لا يخرج بيان حركة حماس الرافض لقرار مجلس الأمن 2818 (2025) عن الواقع في حدّته، لكنه يكشف هذه المرة أكثر من مجرد موقف سياسي عابر، فالقرار الذي تبنّاه المجلس لا يشبه أياً من قرارات الهدنة السابقة، ولا هو مجرد إطار لوقف إطلاق النار، بل هو مشروع متكامل لإعادة هندسة غزة أمنياً وسياسياً، وبناء مرحلة انتقالية جديدة قد تعيد ترتيب السلطة داخل القطاع، وربما في المشهد الفلسطيني كله.

ولهذا جاء ردّ حماس بحجم التحوّل الذي تستشعره الحركة، البيان يصف القرار بأنه آلية وصاية دولية على غزة، وهي عبارة تتجاوز الاعتراض السياسي إلى رفض قاطع لأي ترتيبات تنزع من الحركة سيطرتها الفعلية على قطاع حكمته منفردة لقرابة عقدين. فمجلس السلام (BoP) الذي ينشئه القرار، والقوة الدولية (ISF) التي ستسلمها إدارة الأمن، يعنيان عملياً انتقال مركز القرار من الحركة إلى كيان دولي بإشراف واشنطن والأمم المتحدة، وهو ما تعتبره حماس سحب الشرعية من الوضع القائم الذي فرضته بالتحالف بين القوة العسكرية والحضور الاجتماعي، ورفض الوصاية هنا هو رفض لتغيير قواعد اللعبة.

أخطر ما في القرار أنه لا يكتفي بوقف إطلاق النار، بل يتبنى مشروعًا صريحًا لـنزع سلاح الفصائل، ولهذا يربط بيان حماس السلاح بالوجود الإسرائيلي، مؤكداً أنه شأن وطني داخلي، وهي صياغة واضحة تستهدف نزع الشرعية الدولية عن البند الأمني الأكثر حساسية في القرار، فحماس تريد القول إن السلاح ليس ملفاً تقنياً ولا إدارياً، بل هو جوهر السلطة في غزة.

وتعرف الحركة أن أي مسار لإعادة دمج القطاع في السلطة الفلسطينية، وفق ما ينص القرار، يبدأ من هذه النقطة تحديداً، ولهذا جاء بيانها مسكوناً بهاجس واحد: حماية سلاح المقاومة من أن يتحول فجأة إلى سلاح غير شرعي في نظر المجتمع الدولي.

تركيز الحركة على أن القوة الدولية يجب أن تبقى على الحدود فقط وأن لا تتحول إلى طرف في الصراع يكشف إدراكاً دقيقاً لطبيعة الدور الذي صُممت من أجله قوة ISF، فالقوة في شكلها الحالي ليست قوة مراقبة مثل قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، بل قوة تنفيذية ذات صلاحيات أمنية واسعة تشمل المعابر، والمجال الجغرافي الداخلي، والإشراف على تفكيك القدرات العسكرية، ولذا فإن رفض حماس لهذا الدور ليس تكتيكاً تفاوضياً، بل رفض استراتيجي يخشى أن تكون القوة الدولية جسراً لإعادة هندسة المشهد الأمني والسياسي في غزة.

لا يغيب عن البيان الحشد الواسع للغة الإنسانية: الإبادة، الدمار، المنكوبين، المعابر، هذا ليس مجرد خطاب تعبوي، بل محاولة ذكية لإعادة ضبط النقاش الدولي الذي تحاول واشنطن نقله من وقف الحرب إلى إعادة الإعمار ونزع السلاح، فحماس تريد إبقاء الملف في المربع الإنساني لتأجيل المفاوضة على المربع السياسي، كما أنها تستخدم هذا الخطاب لاستعادة زخم الدعم الشعبي العربي والدولي الذي تراجع بفعل طول الحرب وآثارها.

المشهد القادم قوامه أن غزة أمام ثالث أكبر إعادة تشكيل في تاريخها، فإذا صحت المؤشرات الحالية، فنحن أمام لحظة فاصلة: الأولى كانت انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، والثانية سيطرة حماس على القطاع عام 2007، والثالثة هي الاستحقاق الناتج عن قرار مجلس الأمن 2818.

هذه المرة، المعركة ليست عسكرية بل سياسية: من سيحكم غزة؟ من يملك السلاح؟ ومن يتحكم في الحدود؟ ومن يحدد مستقبل القضية الفلسطينية؟

بيان حماس لا يجيب عن هذه الأسئلة، لكنه يعلن بوضوح أنها لن تسلّم مفاتيح غزة لا للقوة الدولية، ولا للسلطة الفلسطينية، ولا لمجلس السلام الجديد.وهو إعلان مبكر بأن طريق القرار 2818 لن يكون معبداً، وأن المعركة الكبرى قد تكون قد بدأت بالفعل بعد توقف المدافع.

عاجل.. أول تعليق من حماس على إقرار مجلس الأمن خطة ترامب بشأن غزة

الرئيس ترامب يشكر مصر وقطر والإمارات لدعمهم جهود التهدئة فى غزة

مجلس الأمن يقر مشروع القرار الأمريكي لدعم خطة ترامب في غزة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل مقالات غزة حماس الفصائل الفلسطينية السلطة الوطنية الفلسطينية بيان حماس أحمد أبو صالح مجلس الأمن فی غزة

إقرأ أيضاً:

حماس: قرار مجلس الأمن يفرض وصاية دولية على غزة والفصائل ترفضه

أصدرت حركة "حماس" بيانًا رسميًا ردًا على مصادقة مجلس الأمن الدولي على القرار الأمريكي الخاص بغزة، أعربت فيه عن معارضتها للعديد من مواد القرار وتقييمها لأهدافه.

أكدت حماس في بيانها، أن القرار الأمريكي لا يرتقي إلى مستوى مطالب وحقوق الشعب الفلسطيني السياسية والإنسانية، خاصة بعد عامين من "حرب إبادة وحشية وجرائم غير مسبوقة" في القطاع.

رأت الحركة أن القرار يفرض آلية وصاية دولية على قطاع غزة، وهو ما يرفضه الفلسطينيون وقواهم وفصائله. كما اعتبرت أنه "ينزع قطاع غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية" ويحاول فرض وقائع جديدة، بما يحرم الفلسطينيين من حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس.

أضافت الحركة أن القرار "يفرض آليةً لتحقيق أهداف الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية".

أكدت حماس أن مقاومة الاحتلال بكل الوسائل حق مشروع كفلته القوانين والمواثيق الدولية. 

وشددت على أن سلاح المقاومة مرتبط بوجود الاحتلال، وأن أي نقاش في هذا الملف يجب أن يبقى شأنًا وطنيًا داخليًا مرتبطًا بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وتقرير المصير.

رأت الحركة أن تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة، منها نزع سلاح المقاومة، ينزع عنها صفة الحيادية ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال.

واشترطت "حماس" لأي قوة دولية، في حال إنشائها، أن تتواجد على الحدود فقط، للفصل بين القوات، ومراقبة وقف إطلاق النار، وأن تخضع بالكامل لإشراف الأمم المتحدة وتعمل بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، دون أن يكون للاحتلال أي دور فيها.

أكدت الحركة أن المساعدات الإنسانية وفتح المعابر حق أساسي، ولا يمكن إبقاء المساعدات وعمليات الإغاثة في دائرة التسييس والابتزاز. وطالبت بالإسراع في فتح المعابر وضخّ كل الإمكانيات لمواجهة الكارثة الإنسانية عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها، وفي مقدّمتها وكالة الأونروا.

طباعة شارك حماس مجلس الأمن الدولي مجلس الأمن غزة

مقالات مشابهة

  • بعد رفض حماس.. أول تعليق للسلطة الفلسطينية على قرار مجلس الأمن بشأن غزة
  • حركة الجهاد تعلن رفضها للقرار الأمريكي الذي تبناه مجلس الأمن.. تفاصيل
  • تفاصيل ليلة تصويت مجلس الأمن على خطة غزة.. ما أبرز المواقف وكيف جاء ردّ حماس؟
  • حماس: قرار مجلس الأمن يفرض وصاية دولية على غزة والفصائل ترفضه
  • حماس تنتقد مشروع القرار الأميركي وترفض الوصاية
  • مجلس الأمن الدولي يقر مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة
  • العقوبات على اليمن .. القرار الذي فضح النظام الدولي وكشف الوجه الحقيقي لمجلس الأمن
  • مستقبل غزة في مجلس الأمن.. ما الذي يريده كل طرف من القرار المرتقب؟
  • امتناع روسي صيني عن التصويت على قرار تمديد العقوبات الدولية ضد اليمن