يهمين تنازع الصلاحيات على أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في اليمن المتباينين في انتماءاتهم السياسية والمناطقية والولاء لدول إقليمية، وهي العوامل التي أفرزت العديد من الخلافات، وصولاً إلى اتخاذ قرارات فردية من قبل بعض الأعضاء بشكل مخالف للقانون، يتصدرهم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وتهديد أعضاء آخرين بالقيام بالمثل.

 

وفي السابع من إبريل/ نيسان 2022 صدر الإعلان الرئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي. ووفقاً لنص الإعلان، فوّض الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي مجلس القيادة الرئاسي في اليمن الذي يتألف من ثمانية أعضاء، بصلاحيات رئيس الجمهورية ونائبه، استناداً إلى الصلاحيات الممنوحة للرئيس بموجب دستور الجمهورية اليمنية، واستناداً إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. كما نص الإعلان الرئاسي على تشكيل "هيئة التشاور والمصالحة" لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي، وتشكيل "الفريق الاقتصادي" لدعم الإصلاحات الحكومية، وتشكيل "الفريق القانوني" لصياغة مسودة القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي في اليمن وهيئة التشاور والمصالحة والفريق القانوني والفريق الاقتصادي. ويتكون المجلس الرئاسي من ثمانية أعضاء، مناصفة بين الشمال والجنوب، يرأسهم رشاد العليمي. وينتمي ثلاثة من الأعضاء إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال، هم رئيس "الانتقالي" عيدروس الزبيدي، ونائبه فرح البحسني، وعبد الرحمن المحرمي.

 

أزمات مركبة ترافق عمل المجلس منذ تشكيله

 

ورافقت أزمات مركبة ومتشابكة عمل المجلس منذ تشكيله في السابع من إبريل 2022، حيث يرى البعض أن تشكيله يعد غير دستوري، كما اعتمد في تشكيله على مراعاة تمثيل القوى الممثلة عسكرياً على الأرض، وهي تشكيلات تم استحداثها من قبل قوى إقليمية لبسط نفوذها في اليمن، وبالتالي لا يعبر المجلس عن الشعب الذي انتخب هادي رئيساً. ويمارس مجلس القيادة الرئاسي عمله دون لائحة واضحة تُلزم الجميع بتوزيع المهام والصلاحيات وتنظم مهامه، وهو ما أدى إلى بروز "قوى خفية تدير المجلس وفق مصالحها"، وفق ما أكده البحسني في سبتمبر/ أيلول الماضي.

 

ومنذ تشكيل المجلس الرئاسي، يشعر الزبيدي بأنه يحظى بامتيازات تجعله الرجل الأقوى داخله، فهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر فعلياً على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وأجزاء شاسعة من محافظات لحج والضالع وأبين وشبوة وأجزاء من حضرموت، ويملك قوة عسكرية ضخمة تتمثل بـ"الحزام الأمني"، و"ألوية العمالقة" التي يرأسها عبد الرحمن المحرمي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، والقيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة إلى تشكيلات عسكرية أخرى، مثل "النخبة الشبوانية" و"النخبة الحضرمية". وهو قبل ذلك يحظى بدعم كبير من الإمارات، التي تعد ثاني أقطاب التحالف العربي الرئيسية بعد السعودية.

 

ويتبنى الزبيدي خطاباً مطالباً بالانفصال والعودة إلى الحدود الشطرية لدولة اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب اليمن، التي توحدت مع الجمهورية العربية اليمنية في شمال البلاد في 22 مايو/ أيار 1990. استناد الزبيدي إلى ما يظن أنها "عوامل قوة" جعلته طوال السنوات الماضية يعرقل انعقاد جلسات مجلس النواب في عدن أو في المحافظات الجنوبية، حيث يرفض الاعتراف بشرعية البرلمان الذي تم انتخابه قبل تأسيس "المجلس الانتقالي" غير الممثل فيه، بالإضافة إلى اقتحام المؤسسات في عدن بين الحين والآخر، بما فيها القصر الرئاسي المعروف بقصر المعاشيق.

 

أزمة داخل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن

 

وفي العاشر من سبتمبر الماضي، أصدر الزبيدي قرارات انفرادية مخالفة للقانون، شملت تعيين نواب ووكلاء وزارات، ووكلاء محافظات، بهدف فرض أمر واقع داخل الشرعية. وتسببت قرارات الزبيدي بأزمة داخل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن جعلت رئيسه يغادر إلى الرياض بهدف معالجة الأمر، بينما غادر الزبيدي إلى أبوظبي، ليتم الإعلان لاحقاً عن مراجعة شاملة للقرارات الصادرة عن المجلس منذ تشكيله في العام 2022، بما في ذلك التعيينات التي أصدرها الزبيدي، وقرر المجلس تكليف الفريق القانوني المساند بمراجعة جميع القرارات الصادرة منذ 2022 للتأكد من توافقها مع الإطار القانوني. وقبل أن تنتهي فترة العمل المحددة للفريق القانوني لمراجعة القرارات ورفع تقريره، كان العليمي يرضخ للأمر الواقع الذي فرضه الزبيدي، وقام بشرعنة قراراته، حيث تم الكشف عن مذكرة رسمية بتاريخ الرابع من الشهر الحالي موجهة من مكتب رئاسة الجمهورية بإعداد قرارات تعيين في مناصب حكومية سبق أن أصدرها الزبيدي بما يخالف للقانون.

 

وفتح هذا الأمر شهية أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي في اليمن لإصدار قرارات فردية على طريقة الزبيدي، حيث هدد عضو المجلس فرج البحسني، في بيان، باتخاذ قرارات أحادية في حال استمر رئيس المجلس بتعطيل قرارات أقرت بالتوافق بين أعضاء المجلس بشأن محافظة حضرموت، التي ينتمي إليها البحسني. عوامل فشل متراكمة تهدد كيان مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، الذي فشل أيضاً في تحقيق أي انفراجة في الملفات العسكرية والاقتصادية والخدمات، فقد عجز عن توحيد التشكيلات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، وقيادة معركة التحرير ضد الحوثيين، كما فشل في تحسين الاقتصاد، حيث تدهورت قيمة العملة المحلية بشكل غير مسبوق، وعجز عن صرف رواتب الموظفين المنقطعة منذ أربعة أشهر، وتوفير الخدمات العامة للمواطنين.

 

ويقول خالد طربوش، عضو اللجنة المركزية للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، لـ"العربي الجديد"، إن "تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن اعتمد على توافق المكوّنات الفاعلة التي حضرت لقاء التشاور في الرياض. غير أن الأساس والفاعل الأهم، والذي مثّل مرجعية دستورية هنا، هو إعلان هادي تفويض صلاحياته لمجلس القيادة، إلى جانب المبادرة الخليجية وآليّاتها التنفيذية. فالمرجعية التي قام عليها المجلس لا علاقة لها بضعف أو ضبابية دوره، لكن البوصلة تشير إلى سبب رئيسي واحد، هو تضارب أهداف وتوجهات مكوّناته. وما زاد الطين بلّة أنه لم يُصَمَّم له نظام داخلي يضبط عمل كل عضو ويحدّد مسؤولياته، الأمر الذي أفقده القدرة وأدّى إلى فشله في إدارة الملفات، وخاصة ملف الرواتب وتوحيد الجيش".

 

ويضيف طربوش أن "المجلس يعاني من انقسامات عميقة بسبب تعدّد مكوّناته، وبقائه بعيداً عن الناس مكاناً ومكانة، وتمترس أعضائه حول مصالح حصلوا عليها، وهي غالباً مرتبطة بالموارد، الأمر الذي أفقد الدولة أي قدرة على القيام بأبسط وظائفها. وقد انعكس ذلك على جميع الملفات الأخرى، لتصبح الدولة في شكل جيوش صغيرة متخندقة مع هذا أو ذاك. ولا ننسى الضغوط الخارجية التي تمثل العامل الأهم في هذه التوازنات". ويشير إلى أنه "بالنسبة لإصلاح مجلس القيادة الرئاسي في اليمن فقد أصبح الأمر شأناً إقليمياً أكثر منه داخلياً، ومع ذلك لا بد من إعادة هيكلة قانونية: صياغة وثيقة تنظيمية جديدة للمجلس، عبر توافق داخلي أو برعاية دولية، تعكس صلاحياته بوضوح، وتُثبَّت من خلال تشريعات أو آليات مؤسساتية معترف بها، ومصالحة وتوحيد عسكري، عبر إنشاء لجنة فاعلة لتوحيد التشكيلات المسلحة كافة ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، وفق مبدأ الكفاءة لا الانتماء الجغرافي أو الحزبي، بالإضافة إلى تعزيز الشرعية الشعبية، عبر دعوة مجلس النواب للانعقاد، أو إجراء استفتاء، أو إطلاق عملية سياسية تشاركية تمنح المجلس شرعية داخلية، إذ يصعب تحقيق الإصلاح دون دعم شعبي". وأضاف: "كما أنه لا بد من ضغط الدول الراعية لإلزام المجلس بتنفيذ إصلاحات ملموسة، وربط المساعدات الدولية والدعم السياسي بتحقيق تقدم حقيقي في مجالات الإدارة والحوكمة".

 

اليمن يعيش مرحلة انتقالية

 

ويقول مدير مركز "سوث 24" للأخبار والدراسات يعقوب السفياني، لـ"العربي الجديد"، إن "مجلس القيادة الرئاسي في اليمن من حيث المبدأ والتوصيف القانوني، لا يتطابق مع نص الدستور اليمني، لكنه يستند إلى ترتيب دستوري انتقالي، وإلى شرعية توافقية أكثر مما هي شرعية دستورية". ويوضح أن "اليمن يعيش منذ العام 2011 مرحلة انتقالية، فالشرعية التوافقية هي التي سادت المشهد وصولاً إلى تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وإعلان نقل السلطة كان بمثابة إعلان دستوري يستبدل شكل الرئاسة في اليمن، من رئيس جمهورية ونائب إلى مجلس قيادة رئاسي".

 

ويؤكد أن "هذا الإعلان شرعي، لأنه صادر عن رئيس شرعي معترف به دولياً وداخلياً، وأقره البرلمان وصادق عليه في عدن، واستمر سريان بقية بنود الدستور، فالتعطيل بالدستور أو التجاوز أو إعادة التفسير كان في ما يخص شكل الرئاسة أو نظامها، لكن بقية بنود الدستور لا تزال قائمة، وهي التي يسير عليها مجلس القيادة، وهي التي حكمت على أداء المجلس الذي ظل بلا لائحة منظمة منذ إعلان تأليفه".

 

ويؤكد السفياني أن "ما حصل من إصدار الزبيدي للقرارات رسالة ضغط، وجزء من عملية تصحيح القرار داخل المجلس الرئاسي، وجزء من ردة فعل المجلس الانتقالي الجنوبي على انفراد رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي بالقرارات، وهذه الانفرادية تم الاعتراف بها رسمياً من قبل المجلس الرئاسي عند تكليفه للفريق القانوني بمراجعة قرارات مجلس القيادة التي صدرت منذ تشكيله. وهذا إقرار واضح بأنه كانت هناك مخالفات وانفراد في القرارات. والمجلس الرئاسي صادق على قرارات الزبيدي، وهذا يؤكد أن هذه القرارات لم تكن إلا جزءاً من حصة الانتقالي في الحكومة".

 

ويشير السفياني إلى أن "مرجع قرارات الزبيدي هو منطق الاستحقاق وليس القوة، على الرغم من أننا يجب ألا نهمل منطق القوة، فهو الذي أدى لوجود الحوثيين في اليمن وسيطرتهم على صنعاء وعلى مناطق واسعة في الشمال، وفرض وجودهم على طاولة المفاوضات والحوار، واليوم هم طرف رئيسي في المعادلة. ولذا يجب ألا يهمل منطق القوة، فالانتقالي هو الأقوى على مستوى الساحة في معسكر الشرعية، ويسيطر على عدن ومحافظات أخرى، وقادر على التمدد والسيطرة عسكرياً على بقية المحافظات في إطار الجنوب، ولديه تحالفات مع المقاومة الوطنية (يقودها العميد طارق صالح)، والانتقالي لو كان يتعامل وفق منطق القوة، لاستكمل ما فعله في 2019 من سيطرة على الأرض، ولما قبل باتفاق الرياض".

 

ويعتبر السفياني أنه "لإصلاح المجلس الرئاسي، يجب الاتفاق حول عدد من المواضيع لتعزيز حالة الثقة الداخلية، وهذا سينعكس على عمل الحكومة، وأيضاً لا بد من منح كافة الصلاحيات لرئيس الحكومة بعيداً عن التدخلات السياسية والوصاية والمحاصصة، ومنحه الأدوات اللازمة للضغط على أي وزارة أو مؤسسة مقصرة، ولا بد من الاتفاق على الرؤى السياسية في ما يتعلق بالتعامل مع الحوثيين، والمفاوضات، والقضية الجنوبية والإطار التفاوضي الخاص بها، وهذا يمكن أن يتم بدعم إقليمي".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن المجلس الرئاسي خلافات اقتصاد الحكومة مجلس القیادة الرئاسی فی الیمن المجلس الانتقالی الجنوبی المجلس الرئاسی رئیس المجلس لا بد من

إقرأ أيضاً:

ديوان المحاسبة والمجلس الرئاسي يناقشان تعزيز الشفافية والانضباط الرقابي

الوطن| متابعات

التقى رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك ، عضوي المجلس الرئاسي، موسى الكوني و عبدالله اللافي، في اجتماع خُصص لبحث عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الشفافية والحوكمة داخل مؤسسات الدولة، ودعم جهود الديوان في رفع كفاءة الأداء الرقابي.

وناقش الجانبان آليات تطوير التنسيق بين ديوان المحاسبة والجهات التنفيذية، بما يضمن حماية المال العام وترسيخ مبادئ الانضباط والشفافية، إضافة إلى دعم المبادرات المتعلقة بتطوير منظومات متابعة الإنفاق الحكومي، وتحديث أدوات الرقمنة والحوكمة الإلكترونية لرفع جودة البيانات ودقة إجراءات التحقق.

وأكد عضوا المجلس الرئاسي خلال اللقاء أهمية الدور المحوري الذي يقوم به ديوان المحاسبة في تعزيز الإصلاح الإداري والمالي، والمساهمة في بناء مؤسسات فعالة قادرة على الاستجابة للتحديات الراهنة، مشيدَين بالخطوات التي يتخذها الديوان لاعتماد برامج عمل حديثة تتماشى مع التحول الرقمي ومتطلبات الشفافية.

وعقب اللقاء، قام النائبان بجولة داخل إدارات ومكاتب الديوان رفقة رئيس الديوان ، حيث تم الاطلاع على سير العمل في ملف إعداد التقرير السنوي والجهود المبذولة لرفع جاهزية التقارير الرقابية، بالإضافة إلى استعراض البرامج التقنية الجديدة التي يعمل عليها الديوان في إطار ميكنة العمليات الرقابية وتطوير القدرة على تحليل البيانات المالية.

وأعرب الكوني واللافي عن تقديرهما لجهود كوادر الديوان وما يبذلونه من عمل مهني لحماية المال العام وتعزيز المساءلة داخل مؤسسات الدولة، مؤكدين دعم المجلس الرئاسي للدور الرقابي للديوان ومبادراته الرامية إلى بناء منظومة رقابية رقمية أكثر كفاءة وشفافية.

الوسومالمجلس الرئاسي ديوان المحاسبة ليبيا

مقالات مشابهة

  • ديوان المحاسبة والمجلس الرئاسي يناقشان تعزيز الشفافية والانضباط الرقابي
  • المجلس الرئاسي يرحب بتوقيع «الاتفاق الموحد» ويؤكد متابعة تطبيقه
  • من قصر معاشيق.. الرئيس يؤكد التزام مجلس القيادة بمرجعيات السلام الشامل في اليمن
  • ديوان المحاسبة والمجلس الرئاسي يبحثان آليات تطوير الرقابة وحماية المال العام
  • بيان هام لمجلس الشورى حول قرار “مجلس أمن المستكبرين” بشأن اليمن
  • مجلس الشورى يُدين قرار مجلس الأمن تمديد العقوبات على اليمن
  • مجلس النواب يرفض تمديد العقوبات ويؤكد على موقف اليمن الثابت في دعم قضايا الأمة
  • ‏على خطى الزبيدي.. البحسني يلوح باتخاذ قرارات أحادية ويحمل العليمي مسؤولية تدهور الأوضاع في حضرموت
  • الرئاسي يلزم الحكومة بتنفيذ إصلاحات تضمن وصول الدولة إلى كامل إيراداتها