خطيب الأزهر: التراحم قضية الإسلام الأولى لتأسيس الحياة الكريمة
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
ألقى خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر الشريف ، الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني، لمجمع البحوث الإسلامية، ودار موضوعها حول "صفة الرحمة في القرآن الكريم والسنة".
وقال الدكتور محمود الهواري، إن الله عز وجل اختصر رسالة النبي ﷺ في قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، فالمتأمل لقيمة الرحمة يجد أنها مركزية بين الأخلاق، بل هي جامعة الأخلاق، فالإنسان يرحم فيُكرم، ويرحم فيعفو، ويرحم فيعين غيره، وهكذا، حتى ذكر أبو البقاء الكفوي في كتابه الكليات أربعة عشر معنى للرحمة، وعند تأمل هذه القيمة الكريمة وكيف ترجم لها القرآن الكرم، سنجد أنَّ أول ما يلفت الأنظار في كتاب رب العالمين أنه مفتتح بالبسملة، وأن كل سوره باستثناء سورة التوبة قد صُدِّرت بالبسملة، وأن في البسملة صفتين من صفات الله تعالى هما: الرحمن الرحيم، على ما بينهما من تقارب في المعنى.
وتابع خطيب الجامع الأزهر أنه كان من الممكن أن يجمع الله مع صفة الرحمة صفة أخرى من صفاته كالعظيم أو الحكيم أو السميع أو البصير - ولله الأسماء الحسنى- ، أو أن يجمع مع الرحمة صفة أخرى تحمل معنى آخر يحقق التوازن حتى لا تطغى صفة الرحمة، وذلك مثل الجبار أو المنتقم أو القهار، ولكن كأن الجمع بين هاتين الصفتين المتقاربتين في بداية كل سورة يشير إلى أن الرحمة مُقدَّمَة على كل الصفات الأخرى، وأن التخلق بالرحمة هو الأصل الذي لا ينبغي أن يغيب عن أهل الإيمان.
وأضاف د. الهواري: لقد انفردت صفة الرحمة في القرآن بالصدارة، وبفارق كبير عن أي صفة أخلاقية أخرى، فبينما تكررت صفة الرحمة بمشتقاتها ثلاثَمائة وخمسَ عشرةَ مرةً، جاءت الصفات الأخرى دون هذا العدد، وهذا كتاب الله الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وجاءت السنة لتحول الرحمة من معنى مطلق إلى تراحم عملي، ولم تقصره على فئة من الناس بل أمرت السنة أن يكون تراحما عاما، حتى إنه ﷺ قال محفِّزًا ومرغِّبًا على التَّخَلُّقِ بهذا الخُلُقِ وتلك القيمة النبيلة: «لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ»، موضحا أن كلمة الناس لفظة عامَّة تشمل كُلَّ أَحَدٍ، دون اعتبارٍ لجنس أو دين، وقد أقسم الرسول ﷺ في حديث آخر قائلاً: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلاَّ عَلَى رَحِيمٍ». قالوا: يا رسول الله، كلنا يرحم، قال: «لَيْسَ بِرَحْمَة أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ؛ يَرْحَمُ النَّاسَ كَافَّةً»، فكانت الرحمة التي يخاطب بها الإسلام أهله أن يرحم الإنسان عامة الناس، فلا تقف عند دين ولا جنس، بل هي رحمة تتجاوز الإنسان بمختلف أجناسه وأديانه إلى الحيوان الأعجم، إلى الدواب والأنعام، وإلى الطير والحشرات! فقد أعلن النبي ﷺ أن امرأة دخلت النار لأنها قَسَتْ على هِرَّةٍ ولم ترحمها، فقال صلى الله عليه وسلم: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا؛ فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ».
وأضاف خطيب الجامع الأزهر: أعلن صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى غفر لبغي تحرَّكَتِ الرحمة في قلبها نحو كلب! فقال صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»، وإننا لنتساءل وما يضر لو ماتت هرة من الجوع أو مات كلب من العطش، ثم ما قيمة كلب ارتوى إلى جانب جريمة زنا؟! .
ولفت إلى أن القضية ليست في هرة أطلقت من قيدها وأطعمت، أو في كلب سقته بغي من البغايا أو حتى صالحة من الصالحات، إنما القضية فيما وراء هذا الفعل، في القلب الذي يحيا به الإنسان هل امتلأ رحمة أو قسوة، والتي على ضوئها تأتي أفعاله وأعماله، ومدى أثرِ وقيمةِ ذلك في المجتمع الإنساني بصفة عامَّة، وهكذا تكون الرحمة في المجتمع الإسلامي.
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أنَّ التراحم ضرورة للمجتمعات وخاصة في زمن المادية، الذي غدت فيه المدن بلا قلوب، وغدا فيه الناس أجسادا بلا أرواح، فالرحمة والتراحم قضية الإسلام الأولى، ولذلك وصف بها أصحاب النبي ﷺ على كثرة ما لهم من صفات الخير، قال الله تعالى: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا"، فلم تقف الرحمة عند الأوامر النظرية بل كانت تطبيقا عمليا، وإن أفلاطون في جمهوريته والفارابي في مدينته الفاضلة وتوماس مور في مدينته الفاضلة الثانية اليوتوبيا، لم يصلوا إلى عشر معشار ما كان عليه المجتمع المسلم من تحقيق الأخلاق.
وشدد على أن التراحم ضرورة للمجتمعات وخاصة في زمن المادية واللذة والفردانية والأنانية، حتى أصبحت الرحمة التي تبُذل طوعا مجالا للتعجب، بل عرضة للسخرية، وحتى صارت مواقف الحياة التي توجب الأسى أو الشفقة أو الفرح والغبطة صارت مواطن توثيق لجلب مزيد من مكاسب الفيديوهات، وأما المشاعر فكبر عليها أربعا.
واختتم د. الهواري، حديثه بقوله: إن المجتمع الذي تتنحى فيه الرحمة عن أخلاق الناس مجتمع شقي، وأهله أشقياء، ولو أن التاريخ لم يحفظ لنا من الروايات ما يثبت أن الرحمة ممكنة وأن الرحمة تنقذ المجتمع لظلتوتنظيرا لا واقع له، فقد أورد البخاري أنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجامع الأزهر الرحمة فی
إقرأ أيضاً:
منها حُسن معاملة الزوجة.. خالد الجندي: هذه أفضل أنواع الرحمة في الحر الشديد
قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن شدة الحر في هذه الأيام يجب ألا تُقابل فقط بالتأفف أو الشكوى، بل يمكن أن تتحول إلى فرصة عظيمة لعمل الخير، ونيل الثواب من الله، مشيرًا إلى أن هذا التوقيت من العام يمكن أن يكون بابًا من أبواب الجنة إذا أحسن المسلم استغلاله بنيّة صافية.
إطعام الطيور وسقاية الحيواناتوأوضح الجندي، خلال برنامج «لعلهم يفقهون»، المذاع على قناة «dmc»، اليوم الخميس، أن مظاهر الرحمة تتجلى في أبسط الأفعال: كإطعام الطيور وسقاية الحيوانات، والتعامل بلطف مع الآخرين، والتخفيف عن من يعانون من حرارة الجو في الشوارع أو في البيوت، مشيرًا إلى أن النبي ﷺ أخبر أن امرأة دخلت الجنة لأنها سقت كلبًا كان يلهث من العطش.
وتابع: "عاوزك تفتكر إن مجرد طبق مياه تحطه على شباكك للعصافير، أو إناء تسيبه في الشارع للكلاب أو القطط، ممكن يكون سبب نجاتك، لأن ربنا غفور شكور".
الراحمون يرحمهم الرحمنوانتقل الشيخ الجندي إلى العلاقات داخل البيت، قائلًا: "كل زوج يتقي الله في زوجته، ويقدر تعبها في الأيام دي، ويتجاوز عن أي تقصير، ويحتسب الأجر عند الله، وأي زوجة تتقي الله في زوجها، اللي راجع من شغل ودرجة الحرارة نار، تتعامل معاه برفق، وتبتسم في وجهه، وتعدي عن الزعل والخلافات، لأن دي كلها صور من الرحمة، والراحمون يرحمهم الرحمن".
وأضاف: "لو كل واحد فينا بدأ بالرحمة في بيته، هنشوف انعكاس ده في الشارع، في الشغل، في كل مكان.. الرحمة مش محتاجة مال، أحيانًا مجرد كلمة طيبة، ابتسامة، أو دعوة صادقة بتفتح لك أبواب من الخير".
دعاء يدخل الجنة .. ردده يرزقك الله الفردوس الأعلى
دعاء التوبة النصوح بين الأذان والإقامة.. أفضل أوقات الاستغفار بعد الفجر
وأكد أن هناك أعمالًا صغيرة مثل توزيع زجاجات المياه الباردة على المارة، أو توفير مظلة في مكان انتظار، أو حتى دعاء صادق لشخص لا تعرفه، كلها يمكن أن تكون في ميزان الحسنات، قائلًا: "ادعي للناس اللي تقابلهم في الشارع، حتى لو ما تعرفهمش، لأن في ملك بيقول لك: ولك مثل ما دعوت له".
وتابع: "ربنا قال: اعملوا آل داوود شكرًا، وقال: وقليل من عبادي الشكور، خليك من القليل دول.. خلينا نضاعف الرحمة في كل مكان، ونحتسب الأجر في كل فعل، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا".
دعاء الحر مكتوب«اللهم أجرني من حر جهنم»، أو «اللهم أجرنا من النار، ومن عذاب النار، ومن كل عمل يقربنا إلى النار، وأصلح لنا شأننا بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفار»، ويجوز أن نقول في دعاء الحر بأن ندعو بغير ذلك من الأدعية التي يباح الدعاء بها عندما يحصُل للإنسان ما يقلقه أو يزعجه.
دعاء الحر الشديداللهم إنّي أسألك أن تُخفّف عنّا هذا الحر وأن تُبعد عنّا شدّة العطش، وتعفو عن زلّاتنا وتغفر لنا سيّئاتنا، وتجعلنا من المقبولين يا رب العالمين.
اللهم إنّا نستعيذ بك من حرّ جهنّم، ونسألك أن تُحرّم وجوهنا ووجوه آبائنا وأمهاتنا على النار، وأن تصرف عنّا الحرّ الشديد في الدنيا وترحمنا وتلطف بنا، وأن تتقبّل صيامنا ولا تؤاخذنا بزلّاتنا وهفواتنا يا كريم يا الله.
اللهم إنّك أنت القدير ونحن لا حول لنا ولا قوة، ندعوك يا إلهي ونرجوك ونتوسّل إليك بأن تُخفّف علينا ما نلقاه من الحر، فنحن الضعفاء وأنت القويّ يا الله نحن الفقراء وأنت الغنيّ يا رب.
دعاء النبي في الحر
«لا إله إلا الله،ما أشد حر هذا اليوم، اللهم أجرني من حر جهنم، قال الله عز وجل لجهنم: إن عبدًا من عبادي استجارني منك، وإني أشهدك أني قد أجرته».
دعاء الحر الشديد مكتوب
اللهم حرم علينا وعلى والدينا وأهلنا نار جهنم فإنا لا نقوى عليها.
يا رب نسألك الجنة وبرد الجنة ونسيم الجنة، ونعوذ بك من النار وعذاب النار وحر النار.
اللهم إنا نرجو رحمتك التي وسعت كل شيء اللهم نسألك خيرها ونعوذ بك من شرها.
اللهم هون حرارة الشمس على كل من خرج من بيته قاصدًا بابك متوكلًا عليك.