قبل سبعة قرون مضت كانت طرق التجارة البحرية التي تمتد من ساحل اليابان إلى البحر الأحمر تعجُّ بسفن الداو العربية والجنك الصينية والجونغ الجاوية الناقلة للسيراميك والمعادن الثمينة والأنسجة حول المنطقة. وفي مركزها ازدهرت محطة تجارية اسمها سنغافورا. لم يختل أداء هذه الشبكة التجارية الضخمة داخل آسيا إلا بوصول البحارة من الإمبراطوريات الأوروبية الصاعدة وظهور أسواق نائية للسلع الآسيوية.

اليوم هنالك إعادة هيكلة أخرى لهذه التجارة.

إحياء التجارة البينية

نموذج "آسيا المصنع" الذي تحولت به القارة في أواخر القرن العشرين إلى مصنع ضخم ينتج سلعا للمستهلكين الأمريكيين والأوروبيين أتاح ازدهارا مذهلا للصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. في عام 1990 كان يتم تداول حوالي 46% فقط من تجارة آسيا داخل القارة فيما تتدفق كميات هائلة من السلع إلى الغرب. لكن بحلول عام 2021 ارتفع هذا المعدل إلى 58% مقتربا من المستويات الأوروبية التي تصل إلى 69%. أدى تعاظم التجارة الإقليمية إلى ازدياد التدفقات الرأسمالية أيضا مما قاد إلى تمتين الروابط بين بلدان آسيا. وظهرت حقبة جديدة للتجارة الآسيوية ستعيد تشكيل المستقبل الاقتصادي والسياسي للقارة.

بدأت هذه الحقبة مع نمو سلاسل توريد متقدمة تمركزت أولا في اليابان في أعوام التسعينات ثم في الصين لاحقا. وسرعان ما شرعت السلع الوسيطة (وهي المكونات التي ستصبح في نهاية المطاف جزءا من السلع الجاهزة) في الانتقال عبر الحدود بكميات كبيرة. وأعقبها الاستثمار الأجنبي المباشر. فالمستثمرون الآسيويون يملكون الآن 59% من هذا الاستثمار في آسيا إذا استبعدنا المراكز المالية في هونج كونج وسنغافورة وذلك مقارنة بحوالي 48% في عام 2010. وفي الهند وإندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان ارتفعت حصة الاستثمار الأجنبي المباشر من آسيا بأكثر من 10% إلى ما بين 26% و61%.

بعد الأزمة المالية العالمية 2007-2008 أصبحت العمليات المصرفية العابرة للحدود "أكثر آسيوية." فقبل حلول الأزمة كانت البنوك المحلية تمول أقل من ثلث القروض الخارجية (إقراض ما وراء البحار) في المنطقة. وهي الآن تقرض أكثر من النصف مستفيدة في ذلك من انسحاب الممولين الغربيين. قادت بنوك الصين الحكومية الضخمة هذا التحول. فالقروض الخارجية لبنك الصين الصناعي والتجاري زادت بأكثر من الضعف في الفترة بين 2012 والعام الماضي إلى 203 بليون دولار. أيضا تمددت بنوك اليابان الكبرى إلى الخارج تجنبا لهوامش الربح المحدودة في الداخل. وكذلك البنك المتحد لما وراء البحار السنغافوري والمؤسسة المصرفية الصينية لما وراء البحار. وجود الحكومات الغربية تضاءل أيضا. ففي استطلاع لآراء باحثين ورجال أعمال وواضعي سياسات من جنوب شرق آسيا أجراه مؤخرا معهد آي إس إي أيه إس - يوسف اسحق في سنغافورة (معهد دراسات جنوب شرق آسيا سابقا) يعتقد 32% منهم أن الولايات المتحدة هي القوة السياسية الأكثر نفوذا في المنطقة. لكن 11% فقط قالوا إنها القوة الاقتصادية الأكثر نفوذا هناك. الاستثمار الذي تقوده الدولة والقادم من الصين لباقي بلدان القارة الآسيوية بموجب مبادرة الحزام والطريق اجتذب الاهتمام. لكن المساعدات الرسمية والاستثمار المدعوم بتسهيلات حكومية من اليابان وكوريا الجنوبية يتزايد أيضا. ومن المرجح أن تتسارع هذه التحولات. وفي مواجهة العلاقات المتدهورة بين أمريكا والصين تتطلع الشركات التي تعتمد على المصانع الصينية إلى بدائل في الهند وجنوب شرق آسيا. في ذات الوقت قليلون هم رؤساء الشركات الذين يتوقعون التخلي عن الصين تماما. وهو ما يعني أنه ستكون هنالك حاجة لسلسلتي توريد منفصلتين في آسيا إلى جانب مضاعفة بعض الاستثمارات. وستعجل الصفقات التجارية ذلك. أشارت دراسة نشرت في العام الماضي إلى أن "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" وهي معاهدة عريضة لكنها ليست عميقة أبرمت في عام 2020 ستزيد الاستثمار في المنطقة. بالمقارنة وكنتيجة لتخلي أمريكا عن اتفاقية "عبر المحيط الهادي التجارية" في عام 2017 ليست هنالك فرصة تذكر في توافر إمكانية أكبر للشركات الآسيوية للتصدير إلى السوق الأمريكية.

الحاجة إلى تأسيس سلاسل توريد جديدة تعني أن النقل واللوجستيات مجال آخر ربما يشهد ازدياد الاستثمار الآسيوي الداخلي، حسبما تشير سابيتا براكاش المدير العام لشركة الائتمان الخاصة "أيه دي إم كابيتال."

مطابقة المستثمرين الباحثين عن دخل مضمون مع مشروعات تبحث عن تمويل (وتلك رسالة شركات الائتمان الخاصة من شاكلة أيه دي إم كابيتال) ظلت هواية مربحة في آسيا. ومن المرجح أن تكون أكثر جاذبية. لقد زاد حجم سوق الائتمان الخاص في جنوب شرق آسيا والهند بنسبة 50% في الفترة بين 2020 و2022 إلى 80 بليون دولار تقريبا. أيضا يتجه مستثمرون آخرون إلى مشروعات البنية التحتية. فصندوق الثروة السيادي السنغافوري (جي آي سي) الذي يدير قسما من الاحتياطيات الأجنبية لسنغافورة ينفق بسخاء على إنشاء المرافق اللازمة لسلاسل التوريد الجديدة. التغيير في المدخرات والتركيبة السكانية الآسيوية سيسرِّع التكامل الاقتصادي أيضا. فالصين وهونج كونج واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان انضمت إلى صفوف مستثمري ما وراء البحار وأصبحت من بين أكبر المستثمرين في العالم. اقتصادات هذه البلدان الأكثر ثراء والأقدم في آسيا صدرت أحجاما لافتة من رؤوس الأموال إلى أجزاء القارة الأخرى. وتدفقت الأموال النقدية عبر الروابط التجارية التي تأسست حديثا. في عام 2011 استثمرت بلدان الاقتصادات الأقدم والأكثر ثراء في آسيا حوالي 329 بليون دولار بقيمة اليوم في بلدان الاقتصادات الأحدث والأفقر كبنجلاديش وكمبوديا والهند وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند. وبعد عشرة سنوات لاحقا ارتفع ذلك الرقم إلى 698 بليون دولار.

تدفقات تجارة طريق الحرير

يقول راجو نارين، مسئول الاستثمار ببنك ناتِكسيس "التوسع الحضري لايزال مستمرا في الهند وجنوب شرق آسيا ورأس المال يتبع خطى هذه التحولات." لا يقتصر الأمر فقط على حاجة المدن الكبيرة إلى الاستثمار في البنية التحتية ولكن الشركات الجديدة الأفضل ملاءمة للحياة الحضرية يمكن أن تزدهر. وحسب نارين نشاط الاندماج والاستحواذ (بين الشركات) عبر الحدود في آسيا يتغير ويصبح أكثر شبها بما يوجد في أوروبا وأمريكا الشمالية. وفيما تباطأت الصفقات من وإلى الصين بقدر كبير أصبح الاندماج والاستحواذ أكثر شيوعا في غيرها من بلدان المنطقة. فالبنوك اليابانية في مواجهة تدني أسعار الفائدة وتباطؤ نمو الاقتصاد المحلي متلهفة إلى عقد الصفقات. وخلال العام الماضي سارعت مجموعة سوميتومو ميتسوي المالية ومجموعة ميتسوبيشي يو اف جيه المالية إلى شراء شركات مالية اندونيسية وفلبينية وفيتنامية.

في الأثناء جعل تزايدُ الاستهلاك الآسيوي الاقتصاداتِ المحلية أكثر جاذبية كأسواق. ففي حين تحصل أوروبا 70% أو نحو ذلك من السلع الاستهلاكية من أسواقها المحلية تحصل آسيا على 44% فقط. ومن المرجح أن يتغير ذلك. فمن جملة 113 مليون مستهلك من المتوقع انضمامهم في العام القادم إلى طبقة المستهلكين العالمية (التي ينفق أفرادها 12 دولارا في اليوم على أساس تعادل القوة الشرائية بقيمة الدولار في عام 2017) سيوجد 91 مليون منهم في آسيا، حسب بيانات شركة الأبحاث "وورلد داتا لاب." وفي حين يتباطأ نمو الدخل الصيني بعد عقود من التوسع إلا أنه سيتسارع في بلدان أخرى. فمن المتوقع أن تشهد أكبر خمس اقتصادات في كتلة الآسيان الإقليمية هي اقتصادات اندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند ارتفاعا في وارداتها بنسبة 5.7% سنويا في الفترة من عام 2023 إلى 2028. وهذه أسرع وتيرة يشهدها نمو الواردات في أية منطقة. أنماط التجارة الإقليمية هذه من شأنها أن تمثل عودة إلى وضع أكثر عادية. فنموذج التصدير إلى شتى أرجاء العالم والذي نقل مستويات المعيشة في العالم المتقدم إلى أجزاء واسعة من آسيا وشجع على قدوم الاستثمار من أصقاع نائية كان نتاجا لظروف تاريخية فريدة.

كميات السلع التي تذهب من المدن الصناعية في القارة إلى أمريكا أكبر بكثير مما يمكن توقعه قياسا إلى الحجم النسبي لأسواق صادراتهما ووارداتهما والمسافة بينهما. وفي الواقع تشير ورقة أعدها معهد الأبحاث الاقتصادية لكتلة الآسيان وشرق آسيا إلى أن صادرات الآلات من شمال شرق وجنوب شرق آسيا إلى أمريكا الشمالية في عام 2019 كانت أكثر من ضعف ما يمكن أن يوحي به هذان العاملان. العلاقات التجارية الوثيقة ستعزز الروابط بين دورات الأعمال في الاقتصادات الآسيوية على نحو أشد متانة. وعلى الرغم من استمرار استخدام الدولار في المعاملات العابرة للحدود وولع المستثمرين الآسيويين بالبورصات الغربية توصلت دراسة أجراها بنك التنمية الآسيوي في عام 2021 إلى أن الصدمات الاقتصادية في الصين أكثر تأثيرا على الاقتصادات الآسيوية من تلك التي تحدث في الولايات المتحدة. لقد كان ذلك واضحا في الشهور الأخيرة مع تأثر المصدرين في كوريا الجنوبية وتايوان بتعثر التجارة الصينية. ويعني تزايد التجارة ليس فقط في السلع الوسيطة ولكن أيضا في السلع النهائية الجاهزة للاستهلاك أنه سيكون هنالك المزيد من الانسجام بين عملات القارة وقرارات سياساتها النقدية. ستترتب عن ذلك تداعيات سياسية. فأمريكا ستحتفظ بنفوذها في مجال الأمن الآسيوي. لكن أهميتها الاقتصادية ستنحسر. وسيكون رجال الأعمال وواضعو السياسات المحليون أكثر اهتماما وترحيبا بجيرانهم وليس بالزبائن البعيدين والبلدان النائية. ومع استمرار تشييد المصانع المحلية ونمو الاستهلاك وتعاظم مدخرات كبار السن المتزايدة أعدادهم والذين يبحثون بشدة عن مشروعات تحتاج للتمويل سيظل المجال متاحا للمزيد من التكامل الإقليمي بين بلدان آسيا. وسيكون العهد الجديد للتجارة الآسيوية أكثر تركيزا على الداخل وأقل توجها نحو الغرب. وستكون القارة نفسها كذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وکوریا الجنوبیة شرق آسیا فی آسیا أکثر من فی عام

إقرأ أيضاً:

قمم الخليج.. تكامل المصالح وتوافق الرؤى

البلاد (الرياض)
على امتداد أكثر من أربعة عقود، لم تكن القمم الخليجية مجرد اجتماعات دورية تجمع قادة دول مجلس التعاون، بل أصبحت محطات تاريخية تُعمّق الروابط الأخوية، وتؤسس لعمل مشترك يقوم على وحدة الهدف والمصير المشترك، ويستند إلى إرث طويل من التلاحم المجتمعي والتاريخي والثقافي الذي وحّد شعوب المنطقة قبل نشأة المجلس ذاته، وأثبتت هذه القمم أن وحدة القرار الخليجي لم تكن يومًا استجابة ظرفية، بل ثمرة وعي سياسي رسّخ قناعة مشتركة بأن استقرار المنطقة وازدهارها لا يتحققان إلا بتماسك الصف وتكامل السياسات.

ومنذ انعقاد القمة الأولى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تَشكّلَ نهج ثابت يقوم على الحوار، وتوحيد الرؤى، ومعالجة التحديات الإقليمية والدولية برؤية مشتركة، وتبني سياسات متوازنة تحفظ الأمن والاستقرار وتعزز التنمية، ومع اقتراب القمة السادسة والأربعين المقرر عقدها اليوم الأربعاء في مملكة البحرين، تتجدد ملامح هذا النهج، مؤكدة أن مجلس التعاون أحد أكثر التجارب الوحدوية قدرة على الثبات والاستمرار والتأثير، رغم التحولات المتسارعة في المنطقة والعالم.

وتأتي مشاركة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزارء –حفظه الله- في أعمال الدورة الـ46، امتدادًا لجهود المملكة الرامية لتعزيز العمل الخليجي المشترك، وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- التي أقرها قادة دول المجلس في عام 2015م؛ لتصبح محطة تحول بارزة في مسيرة العمل الخليجي المشترك، إذ وضعت الرؤية إطارًا شاملًا لتعزيز التكامل في مختلف المجالات، خاصة الدفاعية والأمنية والاقتصادية، وأعادت تنظيم مسارات التعاون، ورفعت من مستوى التنسيق بين الدول الأعضاء، وأسهمت في تعزيز فاعلية المجلس وقدرته على الاستجابة للتحديات المستجدة.

وتعكس القمم المتعاقبة منذ تأسيس المجلس عام 1981م تطورًا مستمرًا في الهياكل المؤسسية، وبناء شراكات اقتصادية وعسكرية وأمنية، وإطلاق مشروعات تكاملية حققت للمجلس حضورًا مؤثرًا في محيطه الإقليمي والدولي، وأسهمت هذه القمم في تعزيز مرتكزات الاقتصاد الخليجي، ودعم الاتحادات الجمركية، وتسهيل الحركة التجارية والتنقل بين الدول الأعضاء، إضافة إلى مشروعات الربط الكهربائي، والموافقة على إنشاء هيئة السكك الحديدة لربط الدول الأعضاء، وتسهيل الحركة التجارية وتنقل السكان، وإنشاء شركة المدفوعات الخليجية، والربط بين البنوك المركزية الخليجية، وإنشاء وتطوير المجلس الصحي الخليجي، والمركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، وإصدار القوانين الموحدة المتعلقة بسلامة الأغذية.

وفي الجانب السياسي، شكَّلت القمم الخليجية إطارًا موحدًا للتعامل مع القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأزمات العربية، والتحولات الدولية التي تستدعي مواقف مشتركة تحفظ الأمن الإقليمي وتدعّم الاستقرار، وبرز هذا الدور خلال سلسلة من القمم التي تناولت قضايا الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والتصدي للتدخلات الخارجية، والدفع نحو حلول سياسية للأزمات، مع الالتزام بثوابت السياسة الخليجية القائمة على احترام القانون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم الحوار والحلول السلمية.

وشكّلت القمم منذ بداية الألفية الجديدة مساحةً للعمل الاقتصادي المشترك، حيث طُوّرت الاتفاقيات، ووُحّدت الإجراءات الجمركية، وعُزّزت السوق الخليجية المشتركة، وأُقرت تسهيلات واسعة أمام تنقل المواطنين، ووُسّع نطاق الأعمال والاستثمارات بين الدول الأعضاء، بما ساعد على بناء بيئة اقتصادية موحدة تتعامل مع المتغيرات العالمية بكفاءة ومرونة.

وتجلّت آثار هذه الرؤية في القمم اللاحقة، التي أكدت تعميق التكامل الدفاعي عبر تفعيل القيادة العسكرية الموحدة، والارتقاء بالعمل الأمني المشترك، وتطوير آليات تبادل المعلومات، ودعم الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب والتطرف وتمويله، إضافة إلى توسيع التعاون الدولي، وإطلاق شراكات إستراتيجية مع الدول الكبرى والمجموعات الإقليمية؛ بما يعزز مكانة المجلس المحورية في حفظ الأمن والسلم الدوليين.

ومن أبرز المحطات التي رسخَّت هذا النهج ما شهدته القمة الحادية والأربعون التي عُقدت بالعُلا يناير 2021م، وأعادت التأكيد على وحدة الصف الخليجي، وأطلقت مرحلة جديدة من التعاون الشامل، وجاء بيان القمة ليعزز التكامل العسكري، ويدعم الشراكات الدولية، ويفتح آفاقًا أوسع للتعاون الاقتصادي، ويضع إستراتيجيات واضحة للتعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية، وهو ما انعكس على مسيرة المجلس في السنوات التالية.

فيما أكَّدت القمة الثانية والأربعون بالرياض في ديسمبر 2021م مجددًا، قوة المجلس ووحدة الصف، ودعمت المبادرات البيئية والتنموية، وفي مقدمتها “السعودية الخضراء”، و”الشرق الأوسط الأخضر”، إلى جانب تعزيز التكامل في الشراكات الإستراتيجية، وتأكيد الالتزام برؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، والتشديد على مواجهة التحديات الأمنية وتطوير العمل العسكري المشترك.

وتحققت خلال الدورة الـ42 برئاسة المملكة العديد من النتائج المهمة في تنمية التبادلات التجارية مع أبرز الشركاء التجاريين لدول المجلس، ومن ذلك تعزيز مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة لمجلس التعاون مع المملكة المتحدة، والصين، وكوريا، والهند، وأستراليا، ونيوزلندا، وإيجاد بيئة تجارية مفتوحة تقوم على القواعد التجارية العالمية.

أما القمة الثالثة والأربعون التي عُقدت في العاصمة الرياض عام 2022م؛ فجاءت لتؤكد التزام الدول الأعضاء بسياسات تنويع الاقتصاد، وتعزيز التكامل الاقتصادي، ودعم استقرار أسواق الطاقة، والمضي في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-؛ لتحقيق الوحدة الاقتصادية، والمنظومة الدفاعية، والأمنية المشتركة، مع توجيه الأجهزة المعنية بمضاعفة الجهود لاستكمال مراحل التنفيذ.

وجدّد قادة دول المجلس، في دورتهم الرابعة والأربعين بالدوحة في ديسمبر 2023م، موقفهم الثابت تجاه القضايا العربية والإسلامية، معبّرين عن قلقهم البالغ من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ومؤكدين إدانتهم عمليات القصف والتهجير وتدمير المنشآت المدنية في غزة، بوصفها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.

وفي العام الماضي، استضافت دولة الكويت القمة الخليجية الخامسة والأربعين، التي شكّلت امتدادًا للمسار المتصاعد في تفعيل العمل المشترك وتعزيز دور المجلس على الساحة الدولية، وأكدت القمة مواصلة تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وتطوير آليات التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والدفاع والطاقة، وتوسيع الشراكات الإستراتيجية مع القوى العالمية، ودعم الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل المستجدات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم.

وإيمانًا برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- ودورها المحوري في تحقيق التكامل بين دول المجلس، أسهمت المملكة بشكل فاعل في إنجاح الرئاسة الكويتية لأعمال الدورة الـ45 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حرصًا منها على تفعيل الشراكة مع دول المجلس بما يحقق أولويات العمل الخليجي المشترك.

وعمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تطوير وتعزيز الحوارات والعلاقات والشراكات الإستراتيجية مع كبرى دول العالم حيث يُجري المجلس حوارات منتظمة مع نحو 16 دولة ومنظمة إقليمية، أبرزها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، والاتحاد الأوروبي، ورابطة دول الآسيان.
ومع انعقاد القمة السادسة والأربعين في مملكة البحرين، ترتكز دول المجلس على رصيد ممتد من الإنجازات، وعلى تجربة تراكمية أثبتت قوتها وصلابتها، وقدرتها على مواكبة التحديات وتطوير أدوات العمل الجماعي، وتمثّل القمة مناسبة لتعزيز ما تحقق، وتحديد أولويات المرحلة المقبلة، خصوصًا في ملفات التكامل الاقتصادي، والأمن الإقليمي، والطاقة، والمناخ، وتنمية الشراكات الدولية، بما يلبّي تطلعات شعوب دول الخليج نحو مزيد من الازدهار والاستقرار.

وعكست مسيرة القمم الخليجية، منذ التأسيس حتى اليوم، ثبات الإرادة السياسية لقادة دول مجلس التعاون؛ لتؤكد أن وحدة الصف واستشراف المستقبل ركيزتان جوهريتان في بناء منظومة إقليمية متماسكة، قادرة على الاستمرار والتطور، ومهيّأة لمواجهة تحولات العالم ومتغيراته، ومع كل قمة جديدة، تتجدد هذه الإرادة، ويُعاد التأكيد على أن مجلس التعاون سيظل -بإرثه ومؤسساته وإنجازاته- أحد أهم النماذج الوحدوية في المنطقة العربية، وحاضنًا لطموحات شعوب الخليج في الأمن والتنمية والازدهار.

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • «المشاط»: النقل واللوجستيات من أكثر القطاعات مساهمة في النمو بدعم التطور الكبير في القطاع منذ 2014
  • مكافأة 10 ملايين دولار.. من هي حسناء إيران التي تبحث عنها أمريكا (فيديو)
  • البنك الدولي: الإمارات والسعودية تقودان نمو اقتصادات الخليج في 2025
  • "KKR" تكثّف حضورها في الشرق الأوسط مدفوعة بقوة اقتصادات الخليج ونمو الاستثمارات
  • المشاط: النقل واللوجستيات من أكثر القطاعات مساهمة في النمو منذ 2014
  • من أمريكا والمكسيك.. عودة أكثر من 500 مواطن فنزويلي جوًّا إلى بلادهم 
  • رئيس اقتصادية قناة السويس يستعرض فرص الاستثمار أمام كبرى الشركات العالمية في أمريكا
  • قمم الخليج.. تكامل المصالح وتوافق الرؤى
  • ختام «قمة الأولوية – آسيا».. تعزيز النمو الاقتصادي والتكنولوجيا العالمية
  • وزير الاستثمار: إمكانيات مصر تؤهلها لتكون جسر لوجستي وتجاري يربط آسيا بأفريقيا