عربي21:
2025-05-15@19:23:51 GMT

ليبيا وخُطى التطبيع الفاضحة

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

من المؤسف بل من المخزي، أن الحكام العرب يعيشون في وهْم الصهاينة وأنهم حُماة عروشهم وشريان الحياة لهم للوصول إلى قلب أمريكا لترضى عنهم، لذلك يسعون سعياً حثيثاً لنيل شرف الرضا السامي منهم في الخفاء، ولكن حُماة العروش هؤلاء يأبون إلا أن يفضحوهم على الملأ ويعلنون عن تلك اللقاءات التي تمت معهم في السر.

وعلى الرغم من ذلك لم يتعلم الحكام العرب الدرس ويعوا أن الكيان الصهيوني لا يهتم بهم ولا تهمه شخوصهم؛ بقدر اهتمامه بأن ينخرط ويندمج ضمن منظومة المنطقة بأسرها ويعمم التطبيع مع الدول العربية.

وهو يهدف بإعلانه عن تلك اللقاءات المحرمة لتشجيع الآخرين المرتجفين من السير في خطى إخوانهم لترويض الحس الشعبي العربي تدريجيا لقبول الأمر الواقع وفتح السفارات لاحقاً؛ كي يقود المنطقة كلها بعد ذلك برضا حكامها العرب، وأنه لم يعد كيانا سرطانيا زُرع في أرض غريبة عنه وتلفظه الملايين من شعوبها الأحرار الذين لم تتحول بوصلتهم رغم هوجة التطبيع في الأعوام الأخيرة، فهم على الدرب صامدون ولا يزالون يرون الكيان الصهيوني هو العدو الحقيقي للأمة؛ الذي اغتصب فلسطين واحتل أرضها ولا بد من مقاومته وطرده من أرضها.

ولعل ما قاله رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو"، يوضح هذه الإشكالية أو المفارقة بين الحكام العرب وشعوبهم، فمنذ عامين تقريبا قال نتنياهو إنه لا مشكلة مع الحكام العرب في التطبيع بينما المعضلة لا تزال في الشعوب العربية..

الحكام العرب لم يتعلموا الدرس من فضح لقاءاتهم السرية مع الكيان الصهيوني ويكررون ذلك مراراً وتكراراً من غير ملل ولا كلل، وكان آخرها لقاء وزيرة الخارجية الليبية "نجلاء المنقوش" مع نظيرها الصهيوني "إيلي كوهين"، في إيطاليا وبواسطة إيطالية. وقد أعلن المسؤولون الصهاينة أنه قد تم الاتفاق عليه مسبقاً على أعلى مستوى، مما أحرج حكومة الوحدة الوطنية ووضعها في مأزق كبير
أعود فأقول إن الحكام العرب لم يتعلموا الدرس من فضح لقاءاتهم السرية مع الكيان الصهيوني ويكررون ذلك مراراً وتكراراً من غير ملل ولا كلل، وكان آخرها لقاء وزيرة الخارجية الليبية "نجلاء المنقوش" مع نظيرها الصهيوني "إيلي كوهين"، في إيطاليا وبواسطة إيطالية. وقد أعلن المسؤولون الصهاينة أنه قد تم الاتفاق عليه مسبقاً على أعلى مستوى، مما أحرج حكومة الوحدة الوطنية ووضعها في مأزق كبير، فقد نفت قبل ذلك علمها بهذا اللقاء وقالت إنه جاء عارضاً. فلا يمكن لطفل ساذج أو أبله أن يصدق أن اللقاء كان بالصدفة وبدون علم الحكومة، فهل يُعقل أن وزيرة خارجية ليبيا تجرؤ على أن تُقدم على لقاء خطير كهذا له أبعاده الوطنية والقومية والثقافية دون علم رئيس الحكومة "عبد الحميد الدبيبة"، الذي اضطر أمام سخط وغضب الشعب الليبي الذي خرج إلى الشوارع يندد بهذه الخيانة، أن يصدر قراراً بإقالتها؟ وكان لافتاً انه اتخذ قرار الإقالة من السفارة الفلسطينية في طرابلس؛ التي زارها فجأة وبلا أية مقدمات وعلى غير موعد، فقط ليؤكد دعم بلاده للقضية الفلسطينية، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على غباء سياسي وعقم في التفكير لدى صاحبه، اعتقاداً منه أن الناس بلهاء ستنطلي عليهم هذه الألاعيب المكشوفة والمفضوحة..

وفي نفس الوقت سُمح للوزيرة بمغادرة ليبيا، فإذا كان هذا اللقاء قد تم بعيداً عن أعين الدبيبة وبدون ترتيب منه ومعرفة به لوجب التحفظ عليها ومحاكمتها بتهمة التجسس طبقاً للقانون الليبي الذي يُجرّم العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإن كان مكتب وزيرة الخارجية قد أكد أن اللقاء مع وزير خارجية الكيان الصهيوني كان بعلم وإذن من الدبيبة شخصياً واتفاق مع رئيسة الحكومة الإيطالية لترتيب لقاء مع الجانب الصهيوني..

 وجدير بالذكر أن نجلاء المنقوش قريبة من الدوائر الأمريكية، وأن اختيارها جاء بدون اعتراض من أحد رغم بعدها عن الدوائر الدبلوماسية وهنالك من هم أكثر كفاءة وخبرة في العلاقات الدولية..

لا شك أن جائحة التطبيع التي اجتاحت الدول العربية في السنوات الثلاث الماضية منذ بدأتها دولة الإمارات العربية وأبرمت اتفاقية إبراهيم مع العدو الصهيوني، قد فتحت شهية الحكام العرب الخانعين والمتواطئين مع الكيان الصهيوني فهرولوا إليه منتظرين دورهم في التطبيع. وبالطبع لم تكن ليبيا بعيدة عن مزاد التطبيع، وقد بدأت إشارات التطبيع في مطلع هذا العام بعد زيارة رئيس المخابرات الأمريكية "وليام بيرنز" للعاصمة الليبية، ولقد ذكرت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية أنه ناقش مع مسؤولين ليبيين مسألة تطبيع العلاقات بين حكومة طرابلس والكيان الصهيوني، وأن الدبيبة أبدى موافقة مبدئية على الانضمام إلى اتفاقات أبراهام لكنه أعرب عن قلقه وتخوفه من رد فعل الشعب الليبي الذي يدعم القضية الفلسطينية..

وفي شهر آذار/ مارس الماضي زار وزير العمل الليبي "علي العابد" رام الله والقدس، وقد فسرها البعض أنها تمهيد للتطبيع فما كان له أن يدخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلا بتأشيرة من دولة الاحتلال!

ولو رجعنا بالزمن لعقدين خليا، سنجد أن معمر القذافي نفسه كانت تراوده فكرة التطبيع، أليس هو مَن اقترح في مؤتمر القمة العربية فكرة الدولة الواحدة لحل القضية الفلسطينية وسماها "إسراطين"، وأهان المسجد الأقصى بلفظ سيئ تأبي يدي أن تكتبه، وقال نبني مسجداً آخر؟!

ولقد أشيع أثناء الثورة الليبية عام 2011، وشعور القذافي بالخطر الشديد، أنه طلب من إيطاليا أيضا أن تتوسط له لدى الكيان الصهيوني لإنقاذ نظامه من هؤلاء الإرهابيين الذين يريدون محو إسرائيل من الوجود، ولقد ظهر وزير صهيوني في لقاء على قناة "روسيا اليوم"، محذراً الغرب من خسارة نظام القذافي!

آفة التطبيع وصلت إلى ليبيا وأن لقاء نجلاء المنقوش بنظيرها الصهيوني ما هي إلا خطوة سبقتها خطوات وستلحقها أخرى في طريق التطبيع الذي يسعى إليه الدبيبة لتثبيت حكمه واستمراره في السلطة، وكذلك خصومه من السياسيين (مثل حفتر وعقيلة) كلهم يسعون نحو التطبيع للإطاحة بحكومة الدبيبة وتعزيز مراكزهم والفوز في الانتخابات المقبلة، ولكن الكل، سواء الدبيبة وحكومته وعقيلة وبرلمانه وحفتر ومليشياته، يصطدمون بصخرة الشعب الليبي الرافض للتطبيع
لقد كان القذافي أيضا يسعى إلى التطبيع مع العدو الصهيوني لتثبيت أركان حكمه، ولولا أنه بني شعبيته في ليبيا على مناصرة الشعب الفلسطيني والعداء لإسرائيل والقضاء عليها، باعتباره أميناً للقومية العربية من بعد جمال عبد الناصر الذي أورثه إياها في خطاب أمام الجماهير في ليبيا في آخر احتفال بثورة الفاتح من سبتمبر حضره عبد الناصر قبل موته، لأعلن القذافي تطبيع ليبيا جهراً وليس في الخفاء!

ليس هناك أدني شك في أن آفة التطبيع وصلت إلى ليبيا وأن لقاء نجلاء المنقوش بنظيرها الصهيوني ما هي إلا خطوة سبقتها خطوات وستلحقها أخرى في طريق التطبيع الذي يسعى إليه الدبيبة لتثبيت حكمه واستمراره في السلطة، وكذلك خصومه من السياسيين (مثل حفتر وعقيلة) كلهم يسعون نحو التطبيع للإطاحة بحكومة الدبيبة وتعزيز مراكزهم والفوز في الانتخابات المقبلة، ولكن الكل، سواء الدبيبة وحكومته وعقيلة وبرلمانه وحفتر ومليشياته، يصطدمون بصخرة الشعب الليبي الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال..

إن الحكام العرب الذين هرولوا إلى الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية والتودد لقادتها؛ باعوا فلسطين والقدس ومسرى رسولنا الكريم والمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، بأبخس الأثمان، أما ما يطمئن النفس أن الشعوب العربية رافضة لهذا التطبيع، وان مصيره الفشل، وكل اتفاقيات العار والتطبيع إلى زوال وستظل فلسطين حية وحاضرة في الوجدان العربي وفي ضمير كل حر في العالم..

وهنا تحضرني رائعة محمود درويش:

عرب أطاعوا رومهم
عرب وباعوا روحهم
عرب.. وضاعوا
سقط القناع عن القناع
عن القناع سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء..

twitter.com/amiraaboelfetou

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطبيع فلسطين ليبيا الدبيبة إسرائيل ليبيا إسرائيل فلسطين التطبيع الدبيبة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع الکیان الصهیونی نجلاء المنقوش الحکام العرب الشعب اللیبی

إقرأ أيضاً:

الفرح بهلاك الحكام والقضاة الظلمة

ما أن يأتي خبر وفاة حاكم أو قاض، أو شخصية ذات ارتباط بالظلم، سواء كان ظالما مباشرا، أو أداة للظالم، ويختلف الناس ليس حول الظلم، بل حول مصير الظالم، وهو ما حدث بالأمس حين توفي أحد القضاة الذين اشتهروا بأحكامهم القاسية، والتي تصل للإعدام، وسرعان ما خرجت وسائل التواصل الاجتماعي، يحكي فيه المظلومون المظالم التي تعرضوا لها على يد القاضي، وذكروا بقضاة آخرين مارسوا نفس الظلم الشديد الذي طال أشخاصا وعائلاتهم، أدى ذلك لفقدان حياة ذويهم، أو تفرق آباء وأمهات عن أبنائهم، كم المظالم التي ذكرت مرعب بمعنى الكلمة، حتى كتب أحد الصحفيين المستقلين، بأن كل ما كتب لم يكن شماتة، بل كان لعنات تصب على الشخص، ودعوات بالويل والثبور.

خرجت في هذا التوقيت صفحات وأصوات، تصف ما حدث بأنه شماتة مخالفة للخلق والدين، ومخالفة للشرع الإسلامي الحنيف، وهو كلام في الحقيقة ينطوي على أكاذيب على الشرع، فلا يوجد نص يمنع من فرح الإنسان بهلاك طاغية، أو بهلاك أحد أدوات الطغيان، من قضاة، وإعلاميين، ومشايخ دين، وسياسيين، فهل توجد نصوص تؤيد ذلك التوجه؟ وهل الدعاء على الظالم بالنار، وعقاب الله له بجهنم، والتنبؤ بمصيره يعد تأليا على الله؟ ولماذا يدافع هؤلاء عن زملائهم في مساندة الظلم والطغيان، هل هو دفاع عن مبدأ، أم دفاع عن مستقبل ينتظرهم حين يرحلون كما رحل هؤلاء؟!

النصوص تؤيد الفرح بهلاك الظلمة

إن الفرح بهلاك الظالم، لم يحرمه أحد فيما بحثت وقرأت، بل الأمر يدور بين الجواز والاستحباب، ومنهم من أوجبه في حالات معينة، ودلت النصوص الصريحة على ذلك، وكذلك ممارسة السلف الصالح وصلحاء الأمة على مدار تاريخها، لأن وفاة الظالم، أو من يعاونوه، هو نهاية لظلمه، وتوقف هذه الوسيلة، وإن وجدت وسائل أخرى.

ومن بحث في مفردات الفرح والحمد في القرآن الكريم، سيجد بعضها ورد في سياق هلاك الظالمين، ومن أهم الأدلة التي في الموضوع قوله تعالى: (فَقُطِعَ ‌دَابِرُ ‌ٱلۡقَوۡمِ ‌ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) الأنعام: 45. وقد قال الإمام السمرقندي في معناها: هذا تعليم ليحمدوه سبحانه على إهلاك الظالمين. وقال الزمخشري: إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة، وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم. وعللوا ذلك بأن الظالمين لما هلكوا، كان هلاكهم نعمة من الله عز وجل يستحق الحمد عليها، إذ هلاك الظالم راحة للناس، فهو مستريح ومستراح منه.

السلف الصالح يفرحون بهلاك الظالم

ومارس السلف الصالح ذلك، فهناك شخصية لم يختلف الناس على ظلمها، وهو الحجاج بن يوسف الثقفي، رغم أن الرجل خدم الإسلام في مساحات أخرى، لكن ذلك لم يعفه من أن يذكر في التاريخ باستبداده وظلمه، وقد كان أداة للبطش والظلم، فرأينا الحسن البصري وقد جاءه رجل فقال: مات الحجاج. فسجد الحسن شكرا لله، وقال: اللهم قد أمته فأمت عنا سننه، ثم قال: إن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام: ذكر بني إسرائيل أيام الله، وقد كانت عليكم أيام كأيام القوم.

إن الفرح بهلاك الظالم، لم يحرمه أحد فيما بحثت وقرأت، بل الأمر يدور بين الجواز والاستحباب، ومنهم من أوجبه في حالات معينة، ودلت النصوص الصريحة على ذلك، وكذلك ممارسة السلف الصالح وصلحاء الأمة على مدار تاريخها، لأن وفاة الظالم، أو من يعاونوه، هو نهاية لظلمه، وتوقف هذه الوسيلة، وإن وجدت وسائل أخرى.وعن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى: (‌فقطع ‌دابر ‌القوم ‌الذين ‌ظلموا والحمد لله رب العالمين) الأنعام: 45، وقال حماد بن أبي سليمان: لما أخبرت إبراهيم النخعي بموت الحجاج بكى من الفرح. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: قال زياد بن الربيع الحارثي لأهل السجن: يموت الحجاج في مرضه هذا في ليلة كذا وكذا. فلما كانت تلك الليلة لم ينم أهل السجن فرحا، جلسوا ينتظرون حتى سمعوا الناعية.

هل الظالم الذي لم يتب في النار؟!

بقيت نقطة يثيرها مؤيدو الظلمة، بأن المظلومين أحيانا يدعون على الظالم بأن يدخله الله النار، وأن ذلك تأليا على الله، وهو كلام غير صحيح، فمن يدعو بذلك لا يفرض على الله شيئا، فهو ليس من باب التألي على الله، بل من باب الثقة في يقين وموعود الله، فالله قد أخبر في كل الكتب السماوية بهلاك الظلمة، وبعقوبتهم في الآخرة، وأنه لا مفر لهم من ذلك، ولم يرد أي استثناء في الشرع لأي ظالم، إلا إذا عفا عنه المظلوم، فما بالنا بقضاة ظلموا كل هذا الكم من الناس، وماتوا ولم يتوبوا من مظالمهم، ولم يطلبوا العفو ممن ظلموهم.

لم يجزم أحد ممن يدعون على الظلمة حين موتهم بالنار أو العذاب، لكنهم موقنون بأن الله عز وجل ليس بظلام للعبيد، وأن ميزان عدله وحقه قائم، وبخاصة أن أصحاب الحقوق لم تعفوقد وردت النصوص النبوية تعتد بشهادة الناس في الميت، خاصة من لهم معاملة معه تجعل من شهادتهم معتبرة، وليست مبنية على أهواء، فقد ورد في السنة النبوية أنهم: مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة، فأثنوا عليها خيرا في مناقب الخير، فقال: "وجبت" ثم مرت عليه جنازة أخرى، فأثنوا عليها شرا في مناقب الشر، فقال: "وجبت" ثم قال: "إنكم شهداء في الأرض".

قال الإمام السندي معلقا على الحديث: وقوله: "وجبت"، قال: أي: الجنة، أو المغفرة، وفي الثاني النار، أو العقوبة شرا، من باب المشاكلة، إذ الثناء لا يتعلق بالشر، وظاهر الحديث أن ثناء الناس علامة على ما سبق له من خير أو شر.

ولم يجزم أحد ممن يدعون على الظلمة حين موتهم بالنار أو العذاب، لكنهم موقنون بأن الله عز وجل ليس بظلام للعبيد، وأن ميزان عدله وحقه قائم، وبخاصة أن أصحاب الحقوق لم تعف، والعجيب أن هؤلاء الذين يؤيدون الظلمة، ويكرهون من يعارضون الحكام، هم من يحكمون عليهم بالنار، فكثيرا ما ترى الشيخ علي جمعة وتلامذته، يحكمون على المعارضين بأنهم: خوارج، وكلاب أهل النار، وبخاصة الإخوان!!

انزعاج الظلمة من دعاء المظلومين

اللافت للنظر في تاريخ الظلمة، أنهم ينزعجون جدا من دعاء المظلومين عليهم، وإيمانهم بأن الله سيستجيب لهذا الدعاء، وهو أمر مرصود نلحظه لدى المسلم وغير المسلم، فأبو سفيان قبل إسلامه، وهم يصلبون خبيب بن عدي، دعا قبل صلبه فقال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، وكان أبو سفيان وابنه معاوية حاضرين قبل إسلامهما، فأمسك أبو سفيان بمعاوية وانبطحا أرضا، كي لا تواجههم دعوة الصحابي، وقد كان لدى المشركين اعتقاد أن دعوة المظلوم مستجابة، خاصة لو واجهك بدعوته، ولكي تتجنب ذلك، انبطح أرضا، حتى تمر دعوته فوق رأسك، تصور ساذج ومضحك، لكنه دال على مدى خوفهم من ذلك.

ويحكي فتحي رضوان أنه ذهب لجمال عبد الناصر صباح إعدام عبد القادر عودة، ولم يكن يعلم أنه شنق، وصدم رضوان بأن عبد الناصر يخبره أن عودة قد شنق فجرا، وهو يعلم أن عودة مظلوما، ولم يكن مدانا في حادث المنشية، يقول رضوان: وفجأة سمعت جمال يقول: تصور إن الأخ عبد القادر عودة كان يصيح بالأمس على باب السجن بهذه الأدعية: الله يخرب بيتك يا عبد الناصر، الله ييتم أولادك يا عبد الناصر، الله يعذبك في الدنيا والآخرة يا عبد الناصر. وكان يحفظ الأدعية عن ظهر قلب، وأضاف: وعبد القادر نفسه كان يصرخ وهو في طريقه إلى المشنقة: أنا بريء، أنا بريء، ودمي على الذين ظلموني وشنقوني.

ليس دفاعا عن الظالم بل عن أنفسهم

والمتأمل لدفاع شريحة مشاركة في مساندة الظلم، عن القضاة والإعلاميين الذين يموتون، فهم في حقيقة الأمر لا ينافحون عن مبدإ، ولا عن الأشخاص الذين لقوا حتفهم، بل هو دفاع عن أنفسهم فيما سيحل بهم مستقبلا عند وفاتهم، فهم يستبقون الأحداث بمحاولة حشد نصوص ونقول ليست في الموضوع، لترهب الذين يصبون لعناتهم على الظلمة، حتى يصمتوا، ومن يرجع لمواقفهم من قبل، سنجد تناقضا عجيبا منهم، فارجعوا إلى صفحات ومواقف نفس هؤلاء الإعلاميين والمشايخ، ستجد عند وفاة معارضين، أو مخالفين لتوجههم، قالوا أشد مما يقال في الظلمة، وفرحوا في غير موضع الفرح الجائز، وهذا سبب خوفهم على نفس المصير.

والعاقل من ينظر لهذه الدعوات على الظلمة، ليستدرك ما فاته، وليتب مما فعل، وليطلب العفو ممن ظلمهم، وهو حي يرزق الآن، يملك الحصول على العفو، قبل أن يأتي يوم قال عنه الله تعالى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ ‌وَلَا ‌تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ) البقرة: 123.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • سياسيون يؤكدون: ترامب يحاول إعادة تشكيل البيئة الإقليمية بما يخدم أمن الكيان الصهيوني
  • جرافات العدو الصهيوني تبدأ بهدم المنزل الذي استشهد فيه 4 فلسطينيين في طمون
  • الفرح بهلاك الحكام والقضاة الظلمة
  • بغداد تستضيف اجتماعا لوزراء الخارجية العرب تحضيراً للقمة العربية الـ34
  • انطلاق اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية في بغداد
  • بدء اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية في بغداد
  • بث مباشر.. انطلاق أعمال اجتماع وزراء الخارجية التحضيري لمجلس الجامعة العربية
  • الأمين العام للجامعة العربية يدعو كافة الأطراف الفاعلة في ليبيا إلى وقف التصعيد
  • المالكي: نتمنى من القادة العرب الاهتمام بما سيطرح في القمة العربية
  • 80 عامًا من تاريخ هزائم الجيوش العربية أمام كيان العدوّ.. اليمن يصنعُ تاريخًا جديدًا [الحقيقة لا غير]