رحيل الشاعر فوزي خضر.. المشهد الثقافي يودع صوتا ظل يكتب بروح الأرض ووجدان الناس
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
في صباح اليوم، بدا أن المشهد الشعري في مصر والعالم العربي قد فقد أحد أنفاسه القديمة، كأن قصيدة انطفأت فجأة في يد الزمن، أو أن صوتًا ظل يحمل رائحة التراب والطفولة واللغة ارتحل في هدوء، هناك شعراء لا يكتبون بالكلمات فقط، بل بالذاكرة وأثر الروح، وكان فوزي خضر واحدًا من هؤلاء؛ شاعرًا ظل لسنوات طويلة جزءًا من نسيج الحركة الثقافية، يمدّ المنابر والقلوب معًا بحضوره وصوته وإيمانه العميق بأن الشعر مساحة خلاص، ومساحة بوح، ومساحة مقاومة.
رحل الشاعر فوزي خضر اليوم، تاركًا خلفه رصيدًا واسعًا من الأعمال الشعرية التي شكّلت بصمته الخاصة في وجدان القرّاء، وجيلًا كاملاً من المبدعين الذين تتلمذوا على صدقه وحنكته ورؤيته الدافئة للكلمة، كان خضر ينتمي إلى ذلك الجيل الذي آمن بأن القصيدة ليست بناءً لغويًا فحسب، بل بناء روحي، وبأن الرسالة الأعمق للشاعر هي أن يكون شاهدًا على زمنه، وصوتًا لمن لا صوت لهم.
وُلد فوزي خضر في بيئة ريفية منحته حساسية عالية تجاه التفاصيل: رائحة الحقول، وقع خطوات الفلاحين، ومواسم القمح؛ وهي عناصر ظلت تتسلّل إلى شعره في صور وصوتيات وصور بلاغية لم تخلُ يومًا من دفء الطفولة، ومع انتقاله إلى المدينة ودخوله الحياة الثقافية، بدأ خطّه الشعري يتشكل في اتجاهات تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين لغة محمّلة بالمجاز وبحث دائم عن صوت أكثر حرية وأكثر صفاء.
خلال مسيرته، صدرت له العديد من الدواوين التي جعلته واحدًا من أبرز الأصوات الشعرية في الثمانينيات والتسعينيات، تميّز أسلوبه بالبساطة الممتنعة؛ كلمات قريبة من الناس، عميقة في المعنى، ناضجة في الصياغة، قادرة على التقاط الجانب الإنساني في كل تفصيلة، لم يكن يسعى إلى التعقيد أو الشكلانية بقدر ما كان يبحث عن أثر القصيدة داخل القارئ، عن تلك الارتعاشة الصغيرة التي تُحدِثها كلمة صادقة في قلب مستمع أو قارئ.
وكان فوزي خضر حاضرًا بقوة في الأنشطة الثقافية، مشاركًا دائمًا في الندوات والصالونات والمحافل الأدبية، حيث عُرف بتواضعه الجم، وحبه للحوار، وحرصه على دعم المواهب الشابة. لم يكن شاعرًا منغلقًا على ذاته، بل كان مؤمنًا بأن الحركة الأدبية لا تزدهر إلا بالتواصل، وأن المعرفة تُبنى باللقاء، وقد شهدت الأوساط الثقافية اليوم موجة واسعة من الحزن على رحيله، حيث نعاه الأدباء والباحثون والمهتمون عبر بيانات ومنشورات، مؤكّدين أن غيابه يمثل فراغًا حقيقيًا في المشهد الشعري.
ومن بين ما يميّز فوزي خضر أيضًا، أن قصيدته كانت تحمل حسًا وطنيًا وإنسانيًا واضحًا، تناول في أعماله هموم الإنسان العادي، وانشغل بقضايا الحرية والكرامة، وعبّر عن آلام البسطاء وأحلامهم، مما جعله قريبًا من جمهور واسع، يرى في شعره مرآةً لما يشعر به ويعجز عن قوله، كان يدرك أن الكلمة ليست زينة، بل مسؤولية، وهذا ما جعله يتمسّك بأن يكون شعره صادقًا، نابعًا من قلبه، غير متكلّف أو مصطنع.
رحيل فوزي خضر اليوم لا يعني نهاية قصيدته، فالشعراء الحقيقيون لا يغادرون تمامًا؛ يظلّون معلقين في بيوت القصائد التي تركوها، وفي السطور التي تفيض بالحياة رغم غيابهم. ستبقى دواوين خضر مرجعًا مهمًا، وستظل تجربته مادة تُدرَس وتُلهم، خصوصًا لأولئك الذين يبحثون عن معنى أعمق للشعر، وعن لغة تقرب الإنسان من ذاته ومن ضوء العالم.
وبينما يُشيّع الوسط الثقافي جثمانه، يشيّع معه جيلٌ عربيٌّ كامل جزءًا من ذاكرته الجمالية. إلا أن ما تركه فوزي خضر على الورق وفي القلوب، سيظل حاضرًا؛ فالشعر—كما كان يردد دائمًا—لا يموت، بل يغيّر مكانه فقط.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المشهد الشعري العالم العربي فوزي خضر
إقرأ أيضاً:
النساء يتصدرن المشهد في سوهاج.. حضور لافت يقود اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب
شهدت محافظة سوهاج في الساعات الأولى من انطلاق انتخابات مجلس النواب، اليوم الأربعاء، حضورًا مكثفًا لنساء المحافظة اللاتي تقدمن صفوف الناخبين أمام اللجان في مختلف المراكز والقرى، في مشهد يعكس وعيًا مجتمعيًا ورغبة حقيقية في المشاركة السياسية، لا سيما بعد إعادة الانتخابات في جميع الدوائر خلال المرحلة الأولى الملغاة.
وبدا واضحًا منذ فتح اللجان أبوابها أن السيدات هن القوة التصويتية الأكثر حضورًا، حيث حرصت النساء من مختلف الأعمار على التوافد مبكرًا أمام المقرات الانتخابية، حاملات بطاقات الهوية ومستعدات للإدلاء بأصواتهن، بينما انتشرت الطوابير في عدد كبير من اللجان وسط أجواء هادئة ومنظمة.
وتأتي هذه المشاركة في ظل جاهزية كاملة أعلنتها محافظة سوهاج، بعدما انتهت من تجهيز 550 مقرًا انتخابيًا و586 لجنة فرعية، تستقبل أكثر من 3 ملايين و375 ألف ناخب ممن لهم حق التصويت.
وتم تنفيذ استعدادات مكثفة لضمان سير العملية الانتخابية بسلاسة في 8 دوائر انتخابية، وفقًا لتوجيهات الهيئة الوطنية للانتخابات.
وكان قد أكد اللواء دكتور عبد الفتاح سراج محافظ سوهاج، أن المحافظة أتمت جميع الاستعدادات الخاصة بتأمين اللجان وتوفير الدعم الكامل للقضاة والقوات المشاركة، مشيرًا إلى التنسيق الكامل مع مديرية الأمن لتأمين دخول وخروج الناخبين، إضافة إلى تجهيز غرف عمليات فرعية وربطها بغرفة عمليات مركزية لمتابعة سير الانتخابات لحظة بلحظة.
وشهدت اللجان في القرى والنجوع تحديدًا حضورًا لافتًا من السيدات، خاصة ربات المنازل وكبار السن اللاتي فضّلن التواجد مع بداية اليوم الانتخابي، وسط توفير أماكن انتظار مظللة ومقاعد لمساعدتهن، إلى جانب فرق شبابية متطوعة لإرشاد الناخبات وتسهيل الإجراءات.
وتعكس المشاركة النسائية الواسعة في سوهاج، تحوّلًا مهمًا في الوعي السياسي للمجتمع المحلي، وتعيد التأكيد على الدور الكبير الذي تلعبه المرأة الصعيدية في تشكيل المشهد الانتخابي، خاصة في القضايا المصيرية التي تتعلق بتمثيلها البرلماني ومستقبل الخدمات في قراها ومدنها.