أثار غياب اليمن عن أجندة زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، التي تُوِّجت بتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية لعدد من الدول الخليجية وسوريا، جدلاً واسعًا بين أوساط اليمنيين.

 

ركّزت زيارة ترامب على تعزيز العلاقات الاقتصادية الاستثمارية مع السعودية وقطر والإمارات، وبحث بعض المستجدات في المنطقة، مثل سوريا والمحادثات مع إيران بشأن البرنامج النووي، فيما كان هناك تجاهلا متعمدا لملف الصراع في اليمن، وهي القضية التي كانت السعودية جزء من الصراع في دعمها للحكومة الشرعية إنهاء انقلاب الحوثيين.

 

كرس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كل جهوده لانتزاع قراراً من ترامب برفع العقوبات عن سوريا، وهو ما يجعله الأول في بنك الرابحين من الزيارة، ويجعل الأمور مشرعة على المستقبل في سوريا ما بعد الأسد.

 

لم يحضر اليمن حتى كمشكلة تحتاج إلى التوقف عندها، سواء لدى السعودية أو الرئيس الأمريكي، في الوقت الذي تحدث ترامب عن جماعة الحوثي في أكثر من تصريح ولقاء في الرياض بأنهم "مقاتلين أقوياء".

 

التجاهل المتعمد من السعودية للحكومة اليمنية الشرعية المقيمة في الرياض، تحديدا رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وعدم تقديمه للرئيس ترامب أسوة بالرئيس السوري أحمد الشرع، يبرز إشكالية تتعلق برؤية السعودية لحلفائها في اليمن واعتبارها صاحبة اليد الطولى في مناقشة الملف اليمني في الرياض.

 

ويرى يمنيون أن التسويات هنا تحضر حين تصبح الأطراف المعنية بها مستعدة على الأرض، وهو ما تفتقده الشرعية التي أصبحت مغيّبة من طول بقائها في العباءة الصغيرة للسفير السعودي في الرياض وأبو ظبي.

 

وفي السياق قال الناشط الحقوقي توفيق الحميدي إن "اللقاء الذي جمع في الرياض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومشاركة الرئيس التركي أردوغان عبر الهاتف، يمثل لحظة مفصلية في إعادة تشكيل مشهد الشرعيات في الشرق الأوسط.

 

وأضاف "إنها ليست مجرد صورة دبلوماسية، بل إعلان واضح أن العالم بدأ يتعامل مع شرعية سورية جديدة باعتبارها الطرف السياسي الممثل للدولة السورية ما بعد الأسد".


 

 

وتابع "هذا اللقاء لا يمكن فصله عن حجم التنظيم السياسي والدبلوماسي الذي أدارته المعارضة السورية بعد سقوط النظام، ولا عن قدرة “الشرع” على تحويل منجز الثورة إلى مشروع دولة قابل للحياة. بينما الشرعية اليمنية، وبعد عقد من الزمن، ما زالت عاجزة عن تقديم نفسها كصاحبة قرار".

 

وأكد أن الشرعية اليمنية لم تُفرض كحقيقة سياسية على الأرض، ولا استطاعت أن تخلق مسارا تفاوضيا أو عسكريا تملك فيه زمام المبادرة، ولا حتى أن تحضر في مشهد إقليمي بهذه القوة والرمزية".

 

وأردف الحميدي "للأسف الشرعية اليمنية اليوم غارقة في خيمة عضو مجلس القيادة الرئاسي عبدالله  العليمي، تتخبط في صراعات القرارات وتنازع الصلاحيات، في مشهد لا يليق حتى بكومبارس في مسرحية رديئة".

 

وقال "كم نهبوا؟ كم سرقوا؟ الثمانية الذين صُدِّروا كمجلس قيادة ليسوا إلا أكبر كارثة حلت باليمن في تاريخه المعاصر. لا حياء في وجوههم، ولا قيادة في أفعالهم، ولا شخصية تُشعر المواطن أن له مرجعية أو دولة. تم تهميشهم في عقر دار تمثيلهم، وباتوا ينتظرون التعليمات عند باب خيمة التفاوض. هذه اللحظات لن تمر بلا حساب، فالتاريخ لا يرحم، ولعنات الأرض والناس ستلاحقهم إلى يوم الدين".

 

ويرى الحميدي أن المفارقة صارخة: سوريا الخارجة من أتون الدم والموت، تجد لنفسها مقعدًا في طاولة الكبار، بينما اليمن – رغم كل الدعم الخارجي والقرارات الأممية – ما زال يدور في فلك التبعية والانقسام. وبينما يُستقبل “الشرع” كرئيس حكومة معترف به، تظل “الشرعية اليمنية” غائبة عن مشهد صنع القرار، تعاني من ضعف التنظيم، وضبابية الرؤية، وتشتت القيادات، وانعدام القدرة على إدارة تحالفاتها بذكاء".

 

وأكد أن ما حدث في الرياض اليوم ليس مجرد لقاء، بل مرآة عاكسة للفارق بين مشروعين: مشروع يسعى لبناء دولة، وآخر عالق في متاهات السلطة دون سيادة.

 

الكاتب الصحفي عامر الدميني قال "يبقى المعيار الحقيقي للسعودية وإنجازها في اليمن"، مضيفا "لعلها وجدت في سوريا رجال مخلصين لوطنهم، فالتقت الجسور لتشكيل واقع جديد".

 

واعتبر الدميني ما حدث استفتاء واضح في مجمل القيادات التي تتعامل معها الرياض في الجانب الحكومي اليمني، وقال "وهي من تختار هؤلاء بالمجمل، وهم من يتحملون معها نتائج الوضع الذي وصل له اليمن، وبإمكانها التغيير والتغير نحو واقع جديد يلبي ما تحتاجه اليمن، ويزيل كل مظاهر الاحتقان والتشظي، وترسبات الفترة الماضية".

 

في إطار الموضوع نفسه يقول الدميني "ثمة دور يعمل بصمت، لكن بتأثير كبير، ويوظف كل ثقله لإنتاج واقع جديد في سوريا، وهو دور تركيا".

 

 

وحسب الكاتب فإن تركيا ترى في استقرار سوريا ضمانا لأمنها القومي، وهذا ما يجب أن تدركه السعودية، وتسارع لتطبيقه في اليمن.

 

الصحفي فهد سلطان كتب "الموقف السعودي الأخير تجاه سوريا لا ينبع من دوافع إنسانية كما يروّج البعض، بل تحكمه اعتبارات سياسية واستراتيجية بحتة".

 

وقال إن السعودية تسعى لتعزيز حضورها في سوريا، ليس فقط لمواجهة النفوذ الإيراني الذي تراجع بشكل ملحوظ، بل أيضًا كردّ فعل على الدور التركي المتصاعد والمؤثر في البلاد.

 

 

 وأشار إلى تركيا لعبت دورًا حاسمًا في إعادة تشكيل المعادلة السياسية السورية، لا سيما من خلال دعمها الفعّال للقوى المناهضة لنظام بشار الأسد. ويرى أن هذا الدور التركي المتنامي دفع الرياض إلى تبني موقف أكثر نشاطًا تجاه سوريا، في محاولة للحفاظ على نفوذها الإقليمي ومنع أن يتحول الانسحاب الإيراني إلى انتصار تركي خالص.

 

على غرار المشهد في اليمن، يرى سلطان أن السعودية تشعر بدرجة من الاطمئنان نتيجة سيطرتها شبه الكاملة وأبقت الوضع كما هو ولم يعد يعنيها لا إنسانيا ولا أخلاقيا، لكن أي دخول قوي لدولة أخرى في هذا الملف قد يغيّر المعادلة تمامًا وقد تعود الأخلاق والإنسانية.  والسياسة، كما هو معلوم، لا تعرف العواطف ولا تعمل بمنطق الرحمة، بل بالمصالح وتوازن القوى.

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن السعودية أمريكا سوريا الحكومة اليمنية الشرعیة الیمنیة فی الریاض فی سوریا فی الیمن

إقرأ أيضاً:

التطبيع أولا مقابل السلاح والنووي.. ترامب يشدد شروطه على بن سلمان

انتهى اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي  محمد بن سلمان أمام عدسات الكاميرات بتصريحات لافتة، دافع خلالها ترامب عن ولي العهد في مواجهة أسئلة الصحفيين، مؤكدا أن السعودية تمثل “الحليف الأول” لواشنطن خارج إطار حلف شمال الأطلسي.

وأوضحت صحيفة "إسرائيل اليوم" في تقرير أن نتائج الاجتماع الفعلية جاءت بعيدة عن تطلعات الطرفين، مشيرة إلى أن واشنطن أبدت استياء متزايدا من القيادة السعودية بسبب عدم رغبتها في المضي قدما بمسار التطبيع مع إسرائيل، وهو ما سبق للصحيفة أن تناولته في تقارير سابقة.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن فشل الاتصالات المبكرة بين المسؤولين السعوديين والأمريكيين في تحقيق اختراق دفع ترامب، خلال محادثات البيت الأبيض، إلى حث ولي العهد السعودي على اتخاذ خطوة رمزية واحدة على الأقل باتجاه التطبيع، بهدف الإيحاء بقرب إحراز تقدم عندما تتوافر الظروف المناسبة.

وتحدث بن سلمان عن التحديات الداخلية والرأي العام في بلاده، ليتدخل ترامب مطالبا إياه بالاقتداء بنظيره الإماراتي محمد بن زايد، الذي حقق مكاسب كبيرة بعد انضمام بلاده إلى اتفاقيات إبراهيم، إلا أن بن سلمان تمسك بموقفه، ليعلن ترامب لاحقا عن نية بلاده بيع مقاتلات إف-35 للسعودية في المستقبل، من دون تحديد موعد، ولكن بشروط واضحة.



الشرط الأول تمثل في بدء تحقق الاستثمارات السعودية المعلنة في الولايات المتحدة، إذ سبق أن أعلن عن استثمارات بمئات مليارات الدولارات خلال الولاية السابقة، لم يتحقق منها سوى جزء محدود، أما الشرط الثاني، فكان إطلاق مسار عملي للتطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وفق الصحيفة.

وتعاملت واشنطن بصرامة أكبر مع ملف المفاعل النووي السعودي، إذ رفضت طلب الرياض تخصيب اليورانيوم على أراضيها، في ظل معارضة إسرائيلية صريحة، وافق ترامب على أساسها على مساعدة السعودية في إنشاء منشأة طاقة نووية تشرف عليها شركات أمريكية، على غرار النموذج القائم في الإمارات.

ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي أن الإدارة الأمريكية رأت في وقف إطلاق النار في غزة نقطة انطلاق لتوسيع اتفاقيات إبراهيم، معتبرة أن الموقف السعودي يمنح حركة حماس، التي تعرقل مساعي إنهاء الحرب، دورا مؤثرا في تعطيل المسار الذي يسعى إليه ترامب.

ولا يبدو، بحسب التقديرات، أن السلام أو حتى إنهاء الحرب في غزة بات وشيكا، إذ تواجه الجهود المصرية للضغط على حماس من أجل التوصل إلى ترتيبات تتعلق بتسليم السلطة والسلاح عراقيل، في ظل تمسك بعض قيادات الحركة بمواقفها، حتى إزاء مقترحات مشروطة مثل إيداع السلاح في مخازن تشرف عليها حكومة مدنية جديدة.

وفي هذا السياق، برز الغياب التركي عن ممارسة الضغط على حماس في هذه المرحلة، رغم دور أنقرة السابق في وقف إطلاق النار وإقناع الحركة بتسليم جميع الرهائن.

ووفقا لمصدر دبلوماسي عربي، يعود هذا التراجع إلى استخدام إسرائيل حق النقض ضد مشاركة قوات تركية في القوة متعددة الجنسيات المزمع نشرها في غزة.

وذكرت "إسرائيل اليوم" أن إسرائيل سربت معلومات استخباراتية للأمريكيين حول خلايا تابعة لحماس وحزب الله تنشط من داخل تركيا بعلم السلطات، قبل أن تنشر لاحقا تفاصيل عن هذه الخلايا ومحاولات الهجوم التي جرى إحباطها.

وفي المقابل، تشترط حماس لاستئناف المفاوضات رسميا استكمال المرحلة الأولى، ولا سيما فتح معبر رفح أمام حركة الأفراد، وزيادة ملموسة في عدد شاحنات الإمدادات التي تدخل المناطق الخاضعة لسيطرتها، باعتبارها مصدرا رئيسيا لتمويل أنشطتها ووسيلة ضغط على السكان.

وأشار مصدر إسرائيلي إلى أن حماس مطالبة أولا بإعادة الجثتين الأخيرتين للأسيرين، وضمان عدم استيلائها على معظم الإمدادات، وهو شرط وصفه بأنه شبه مستحيل، مع توقعات أمريكية بتسلم الجثتين خلال الأيام المقبلة.



ورغم هذا الجمود، يتواصل النشاط المكثف داخل المقر متعدد الجنسيات في كريات جات، مركز التنسيق المدني العسكري، الذي توسع ليضم ممثلين عن 24 دولة على الأقل، إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة المشرفتين على إدارته.

وأفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" بانضمام ممثل عن البحرين، إحدى دول اتفاقيات إبراهيم، إلى فرق العمل في المقر الأسبوع الماضي، ويتكون المقر من ثلاثة طوابق، مخصصة للموظفين الإسرائيليين والأمريكيين، إضافة إلى طابق للفرق متعددة الجنسيات.

وتملك الإمارات أكبر وأبرز حضور بعد إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تعمل فرقها ضمن مجموعات متخصصة تشمل فريقا أمنيا يراقب تطورات قطاع غزة، وفريقا إنسانيا ينسق دخول شاحنات الإمداد ويحد من مصادرتها، إلى جانب فرق معنية بإعداد القوة الأمنية متعددة الجنسيات، والهيئة المدنية الحاكمة المستقبلية، وإعادة التأهيل والبنية التحتية، والتخطيط الشامل لقطاع غزة المستقبلي.



وأكد مشاركون في المقر وجود أجواء تعاون إيجابية، حيث تُجرى الحوارات بين الفرق الإسرائيلية والعربية باللغة العربية، وتُعد القهوة العربية المشروب الأكثر حضورا في الاجتماعات، ومع ذلك، أشاروا إلى أن معظم الأنشطة لا تزال في إطار التخطيط النظري، في ظل تعثر تشكيل القوة متعددة الجنسيات وبقاء المرحلة الثانية بعيدة المنال.

وفي الوقت ذاته، تشهد المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية داخل قطاع غزة نشاطا متسارعا لإعادة الإعمار، يشمل إنشاء مراكز إنسانية وأحياء سكنية جديدة وبنية تحتية ومبان عامة ومدارس، في إطار ما يُقدم كنموذج أولي لإعادة إعمار القطاع بأكمله.

مقالات مشابهة

  • التطبيع أولا مقابل السلاح والنووي.. ترامب يشدد شروطه على بن سلمان
  • اعتراف صادم من ترامب: الجمهوريون مهددون بخسارة الانتخابات النصفية 2026
  • الخارجية اليمنية: عيدروس الزبيدي لا يمكنه إعلان الإنفصال وما حدث شرق اليمن كان مفاجئًا
  • طقس السعودية اليوم.. أمطار غزيرة تشمل الرياض ومكة مع تحذيرات من جريان السيول
  • اعتراف مر من دونالد ترامب
  • بن بريك يتحدى الرياض: أول موقف جنوبي رسمي ضد جهود السعودية في حضرموت والمهرة.. عاجل
  • مخاوف إسرائيلية من لقاء مصيري يجمع ترامب ونتنياهو نهاية الشهر
  • مركز الملك سلمان يقدم مساعدات جديدة في اليمن ولبنان وأفغانستان
  • لمكافحة حرائق الغابات باللاذقية.. السعودية تسلّم سيارات إطفاء لسوريا
  • اليمن: ندعم جهود السعودية والإمارات من أجل الحفاظ على وحدة الصف