ولهذا السبب تنتقل السعودية من المعسكر الأمريكي إلى الصيني
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
ثمة عوامل كثيرة تؤثر على قدرة الدولة على البقاء، إلا أن الأمر الرئيسي هو قدرة الشعب على مقاومة الضغوط، وقدرة النخبة على تجنب هذه الضغوط.
وأعني بالضغوط في البيئة الراهنة الانخفاض الحاد في مستويات المعيشة.
سيؤدي الانهيار المتوقع لهرم الديون العالمي إلى إعادة تشكيل جميع تدفقات السلع ورؤوس الأموال، وسيتم معادلة جميع الاختلالات، بما فيها الاختلالات في التجارة الخارجية.
باختصار، ولمعرفة مدى صعوبة الأمر بالنسبة لبلد ما أثناء الأزمة، لا تحتاج إلى النظر حتى إلى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي (فالأذكى والأشجع سيرفض سداد الديون)، ولكن إلى مؤشرات التجارة الخارجية أو رصيد الحساب الجاري (التجاري + ميزان المدفوعات). ويهدد الخطر الدول ذات رصيد الحساب الجاري بالسالب.
من بين الدول العربية، شهدت الدول التالية أرصدة حسابات جارية سلبية أكثر من السنوات الإيجابية منذ عام 2000 حتى يومنا هذا:
مصر، المغرب، سوريا؟ (الإحصائيات غير مكتملة، قبل أزمة 2008 كان الميزان إيجابيا)، السودان، تونس، الأردن، لبنان، اليمن، فلسطين، موريتانيا.
كما تضم القائمة السوداء أيضا اقتصادات كبيرة مثل الهند وفرنسا وإيطاليا وتركيا والمكسيك وكندا وأستراليا وإسبانيا وجنوب إفريقيا والبرازيل وباكستان.
كما تدرج كذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في هذه القائمة، علاوة على أنهما الأسوأ على الإطلاق، فمنذ عام 2000، شأنهما في ذلك شأن لبنان، لم تشهدا عاما واحدا بميزان إيجابي.
وعلى الرغم من كل الأحاديث الدائرة عن أننا نرى في الغرب النظام التكنولوجي القادم الأكثر تقدما، حيث حلت الخدمات محل التصنيع، وتهيمن على الإنتاج، إلا أن تلك الخطوة، في واقع الأمر هي خطوة لأسفل، لا لأعلى.
فاقتصاد الخدمات يتجه نحو الداخل، وكلما كان اقتصاد الدولة هو اقتصاد خدمات، كلما زاد احتمال أن يكون لدى البلاد رصيد حساب جار سلبي، وستحتاج إلى جهات مانحة خارجية. في حين أن الاقتصاد القائم على إنتاج السلع الأساسية والصناعة والزراعة جزئيا يميل إلى التصدير، ويكون ميزان الحساب الجاري، في كثير من الأحيان، إيجابيا.
واسمحوا لي بالتأكيد مرة أخرى على أن هذه المؤشرات لا تعكس مستوى المعيشة، بقدر ما تعكس مدى قدرة الاقتصاد والبلد على البقاء خلال الأزمة. وذلك مع الوضع في الاعتبار أن هذا ليس المؤشر الوحيد الضروري للمرور بالأزمة، ومع ضعف التنويع الاقتصادي ونقص الغذاء، فإن الميزان الإيجابي هو الآخر قد لا ينقذ.
إقرأ المزيدولتوضيح فكرتي، سأذكر روسيا، وهي بأي حال من الأحوال ليست أغنى دولة، إلا أن رصيد حسابها الجاري كان إيجابيا في كل السنوات دون استثناء، من عام 2000 وحتى اليوم. لذلك، لم أتفاجأ شخصيا بقوتها الهائلة في البقاء ومقاومة العقوبات الاقتصادية الغربية.
وفي الغالبية العظمى من الحالات، تحدث الفجوة في ميزان المدفوعات بسبب استيراد المواد الخام، وفي مقدمتها وقبل كل شيء، موارد الطاقة.
وهنا بالمناسبة، دعونا نلقي نظرة جديدة على "الطاقة الخضراء" في الغرب، باعتبارها محاولة لتحسين قدرة الغرب على البقاء بشكل جذري من خلال التخلي عن واردات الطاقة وتحسين ميزانه التجاري.
والآن دعونا نعود إلى مجموعة الدول العشرين G20 و"بريكس".
في الجدول التالي سنجد على اليمين البلدان الأعضاء في G20 التي ظل رصيد حسابها الجاري سلبيا لأكثر من نصف السنوات منذ عام 2000. وعلى اليمين البلدان التي تتمتع بميزان إيجابي طويل الأجل.
مجموعة الدول العشرين G20 بدون روسيا والصين، وبين القوسين مؤشرات الحساب الجاري لعام 2022 (مليار دولار).
إجمالي الرصيد السلبي لمجموعة الدول العشرين G20 في عام 2022، إذا استثنينا روسيا والصين يبلغ 888.1 مليار دولار.
(المصدر: البنك الدولي)
ولا آخذ في الاعتبار هنا ميزان الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بوصفهما عضوين جماعيين في المجموعة.
وإذا ما تحولت بقايا مجموعة العشرين إلى كتلة تقودها الولايات المتحدة، فإن احتمالات البقاء الجماعي لهذه الدول ستكون أقل من الصفر.
والآن لنأخذ "بريكس":
إجمالي رصيد الحساب الجاري الإيجابي لمجموعة "بريكس" لعام 2022 يبلغ 690.5 مليار دولار.
إن الفرق بين مجموعة الدول العشرين ومجموعة "بريكس" واضح. فأولا، يوجد في مجموعة العشرين عدد أكبر بكثير من "مصاصي الدماء التجاريين" من ذوي الرصيد السلبي مقارنة بالمانحين، بمعنى أن المنظمة ليست مكتفية ذاتيا. لذلك، فهي غير قادرة ماديا على دعم أعضائها في حالة حدوث انهيار اقتصادي عالمي، ولن تكون هناك موارد كافية حتى لو استنزفت الجهات المانحة.
إقرأ المزيدثانيا، وهو الأهم، فإن أكبر مصاصي الدماء في مجموعة العشرين هم القادة، الأنغلوساكسونيين، الذين لا زالوا يمتصون الموارد من الشركاء المانحين الصغار، في حين أن دماء هؤلاء لا تكفي حتى للقادة أنفسهم، ناهيك عن الشركاء الصغار الآخرين مثل البرازيل أو الأرجنتين.
أما في دول "بريكس" فإن الوضع هو العكس، فالصين (+401.9) وروسيا (+233) من الدول المانحة، وسيكون إجمالي الموارد للدول الأعضاء كافيا لعدد أكبر بكثير من البلدان المدرجة حاليا في المنظمة. وبطبيعة الحال، لا بد أن يكون لدى الجهات المانحة مصلحة سياسية في دعم الأعضاء الآخرين، وهو ما يعني ضمنا، على الأقل، مصالح مشتركة مهمة أو حتى تحالفات.
وليس من قبيل الصدفة أن تكون الهند أكبر مشتر للنفط الروسي، وفي الأشهر الأخيرة شهدت صادرات المنتجات النفطية الروسية إلى البرازيل نموا سريعا. وليس ذلك موقفا سياسيا بقدر ما هو مصلحة اقتصادية، حيث تبيع روسيا السلع بسعر مخفض، باعتبارها الجهة المانحة للمساعدات لهذه الدول، التي في المقابل تتجاهل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. والمنفعة المتبادلة هي الأساس الأكثر موثوقية للتعاون.
إقرأ المزيدوالآن، فيما يخص المملكة العربية السعودية، التي كانت لسنوات عديدة البقرة الحلوب للأنغلوساكسونيين، وفقا للمخطط الموصوف أعلاه، حيث دعمت عجز الحساب الجاري الأمريكي والبريطاني بفائضها. ولا يعني ذلك أنها لم تتلق أي شيء في المقابل. إلا أن شهية الأنغلوساكسونيين، كما أوضحت في الجدول، أو بالأحرى جوعهم، وصل إلى أبعاد فلكية، والولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى المزيد والمزيد، ولم تعد المملكة العربية السعودية قادرة على التنازل عن الكثير دون عواقب سياسية داخلية خطيرة. بل إن المملكة ولو حتى قدمت كل شيء للولايات المتحدة، فلن تغطي عجزها، لأن أمريكا محكوم عليها بتدهور مستويات المعيشة وزعزعة الاستقرار السياسي، ولن تكون التضحيات السعودية مبررة. وكل الشعارات على غرار "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، والحرب الأهلية الباردة في الولايات المتحدة هي أعراض مرض فتاك، وطريق مسدود. وكانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير التضخم المرتفع في الدولار، الذي بدأ يبخر الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة. بعدها، بدأ السعوديون في سحب الأموال من السندات الأمريكية.
لهذا فمن الأفضل الهروب من الأزمة مع شريك مكتف ذاتيا، أو الأفضل من ذلك، مع من يمكنه مساعدتك. وهذا هو سر رغبة عدد كبير من الدول في الانضمام إلى "بريكس"، رغم أن أحدا لا يفهم حتى الآن نوع هذه المنظمة. إلا أن الشيء الرئيسي هو أن الجميع يرى أن مجموعة العشرين تضم مصاصي دماء، وأن مجموعة "بريكس" تضم مانحين.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب.
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا مصر المغرب سوريا السودان تونس الأردن لبنان اليمن فلسطين موريتانيا الهند فرنسا تركيا المكسيك كندا أستراليا إسبانيا جنوب إفريقيا البرازيل باكستان الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا روسيا مجموعة الدول العشرين G20 بريكس ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف بريكس شي جين بينغ عقوبات اقتصادية عقوبات ضد روسيا فلاديمير بوتين مؤشرات اقتصادية مجموعة العشرين محمد بن سلمان مجموعة الدول العشرین الولایات المتحدة مجموعة العشرین الحساب الجاری إقرأ المزید عام 2000 إلا أن
إقرأ أيضاً:
الاتحاد العربي للفنادق والسياحة يُكلف محمد العجلان سفيرًا للاتحاد.. ويُشكل الهيئة العليا للمكتب بالمملكة العربية السعودية
أصدر الاتحاد العربي للفنادق والسياحة، برئاسة السفير طلال مشلح، قرارًا بتعيين محمد العجلان بمرتبة سفير بالإدارة العليا للاتحاد، وتمت المصادقة عليه من مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بجامعة الدول العربية باعتبار الاتحاد العربي للفنادق والسياحة أحد أهم الاتحادات النوعية والمنظمات العربية الدولية المتخصصة التابعة لمجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية.
وحيث أن الاتحاد العربي للفنادق والسياحة يُمثل رئاسة الاتحادات النوعية العاملة في نطاق مجلس الوحدة الاقتصادية العربية منذ مايو 2025 بتكليف السفير طلال مشلح رئيسًا للاتحادات النوعية، والسفير تاج الدين وسلاتي والسفير ياسر البخشوان نوابا لرئيس الاتحادات النوعية بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية وذلك في إطار الدور الفعال الذي يقوم به الاتحاد لربط الكيانات التابعة لمجلس الوحدة الاقتصادية في مختلف القطاعات.
وأصدرت الإدارة العليا قرارًا بتكليف محمد العجلان مديرًا إقليميًا لمكتب المملكة العربية السعودية بالاتحاد، مع تشكيل إدارة عليا تعاون الاتحاد من نخبة متميزة من الكوادر العاملة في نطاق الاتحاد، حيث تشكلت الهيئة العليا للمكتب من المستشار هاني حسن أبوزيد، والدكتور أحمد محمود حسين السيسي، والمستشار أيمن محمود حسين السيسي، والمستشار نبيل محمد محمود الغريب والمستشار أحمد محمد حامد البخشوان، والمستشار أحمد محمد إبراهيم الصياد.
ويعد المكتب الإقليمي بالمملكة العربية السعودية أهم المراكز الفاعلة للاتحاد، حيث تتركز السياحة الدينية الأكبر في العالم لوجود الحرمين الشريفين وكذلك السياحة الترفيهية بالرياض ومدن المملكة، ولعل هذا التوقيت يُرتب المكتب الإقليمي بما لديه من خبرات بالتنسيق مع قطاع الضيافة الفندقي بالمملكة والعمل علي الحفاظ على حقوق المؤسسات الفندقية.
جدير بالذكر أن المكتب الإقليمي بالمملكة العربية السعودية قد نسق مع مكتب الاتحاد بسلطنة عمان قيادة صاحب السمو الشيخ عباس آل سعيد المدير الإقليمي بسلطنة عمان لتحقيق تعاون في المناطق السياحية التي يرتقب العالم إنشاؤها في منطقة صلالة، وأسفر التنسيق عن تحديد مؤتمرين عالميين للاتحاد بالرياض وسلطنة عمان أولهما يكون بصلالة بسلطنة عمان رعاية كبار المسئولين في حكومة سلطنة عمان والثاني يكون بالرياض لضم أكبر عدد ممكن من القيادات في قطاعات السياحة والضيافة الفندقية والسفر
ومن المعلوم أن الاتحاد العربي للفنادق والسياحة هو هيئة عربية دولية أُنشئت بوصفها منظمة دولية عربية متخصصة تعمل تحت مظلة مجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية وجزء لا يتجزأ منه، وتتمتع بكافة المزايا والحصانات الدبلوماسية وفق قواعد القانون الدولي أسوة بمنظمة الأمم المتحدة، ويتمتع العاملون بها بكافة الامتيازات والحصانات الدبلوماسية والضمانات الدولية، فضلًا عن تمتع السادة السفراء في إدارة الاتحاد العليا بامتيازات وحصانات دولية رفيعة المستوى بما يكفل أداء مهامهم في كل دول العالم، حيث أن الاتحاد العربي للفنادق والسياحة عضو مراقب في منظمة السياحة العالمية بالأمم المتحدة وعضو مراقب في الاتحاد الأوروبي عبر بروتوكولات دولية تاريخية.
وأنشئ الاتحاد العربي للفنادق والسياحة بموجب المصادقة الرسمية لمجلس الوحدة الاقتصادية على إنشاؤه، فضلًا عن امتلاك الاتحاد لمقرات المنشئة بكافة الدول العربية الأعضاء ومنها جمهورية مصر العربية، وقد تم إصدار المرسوم الرئاسي اللبناني رقم 7433 لسنة 1995 بمنح الاتحاد العربي للفنادق والسياحة المزايا والحصانات الدبلوماسية بالجمهورية اللبنانية والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 2/11/1995، باعتبارها أحد أهم الدول العربية الواعدة في السياحة، حيث أنشئ الاتحاد لأغراض دعم قطاع السياحة العربية وتنشيط الاقتصاد القومي بموجب تطوير السياحة وتنمية القطاع الفندقي وتطوير أداء الضيافة العربية والاهتمام بمصالح القطاع السياحي في الدول الأعضاء، فضلًا عن دعم المؤسسات العربية السياحية في الحفاظ على حقوقها بالتنسيق مع حكومات الدول الأعضاء وتعزيز التعاون الدولي مع المنظمات الدولية والدول الرائدة في السياحة العالمية.
اقرأ أيضاًشراكة استراتيجية بين الاتحاد العربي للتطوير واتحاد المستثمرين لدعم الاقتصاد العربي
خبراء يجتمعون بالاتحاد العربي للتطوير والتنمية لرسم ملامح المجلس الإنمائي لريادة الأعمال الأفروعربية
الاتحاد العربي للتطوير والتنمية يُشكل الأمانة العامة لعام 2025 ويكلفها بإدارة الملفات الاستراتيجية