في مطالع الألفية الثالثة كتب البروفيسور عبد اللطيف البوني عن كاتبٍ قال إنه من أبرع وأرقى كُتّاب الأعمدة في الصحافة السودانية، لكنه اختفى عن رادارات القرّاء لسنوات.
أشار البوني إلى أن ذلك الكاتب كان يخطُّ عموده الشهير «بهدوء» في صحيفة الأسبوع إبّان سنوات الديمقراطية الثالثة.
وذات صباح، حضر الكاتب الغائب إلى مكتب البوني بصحيفة الصباحية ليخبره — بهدوئه المعروف — بأنه لا يزال حيًّا يُرزق، ولكنه آثر الابتعاد عن صخب الصحافة، واتجه إلى مجالات أخرى.


غير أن البوني استطاع، بأسلوبه المحبّب أن يعيد إليه شغفه بالكتابة فعاد عمود «بهدوء» ليُزهر من جديد على صفحات الصحيفة وينهض كما النبتة التي يُعيدها المطر إلى الحياة.
ولم يكن بهدوء مجرد عنوان لعمود صحفي، بل كان فلسفة حياة كاملة: أسلوبًا في التعامل وطريقة في العيش، وحتى نهجًا في الرحيل عن الدنيا.
ذلك الكاتب لم يكن سوى الأستاذ حسن محمد زين… رجل يصنع كل شيء بهدوء:
يعيش بهدوء، يكتب بهدوء ويرحل عن الدنيا الفانية — بعيدًا عن وطنه — بالهدوء ذاته.
انضمّ حسن إلى القسم السياسي في صحيفتنا العزيزة الرأي العام، وكان لي شرف رئاسة ذلك القسم يومها، وهو القسم الذي كان يعجّ بنجوم الصحافة السودانية.
من بينهم:
الدكتورة سلمى التجاني المقيمة اليوم في لندن، صاحبة أعمق وأبرز الكتابات عن أزمة دارفور في تلك المرحلة.
والأستاذ أحمد يونس مراسل صحيفة الشرق الأوسط؛
والأستاذ فتح الرحمن شبارقة أحد ألمع صانعي الحوارات والتحقيقات في السنوات الأخيرة.
ومثلهم الأساتذة الأفاضل: عبدالحميد عوض، محمد عبد العزيز، ماهر أبو الجوخ، ياسر عمر، إيمان آدم، عوض جاد السيد ،دكتور محمد شرف الدين ، سعاد عبد الله، عبير عبد الله، وغيرهم.
كان حسن، بصفائه وأدبه وإحساسه العميق يزين صفحات الملف السياسي الأسبوعي بلمسات جمالية لا تخطئها العين.
وفي تلك المرحلة ابتدرنا تجربة غير مسبوقة في الصحافة السودانية، باختيار الأستاذ الكبير — متعه الله بالصحة والعافية — محمد عبد السيد مراقبًا تحليليًا وتقييميًا لمواد الملف.
وقد استعدتُ هذه الذكريات اليوم وأنا أطالع ما خطّه الزميل والصديق صاحب الكتابة الأنيقة وجدي الكردي عن رحيل حسن.
كتب وجدي عنه بكلمات تقطر وفاءً وجمالاً وأضاء جوانب من سيرته ظلت عصية على الضوء، فكان نصّه امتدادًا لروح حسن الهادئة، ورثاءً يليق بالرجل وفكره وأثره.
تفرّقت بنا الأيام، وتباعدت المسافات والمسارات، لتأتي الفاجعة برحيل الأستاذ حسن محمد زين… فتهبّ الذكريات دفعة واحدة، كأنما لم يغادرنا قط.
رحم الله حسن محمد زين رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياض الجنة وجزاه عن ما قدّم للصحافة والوطن خير الجزاء. ولأهله ومحبيه جميل الصبر وحسن العزاء.

ضياء الدين بلال
////
كتب وجدي الكردي:
مات الزين.. مات “الحنين”..
▪️”حين يموت شيخٌ في القرية، يهتز المكان هزة خفيفة لا يسمعها إلا من يعرف سر الأرض!
النساء يندُبن، والرجال يطأطئون رؤوسهم، لكن أحداً لا يرى الموت مصيبة.. يرونه انتقالاً إلى مقام أنقى، مقام طالما ظل الشيخ قريباً منه وهو حيّ. وكأن الموت باب يفتح لمن يستحق الطمأنينة”.
▪️فجعني الدكتور عبد العظيم عوض قبل قليل، بأنه عاد لتوّه مغموماً ومُعفّراً بغبار مقابر أسوان التي وارى في ثراها أستاذنا حسن محمد زين.
▪️يا إلهي..
أحقاً مات حسن، “بهدوء”؟
أحقاً رحل “الزين” المبروك بأسراره العظيمة، مثل “حنين” الطيب صالح؟
▪️قبل احترافي الصحافة كنت – وما زلت – شغوفاً بزاويته اليومية: “بهدوء”. كان يضع على ترويستها صورة جانبية ناصعة، تجلّلها ابتسامة لا تستثني في سخائها أحداً. ابتسامة يغمر ضوعُ عطرها المقال كله، بل الصحيفة بأسرها، فلا تطويها إلا وقد مسحت ما سال على جانبي عينيك من بشاشة.
▪️يغسل الزين حروفه جيداً “بهدوء”، ثم يرجّها رجّاً قبل الاستعمال، كأنه يمزج بها وصفةً طبية فيها شفاءٌ للقراء والناس كافة.
▪️عند انتقالي إلى (مؤسسة الرأي العام للصحافة) ، في رحلة البحث الأبدية عن إجابة سؤال: “يا ترى، ماذا أصير عندما أغدو كبيراً؟”.. استقبلني الزين السمح والحنين، بالابتسامة ذاتها المطبوعة على ترويسة مقاله، باللسان والفؤاد نفسيهما، بصورة اللحم والدم ذاتها.
▪️كان الزين الحنين يومها، ركناً من أركان القسم السياسي الذي زانه وقاده الألمعي ضياء الدين بلال، وفاقَ بملحق “السبت السياسي”.. سياسةَ الجرايد والحكومة كلها.. توزيعاً وتأثيراً وجدلاً.
▪️زاملت الزين ولم أغادر في مقامه مقعد التلميذ قط، ولن.. حتى غادر (الرأي العام) بهدوء، منتقلاً إلى رحاب أخرى. ومن رحابٍ إلى رحاب، حتى اختار الله له رحاب مقابر أسوان في النوبة السفلى. في طريقه إلى الجنة بإذن الله، مستقراً ومقاماً.
▪️يا للحسرة..
ضاق بالزين الحنين، سافلُ السودان وصعيدُه حياً وميتاً بفعل لصوص وأسافل العصر الدقلاوي، خسف الله بهم أسفل سافلين.
▪️”يموت الرجال، لكن رائحتهم تبقى في البيوت، وتظلّ حكاياتهم معلّقة في الهواء، كأن الحياة لا تقوى على المضيّ دون أن تحمل على كتفيها ظلال الراحلين”.
▪️”وأنت يا الزين، في مقامٍ أنقى، سأظل أحمل ذكراك على كتفي ورأسي. وأثق أنك ستجلس كعادتك: مبتسماً، و.. بهدوء.”

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

يارتني كنت مكانه .. شقيقة إسماعيل الليثي تبكي في أول ظهور لها بعد وفاته

أكدت رحمة شقيقة المطرب الراحل إسماعيل الليثي، أن شقيقها طوال عمره محب للخير، وقلبه طيب، وأنه كان يقف مع الجميع، من أبناء المنطقة ومن خارجها.

هل إسماعيل الليثي شهيد دنيا بعد وفاته في حادث طريق؟.. عالم أزهري يوضحصاحبها تنازل.. سعد الصغير يُعلن عن انتهاء أزمة سيارة حادث إسماعيل الليثي

وأضافت رحمة خلال لقاء مع الإعلامي حسن محفوظ ببرنامج كلبش، أن خبر الوفاة كان صدمة للجميع، وأن الجميع كان يدعو له بالشفاء، لكن قدر الله فوق كل شئ.

ودخلت في حالة بكاء شديد على الهواء، قائلا:" من بعده مفيش حاجة هتفرحنا تاني، وهو كان أبويا، بابا متوفي منذ فترة طويلة وهو كان كل حاجة في الدنيا".

ولفتت إلى أنها تطالب الجمع بالدعاء لشقيقها، وأن شقيقها منذ وصوله المستشفى بعد الحادث لم يتحدث مع أحد.

وانهت حديثها :" يارتني كنت مكانه وأنا اللي عملت الحادثة، وربنا يرحمه ويغفر له ويسكنه الجنة يارب". 

طباعة شارك شقيقة إسماعيل الليثي إسماعيل الليثي الراحل إسماعيل الليثي

مقالات مشابهة

  • في ذمة الله
  • كان سندي ..شقيقة إسماعيل الليثي تكشف اللحظات الأخيرة ومعاناتها
  • فوز فيصل محمد صالح بجائزة إيقاد للتميز مدى الحياة
  • يارتني كنت مكانه .. شقيقة إسماعيل الليثي تبكي في أول ظهور لها بعد وفاته
  • حماس تعزز سيطرتها بهدوء في غزة
  • “نقلة نوعية”.. اكتشف موسكو على متن ترام دائري ينقلك بين أحيائها بهدوء وسلاسة! (صور)
  • إشادة نقدية واسعة بعودة محمد سلام للدراما في مسلسل كارثة طبيعية
  • العدو الإسرائيلي يشن حملة اعتقالات واقتحامات واسعة في الضفة الغربية
  • التهديدات بضربة اسرائيلية واسعة النطاق ضد حزب الله جدية