شهادات جديدة تكشف مراكز احتجاز الدعم السريع وجرائم الحرب في الفاشر
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
منتدى الإعلام السوداني
الفاشر، شمال دارفور، 5 ديسمبر 2025 – كشفت شهادات أشخاص يقيمون في الفاشر بولاية شمال دارفور وآخرون فروا حديثاً عن انتشار مراكز الاحتجاز داخل المدينة يُرتكب فيها مقاتلو الدعم السريع انتهاكات وجرائم حرب من القتل والاغتصاب والتعذيب والتجويع, والابتزاز المالي، مع استمرار عمليات دفن الضحايا في مقابر جماعية.
وتحدث 3 أشخاص من داخل الفاشر لـ”سودان تربيون”، حيث تعكس هذه الشهادات صورة قاتمة للوضع الإنساني داخل المدينة في ظل صعوبة الاتصالات وإغلاق المنطقة أمام المنظمات الدولية.
وقال الأشخاص الثلاثة لـ”سودان تربيون” إن قوات الدعم السريع اعتقلت معظم المدنيين داخل الفاشر باستثناء نسبة محدودة من كبار السن والنساء والأطفال. وأشاروا إلى أن المعتقلين محتجزون في مواقع تشمل جامعة الفاشر في مجمع السكن الطلابي الذي يُطلق عليه (داخلية الرشيد)، بجانب المقر السكني الذي يتبع لرئيس السلطة الإقليمية لحكومة دارفور في حقبة النظام السابق، التجاني السيسي، بحي الدرجة الأولى.
وذكر الأشخاص أن بعض المعتقلين نُقلوا إلى جامع الدرجة الأولى الكبير قرب المستشفى السعودي، كما أن الدعم السريع حوّلت مقر (بعثة اليوناميد) السابق، أقصى الجهة الجنوبية والغربية من الفاشر، إلى مقر احتجاز، وكذلك مباني (هيئة الأبحاث) في الناحية الجنوبية الغربية لحي الدرجة الأولى. وأفاد الشهود أن هذه المواقع تُستخدم كمراكز احتجاز كبيرة تضم مدنيين من مختلف الفئات دون إجراءات قانونية.
وارتكبت الدعم السريع، فور استيلائها على الفاشر في 26 أكتوبر المنصرم، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، جرائم مروعة تضمنت القتل الجماعي، والقتل على أساس الهوية، والاغتصاب والتهجير القسري.
سجون رسميةوأفاد الأشخاص أن الدعم السريع نقلت بعض المعتقلين المدنيين من الفئات العمرية دون الستين إلى سجون مختلفة، من منشآت مدنية إلى مرافق احتجاز مكتظة، أبرزها سجن شالا.وذكروا أن قسم الرجال في سجن شالا يضم ما لا يقل عن 3,000 محتجز في ظروف قاسية، فيما يُحتجز في قسم النساء أكثر من 500 معتقلة غالبيتهن وجهت إليهن تهمة الاستنفار مع الجيش السوداني لتبرير احتجازهن.
وتحدث الشهود عن تحويل الدعم السريع مستشفى الأطفال شرقي الفاشر إلى سجن يُحتجز فيه حوالي 2,000 محتجز، بينهم وزيرة الصحة بولاية شمال دارفور، خديجة موسى، والعشرات من الكوادر الطبية وموظفي الخدمة المدنية وقيادات أهلية وأساتذة في مراحل التعليم المختلفة.
مواقع أخرى وابتزازوأشار الشهود إلى أن الدعم السريع يحتجز أيضًا أعدادًا كبيرة من المدنيين في مبنى (حماية المرأة والطفل) بحي الدرجة، ومنزل القيادي في الدعم السريع سعيد ساركول الواقع شرق الفاشر. وكشفوا عن وفاة محتجزين داخله بسبب الجوع أو المرض أو الإعدام رميًا بالرصاص في مراكز احتجاز في البورصة، حيث يُعد هذا الموقع من أقدم وأخطر مواقع الاحتجاز. وأكدت المصادر وجود حالات اغتصاب يومية تُمارس ضد المعتقلات في سجن شالا في ظل غياب تام لأي رقابة أو حماية.
وأفادت عائلات لـ”سودان تربيون” بأن عناصر الدعم السريع يقومون بتصوير أبنائهم أو تسجيل رسائل صوتية لهم على الهاتف، قبل إرسالها إلى أحد أفراد الأسر للمطالبة بـفدية مالية مقابل إطلاق سراحهم. وقالت بعض العائلات إنهم دفعوا فدية دون الإفراج عن المحتجزين، حيث تُعاد عملية الابتزاز باستخدام محتجزين آخرين.
مواقع خارج الفاشر واستمرار الدفنوقال شهود آخرون إن مجموعات منشقة من (مجلس الصحوة الثوري) الذي يتزعمه الزعيم الأهلي المعروف موسى هلال، نقلت مدنيين اعتقلتهم من الفاشر إلى مواقع خارج المدينة. وأشاروا إلى أن هذه المواقع موجودة في مخيم زمزم وبلدة كولقي، علاوة على قرية أم جلباق، وضواحي وداخل مدينة كتم، بينما نُقل آخرون إلى قاعدة الزرق في الحدود السودانية-الليبية-التشادية، حيث يُجرى إطلاق سراح بعضهم بعد دفع مبالغ مالية كبيرة.
وذكرت مصادر أخرى أن الدعم السريع دفنت أعدادًا كبيرة من ضحايا القتل في مقابر جماعية، من ضمنها مقبرة جماعية في حي الأشلاق غرب قيادة الفرقة السادسة مشاة، ومقبرة غرب مقر بعثة اليوناميد سابقًا. وأفادت بأن ضحايا آخرين دُفنوا في حفرة كبيرة واقعة على الطريق الرابط بين الفاشر وطويلة، حيث دُفنت فيها جثث جُمعت من عدة مواقع، وتحدثت المصادر عن وجود موقع في شمال غرب مخيم زمزم، حيث حُرقت جثث ضحايا نُقلوا من داخل الفاشر، وتُجرى عمليات الدفن غالبًا ليلًا بعيدًا عن الأنظار.
سيطرة على الاتصالاتوتدهورت الأوضاع الصحية بشكل مخيف داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع عليها. وقال طبيب لـ”سودان تربيون” من طويلة إن ما لا يقل عن ألف مصاب بالقصف المدفعي والمسيرات ما زالوا يتواجدون في الفاشر. وأوضح أن معظم الجرحى تم اعتقالهم ويعانون من النقص الشديد في الغذاء والماء، حيث تُقدَّم لهم وجبة واحدة كل 48 ساعة علاوة على انتشار الكوليرا وسوء التغذية أوساط المرضى المعتقلين. وأشار إلى أن المعتقلين يتعرضون للضرب المبرح والأذى النفسي.
وحظرت الدعم السريع استخدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك” التي يعتمد عليها معظم سكان دارفور في التواصل مع العالم الخارجي، بعد أن دمّر النزاع القائم البنية التحتية لشبكات الاتصال. وقالت المصادر إن الدعم السريع تسمح لمقاتليها والفرق الإعلامية التابعة لها فقط، فيما لا يتوفر أي اتصال بين سكان الفاشر والعالم الخارجي إلا عبر المقاطع التي تبثها الدعم السريع نفسها.
وأشارت إلى أن المعتقلين الذين يظهرون في مقاطع الفيديو من داخل المستشفى السعودي هم في الأصل أسرى يُنتقَون للتصوير ثم يُعادون إلى مواقع الاحتجاز، مما يشير إلى أن الدعم السريع حوّلت المرفق الطبي إلى منصة إعلامية. وتعرض المستشفى السعودي، وهو كان آخر مستشفى متبقٍ في الفاشر، لهجمات مكثفة بالمدفعية الثقيلة والطيران المسيّر، كما أن جنود الدعم السريع صفّوا ما يزيد عن 400 مريض ومرافق في اليوم الأول لسيطرتهم على الفاشر.
منع المنظمات من الدخولوأفاد اثنان من عمال الإغاثة الذين وصلوا حديثاً إلى منطقة طويلة، عقب احتجازهم لنحو 18 يوماً في بلدة قرني غرب الفاشر، بأن قوات الدعم السريع ما تزال ترتكب انتهاكات خطيرة بحق المدنيين داخل مدينة الفاشر.
وأوضحا في حديثهما لـ”سودان تربيون” أن قوات الدعم السريع تمنع دخول المنظمات الدولية وفرق التحقيق إلى المدينة، مشيرَين إلى أنهما سمعا قائد الدعم السريع بولاية شمال دارفور، الجنرال جدو حمدان أبنشوك، يؤكد لمجموعة من عناصره رفض السماح لأي جهة دولية بالدخول إلى الفاشر. وأضافا أن الأوضاع الصحية والبيئية داخل المدينة متردية للغاية بسبب انتشار الجثث في المنازل وعلى الطرقات العامة، ما أدى إلى انبعاث روائح كريهة في معظم الأحياء.
كما كشفا عن قيام قوات الدعم السريع بإجبار عدد كبير من الكوادر الطبية على العمل في المستشفى السعودي تحت ظروف أمنية قاسية، إضافة إلى النقص الحاد في العاملين بالقطاع الصحي داخل المدينة. وذكر أحد عمال الإغاثة أنه شاهد عناصر من الدعم السريع تعدم عشرات الأطفال والنساء وكبار السن داخل أحد الملاجئ بحي الدرجة الأولى في 27 أكتوبر الماضي، بعد لجوئهم إليه هرباً من القصف المدفعي وإطلاق النار العشوائي. وأوضح أن غالبية الضحايا كانوا من الأطفال الذين انفصلوا عن أسرهم أو فقدوهم جراء القصف وهجمات الطائرات المسيّرة.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (سودان تربيون) لتعكس انتهاكات منقطعة النظير تقوم بها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر بعد السيطرة عليها منذ أكتوبر الماضي. تشير المادة إلى انتشار مراكز الاحتجاز داخل المدينة حيث يُرتكب مقاتلو الدعم السريع عمليات القتل والاغتصاب والتعذيب والتجويع والابتزاز المالي، مع استمرار عمليات دفن الضحايا في مقابر جماعية.
الوسومالأوضاع في الفاشر انتهاكات الدعم السريع في الفاشر
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأوضاع في الفاشر انتهاكات الدعم السريع في الفاشر قوات الدعم السریع المستشفى السعودی لـ سودان تربیون أن الدعم السریع الدرجة الأولى داخل المدینة شمال دارفور داخل الفاشر فی الفاشر إلى أن
إقرأ أيضاً:
الهروب المرعب من الحرب في السودان ..« رأيتهم يدهسون الجرحى بسياراتهم»
عانى عبد القادر عبد الله علي من تلف شديد في أعصاب ساقه خلال الحصار الطويل لمدينة الفاشر في السودان، نتيجة عدم تمكنه من الحصول على أدوية السكري.
التغيير _ وكالات
ورغم أن عبد القادر يبلغ من العمر 62 عاما، ويمشي مع عرج شديد، لكن حالة الذعر التي تملكته مع سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة الواقعة في إقليم دارفور جعلته لا يشعر بالألم أثناء الفرار.
يقول: “في صباح يوم وصول قوات الدعم السريع، كان هناك رصاص كثير وانفجارات مستمرة”.
ويضيف: “كان الناس يركضون في كل اتجاه، الأب، الابن، الابنة… الجميع يهرول للخروج من منازلهم”.
ويُعد سقوط الفاشر بعد حصار دام 18 شهراً فصلاً وحشياً في الحرب الأهلية السودانية.
و أوضح تقرير لـ “بي بي سي” أن فريقها سافر إلى مخيم خيام “العفاض” الذي يبعد مئات الكيلومترات في شمال السودان، داخل أراضٍ خاضعة لسيطرة الجيش، للاستماع مباشرة إلى قصص الفارين، ونوهت إلى أن فريقها خضع الفريق للمراقبة من قبل السلطات طوال الزيارة.
وتقاتل قوات الدعم السريع الجيش النظامي منذ أبريل 2023، بعد اندلاع صراع على السلطة تحوّل إلى حرب.
وكان الاستيلاء على الفاشر انتصاراً كبيراً للمجموعة شبه العسكرية، حيث أخرجت الجيش من آخر معاقله في دارفور.
لكن الأدلة على ارتكاب فظائع جماعية أثارت إدانات دولية وركزت اهتمام الولايات المتحدة بشكل أكبر على محاولة إنهاء الصراع.
وجدنا علي يتجول في المخيم، الواقع في الصحراء على بُعد نحو 770 كيلومتراً شمال شرقي الفاشر، بالقرب من بلدة الدَبّة.
كان يحاول تسجيل عائلته للحصول على خيمة. قال لنا: “كان مقاتلو الدعم السريع يطلقون النار على الناس – كبار السن والمدنيين – بالرصاص الحي، وكانوا يفرغون أسلحتهم عليهم.”
وأضاف: “جاء بعض عناصر الدعم السريع بسياراتهم، وإذا رأوا شخصًا ما يزال يتنفس، كانوا يدهسونه.”
وأوضح علي أنه كان يركض عندما يستطيع، ويزحف على الأرض أو يختبئ عند اقتراب الخطر بشدة. وتمكن في النهاية من الوصول إلى قرية قرني، على بُعد بضعة كيلومترات من الفاشر.
وكانت قرني المحطة الأولى للعديد من الفارين من المدينة، من بينهم محمد أبوبكر آدم، وهو مسؤول محلي في مخيم زمزم للنازحين القريب.
وقد نزح آدم إلى الفاشر بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في أبريل وغادر المدينة قبل يوم واحد فقط من سقوطها في أكتوبر.
وأطلق آدم لحيته البيضاء ليبدو أكبر سنًا، على أمل أن يعامله الآخرون بتساهل أكثر.
قال: “كان الطريق إلى هنا مليئاً بالموت.”
وأضاف: “أطلقوا النار على بعض الناس مباشرة أمامنا، ثم حملوا جثثهم ورموها جانباً. وعلى طول الطريق، رأينا جثثاً ملقاة في العراء، غير مدفونة. بعضها كان هناك منذ يومين أو ثلاثة.”
وتابع: “الناس تفرّقوا في كل مكان… ولا نعرف أين اختفوا.”
بعض من لم يتمكنوا من قطع الرحلة الطويلة إلى الدبّة وصلوا إلى مركز إنساني في طويلة، على بُعد نحو 70 كيلومترًا من الفاشر.
وآخرون عبروا الحدود إلى تشاد. لكن الأمم المتحدة تقول إن أقل من نصف الـ260 ألف شخص الذين قُدّر أنهم كانوا في المدينة قبل سقوطها تم تحديد مصيرهم.
وتعتقد وكالات الإغاثة أن كثيرين لم يتمكنوا من الوصول بعيداً — إما بسبب الخطر، أو الاحتجاز، أو عدم القدرة على تحمل تكلفة النزوح.
انتهاكات جنسيةوقال آدم إن المقاتلين ارتكبوا انتهاكات جنسية بحق النساء، وهو ما يتفق مع روايات واسعة الانتشار عن هذا النوع من العنف.
وأوضح: “كانوا يأخذون المرأة خلف شجرة، أو يبعدونها عنا لمسافة لا نستطيع رؤيتها. لكنك كنت تسمع صراخها: ‘ساعدوني، ساعدوني’. ثم تعود وتقول: ‘لقد اغتصبوني’.”
وفي المخيم، تشكل النساء غالبية السكان، وكثيرات منهن لا يرغبن في كشف هوياتهن حفاظًا على سلامة
من بقين خلفهن.
روت لنا شابة تبلغ من العمر 19 عاماً أن مقاتلي قوات الدعم السريع أخذوا فتاة من مجموعتها عند أحد الحواجز، واضطرت هي وبقية مرافقيها إلى تركها خلفهم.
وقالت: “كنت خائفة… عندما أنزلوها من السيارة عند الحاجز، خفتُ أن يأخذوا فتاة عند كل حاجز. لكنهم أخذوها هي فقط… وانتهى الأمر عند ذلك، إلى أن وصلنا إلى هنا.”
كانت الشابة تسافر مع أختها الصغرى وأخيها. فقد قُتل والدهم، وهو جندي، في المعارك، بينما لم تكن والدتهم في الفاشر عند سقوط المدينة.
لذلك هرب الأشقاء الثلاثة سيراً على الأقدام مع جدّتهم، لكن الأخيرة توفيت قبل أن يصلوا إلى قرية قرني، تاركةً إياهم يواصلون الطريق وحدهم.
وقالت الشابة: “لم نأخذ ما يكفي من الماء، لأننا لم نكن نعلم أن المسافة طويلة إلى هذا الحد.”
وتابعت: “مشينا ومشينا إلى أن فقدت جدتي الوعي. ظننت أنها ربما تعاني بسبب نقص الطعام أو الماء.
تحسست نبضها لكنها لم تستفق، فذهبت لأبحث عن طبيب في قرية قريبة. جاء الطبيب وقال: جدّتكم أسلمت الروح.
كنت أحاول أن أتماسك من أجل أختي وأخي… لكنني لم أعرف كيف سأخبر أمي.”
كان القلق الأكبر يتمحور حول شقيقهم البالغ من العمر 15 عاماً، إذ كانت قوات الدعم السريع تشتبه في أن الذكور الفارّين قد قاتلوا إلى جانب الجيش.
وصف الفتى ما جرى له عند أحد الحواجز، حيث أُنزل جميع الشباب من المركبات. قال:
“استجوبتنا قوات الدعم السريع لساعات تحت الشمس. قالوا إن مجموعتنا تضم جنوداً – وربما كان بعض الأكبر سنًا كذلك.”
وأضاف: “كان مقاتلو الدعم السريع يحيطون بنا ويدورون حولنا، يجلدوننا ويهددوننا بأسلحتهم. فقدت الأمل وقلت لهم: ‘افعلوا بي ما تريدون’.”
وفي النهاية، أطلقوا سراحه — بعد أن أخبرتهم شقيقته البالغة من العمر 13 عاماً بأن والدهم قد تُوفِّي، وأنه شقيقها الوحيد. وتمكّن الأشقاء من العودة واجتماعهم مع والدتهم في مخيم الدبة.
ويصف كثيرون كيف كانت قوات الدعم السريع تفصل الرجال في سن القتال عن كبار السن والنساء.
وهذا بالضبط ما حدث لعبد الله آدم محمد في قرني، حيث فُصل عن بناته الثلاث — البالغات من العمر عامين وأربعة أعوام وستة أعوام. وكان الرجل، الذي يعمل بائع عطور، يعتني بهن منذ مقتل والدتهن قبل أربعة أشهر في القصف.
وقال عبد الله: “سلّمت بناتي للنساء اللواتي كنّ يسافرن معنا. ثم جاءت قوات الدعم السريع بسيارات كبيرة، وخفنا نحن الرجال من أنهم سيجبروننا على التجنيد، فهرب بعضنا إلى داخل الحي.”
وأضاف: “طوال الليل كنت أفكر: ‘كيف سأجد بناتي مجددًا؟’ لقد فقدت كثيرين بالفعل، وكنت خائفًا أن أفقدهن أيضًا.”
نجا محمد، لكن آخرين لم يحالفهم الحظ. وقال علي إنه شاهد من مسافة بعيدة قوات الدعم السريع وهي تطلق النار على مجموعة من الرجال.
وأضاف :”قتلوا الرجال… لم يقتلوا النساء، لكن جميع الرجال أُطلق عليهم النار. كان كثير منهم جثثاً على الأرض، فهربنا.”
غادر علي وآدم قرني على ظهور الحمير، مسافرين ليلاً إلى القرية التالية، تُرعة.
ووصل محمد أيضاً إلى تُرعة، حيث التقى مجدداً ببناته، ومن هناك استقلوا مركبات في الرحلة الطويلة إلى الدبّة.
وصل كثيرون إلى المخيم خالي الوفاض؛ فقد غادروا المدينة تقريباً بلا شيء، واضطروا لدفع المال عند كل حاجز.
وقال آدم: “جرّدنا مقاتلو الدعم السريع من كل ما نملك — المال، الهواتف، وحتى ملابسنا الجيدة. وعند كل نقطة تفتيش كانوا يُجبرونك على الاتصال بأقاربك ليرسلوا المال إلى حساب هاتفك حتى يسمحوا لك بالعبور إلى الحاجز التالي.”
وقال متحدث باسم قوات الدعم السريع وفقا لـ “بي بي سي” إنهم يرفضون الاتهامات بارتكاب انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين.
وصرّح الدكتور إبراهيم مخيّر، مستشار قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي): “الاتهامات المحددة — النهب، القتل، العنف الجنسي، وإساءة معاملة المدنيين — لا تعكس توجيهاتنا. وأي عنصر يثبت تورطه في مخالفات سيُحاسَب بالكامل.”
وأضاف أن المجموعة تعتقد أن الاتهامات بارتكاب فظائع واسعة النطاق هي جزء من حملة إعلامية ذات دوافع سياسية ضدهم، تقودها — على حد قوله — عناصر إسلامية داخل الإدارة التي يقودها الجيش.
ونشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو في محاولة لتغيير السردية، تُظهر ضباطها وهم يستقبلون الفارين من الفاشر، وشاحنات تحمل مساعدات إنسانية، ومراكز طبية تُعاد فتحها.
قال محمد إن عناصر قوات الدعم السريع على الأرض كانوا أكثر وحشية عندما لا يكون الضباط موجودين، بينما رفض آدم ما وصفه بمحاولات القوات شبه العسكرية تحسين صورتها.
وقال: “لديهم هذه الاستراتيجية… يجمعون 10 أو 15 شخصاً، يعطوننا ماء، ويصوّروننا وكأنهم يعاملوننا جيداً.
وبمجرد أن تختفي الكاميرات، يبدأون في ضربنا، ويعاملوننا معاملة سيئة جدًا، ويأخذون كل ما نملك.”
وفي وقت سابق من هذا العام، خلصت الولايات المتحدة إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية في دارفور.
كما وُجهت اتهامات للقوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب فظائع، من بينها استهداف مدنيين يُشتبه في دعمهم لقوات الدعم السريع، وقصف عشوائي لمناطق سكنية.
وقد لفت هذا الفصل الوحشي بشكل خاص في الحرب المدمرة في السودان انتباه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وعد بالتدخل بشكل أكثر مباشرة في الجهود الجارية للتوسط لوقف إطلاق النار.
لكن بالنسبة لأولئك الذين فرّوا من الفاشر، يبدو ذلك احتمالاً بعيداً، فقد تحطموا مراراً بسبب هذا الصراع، ولا يعرفون ما الذي قد يحدث لاحقاً، ومع ذلك، لا يزالون صامدين.
علي لم يسمع بعد باهتمام ترامب المفاجئ؛ إذ كان منشغلاً بملاحقة المسؤولين للحصول على إذن للإقامة في المخيم داخل خيمة يقول إنها المكان الوحيد “الذي يمكننا فيه أن نعيش ونستريح”.
المصدر “بي بي سي” _ شارك في إعداد هذا التقرير إسماعيل علي الشيخ وإد هابرشون.
الوسوماغتصاب الدعم السريع الفاشر الهروب المرعب انتهاكات طويلة قتل معسكر العفاض