فاجعتان في غرب العالَم العربي خلَّفتا آلاف الضحايا وأضعافهم من الذين أصبحوا بلا مأوى، بزلزال مدمِّر في مراكش بجنوب المغرب وعواصف وسيول في درنة وغيرها بشرق ليبيا، سبَّبتا حالة من الحزن العامِّ في أرجاء المنطقة. ورغم أنَّ الأحداث لا تزال ساخنة والقلوب بعدها دامية من الألَم والأسَى، إلَّا أنَّ استخلاص الدروس مُهمٌّ تحسُّبًا لتكرار تلك الكوارث الطبيعيَّة التي زادت وتيرتها وحدَّتها في الأوان الأخير.
قَدْ يوصف كُلُّ ذلك بأنَّه أذى الطبيعة لسكَّان الأرض، لكنَّ الطبيعة غالبًا ما تُحقِّق التوازن بغَضِّ النظر عن الأضرار. وما جهد البَشَر في محاولة تطويع الطبيعة إلَّا إخلال بذلك التوازن أحيانًا. هذا ما يحدث فيما يتعلَّق بالتغيُّرات المناخيَّة التي يُسبِّبها الإنسان بانبعاثات الغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري، وغير ذلك من النشاطات التي تخلُّ بالتوازن الطبيعي مِثل إنتاج النفط والغاز الصخري في أميركا الشماليَّة وبريطانيا والذي يُسبِّب الزلازل بشكلٍ مباشر. أمَّا الحرائق التي تزيد قوَّتها وأضرارها والأمطار والسيول والعواصف فهي نتاج مباشر لتغيُّر المناخ. فالعاصفة دانيال التي ضربت ليبيا هي عاصفة موسميَّة، لكن لَمْ يحدُثْ أن أدَّت إلى وفاة الآلاف وطمر مُدُن بالكامل كما حدَث قَبل أيَّام. حتَّى الزلازل التي ضربت نيويورك وما حَوْلَها في الولايات المُتَّحدة هذا العام لَمْ تكُنْ بالقوَّة والأضرار كما حدَث في المغرب قَبل أيَّام وقَبل ذلك في سوريا وتركيا. ولعلَّ تلك هي ما تُسمَّى «العدالة المناخيَّة» التي تصاعد الحديث عَنْها في مؤتمر المناخ العالَمي، كوب 27، العام الماضي في مصر، ولا شكَّ ستكُونُ أكثر حضورًا في مؤتمر «كوب 28» في الإمارات. تلك العدالة التي يقصد بها أنَّ الدوَل الكبرى الغنيَّة مسؤولة عن أكثر من ثلاثة أرباع التلوُّث البيئي المُسبِّب للتغيُّر المناخي، بَيْنَما تُعاني بقيَّة دوَل العالَم بشكلٍ أكبر وأخطر من نتيجة تلك الأضرار. وذلك هو الأذى الأكبر الذي يُسبِّبه الإنسان وليس الطبيعة.
إذا كانت بقيَّة كوارث الطبيعة من عواصف وسيول وقَبلها الحرائق وغيرها مرتبطة بشكلٍ مباشر بارتفاع حرارة كوكب الأرض نتيجة انبعاث الغازات المُسبِّبة الاحتباس الحراري، فإنَّ الزلازل والبراكين ربَّما يصعب الربط بَيْنَها وبَيْنَ التغيُّر المناخي. فالزلازل تحدُث نتيجة تحرُّك الصفائح التكتونيَّة التي تُشكِّل الطبقة التالية من الكرة الأرضيَّة تحت قشرتها وفوق القلب الصلب للكرة. هذه الصفائح في حركة مستمرَّة وتُسمَّى المناطق ما بَيْنَ أطرافها «الفالق». يُحدِّد علماء الجيولوجيا 14 صفيحة كبرى تحت قشرة الأرض تتحرك بما بَيْنَ سنتيمترَيْنِ وعشرين سنتيمترًا سنويًّا. وحين تحتكُّ أطرافها أو تطغى فوق بعضها تحدُث الزلازل. يبدو علميًّا إذًا أنَّ الزلازل هي نتيجة عمليَّة جيولوجيَّة تحت سطح الأرض يصعب إثبات أنَّها تتأثَّر كثيرًا بما فوقها. لكن في السنوات الأخيرة مع تكرار الزلازل بشكلٍ غير معتاد في مناطق تحطيم الصخور لاستخراج النفط والغاز بدأت أبحاث العلماء تحاول الربط بَيْنَ الزلازل كظواهر طبيعيَّة والتغيُّرات فوق سطح الأرض وربَّما في مجالها الجوِّي أيضًا.
لوحظ أيضًا أنَّ الزلازل تكثر في منطقة الهيملايا في فصل الشتاء، ولا تحدُث في وقت موسم المونسون حيث الأمطار الكثيفة تثبت قشرة الأرض. وممَّا يثبِّت قشرة الأرض بالضغط القوي عليها أيضًا جبال الجليد التي أخذت في الذوبان بكثافة في السنوات الأخيرة نتيجة التغيُّر المناخي. وهناك أبحاث الآن تربط بَيْنَ تخفيف الضغط على قشرة الأرض وزيادة تحرُّك الصفائح التكتونيَّة تحتها بما يزيد من احتمالات الزلازل، وكذلك قوَّتها عِنْد كُلِّ فالق. هذا فضلًا عن أنَّ ذوبان الجليد يؤدِّي إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات ما ينقل الضغط على قشرة الأرض من منطقة إلى أخرى. تلك الاختلالات الطبيعيَّة ناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، بالإضافة إلى نشاطات بَشَريَّة أخرى تُسبِّب أضرارًا للتوازن الطبيعي. والنتيجة أنَّ الظواهر الموسميَّة أصبحت أكثر حدَّة وتحدُث بوتيرة أسرع. ومع استمرار ضغط البَشَر على المناخ تتسع هوَّة الاختلال الطبيعي في غلاف الكرة الأرضيَّة ويزيد الضرر على قشرة الأرض فيؤدِّي بِدَوْره إلى مزيدٍ من الكوارث الطبيعيَّة من باطن الأرض كالزلازل والبراكين.
ربَّما يكُونُ الإثبات العلمي ليس كافيًا بعد للربط بَيْنَ زيادة عدد الزلازل وحدَّتها، وبالتَّالي أضرارها بالتغيُّرات المناخيَّة. إلَّا أنَّ المؤشِّرات تبدو قويَّة حاليًّا. وحتَّى إذا ردَّ بعض المُنكرين أصلًا للتغيُّر المناخي وأضراره فإنَّ العواصف والسيول التي تدمِّر المُدُن بكاملها وتودي بحياة الآلاف من البَشَر هي نتيجة مباشرة لاختلال المناخ. ولعلَّ ذلك كافٍ حتَّى الآن، قَبل أن نشهدَ كوارث أكثر، للتعامل بجديَّة مع أسباب التغيُّرات المناخيَّة.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ر المناخی ر المناخ العال م الب ش ر ة التی التی ت
إقرأ أيضاً:
200 مليون ريال استثمارات لإنتاج الملح الطبيعي في الوسطى
مسقط- الرؤية
وقعت وزارة الطاقة والمعادن، الأحد، اتفاقية امتياز تعديني مع الشركة العالمية المتكاملة للهندسة في منطقة الامتياز رقم I-51 بمحافظة الوسطى، حيث تبلغ مساحتها 15 كيلومتر مربع. وقع الاتفاقية نيابة عن حكومة سلطنة عمان معالي المهندس سالم بن ناصر العوفي وزير الطاقة والمعادن، ومن جانب الشركة العالمية المتكاملة للهندسة الشيخ علي بن سليم الجنيبي رئيس مجلس إدارة الشركة.
وتهدف الاتفاقية إلى زيادة الطاقة الإنتاجية لمركبات الأملاح من المصنع القائم حاليًا، وإنشاء مصانع أخرى لزيادة كميات الإنتاج من الملح الطبيعي، بطاقة إنتاجية تقدر بـ 1,200,000 طن سنويًا عن طريق استخراج الملح من المنطقة بواسطة إقامة أحواض لتخزين مياه البحر ثم تبخيرها طبيعيا بفعل عوامل الرياح والحرارة الشمسية، ليتم بعدها تجفيف الملح وتكريره وتنقيته وتعبئته، حيث تبلغ القيمة الاستثمارية المتوقعة 200 مليون ريال عماني.
أكد معالي المهندس سالم بن ناصر العوفي، وزير الطاقة والمعادن، أن هذا المشروع يمثل خطوة استراتيجية مهمة تسهم بفعالية في دفع عجلة التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان، وأوضح معاليه أن المشروع يتوقع أن يُسهم في توفير العديد من فرص العمل للمواطنين العمانيين، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي هو تعزيز إنتاج الملح الطبيعي وتطوير مشتقاته الصناعية لاستخدامها في مشاريع متنوعة تدعم مسيرة التنمية المستدامة، وأشار معاليه إلى أن هذا المشروع يمثل ثالث المشاريع الموقعة لإنتاج ملح البحر في سلطنة عمان، وذلك في إطار جهود الوزارة لتعزيز الصناعات المحلية والاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية، وتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة.
واشار الشيخ علي بن سليم الجنيبي رئيس مجلس إدارة الشركة العالمية المتكاملة للهندسة أن حصولنا حقوق الإمتياز رقم I-51 بمحافظة الوسطى سوف يسهم في تحقيق رؤيتنا في رفع الطاقة الانتاجية للمصنع الى مليون طن سنويا والتي من المتوقع ان تلبي احتياج السوق المحلي واحتياج الصناعات التحويلية القائمة حاليا والتي هي قيد الإنشاء ضمن المشاريع الاقتصادية لرؤية عمان 2040 ، كذلك سوف نعمل على إنتاج مشتقات متعددة من الاملاح التي يحتاجها السوق المحلي والاسواق العالمية، وخاصة تلك المنتجات التي تدخل في الصناعات الغذائية والاعلاف وكذلك في الصناعات الدوائية.
واكد الشيخ علي بن سليم الجنيبي أن هذه الإتفاقية هي تعزيز لتوجهات الحكومة في توطين الصناعات المحلية والاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية، والتقليل من الإعتماد على المنتجات المستوردة، كل ذلك ينصب في رفع اداء منظومة الاقتصاد الوطني، والذي سينعكس على إيجاد وظائف متعددة للكوادر الوطنية وأعمال جزئية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.