أرجأت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) تطبيق تعديل تنظيمي بارز كان من شأنه أن يغيّر بنية سوق الصكوك العالمية جذريا، وذلك بعد موجة اعتراضات قوية من المستثمرين، وفق ما نقلته وكالة "بلومبيرغ" في تقرير لها.

ويأتي هذا التأجيل وسط تحذيرات من أن التعديل المقترح قد يربك سوقا تتجاوز قيمتها تريليون دولار، ويؤدي إلى تحولات مؤسسية وتشغيلية كبيرة في القطاع الذي يعتمد عليه عدد كبير من الحكومات والشركات في التمويل.

ويتركز الجدل حول المعيار الجديد المعروف باسم المعيار 62، هو مشروع معيار شرعي صادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) يتعلق بالصكوك، وليس منتجا أو خدمة لها اسم محدد. ويهدف المعيار إلى تعزيز التوافق الشرعي في الصكوك، مع التركيز على الملكية الحقيقية للأصول، وتقاسم المخاطر، وتعزيز الشفافية، وتوحيد متطلبات إصدار الصكوك. والمعيار لا يزال في مرحلة المسودة ويخضع للمناقشات والمشاورات قبل إصداره نهائيا.

إلا أن عددا واسعا من المؤسسات المالية حذّر من أن هذا التحوّل قد يجعل الصكوك أشبه بالأدوات الاستثمارية القائمة على المشاركة في الملكية، بدلا من كونها أدوات دخل ثابت، وهو ما من شأنه إبعاد المستثمرين الذين يتعاملون مع الصكوك بوصفها بديلا شرعيا للسندات.

جولات إضافية من التشاور

وبحسب "بلومبيرغ"، أكد الأمين العام لأيوفي، عمر مصطفى أنصاري، أن الهيئة قررت وضع التعديل "على الإيقاف المؤقت"، موضحا أن الهدف من التأجيل هو "منح السوق مزيدا من الوقت للاستعداد".

وقال أنصاري في حديثه للوكالة عبر الاتصال المرئي إن الهيئة ستعقد "جولة جديدة على الأقل" من المشاورات مع الجهات المعنية، وتشمل البنوك المركزية، والمُصدِرين الكبار، وشركات التصنيف الائتماني، والمستشارين القانونيين.

ويشير التقرير إلى وجود فجوة بين الطريقة التي يتعامل بها المستثمرون مع الصكوك حاليا -كأدوات ذات تدفقات نقدية ثابتة تشبه السندات– وبين رؤية العلماء الشرعيين الذين يؤكدون أن الصكوك تمثل "ملكية جزئية في أصل"، وأن العوائد يجب أن تكون "حصة من الإيرادات أو الأرباح" وليس مبالغ ثابتة تشبه الفائدة، وهو ما يجعل المعيار 62 محور خلاف جوهري بين البعدين الشرعي والسوقي.

موجة الاعتراض تكشف عمق القلق من تأثير المعيار 62 على بنية سوق الصكوك العالمية (شترستوك)مخاوف من تحول الصكوك إلى أدوات

وتنقل "بلومبيرغ" تحذيرات خبراء السوق من أن التطبيق الصارم للمعيار 62 قد يغير طبيعة الصكوك بالكامل. إذ يقول أمول شيتولي، مسؤول الدخل الثابت في شركة استثمارية تتخذ من دبي مقرا لها، إن التنفيذ الكامل للمعيار "سيحوّل الصكوك من طبيعتها الشبيهة بالسندات إلى أدوات تعتمد على ملكية الأصول". ويرى أن هذا التحول قد يؤدي إلى "دخل متغير، وتعقيد أكبر في الهيكلة، وسيولة أقل"، وهذا قد يضعف الإقبال ويخلق صعوبات أمام شركات التصنيف الائتماني في تقييم المخاطر.

إعلان

ويشير التقرير إلى أن هذا التغيير قد يحرم الصكوك من موقعها داخل محافظ الدخل الثابت التقليدية، وهو ما سيشكّل -وفق تعبير الوكالة- "انتكاسة كبيرة لسوق شهد نموا قويا خلال السنوات الخمس الماضية".

أيوفي: الصكوك ليست سندات… والالتزام الشرعي غير قابل للتنازل

وعلى الرغم من الاعتراضات، شدّد الأمين العام لأيوفي في حديثه لـ"بلومبيرغ" على أن مبدأ تحريم المعاملات القائمة على الفائدة "سيُحفظ في جميع الأحوال". وأكد أن الصكوك لا يمكن أن تكون بديلا مطابقا للسندات التقليدية، قائلا إن "من يبحث عن أداة دين تقليدية عليه التوجه إلى السوق التقليدية"، وإن الصكوك "لن تكون أبدا سندات تقليدية".

ويشير التقرير إلى أن غالبية إصدارات الصكوك الحالية لا تتضمن نقل الملكية الفعلية للأصول، وهذا يجعل مدفوعاتها أقرب إلى دفعات الفائدة، وهو ما تعتبره أيوفي مخالفة لجوهر التمويل الإسلامي. ولذلك، ترى الهيئة أن إصلاح الهياكل الحالية ضرورة لضمان اتساقها مع المبدأ الشرعي الأساسي.

قيود السيولة المتوقعة تثير مخاوف بشأن قدرة السوق على استيعاب الهيكلة الجديدة (شترستوك)تحذيرات من تفتت السوق

وتنقل "بلومبيرغ" عن المستثمر مهدي بوبوت، المدير التنفيذي لإدارة محافظ الصكوك في شركة استثمارية مقرها دبي، قوله إن هناك 3 تحديات مركزية تواجه تطبيق المعيار:

عدم رغبة المُصدِرين -خصوصا الحكومات- في نقل الملكية الفعلية للأصول. إمكانية لجوء المستثمرين إلى صكوك غير متوافقة مع أيوفي، وهذا يخلق "تفتتا" في السوق. عدم وجود سجل رسمي لدى أيوفي يوضح الإصدارات التي حازت اعتمادها الشرعي.

ويؤكد بوبوت أن الهيئة "مدركة لهذه التحديات الحرجة"، وأنها لهذا السبب "تأخذ وقتا إضافيا" لإيجاد صيغة تحقق التوازن بين الالتزام الشرعي ومتطلبات السوق.

سؤال التعثر يحدد مستقبل المعيار

وتوضح "بلومبيرغ" أن أيوفي تحاول إقناع المستثمرين بأن نقل الملكية الفعلي قد يوفر حماية أكبر عند التعثر، إذ يمكن للمستثمرين باعتبارهم ملاك أصول، الاستحواذ عليها أو تصفيتها مباشرة، بخلاف الوضع الحالي الذي يتصرفون فيه كممولين فقط.

ويتساءل أنصاري: "ماذا يحدث عند التعثر؟" معتبرا أن هذا السؤال يمثل أساس تصميم المعيار.

وتشير الوكالة إلى أن المفاوضات تتجه نحو صيغة مزدوجة، بحيث تكون التدفقات النقدية في الظروف الاعتيادية شبيهة بأدوات الدين، بينما تكتسب الصكوك خصائص الملكية عند وقوع التعثر، بما يحقق توازنا بين الجانبين.

أيوفي تتمسك بمركزية المبدأ الشرعي المحرّم للفائدة من دون تنازل (غيتي)لا أثر رجعي… وفترات انتقالية مرنة

ويؤكد التقرير أن من أبرز المخاوف المطروحة تتعلق بما إذا كانت الصكوك الحالية ستُجبر على إعادة الهيكلة وفق المعيار الجديد، إضافة إلى المدة الزمنية التي ستحصل عليها الجهات التنظيمية لتطبيقه.

ويقول أنصاري في حديثه لـ"بلومبيرغ": إن المعيار، "حين يُعتمد"، سيوفر "فترة انتقالية معقولة"، كما سيشمل ما يُعرف بآلية "الاستثناء التاريخي"، بحيث "لا تتأثر الإصدارات الحالية".

ويشدّد على أن المعيار "لن يُطرح على عَجَل"، وأن الهدف هو الوصول إلى حل "يضمن الالتزام الشرعي ويُراعي جاهزية السوق في الوقت ذاته".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات ل الصکوک أن هذا وهو ما

إقرأ أيضاً:

اليمن: معركة استعادة الدولة مسؤولية شعب بأكمله

أحمد مراد (عدن)

أخبار ذات صلة مجلس الأمن يجدد العقوبات على الحوثيين عاماً آخر الحوثيون يقتحمون مقر الهيئة الطبية الدولية في صنعاء

أكدت الحكومة اليمنية أن المشهد اليمني يشهد اليوم نماذج مضيئة من المبادرات الفردية والجماعية، تعكس الوعي المتنامي لدى اليمنيين بطبيعة المعركة الوطنية في مواجهة ميليشيا الحوثي الإرهابية، مشيرةً إلى أن معركة استعادة الدولة ليست حكراً على جهة أو مؤسسة بعينها، بل مسؤولية يتشاركها جميع اليمنيين. 
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، «إن هذه النماذج تؤكد أن معركة اليمنيين مع ميليشيا الحوثي ليست معركة سلطة شرعية في مواجهة انقلاب فحسب، بل معركة يخوضها شعب بأكمله في مواجهة جسم دخيل يحاول فرض نفسه بالقوة على هوية اليمن وتاريخه»، مشدداً على أن هذه المواجهة تتوزّع على مختلف الميادين، ويشارك فيها اليمنيون بكل ما يملكونه من أدوات، كل من موقعه وبطريقته.
وأضاف الإرياني: «أن المبادرات والجهود الفردية الطوعية التي برزت خلال الفترة الماضية، بما تحمله من صدق الدافع ونقاء الغاية، تعبّر عن روح وطنية أصيلة ويقظة متصاعدة في وعي المجتمع اليمني»، مشيراً إلى أنها دليل على أن معركة استعادة الدولة ليست حكراً على جهة أو مؤسسة بعينها، بل مسؤولية يتشاركها جميع اليمنيين، وأن روح المبادرة لا تزال حية وقادرة على إحداث أثر ملموس في مواجهة الانقلاب ومشروعه الظلامي. 
وتُصر جماعة الحوثي على توظيف مؤسسة القضاء لخدمة مشروعها، من خلال إصدار المئات من أحكام الإعدام لتصفية خصومها السياسيين، وإرهاب المجتمع، وإسكات المعارضين.
وبحسب تقديرات منظمات حقوقية، فإن عدد أحكام الإعدام الصادرة في مناطق سيطرة الحوثيين بلغ أكثر من 550 حكماً منذ الانقلاب على الحكومة الشرعية عام 2014، وجاءت غالبية هذه الأحكام بدوافع سياسية وطائفية، وأصدرتها محاكم تفتقر إلى الاستقلالية والعدالة.
وأوضح الكاتب والمحلل اليمني، ماجد الداعري، أن جماعة الحوثي اعتادت على استخدام «سلاح القضاء» كأداة للهيمنة والسيطرة، عبر تحويل الجهاز القضائي إلى غطاء لممارسات قمعية تستهدف الخصوم السياسيين، ولا تقتصر هذه الممارسات على توجيه اتهامات جزافية، بل ترافقها حملات مصادرة ونهب ممنهجة للأموال والممتلكات.
وقال الداعري، في تصريح لـ «الاتحاد»، إن هذه السياسة الحوثية طالت الإعلاميين والنشطاء والمفكريين، الذين وجدوا أنفسهم أمام اتهامات مُلفَّقة تهدف إلى تشويه سمعتهم وإسكات أصواتهم وإرهاب المجتمع المحلي، لردع أي شكل من أشكال النقد.
وأضاف: «المحاكم في مناطق سيطرة الحوثيين تحولت إلى أداة سياسية بدلاً من كونها ملاذاً للعدالة، مما يزيد من هشاشة الحقوق والحريات ويُطيل أمد معاناة ملايين اليمنيين»، موضحاً أن أحكام الإعدام التي تصدرها محاكم الحوثي بين الحين والآخر تُعد وسيلة ترهيب ممنهجة تهدف إلى ترسيخ سلطتها ومشروعها الطائفي داخل المجتمع اليمني، إضافة إلى إخماد أي تحركات تهدد بقاءها.
من جهته، شدّد المحلل السياسي اليمني، حمزة الكمالي، على أن جماعة الحوثي تمارس انتهاكات ممنهجةً لترويع اليمنيين وإسكات أصوات المعارضين، من خلال أحكام قضائية تأتي دائماً بدوافع سياسية وطائفية، وتصدر عن محاكم تفتقر إلى الاستقلالية، وذلك بهدف بسط نفوذها وتكريس مشروعها، موضحاً أن الجماعة الانقلابية لا تتعامل مع اليمن باعتباره وطناً وشعباً، بل أداة لتحقيق مكاسب ضيقة.
وذكر الكمالي، في تصريحٍ لـ «الاتحاد»، أن الحوثيين يُسخِّرون جميع المؤسسات الرسمية ومواردها وإمكاناتها لخدمة أجندتهم الخاصة، حتى وإنْ كان ذلك على حساب مصالح البلاد والشعب، مما يجعل اليمن رهينة بيد جماعة تُصر على فرض مشروعها بالقوة والسطوة، مشدداً على أن إسقاط المشروع الحوثي يجب أن يكون أولوية قصوى للحفاظ على الوطن.

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي عن الانتخابات: لو تم اعطائك فلوس عشان تختار واحد غير صالح انت كده مخدتش حاجة
  • الرئيس السيسي: الوعي الحقيقي هو فهمنا لمتطلبات حياتنا ومتطلبات تجاوز الفشل
  • بلومبيرغ: ''هجمات الحوثيين تربك مشاريع غوغل وميتا للكابلات بالبحر الأحمر''
  • بلومبيرغ: الذكاء الاصطناعي لن ينقذ الاقتصاد الأميركي
  • اليمن: معركة استعادة الدولة مسؤولية شعب بأكمله
  • بلومبيرغ: تأخر مد كابلات الإنترنت عبر البحر الأحمر نتيجة التهديدات الأمنية والتوترات السياسية
  • اليوم.. حلقة نقاش حول "الإنتاج المشترك: بين الهوية ومتطلبات السوق" ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما
  • بقيمة 3 مليارات جنيه.. البنك المركزي يطرح الإصدار الثاني من الصكوك السيادية غدا
  • النمسا والبوسنة.. معركة «التأهل المباشر»!