المزارعون في ذمار يتكبدون خسائر كبيرة جراء الصقيع
تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT
الثورة نت/ رشاد الجمالي
تكبد المزارعون في محافظة ذمار، خسائر كبيرة جراء موجة الصقيع التي تشهدها المحافظة.
وقال مدير إدارة الارشاد الزراعي في مكتب الزراعة بالمحافظة المهندس فؤاد الكوري، في تصريح خاص لـ “الثورة نت” إن بعض المحاصيل تعرضت لأضرار جراء الصقيع المستمر منذ بداية النصف الثاني من شهر نوفمبر الحالي لهذا العام وتحديداً في أيام القران.
وأوضح ان الصقيع (الضريب) ظاهرة طبيعية مناخية تنتج عن انخفاض درجة الحرارة إلى الصفر المئوي أو أقل فيتحول بخار الماء الموجود في الجو من الحالة الغازية إلى الحالة الصلبة مباشرةً (ثلوج) دون المرور بالحالة السائلة.
وبيّن ان الصقيع يحدث في الليالي الباردة والصافية التي لا تظهر في سمائها السحب ولا يكون فيها رياح حيث ينتج عن ذلك فقدان الأرض لحرارتها وارتفاع الهواء الساخن للأعلى حيث يحل محله الهواء البارد الذي يهبط للأسفل وبالتالي تكون المنطقة الملامسة لسطح التربة هي الأكثر برودة.
ولفت إلى أن الصقيع يحدث في المناطق التي تقل فيها حركة الهواء حيث تعتبر الساعات المتأخرة من الليل هي ساعات الصقيع التي يتشكل فيها الندى وبالتالي يحدث الصقيع.
وذكر المهندس الكوري أن الصقيع يحدث
عندما تقوم النباتات والتربة بامتصاص الحرارة وتخزينها من أشعة الشمس وخلال الليل تبدأ النباتات والتربة بفقدان الحرارة المخزنة بسرعة حيث تساعد الغيوم على ابطاء فقدان الحرارة غير أن الليالي الغائمة الخالية من الرياح لا تحمل أي حماية على الاطلاق.
وأضاف انه عند انخفاض درجة الحرارة داخل النبات والتربة إلى ما هو أقل من حرارة الهواء المحيط بالنبات تتحول رطوبة الهواء إلى ندى ثم يتجمد عندما تصل درجة الحرارة إلى (الصفر المئوي) على سطح النبات ما يحدث ضررا أدنى يؤثر على ورقة واحدة أو اثنتين من كل نبات غير أن انخفاض الحرارة أكثر من ذلك يؤدي إلى تجمد الماء داخل خلايا النبات وانفجارها.
وأشار إلى تعرض بلادنا في الموسم الحالي لكتلة هوائية شديدة البرودة، شهدتها بعض محافظات الجمهورية ومنها محافظة ذمار والتي انخفضت فيها درجات الحرارة الى ما دون الصفر في بعض مديريات المحافظة، خلال الفترة من 7/ 11- 9/11 خصوصاً في مديريات (جهران وميفعة عنس، وأجزاء من مديريات الحداء) وبدأت علاماتها واضحة على بعض المزروعات في قاع جهران واهمها محاصيل البطاط والكوسا والسلطة وبعض أنواع القات غير المغطى.
وأوصى مدير إدارة الارشاد الزراعي في مكتب الزراعة بالمحافظة، المزارعين بحرق الإطارات ليلاً وفي الصباح الباكر وتغطية النباتات بالقش وكذلك ري الارض ليلاً او في الصباح الباكر عند توقع الصقيع واستخدام منظمات النمو مثل السوبر فوسفات 2% وسلفات البوتاسيوم وكذا ري الأرض، وعدم استخدام الأسمدة النتروجينية (السماد الأبيض) والمبيدات.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
غيومٌ ثقيلة محمّلة بالكائنات الدقيقة
سعد صبّار السامرائي -
كان لويس باستور يجد راحته الكبرى حين يعتكف في مختبره الباريسي؛ ففيه أنجز أهمَّ انتصاراته العلميّة، ومن بينها تجاربه التي أرست الأُسس الأولى للنظرية الجرثوميّة، القائلة إن الجراثيم يمكن أن تُسبِّب الأمراض. وكان يردد متذمّرًا لأحد أصدقائه: «كلُّ شيءٍ يزداد تعقيدًا حين نغادر المختبر.»
لكن في عام 1860، وقبل أن تذيع شهرته بسنوات، قرَّر لويس باستور أن يغادر المختبر، ويخوض رحلةً مدهشةً إلى قمة نهرٍ جليديٍّ في جبال الألب، سعيًا وراء صيد الجراثيم في أعالي السماء. بدأ العالِمُ الفرنسي رحلتَه من سفحِ جبلِ مون بلان، يصحبه دليلٌ محلّي، ويتبعه بغلٌ ينوء بحملِ سلالٍ مملوءةٍ بقواريرَ زجاجيّةٍ طويلةِ العنق، تحتوي على مرقٍ غذائيٍّ مُعقَّم. وبعد صعودٍ شاقٍّ على ممرٍّ حادٍّ يتلوّى بين الغابات الكثيفة من أشجار الصنوبر، توقّف باستور أخيرًا، وأخرج إحدى القوارير المحمولة على ظهر البغل، ورفعها عاليًا فوق رأسه. بيده الأخرى أمسك ملقطًا معدنيًّا، وكسر به طرفَ عنق الزجاجة، فاندفع الهواءُ البارد إلى داخلها. كان المشهد غريبًا؛ فلو أن أحدًا رآه يومها واقفًا على النهر الجليدي، يرفع قارورةً مليئةً بالمرق المُغذّي نحو السماء، لظنّه مجنونًا. لكن باستور، كما كتب لاحقًا، كان في مطاردةٍ لما سمّاه «الجراثيم الطافية في الهواء».
واليوم، بعد مرور 165 عامًا، ما يزال العلماء في شتّى أنحاء العالم يواصلون صيدَ تلك الجراثيم المبثوثة في الهواء، لكن بأدواتٍ وتقنياتٍ تفوق ما تصوّره باستور دقّةً وتعقيدًا. يدرس بعضهم كيف تنتقل الفيروسات عبر الحافلات والمطاعم وتنتشر في المدارس والبيوت، وكيف أنّ أبواغُ الفطريات يمكنها أن تسافر آلاف الأميال لتُصيب البشر والحشرات والنباتات.
ويُعرف هذا النظام البيئي الجوي اليوم باسم المجتمع الحيوي في الهواء aerobiome، وهو مصطلح لم يكن موجودًا في زمن باستور. إذ كانت فكرة أن كائناتٍ حيةً تسبح في الهواء تبدو آنذاك ضربًا من الخيال. لقد استغرق الأمرُ عقودًا طويلة حتى يتقبل الناس حقيقةَ وجود هذا المجتمع الحيوي. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ عددٌ من العلماء يركبون الطائرات الشراعية حاملين شرائحَ زجاجية وأطباق بتري لالتقاط الأبواغ الفطرية والبكتيريا المحمولة في الرياح.
كما أن حملات المناطيد التي وصلت إلى الغلاف الجوي الطبقي جمعت خلايا من تلك الأعالي أيضًا. أما اليوم، فيستخدم علماء الأحياء الجوية في القرن الحادي والعشرين أجهزةَ التقاطٍ متقدمة تُثبَّت على الطائرات المسيَّرة، وتقنياتِ تسلسل الحمض النووي للتعرّف على الكائنات المحمولة جوًّا من خلال جيناتها. لقد أدرك الباحثون الآن أن الأحياء في الهواء تمثّل موطنًا هائلًا ينبض بالحياة والتنوع.
ففي كل مرةٍ تضرب فيها موجةٌ سطحَ البحر، تقذف في الهواء قطراتٍ دقيقة من مياهه المالحة، تحمل في رذاذها فيروسات وبكتيريا وطحالب وكائناتٍ وحيدة الخلية. يسقط بعضها سريعًا عائدًا إلى البحر، بينما تلتقط الرياح بعضها الآخر لترفعه إلى السماء، حيث يمكن أن يُحمَل لمسافاتٍ تمتد آلاف الأميال. وعلى اليابسة، تستطيع الرياحُ أن تجرف التربة، رافعةً معها البكتيريا والفطريات وغيرها من الكائنات الدقيقة. ومع شروق الشمس كل صباح وتبخّر الماء إلى الهواء، يمكن أن تصعد معها أيضًا كائناتٌ مجهرية. أما حرائق الغابات، فتُحدِث تياراتٍ هوائيةً صاعدةً عنيفةً تمتص الميكروبات من الأرض وتقتلعها من جذوع الأشجار وأوراقها، حاملةً إياها إلى الأعلى مع الدخان المتصاعد.
وليس جميع الأنواع تنتظر القوى الفيزيائية لتقذفها إلى الجو. فبعضُ الحزازيات مثلًا تنمو على سوقٍ رفيعةٍ تنتهي بأكياسٍ دقيقةٍ تُطلِق الأبواغ في الهواء كنفثاتٍ من الدخان. وقد يتساقط ما يصل إلى ستة ملايين بوغٍ من الحزازيات على المتر المربع الواحد من المستنقعات خلال صيفٍ واحد. كما تُطلِق كثيرٌ من أنواع النباتات الملقِّحة ملياراتٍ من حبوب اللقاح كل ربيع في عملية تكاثرها الهوائية. كما أن الفطريات بارعةٌ على نحوٍ خاص في الطيران. فقد طوّرت مدافعَ بيولوجيةً ووسائلَ أخرى لقذف أبواغها إلى الهواء، وزوَّدت تلك الأبواغ بأغلفةٍ صلبةٍ وآليات تطوّرية تُمكّنها من تحمّل الظروف القاسية التي تواجهها أثناء رحلتها عبر طبقات الجو العليا، وصولًا إلى الغلاف الجوي الطبقي. وقد عُثر على فطرياتٍ على ارتفاعٍ يبلغ نحو 12 ميلًا «20 كيلومترًا» فوق المحيط الهادئ، بعد أن حملتها الرياح إلى هناك. وبحسب تقديراتٍ علمية، يُدفَعُ إلى السماء كلَّ عامٍ ما يقارب تريليون تريليون خلية بكتيرية من اليابسة والبحر. وتشير تقديراتٌ أخرى إلى أن نحو50 مليون طن من الأبواغ الفطرية تُصبح عالقةً في الهواء في المدة نفسها. زد على ذلك أعداد لا تُحصى من الفيروسات والأشنات والطحالب وغيرها من الكائنات المجهرية. ومن الشائع أن تظل هذه الكائنات محلّقةً لعدة أيام قبل أن تستقرَّ، وقد تقطع خلال تلك الفترة مئات أو آلاف الأميال. وخلال تلك الرحلة الجوية الطويلة، قد تدخل الكائنات إلى مناطق من الجو يتكاثف فيها بخار الماء إلى قطرات، فتجد نفسها محاطةً بإحداها. ومع التيارات الهوائية الصاعدة تُحمَل القطرات إلى عمق الكتلة المائية، وبذلك تدخل الكائناتُ قلبَ السحابة.
وقد جاءت معظمُ معارف العلماء عن الحياة داخل السحب من قمّة جبلٍ في فرنسا يُدعى بوي دو دوم. تشكّل هذا الجبل قبل نحو 11 ألف سنة حين اندفعت الحمم عبر تلال وسط فرنسا فكوَّنت بركانًا، تدفقت منه الحمم ثم خمد. وعلى مدى العشرين عامًا الماضية، زُوِّدت محطة الأرصاد الجوية فوق قمته بمعداتٍ لالتقاط عيناتٍ من الهواء، إذ تحيط السحب بالقمة بانتظام، مما يتيح للعلماء جمع الكائنات التي تحملها.
وقد كشفت الدراسات التي يقودها بيير أماتو، عالم الأحياء الجوية في جامعة كليرمون أوفرني، أن كل مليمتر واحد من ماء السحب الذي يمرّ فوق جبل بو دو دوم يحتوي على نحو 100 ألف خلية حية. وقد أظهرت تحاليل الحمض النووي أن بعضها ينتمي إلى أنواعٍ معروفة، لكن كثيرًا منها غيرُ موصوفٍ بعدُ في العلم.
لقد رفض أماتو خلال سنوات بحثه آلافَ الأنواع المحتملة، متشككًا في أن تكون ميكروبات الجلد من يديه أو من طلبته قد لامست المعدات عن غير قصد وتلوثت. ومع ذلك، استطاع هو وفريقه أن يؤكدوا بثقة اكتشاف أكثر من 28 ألف نوعٍ من البكتيريا ونحو 2,600 نوعٍ من الفطريات في السحب. ومن الواضح أن هذه السحب بيئاتٌ مفتوحةٌ للجميع، لكن لا يزدهر فيها إلا القليل. تعيش البكتريا داخل السحابة في عزلة تامة، محبوسةً داخل قطرتها الخاصة. وبالنسبة للبكتيريا، تبدو السحابة عالَمًا غريبًا أشبه بالكواكب الغريبة، يختلف جذريًّا عن الموائل التي تعيش فيها عادةً على اليابسة أو في البحر. فالبكتيريا بطبيعتها تميل إلى التجمّع وبناء المستعمرات؛ ففي الأنهار تُكوِّن طبقات ميكروبية، وفي أمعائنا تشكّل أغشيةً كثيفة. أمّا في السحب، فكل خليةٍ مفصولةٌ عن الأخرى في عزلةٍ مطلقة. وتعني هذه العزلة أن البكتيريا داخل السحب لا تحتاج إلى منافسة غيرها على الموارد المحدودة، لكنّها في المقابل تواجه تحديًا آخر: فحجم القطرة صغيرٌ للغاية، ولا يحمل سوى النزر اليسير من العناصر الغذائية التي تحتاجها الكائنات للنمو.
ومع ذلك، وجد أماتو وزملاؤه أدلةً على أن بعض الكائنات الدقيقة قادرة بالفعل على النمو داخل السحب. ففي إحدى الدراسات، قارن الباحثون عيناتٍ جمعوها من سحب جبل بوي دو دوم بعيناتٍ أُخذت في الأيام الصافية من دون سحب. وللكشف عن نشاط هذه الكائنات، قارنوا بين كمية الحمض النووي DNA والحمض النووي الريبي RNA في العينات. أظهرت النتائج أن نسبة الـ RNA كانت كبيرة مقارنَة بنسبة الـ DNA في السحب مقارنة بالهواء الصافي، وهو دليل قوي على أن الخلايا تنشط داخل السحب، وأن هناك عملية نشطة لصناعة البروتينات. كما اكتشف الباحثون أن البكتيريا في السحب تُفعِّل جيناتٍ ضروريةً لتمثيل الغذاء ولنموّها الحيوي.
ولفهم كيف يمكن لهذه البكتيريا أن تزدهر في بيئةٍ جوية قاسية كهذه، قام العلماء بزراعة بعض الأنواع التي التقطوها في مختبرهم، ثم نشروها داخل غرف تحاكي الغلاف الجوي. وُجد أن أحد الأنواع، المعروف باسم بكتيريا الميثيل Methylobacterium، يستخدم طاقة الضوء لتفكيك الكربون العضوي داخل قطرات السُحب. بمعنى آخر: هذه البكتيريا تأكل السُحب. وتشير التقديرات إلى أن الميكروبات السحابية تُحلِّل نحو مليون طن من الكربون العضوي سنويًّا على مستوى العالم. تكشف هذه النتائج أن الأحياء الدقيقة في الهواء قوةٌ حقيقيةٌ تؤثّر في كيمياء الغلاف الجوي، بل وتتدخل في تشكُّل الطقس نفسه.تُثير أبحاثُ الحياة في السُّحُب أيضًا احتمال وجود كائناتٍ حيّةٍ على كواكب أخرى، حتى في بيئاتٍ متطرّفةٍ تبدو بعيدةً عن احتضان الحياة. فمثلًا، تبلغ درجةُ حرارةِ سطحِ كوكبِ الزهرة حدًّا يكفي لصهرِ الرصاص، غير أنَّ سُحُبَه العُليا أكثرُ اعتدالًا، وربما تكون قادرةً على احتضانِ أشكالٍ من الحياة. تقول سارة سيغر، عالمةُ الأحياءِ الفلكيةُ في معهدِ ماساتشوستس للتقنية (MIT)، إنَّ الحياة ربما نشأت على سطح الزهرة في ماضيه البعيد حين كان أكثرَ برودةً ورطوبة. ومع ازدياد حرارة الكوكب، قد تكون بعضُ الميكروبات قد لجأت إلى السُّحُب طلبًا للنجاة، فبقيت تسبح في طبقاته الجوية، تتحرّك صعودًا وهبوطًا عبر التياراتِ لآلافٍ أو ملايينِ السنين.
قد يجعلنا تأملُ الأحياء الدقيقة الفضائية التي تتحدث عنها سيغر ننظر إلى السماء بعينٍ جديدة. لكن أبحاث أماتو تكشف أننا حين ننظر إلى السحب من الأرض، فإننا ننظر أيضًا إلى بصمتنا البشرية على الكوكب. فقد وجد هو وزملاؤه عند تحليل جينات الميكروبات السحابية عددًا مذهلًا من الجينات المقاومة للمضادات الحيوية، ما يُذكّر بأن أثرنا البيولوجي لا يتوقف عند اليابسة، وإنما يمتد إلى أبعد الغيوم.
على هذه الأرض، نحن مَن ساعدنا بانتشار الجينات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية. فحين نستهلك كميات مفرطة من البنسلين وغيره من الأدوية لمكافحة العدوى، نُسهِم في انتقاء الطفرات البكتيرية القادرة على الصمود أمامها. ويزيد الأمر سوءًا أن المزارعين يُطعِمون الدواجن وسائر الماشية جرعاتٍ منتظمة من المضادات الحيوية لتسريع نموها وزيادة أوزانها. في عام 2014 وحده، توفي نحو 700 ألف شخص حول العالم بسبب عدوى تسببت بها بكتيريا مقاومة للأدوية. وبعد خمس سنوات فقط، ارتفع العدد إلى 1.27 مليون وفاة. تحدث تطورات المقاومة هذه داخل أجساد البشر والحيوانات التي نأكلها، لكن البكتيريا الحاملة لجينات المقاومة لا تبقى هناك طويلًا؛ إذ تتسرّب إلى البيئة، إلى التربة، والجداول المائية، ومن الواضح أنها تصل حتى الهواء. فقد عثر الباحثون على مستويات مرتفعة من جينات المقاومة في البكتيريا العالقة في هواء المستشفيات وحول حقول الدواجن. وتستطيع الرياحُ، كما تُظهر الصور الجوية، أن تحمل الغبارَ والميكروباتَ مئاتٍ أو حتى آلافَ الأميال عبر القارات والمحيطات.
لكنّ جينات المقاومة المحمولة جوًّا يمكن أن تنتشر لمسافاتٍ أبعد من ذلك بكثير. فقد فحص فريقٌ دولي من العلماء مرشِّحاتِ مكيفات الهواء في السيارات في تسع عشرة مدينة حول العالم، فوجدوا أنها تحتوي على تنوعٍ هائلٍ من البكتيريا المقاومة، ما يعني بوضوح أن جينات المقاومة تطفو في أجواء المدن.
وفي السنوات الأخيرة، رسم أماتو وزملاؤه خريطةً لرحلاتٍ أطول. ففي مسحٍ للسحب نُشر عام 2024، أعلنوا اكتشاف بكتيريا تحمل 29 نوعًا مختلفًا من جينات المقاومة. وقد تحمل البكتيريا الواحدة في الهواء ما يصل إلى 9 جينات مقاومة، يوفّر كلٌّ منها آليةَ دفاعٍ مختلفة ضد العقاقير. وقدّر الباحثون أن كل مترٍ مكعب من السحب يحتوي على نحو 10 آلاف جين مقاومة، وأن السحابة الواحدة العادية قد تحمل أكثر من تريليونٍ منها. ويُرجّح فريق أماتو أن وفرة جينات المقاومة في السحب تعود إلى دورها في مساعدة البكتيريا على البقاء هناك. فبعض هذه الجينات يمنح المقاومة عبر تمكين البكتيريا من طرد المواد السامة بسرعة من داخلها، سواء كانت أدويةً أو نواتج إجهادٍ سامّة ناجمة عن البيئة القاسية داخل السحابة.
وما يجعل الأمر أكثر خطورة أن السحب قادرة على نشر هذه الجينات لمسافاتٍ تفوق ما تسببه اللحوم أو المياه الملوثة. وحين تدخل البكتيريا إلى السحب، يمكنها أن تسافر مئات الأميال في غضون أيام قليلة، قبل أن تندمج في قطرة مطر وتهبط مجددًا إلى الأرض. وحين تصل إلى اليابسة، تنقل جيناتها المقاومة إلى ميكروباتٍ أخرى تلتقي بها في التربة أو الماء. ويُقدّر أماتو وزملاؤه أن 2.2 تريليون تريليون جين مقاومة تهطل من السماء كل عام مع المطر. إنها فكرة مقلقة حقًا، أن نمشي وسط انهمارٍ من جزيئات DNA صنعناها نحن بأيدينا. ولو أنَّ السياب بيننا اليوم ربما قال: مطر، مطر، مطر... كأنَّ خلايا الجراثيم تستوطن الغُيُوم، وقطرةً فقطرةً تَذوبُ في المطَر.
سعد صبّار السامرائي جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالرستاق