قالت الباحثة الأوروبية إليونورا أرديماني، وهي إحدى أبرز المتخصصين في شؤون اليمن، إن إعلان جماعة الحوثي وقف هجماتها في البحر الأحمر قد لا يشير إلى تحول جوهري في استراتيجية الجماعة، بل يُحتمل أن يكون مناورة تكتيكية تهدف لإعادة التموضع وإعادة ترتيب النفوذ، خصوصًا في ضوء الضربات الأخيرة التي تلقتها الجماعة.

 

وأشارت الباحثة في حديث لها مع موقع Decode39، إلى أن الحوثيين، خلال العامين الماضيين، أعادوا تشكيل تدفقات التجارة العالمية وموازين القوة الإقليمية عبر هجماتهم البحرية. لكن، تقول: "لا ينبغي أبدًا أخذ تصريحات الحوثيين حرفيًا، لأن لغتهم السياسية دائمًا ما تكون مشبعة بالعناصر الدعائية والأدواتية."

وتضيف أن الرسالة من وقف الهجمات قد تكون إضفاء دور سياسي على عملياتهم، وربطها بـقرار إسرائيل بوقف إطلاق النار مع حماس، ما يمنح الحوثيين مكسبًا دبلوماسيًا وتعبويًا في آن واحد.

من الناحية التكتيكية، تشدد أرديماني على أن هذا التوقف يقلل من احتمال تعرض الحوثيين لهجمات إسرائيلية على أراضيهم، خاصة بعد مقتل رئيس أركانهم في غارة سابقة. كما يمنحهم الوقت لإعادة تنظيم صفوفهم، إصلاح البنى التحتية المتضررة، وتعزيز التحالفات الإقليمية بعيدًا عن الإدارة الإيرانية المباشرة. وقالت: "إن هذا يمنحهم الوقت لإعادة تنظيم أنفسهم وتعزيز التحالفات خارج إيران."

وترى الباحثة أن الحوثيين يستغلون التهدئة الخارجية لزيادة قمعهم الداخلي فهم يستهدفون ما يزعمون أنه "جواسيس" داخل مناطق سيطرتهم، ويلاحقون موظفي منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر، ويعززون خطابهم بأن "الأعداء" داخليًا وخارجيًا يهددون وجودهم، وهو نموذج حكم يعتمد على التعبئة المستمرة. وبحسب أرديماني، إن وقف أعمالهم في الخارج لا يعني التراجع الكامل، بل إعادة تخصيص الموارد للتركيز على ترسيخ السيطرة الداخلية.

ورغم إعلان الحوثيين وقف الهجمات، تقول أرديماني إنها لا تتوقع اختراقات دبلوماسية كبيرة في الأجل القريب، لأن الحكومة اليمنية تواجه أولويات اقتصادية ملحّة مثل إدارة أزمة الكهرباء وتمويل رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين. كما تربط بينهم وبين قضية تهريب الأسلحة، معتبرة أن هذا الملف يبقى من أهم التحديات التي يمكن أن تحد من نفوذ الحوثيين إن ضُغطوا دوليًا وإقليميًا.

وتوضح الباحثة أن إستراتيجية اليمن وشركائه تتضمن عدة محاور مهمة أولها استئناف تصدير النفط من الموانئ الجنوبية لتوفير موارد مالية أساسية، وتأمين الساحل الجنوبي وتعزيز قدرات خفر السواحل بدعم دولي (السعودية، بريطانيا، وغيرها)، ومكافحة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، مع أهمية الشراكات الإقليمية والدولية لتحقيق ذلك بصورة فعالة. هذه الأدوات، حسب أرديماني، تُعدّ من العوامل الحاسمة في الحد من قدرة الحوثيين على تمويل عملياتهم العسكرية والاقتصادية، وضرب أحد أهم مصادر قوتهم.

توقف الحوثيين عن هجمات البحر الأحمر ليس نقطة تحول نهائية، بحسب الباحثة؛ بل هو تكتيك لإعادة التموضع والموازنة بين الضغوط الإقليمية والداخلية. وفي الوقت الذي تعمل فيه القوى الإقليمية والدولية على ضبط استراتيجياتها، يبقى استئناف الهجمات مرتبطًا بحسابات الحوثيين حول البقاء، النفوذ، والفرص المتاحة. كما تؤكد أرديماني أن التهديد الحقيقي يكمن في ما يجري خلف الستار: قمع داخلي مكثّف، وتركيز موارد الجماعة على الحفاظ على قوتها، وليس التخلي عنها.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

مصر تستضيف مبادرة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار بعد النزاعات.. وخبراء يعلقون

(CNN)-- أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إطلاق النسخة الخامسة لأسبوع الاتحاد الأفريقي للتوعية بإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات، الذي يُعقد في القاهرة خلال الفترة من 17 إلى 23 نوفمبر/ تشرين الثاني، تحت شعار "إعادة بناء الحياة بعد النزاع من خلال العدالة التعويضية".

وتستضيف العاصمة القاهرة الفعاليات الرئيسية للحدث، الذي يهدف إلى دعم جهود الاستقرار والتنمية في الدول الإفريقية الخارجة من النزاعات، مع التركيز على الملكية الوطنية للحلول، وتأهيل المؤسسات، وبناء قدرات المواطنين والكوادر، وإشراك المجتمع المحلي، لا سيما الشباب والمرأة، في عمليات إعادة الإعمار والتنمية المستدامة.

وتواجه القارة الإفريقية تحديات أمنية وتنموية متشابكة تشمل النزاعات الداخلية، وانتشار الإرهاب، والجرائم العابرة للحدود، إلى جانب الأزمات الإنسانية والفقر وتراجع مستويات التعليم، فضلًا عن تأثيرات التغير المناخي والتطورات التكنولوجية الحديثة، إضافة إلى الضغوط الدولية وحالات الاستقطاب التي تؤثر سلبًا على جهود التنمية والاستقرار، وفقًا للبيان الرئاسي.

وفي المقابل، أشار البيان إلى أن إفريقيا تزخر بالموارد البشرية والطبيعية، وقد أحرزت تقدّمًا ملحوظًا في استثمار هذه المقومات لدعم السلم والأمن والتنمية المستدامة.

وأكد مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، جمال بيومي، أن نجاح جهود إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات مرهون بالملكية الوطنية  للدول الإفريقية نفسها، بحيث تكون هي من تحدد الأولويات وتضع السياسات اللازمة، مع الاستفادة من الخبرات والشراكات الإقليمية والدولية لتعزيز قدرات الدول على إدارة هذه العمليات.

وأوضح بيومي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن تحقيق العدالة التعويضية لضحايا النزاعات في القارة يواجه تحديات كبيرة، أبرزها الانقسامات الداخلية، وما يتعلق بالفساد في بعض الأحيان، وضعف البنية المؤسسية، مما يستدعي وجود آليات شفافة وفعالة لضمان وصول الموارد والتعويضات إلى المستحقين.

وأشار بيومي إلى أن بناء القدرات في الدول الخارجة من النزاع يتطلب خطوات عملية متعددة تبدأ بوقف القتال وتثبيت توافق سياسي حول توزيع السلطة، يلي ذلك تطوير البنية التحتية وتحسين المواصلات والاتصالات، مع إصلاح الإدارة العامة والمؤسسات لضمان قدرة الدول على إدارة جهود إعادة الإعمار والتنمية المستدامة، كذلك ضرورة إشراك المجتمع المحلي، وخاصة الشباب والمرأة، في تنفيذ هذه الجهود لضمان شمولية التنمية واستدامتها.

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، طارق فهمي، إن النسخة الخامسة لأسبوع الاتحاد الأفريقي تشكل فرصة مهمة لتسليط الضوء على قضايا الاستقرار والتنمية، لكنه شدّد على أن تحقيق الملكية الوطنية الفعالة يظل تحديًا حقيقيًا، نظرًا إلى أن معظم الدول الإفريقية تفتقر إلى مؤسسات قوية قادرة على تنفيذ برامج إعادة الإعمار بشكل مستقل.

وأضاف فهمي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن التجارب الواقعية لإعادة الإعمار محدودة في بعض الدول، التي اعتمدت على مؤسسات مدعومة بشراكات خارجية، مؤكدًا أن تحقيق العدالة التعويضية يحتاج إلى دراسة كل حالة على حدة ووضع مشروعات قابلة للتطبيق عمليًا لضمان استدامة جهود التنمية وإشراك المجتمع المحلي في عملية البناء بعد النزاعات.

مصرالاتحاد الأفريقينشر الأحد، 16 نوفمبر / تشرين الثاني 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • مصر تستضيف مبادرة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار بعد النزاعات.. وخبراء يعلقون
  • في مهمة احتواء الخلافات وإعادة التموضع.. إيران تُعيد شهلايي إلى صنعاء
  • تحليل: تعطيل إمدادات الحوثيين خطوة حاسمة لحماية الملاحة في البحر الأحمر
  • «التمويل الذكي».. ضرورة لإعادة بناء الشرق الأوسط بعد الحرب
  • مطار مرسى علم يستقبل 154رحلة أوروبية سياحية هذا الأسبوع
  • هل نغسل البيض قبل تخزينه في الثلاجة؟.. خبيرة تغذية تحذر
  • 5 دول أوروبية تتعهد بمواجهة "التهديدات الهجينة" وتعزيز دعمها لأوكرانيا
  • “البحر الأحمر الدولية”: وصول أول رحلة أوروبية مباشرة إلى مطار “البحر الأحمر الدولي”
  • خبيرة إتيكيت تحذر من التصرفات غير اللائقة داخل المتحف المصري الكبير