أثارت فاجعة جريمة الحلفايا ردود فعل واسعة، وطرحت الكثير من الأسئلة القانونية والنفسية بشأن تسليح المستنفرين ووجودهم داخل المدن!!

الخرطوم: التغيير

في يوم  مظلم، أطلق “مستنفر” مع الجيش السوداني، النار على أفراد من عائلته في منطقة الحلفايا شمال العاصمة الخرطوم، مما أدى إلى تدمير أسرة بأكملها وترك جراحًا عميقة لا تُشفى.

هذه الحادثة المروعة هزّت المجتمع السوداني، وأثارت أسئلة حول وجود “المستنفرين” في المدن الآمنة، ودفع كثيرين إلى المطالبة بإعادة النظر في سياسات الاستنفار ونزع السلاح لاستعادة الأمن خاصة في الخرطوم.

تفاصيل الحادثة

وتعود تفاصيل الحادثة، بحسب مصادر محلية، إلى أن الجريمة وقعت داخل منزل الأسرة، حيث أطلق المستنفر “محمد” النار على أفراد أسرته، مما أدى إلى وفاة خمسة منهم في الحال.

والضحايا هم: عبد العزيز مالك العاقب، أحمد مالك العاقب، رجاء مالك العاقب، فاطمة مالك العاقب، وإسماعيل زوج رجاء مالك العاقب وابن عمها.

ورجحت المصادر أن دوافع الجريمة تعود إلى مشاكل أسرية بعد اعتقال والدة الجاني وتوقيفها لأسباب غير معلومة. وأفادت بأن الجاني موقوف حاليًا في أحد سجون الشرطة، تمهيدًا لتقديمه للمحاكمة.

رواية شقيقة الجاني

وتداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي توضيح مكتوب من شقيقة الجاني رانيا العاقب، قالت فيه إن الحادثة كانت بسبب سلك كهرباء خارج من زاوية منزلهم موصل إلى عماتها في منزلهم.

وأضافت في الرسالة التي اطلعت عليها (التغيير): “السلك الكهربائي عريان، وقد ضربني وضرب أختي، مما دفع والدتي إلى فصله. هذا الأمر دفع عمتي إلى تقديم بلاغ، وجاء رجال الشرطة واعتقلوها. ودفعنا كفالة بقيمة 150 ألف جنيه. بعد ذلك، أخبرونا بأن جلسة المحكمة ستكون يوم الخميس، وحكموا على والدتي بالسجن لمدة ثلاثة أشهر أو دفع مبلغ مليار ونصف جنيه لإطلاق سراحها”.

وتابعت: “أمي تم سجنها، وأخي محمد لم يقبل أن تبقى أمي في السجن. الشاكية، عمتي، ترفض التنازل، وهي التي ذهبت إلى المحاكم والسجون، والنتيجة التي حدثت، الجميع شاهدها، وجعلت محمد يقتل أعمامي الاثنين وعماتي الاتنين واحدة  فيهم الشاكية، ومعاهم راجل عمتي، بعد قتلهم مشى سلم نفسه للمعسكر وناس المعسكر سلمو للقسم”.

حوادث سابقة

وحادث قتل الحلفايا، الذي نفذه مستنفر، ليس الأول من نوعه منذ اندلاع النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع. فقد وثقت هيئة محامو الطوارئ عددًا من حوادث القتل التي نفذها مستنفرون في مناطق متعددة. وأكدت المجموعة في بيان سابق مقتل أربعة مدنيين في قرية القربين بمحلية الدالي والمزموم بولاية سنار على يد مسلح مستنفر.

كما شهدت مدينة دنقلا بالولاية الشمالية حادثة مقتل شرطي وإصابة ثلاثة آخرين إثر هجوم نفذه مسلحون مجهولون على مركز شرطة “دنقلا العجوز”، ودون بلاغ ضد مجهول.

وذكر موقع دارفور24، بحسب مصدر عسكري، أن مجموعة من المواطنين المستنفرين اقتحمت مركز شرطة مدينة أمبرو بولاية شمال دارفور، ونهبت مخازن الأسلحة واحتجزت مدير القسم، في خطوة احتجاجية على ما وصفوه بضعف أداء الشرطة في مواجهة الاضطرابات الأمنية المتصاعدة في المنطقة.

تحذير سيادي

وسبق أن حذر عضو مجلس السيادة، نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي من أن انتشار السلاح يشكل تحديًا يفوق خطر الدعم السريع، كما حذر من مخاطر الاستقطاب الأهلي.

وقال كباشي في وقت سابق،  إن الوضع الحالي أفرز انتشار السلاح، وهذا تحدٍ كبير أخطر من العدو الظاهر- في إشارة إلى الدعم السريع.

وطالب بإبعاد القوات المقاتلة من المدن التي استعادها الجيش، على أن تؤول مهام حفظ الأمن إلى الشرطة.

وأقر كباشي بعدم انضباط بعض القوات المتواجدة في المدن، داعيًا ولاة الولايات إلى لعب دور أكبر بإحلال الشرطة محلها، على أن تنصرف القوات الأخرى إلى الجبهات القتالية.

غياب القانون

ولم تكن هذه الحوادث موجودة بهذا الشكل قبل فتح باب الاستنفار أمام كل من يستطيع حمل السلاح دون وضع شروط أو ضوابط لذلك، ولا يتم تقديم الشخص لفحص أمني أو كشف طبي لمعرفة الحالة الصحية والنفسية لهؤلاء المستنفرين.

وأكد الخبير القانوني المعز حضرة، عدم وجود قانون يسمح  بالسلاح في يد المستنفرين، لأنهم قوات غير نظامية.

وقال حضرة لـ(التغيير): إذا كانت هناك حاجة إليهم في فترة معينة، فإن المناطق الآن آمنة.

وأضاف: يفترض ألا يسمح بوجود أسلحة خارج القوات المسلحة، لأن احتكار العنف يجب أن يكون في يد الدولة، ونعني بالدولة القوات النظامية المعترف بها. المستنفرون لا وجود لهم في هيكلة القوانين السودانية.

وتابع حضرة: “إذا افترضنا أن لديك مستنفرين، وهذا مخالف للقانون، يجب أن يكونوا خارج المناطق المدنية وفي مناطق العمل، وهذا خلل كبير”.

وأردف: “الحوادث تكررت، وأصبح هؤلاء المستنفرون، الذين زودوا بالسلاح بغير حساب، يستخدمونه للانتقام الشخصي وفي السرقات والتهديد”.

وأشار الخبير القانوني إلى أن القانون الموجود هو القانون الجنائي السوداني الذي لا يجيز استخدام السلاح ضد المدنيين في المسائل الشخصية حتى وإن كنت تتبع للقوات النظامية، وفي حال إقدامهم على مثل هذه الأفعال، يجب أن يحاكموا.

وأوضح أن انتشار السلاح في أيادي الأطفال والمستنفرين الذين لا ضابط لهم ولا ينتمون إلى القوات النظامية أدى إلى فوضى.

وقال حضرة إن هذه الفوضى، ولدت بوادر حرب أهلية بدأت تتشكل في كل السودان، وخطاب كراهية وتصفيات وانتقام من أشخاص يحملون السلاح، كما أنهم يقيمون ارتكازات في الطرق الرئيسية لنهب الأموال والبضائع وأخذ أموال لعبور الطريق، وهذه مرحلة فوضى كاملة.

وطالب بضرورة منع السلاح وأن يكون فقط في يد القوات النظامية.

معايير التجنيد

وبدوره، رأى الخبير الأمني خالد الرشيد، أن التجنيد في أوقات الحروب والنزاعات لا يخضع لمعايير التجنيد الطبيعية، وإنما يعتمد على الراغبين في حمل السلاح والقتال دون النظر لأي اعتبارات أخرى، لذلك نجد أن العديد من المجرمين والمتفلتين وتجار المخدرات حملوا السلاح وانضموا إلى طرفي الصراع تحت ذريعة المشاركة في المعارك، ولكن الهدف الرئيسي لهم هو السرقة والنهب وترويج وتجارة المخدرات والخطف وغيرها من الجرائم.

وأشار إلى أن وجود المستنفرين في المدن الآمنة لا مبرر له في الوقت الحالي، موضحًا أن مكانهم هو الصفوف القتالية وليس وسط المدنيين.

وتخوف الخبير الأمني من انتشار مزيد من السلاح في يد المستنفرين بعد أن أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان التعبئة العامة في الأيام الماضية. ونادى بضرورة أن تترك عملية تأمين المدن التي تشهد قتالًا إلى الشرطة، ونزع أي سلاح من المستنفرين خشية من وقوع حوادث مماثلة لما حدث في الحلفايا وغيرها من مدن السودان المختلفة.

ورأى أن تعطّل الأجهزة العدلية من نيابة وقضاء وتركيزها على الجرائم المتعلقة بالعمليات الحربية خلق حالة من عدم الردع القانوني، مما أغرى المتفلتين بالفوضى والنهب دون خوف من رادع أو قانون.

ونادى الرشيد بضرورة تجريد المجرمين والمتفلتين من السلاح وإبعادهم عن المدن الآمنة واعتقال الذين يثبت ارتكابهم للجرائم.

عوامل متعددة

من جهتها، ترى أخصائية الإرشاد النفسي وعلاج الصدمة النفسية مروة محمد إبراهيم، أن هناك عوامل متعددة تساهم في السلوك الإجرامي، وهذا يندرج تحت علم النفس الجنائي.

وقالت لـ(التغيير)، إن السلوك العدائي للمستنفرين يمكن أن يكون ناتجًا عن عوامل جينية أو اضطرابات عصبية، خاصة وأن بعضهم في سن المراهقة أو ما بعدها، مما يزيد من احتمالية العنف والطاقة العدائية.

وأشارت مروة إلى أن هناك اضطرابات شخصية، مثل الشخصية المضادة للمجتمع، التي قد تدفع الفرد إلى الكراهية والعنف.

وأكدت أن ليس كل شخص قادر على حمل السلاح والدخول في القتال، حيث تلعب العوامل الجينية والاضطرابات العصبية والعوامل المضادة للمجتمع دورًا هامًا.

وأضافت أن هناك عوامل اجتماعية، مثل الإهمال الأسري، وعوامل اقتصادية مثل الحرمان والفقر، التي قد تدفع إلى السلوك الإجرامي. كما أن هناك عوامل صحية وجسدية، مثل الإدمان على المخدرات والمنشطات، التي قد تؤدي إلى السلوك الإجرامي.

وقالت مروة إن تأثيرات الصدمة النفسية التي تعرض لها الشخص المجرم قد تؤثر على وضعه النفسي وسلوكه. وأضافت أن وجود السلاح في يد المستنفرين ساهم في تفاقم الوضع، وأن الأوضاع في الحرب مهيأة للجريمة. ومع ذلك، لا يمكن تصور أن يقدم شخص على قتل أفراد أسرته بدم بارد.

وهذه الحادثة المروعة تذكّرنا بضرورة إعادة النظر في سياسات الاستنفار والتحقق من خلفيات الأشخاص الذين يتم تسليحهم، وهل هناك أي إجراءات يمكن اتخاذها لمنع تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل؟.

الوسومالجيش الخرطوم الدعم السريع السودان المستنفرين المعز حضرة خالد الرشيد شمس الدين كباشي مجلس السيادة مروة محمد إبراهيم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان المستنفرين المعز حضرة خالد الرشيد شمس الدين كباشي مجلس السيادة الدعم السریع السلاح فی أن هناک إلى أن

إقرأ أيضاً:

حمدوك يدعو الجيش لقبول الهدنة ويحذر من انهيار الدولة

دعا عبد الله حمدوك رئيس تحالف قوى الثورة "صمود"، يوم الثلاثاء، القوات المسلحة السودانية إلى قبول وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط، محذرا من أن استمرار الحرب التي تدخل عامها الثالث يهدد بانهيار كامل للدولة، وتحول السودان إلى بؤرة للجماعات الإرهابية.

وفي خطاب مصور وجهه إلى الشعب السوداني، قال حمدوك إن "آلة الحرب تحصد أرواح السودانيين بلا رحمة"، مضيفا أن "ملايين من أبناء شعبنا الكريم يعيشون معاناة تفوق الوصف"، وأن "مئات الآلاف من المدنيين يقتلون ويشرّدون كل شهر".

ووصف حمدوك النزاع بأنه لم يعد صراعاً مسلحا بين طرفين، بل "حرب شاملة تستهدف الإنسان السوداني لحياته وعزته وهويته ومستقبله"، مشيراً إلى "أدلة موثقة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" تشمل استخدام الغذاء كسلاح، والعنف الجنسي، والقصف الجوي العشوائي، وتقارير عن استخدام أسلحة كيميائية.

وفي نداء مباشر للقوات المتحاربة، قال حمدوك: "أوجه نداء صادقاً إلى القوات المسلحة السودانية وإلى قوات الدعم السريع: أوقفوا هذه الحرب فوراً... أوقفوا هذا النزيف الذي يلتهم الوطن... وندعو القوات المسلحة أن تحذو حذو الدعم السريع في الترحيب العلني لمجهودات السلام ووقف إطلاق النار دون الشروط."

 وحذر حمدوك من أن "استمرار الحرب يمهد لانهيار اجتماعي واقتصادي شامل ويخلق جيلا كاملا بلا تعليم ولا رعاية ولا مستقبل"، مضيفاً أن السودان قد يتحول "إلى بؤرة ومرتع خصب للجماعات الإرهابية" في حال انهيار الدولة.

وفي سياق خطابه، وجه حمدوك شكرا إلى دول الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) على "عودة الاهتمام بالملف السوداني بعد فترة نسيان طويلة"، مؤكداً أن هذا التحرك يجب ألّا يتوقف عند حدود البيانات، بل يتطور إلى خطوات عملية لإنقاذ ما تبقى من السودان.

ودعا مخاطبا المجتمع المحلي والإقليمي والدولي إلى تنسيق جميع المبادرات الحالية واعتماد خمس خطوات عاجلة اعتبرها ضرورية لوقف الانهيار:

وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط. ضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا قيود. حماية المدنيين ووقف القصف العشوائي ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. تعبئة موارد دولية وإقليمية لسد فجوة التمويل الإغاثي. إطلاق عملية إنسانية عابرة للحدود وإنشاء آلية إقليمية خاصة بالأمم المتحدة لضمان استمرارية المساعدات.

وأكد حمدوك أن وقف الحرب هو "المدخل الوحيد" للعودة إلى مسار ديمقراطي يستند إلى شعارات ثورة ديسمبر "حرية سلام وعدالة".

ويشهد السودان منذ عام 2023 صراعا على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

مقالات مشابهة

  • تشيان تشيمين ملكة البيتكوين التي هندست أكبر اختلاس رقمي في الصين
  • تنفيذي شندي: المنظمات الدولية والإقليمية التي أدانت جرائم المليشيا أكدت فظائع التمرد في حق المواطنين
  • تقرير عن معارك درع السودان بمحاور كردفان
  • حمدوك يدعو الجيش لقبول الهدنة ويحذر من انهيار الدولة
  • فاجعة تخيم على صانع المحتوى الموصلي أبو جنة
  • صحافة عالمية: هجرة الإسرائيليين تتزايد والسودان يواجه مخاطر الانقسام
  • لا تتركوا السودان يصبح أفغانستان في أفريقيا
  • الجيش السوداني يصدر بيانا تحذيريًا عن “أبوظبي” ويتحدث عن أدوات الموت
  • الجيش السوداني يطالب العالم بوقف تدفق السلاح للدعم السريع