطات الاستغلال الجنسي التي ارتكبها إبستين، والذي عُثر عليه ميتا في زنزانته عام 2019 قبل محاكمته بتهمة الاتجار الجنسي بقاصرات كان يستدرجهن.

وكان ترامب صديقا لرجل الأعمال جيفري إبستين لسنوات، لكن العلاقة بينهما توترت قبل نحو عقدين، وأكد ترامب أن خلافا وقع بينهما قبل سنوات من افتضاح أمر جرائم إبستين.

وحضر ترامب مناسبات اجتماعية مع إبستين في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الـ21، لكنه نفى ارتكاب أي مخالفات، وأدت وفاة إبستين إلى تأجيج كثير من نظريات المؤامرة التي تقول إنه قُتل لمنع الكشف عن معلومات محرجة تتعلق بمجموعة من الشخصيات البارزة.

مقالات مشابهة

  • في قلب "فضيحة إبستين".. ترامب يحاول قلب الطاولة ضد كلينتون
  • بعد طلب من ترامب.. فتح تحقيق في علاقة إبستين ببيل كلينتون
  • وثائق جديدة تدفع ترامب لفتح تحقيق موسع في فضيحة إبستين
  • كرسي فارغ يتسلم رئاسة مجموعة العشرين من جنوب أفريقيا
  • جنوب أفريقيا ستسلم رئاسة مجموعة العشرين لكرسي أميركا الفارغ
  • ترامب يأمر بالتحقيق في علاقات إبستين مع بيل كلينتون
  • فضيحة إبستين.. كيف رد ترامب والبيت الأبيض على "رسالة مخجلة"؟
  • واشنطن تكشف عن التنازلات التي قدمها الشرع في البيت الأبيض
  • الجارديان: رسائل جديدة تكشف تورط ترامب في فضيحة إبستين