العُمانية: نظم المكتب الوطني لاستشراف المستقبل بوزارة الاقتصاد اليوم، حلقة عمل وطنية بعنوان "مواءمة الجهود الوطنية في مجال استشراف المستقبل".

وهدفت الحلقة إلى بناء إطار موحد لتنسيق الجهود المؤسسية والقطاعية بسلطنة عُمان في مجال استشراف المستقبل، من خلال حصر المبادرات القائمة والجهود وتفعيل التنسيق المؤسسي بين الجهات، بما يعزز من الجاهزية للتعامل مع التحولات المستقبلية المتسارعة ويمكّن من تطوير السياسات العامة وصنع القرار على أسس علمية ورؤى استراتيجية طويلة المدى.

رعى افتتاح الحلقة معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد الذي أكد في تصريح له أن العمل في مجال استشراف المستقبل أصبح عنصرًا حاسمًا في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وقدرته على الاستجابة للتحولات العالمية.

وأضاف معاليه أن الوزارة تسعى إلى وجود منظومة وطنية موحدة تسهم في استيعاب التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والديموغرافية، وتحويلها إلى فرص حقيقية للنمو والتنويع، وتعمل الوزارة من خلال المكتب الوطني لاستشراف المستقبل، على بناء نموذج مؤسسي مستدام يدعم اتخاذ القرار ويرفع جاهزية سلطنة عُمان للمستقبل.

من جانبه، أكد مبارك بن خميس الحمداني مدير المكتب الوطني لاستشراف المستقبل على أهمية بناء قاعدة معرفية وطنية مشتركة، مشيرًا إلى ضرورة التنسيق المؤسسي.

وقال إن المكتب يسعى من خلال هذه الحلقة إلى بناء سجل وطني شامل للمبادرات والمشروعات المرتبطة بالاستشراف، وإيجاد آليات عملية لتنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والخاصة والأكاديمية.

وتناولت الحلقة عددًا من الموضوعات المرتبطة بمشهد الاستشراف الوطني، شملت استعراض المبادرات والمنظومات القائمة، وتحليل الفرص والتحديات والتقاطعات، ومناقشة آليات توزيع الأدوار بين الجهات، إلى جانب مناقشة مقترحات لتعزيز بناء القدرات الوطنية وتطوير الكفاءات في مجالات التحليل والتنبؤات المستقبلية.

وتضمنت الحلقة جلسات نقاشية حول أبرز القطاعات ذات الأولوية المستقبلية لسلطنة عُمان، ولا سيما تلك المرتبطة بالتحولات التكنولوجية والديموغرافية والاقتصادية.

واستعرضت الحلقة عددًا من التجارب الوطنية في مجال الاستشراف، من بينها تجربة أكاديمية الدراسات الاستراتيجية والدفاعية بوزارة الدفاع التي قدمت نموذجًا متقدّمًا في توظيف أدوات التحليل الاستراتيجي والتخطيط طويل المدى لدعم اتخاذ القرار وتعزيز الأمن الوطني.

كما تم استعراض تجربة وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040 التي طورت منهجيات مرنة لربط المؤشرات الوطنية بالتحولات المستقبلية، وتطوير أطر للرصد والتحليل تسهم في تقييم المخاطر وتعزيز القدرة على استشراف الفرص ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي.

وخرجت الحلقة بجملة من المخرجات العملية من بينها إعداد تقرير لحصر مبادرات الاستشراف وتقديم توصيات لصناع القرار حول أهم التحولات العالمية التي تؤثر على سلطنة عُمان، ووضع آليات تنسيقية مشتركة بين الجهات المعنية بما يسهم في تعزيز جاهزية الدولة للتعامل مع المخاطر والفرص المستقبلية، وتمكين الجهات الحكومية من صياغة سياسات وتدخلات أكثر فاعلية واستباقية إلى جانب تقديم مقترحات لتطوير برامج لبناء القدرات الوطنية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین الجهات

إقرأ أيضاً:

المعتقلون في ملفات دمشق.. بين السبق الصحفي والاستحقاق الوطني

بعد عام كامل على سقوط النظام في سوريا، يعود ملف المعتقلين ليحتل واجهة المشهد من جديد، وهذه المرة عبر ما عرف بـ"ملفات دمشق"؛ وهي كمية ضخمة من الوثائق والصور والتقارير الرسمية التي خرجت من أرشيف أجهزة الأمن، حاملة معها ما يكفي لفتح واحد من أعمق جروح السوريين وأكثرها إيلاما.

ومع التدفق الهائل لهذه الوثائق، تصاعدت وتيرة التغطية الإعلامية، وتسابق كثيرون نحو نشر ما يصلهم، حتى بدا الأمر أحيانا وكأنه سباق لإحراز سبق صحفي أكثر منه تعامل مع ملف وطني وإنساني على درجة عالية من الحساسية.

وهنا يبرز السؤال الحقيقي: هل تُقرأ ملفات دمشق بوصفها سبقا إعلاميا؟ أم بوصفها استحقاقا وطنيا يتعلق بذاكرة دولة ومستقبل شعب؟

هذا السؤال لا يتعلق بالإعلام وحده، بل يمسّ جوهر المرحلة السورية بعد السقوط، ويضع الحقيقة في موقعها الطبيعي: ركيزة لإعادة بناء ما تهدم، لا مادة للتنافس أو الاستعراض.

ملفات دمشق.. بين جاذبية الكشف ومغريات السبق
المطلوب ليس إبطاء الإعلام ولا تسريع العدالة، بل تنظيم العلاقة بينهما: إعلام مسؤول لا يضرّ بالقضية، وعدالة تستفيد من قوة الإعلام في كشف الحقيقة وتثبيتها
لا يمكن إنكار أن ما ظهر من وثائق يملك جاذبية إعلامية كبيرة: صور صادمة، ملفات رسمية، قوائم بأسماء مفقودين، محاضر تحقيق، تقارير وفاة. هذه عناصر كافية لإحداث تأثير واسع، ولتحريك اهتمام الرأي العام داخليا وخارجيا.

لكن القيمة الحقيقية لهذه الوثائق ليست في ندرتها، بل في دلالتها: إنها شهادة مباشرة على سنوات طويلة من القمع والإخفاء القسري، وعلى منظومة أمنية جرّدت الإنسان من اسمه وحياته ووجوده.وبالتالي، فإن التعامل معها بمنطق السبق الصحفي وحده يختزل القضية، ويحوّل الألم السوري إلى مادة خبرية عابرة.

استحقاق وطني.. لأن الحقيقة ليست ملكا لأحد

ملفات دمشق ليست ملكا لوسيلة إعلامية، ولا حتى لجهة سياسية، إنها ملكٌ للضحايا وأهاليهم، وللسوريين الذين دفعوا ثمن الصمت والإنكار لعقود. القيمة الوطنية لهذه الوثائق تكمن في قدرتها على:

• كشف مصائر المفقودين والمختفين.

• دعم مسار العدالة الانتقالية بأدلة يصعب الطعن فيها.

• منع تكرار الانتهاكات عبر بناء ذاكرة وطنية موثقة.

• إعادة الاعتبار لأصحاب الحقوق وللحقيقة نفسها.

تحويل ملف المعتقلين إلى ساحة تنافس إعلامي ليس فقط تجاهلا للمأساة، بل إعادة إنتاج لجانب من الظلم الذي عاشه السوريون.

بين سرعة الإعلام وبطء العدالة.. أين تقع المصلحة العامة؟

من طبيعة العمل الإعلامي السرعة، والبحث عن النشر الأول، ومن طبيعة العدالة التريث، والتثبت من الأدلة، وحماية الشهود والمعلومات. هذا الاختلاف في الوتيرة قد يخلق تضاربا خطيرا:

• نشر الوثائق دون تدقيق قد يعرض أشخاصا أو عائلات للخطر.

• أو يضيّع تسلسل الأدلة الضروري لأي تحقيق قضائي.

• أو يقدم سردية غير مكتملة يستخدمها البعض لاحقا للتشكيك في الملف كله.

ولهذا فإن المطلوب ليس إبطاء الإعلام ولا تسريع العدالة، بل تنظيم العلاقة بينهما: إعلام مسؤول لا يضرّ بالقضية، وعدالة تستفيد من قوة الإعلام في كشف الحقيقة وتثبيتها.

كيف يجب التعامل مع الوثائق.. وما دور المؤسسات المعنية؟

إن التعامل مع ملفات دمشق اليوم لا يمكن أن يبقى في حدود التفاعل الإعلامي أو الجهد الفردي، بل يحتاج إلى مسار مؤسسي منظم تشترك فيه جهات محلية ودولية متعددة. وفي مقدمة هذه الجهات تأتي الهيئة الوطنية للمفقودين والمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، اللتان تقع على عاتقهما مسؤولية تحويل الكمّ الهائل من الوثائق المسرّبة إلى قاعدة بيانات موثوقة، عبر الفرز والتحقق وحماية المعلومات الحساسة، ثم التواصل مع عائلات الضحايا ضمن قنوات آمنة.

كما يبرز دور الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) التابعة للأمم المتحدة، ولجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا (COI)، إضافة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر ودوائر الطب الشرعي الدولي، وهي جهات تملك الخبرة في التعامل مع الأدلة وفق معايير العدالة الدولية.

وتتطلب المرحلة الحالية إنشاء غرفة تنسيق مشتركة تجمع هذه الأطراف مع منظمات حقوقية سورية مستقلة وخبراء أرشفة رقمية، بهدف ضمان معالجة الوثائق بشكل مهني يحفظ قيمتها القانونية. وتشمل الخطوات العملية: توحيد منهجيات التوثيق، وتحديد مستويات السرية، وحماية بيانات الناجين والشهود، وضمان أن تنتقل الوثائق ذات القيمة القضائية إلى جهات التحقيق المختصة في الداخل والخارج.

وفي المقابل، ينبغي على المؤسسات الإعلامية الالتزام بمبادئ النشر المسؤول، وتجنب تعريض العائلات أو الشهود للخطر عبر نشر معلومات حساسة، مع التنسيق الوثيق مع الجهات الحقوقية لضمان أن يسهم كل نشر مهما كان توقيته في خدمة الحقيقة والعدالة لا في إرباكهما.

إن هذا التكامل بين المؤسسات المحلية والدولية والإعلام يضمن أن تتحول ملفات دمشق من وثائق صادمة إلى مسار منظم لاستعادة الحق والاعتراف والعدالة.

دور الإعلام في سورية الجديدة: من ناقل للخبر إلى شريك في الوعي
لحظة مواجهة مع واحدة من أثقل صفحات التاريخ السوري، والتعامل معها بجدية ومسؤولية هو استحقاق وطني قبل أن يكون خيارا مهنيا
في المرحلة الجديدة، لا يمكن للصحافة أن تكتفي بدور الناقل، بل عليها أن تتحول إلى شريك في إعادة بناء الوعي الوطني، عبر:

1. احترام كرامة الضحايا في كل ما تنشره.

2. وضع الوثائق في سياقها القانوني والوطني.

3. التدقيق الصارم قبل النشر.

4. تجنب الإثارة لصالح الحقيقة.

5. المساهمة في حفظ الوثائق لا تبعثرها.

الإعلام هنا جزء من عملية منع تكرار المأساة، لا مجرد راصد لها.

خاتمة: الحقيقة أساس بناء الوطن الجديد

ما تكشفه ملفات دمشق ليس حدثا إعلاميا، وليس انتصارا لأي جهة، بل لحظة مواجهة مع واحدة من أثقل صفحات التاريخ السوري، والتعامل معها بجدية ومسؤولية هو استحقاق وطني قبل أن يكون خيارا مهنيا.

السبق الصحفي ينتهي.. أما الحقيقة فتبقى، وتشكل أساس بناء سورية جديدة لا تشبه ما قبلها. وفي النهاية، لن يهم السوريين من نشر أولا، بل كيف حفظوا هذه الحقيقة، وكيف استخدموها كي لا يُعاد إنتاج المأساة من جديد.

الحقيقة هنا ليست خبرا.. الحقيقة هنا وطنٌ جديد يُعاد بناؤه.

مقالات مشابهة

  • الصقري: "الاقتصاد" تعكف على بناء نموذج مؤسسي مُستدام لرفع جاهزية الدولة للمستقبل
  • لماذا أصبح استشراف الغد ضرورة حيوية لكل قائد؟
  • محافظ المهرة يدعو لتوحيد الجهود لمواجهة مخططات الاحتلال السعودي الإماراتي
  • الروابدة: القائد الإداري أساس بناء المستقبل
  • محافظ كفر الشيخ يتابع مبادرة «أسرة المستقبل»
  • طارق صالح يطالب جميع القوى والمكونات السياسية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي لتوحيد الجهود وقيادة معركة التحرير وهزيمة جماعة الحوثي
  • بالفيديو.. الحلقة الثانية من بودكاست “دبلوكاست”.. كيف تلتحق بوزارة الخارجية ؟
  • حلقة حوارية ببدية تبحث ضغوط الأسرة العُمانية وتوصي بتفعيل الدعم النفسي والاجتماعي
  • المعتقلون في ملفات دمشق.. بين السبق الصحفي والاستحقاق الوطني