بنوك وشركات كبرى تبحث مع مدقّقيها تكلفة دخول… زمن الضرائب
تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT
يبدو أن الطريق لفرض ضرائب على الشركات الكويتية متعددة الجنسيات بات باتجاه واحد، فكل الإشارات سواء كانت حكومياً أو من الكيانات المعنية تفيد بتجاوز مرحلة الإقناع باعتبار أن الدفع محلياً أولى من الاقتطاع خارجياً.
وتأكيداً لذلك، كشفت مصادر مطلعة لـ«الراي» أن بنوكاً وشركات لديها أفرع خارجية انتقلت أخيراً إلى مرحلة الاستعداد والحسابات الدقيقة لدخول زمن الضرائب، خصوصاً بعد أن تقدمت الكويت رسمياً بطلب الانضمام إلى إطار مشروع قانون منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD»، ما يعني بدء العداد العكسي للتطبيق.
ويصح القول إن العنوان الأمثل للنقاشات المحاسبية المفتوحة حالياً هو «تحديد الأثر المادي للتطبيق الضريبي» أو باختصار كم تبلغ تكلفة تنفيذ الإجراء في ميزانيات السنوات المقبلة؟
سيناريوهات الأثر
وفي هذا الخصوص، أفادت المصادر بأن بنوكاً وشركات كبرى شكّلت فرق عمل من موظفيها الماليين بحثت مع مدققي حساباتها سيناريوهات الأثر المالي المتوقع في ميزانياتها جرّاء اقتطاع 15 في المئة من أرباحها محلياً كضرائب، وذلك تفادياً لدخولها نطاق مشروع قانون «OECD» الذي يفرض على الشركات متعددة الجنسيات ضرائب لا تقل عن 15 في المئة إذا بلغت إيرادات المجموعة الأم المعفية من دفع ضرائب في بلدانها 750 مليون يورو سنوياً.
وقالت المصادر إن شركات كويتية معنية بالضريبة الجديدة استعرضت مع مدققي حساباتها أخيراً توقعاتها لتكلفة الالتزام المحاسبي الجديد في ميزانياتها وذلك ضمن تحضيراتها لإعداد بياناتها المالية عن الربع الرابع من السنة المالية الحالية.
وبينت أن التوقعات المحاسبية التي تم تداولها أخيراً بين الشركات ومدققيها تشير إلى أن الحجز الضريبي المتوقع مبدئياً سيكون عبارة عن خانة تتكون من 6 أرقام، مشيرة إلى أن مشروع قانون المنظمة ينص على «ألا تقل الضريبة المدفوعة عن 15 في المئة»، والتوجه الحكومي لا يتضمن تطبيق نسبة أعلى عن الحد الأدنى.
وهذا يعني محاسبياً أن متوسط التكلفة المرجحة على الشركات الكويتية التي ستُدرج ضمن القاعدة الضريبية الجديدة ستكون مليونية، ومتفاوتة من شركة إلى أخرى، وغالباً ستتراوح سنوياً بين مليون إلى 70 مليون دينار، فيما يقدّر العدد المحتمل للشركات المشمولة بالضريبة بنحو 20 شركة وتشمل شركات حكومية متعددة الأسواق.
بيانات فصلية
وأكدت المصادر أنه من غير المقرر احتساب الضريبة الجديدة ضمن البيانات الفصلية عن ميزانية 2023، إذ تشير الترجيحات إلى إمكانية بدء التطبيق عن السنة 2024 وهو الأرجح أو عن 2025، منوهة إلى أنه لن تكون هناك ضريبة محتسبة عن بيانات 2023 إلا أنه يتعين التحضير محاسبياً للإجراء وتحديد أثره على معدل كفاية رأس المال وحجم الالتزام وتجنيب مخصصاته في الميزانية، مع تقدير حجم تكلفة التطبيق على صافي الأرباح.
تسليم وتحضير
ونتيجة حتمية لهذا الواقع، تحوّل النقاش لدى الشركات الكويتية التي تعمل بأسواق عدة، وهو المعنى التقني للشركات متعددة الجنسيات، إلى التسليم والتحضير محاسبياً لتطبيق القواعد الضريبية الجديدة، وهنا يمكن القول إن هناك مسائل عدة ينبغي العمل عليها، وإحدى أكثر المسائل الشائكة تحديد معدل الضرائب تفادياً للمفاجآت المحاسبية.
ولعل السؤال الأبرز الذي لا يزال يبحث عن أجوبة دقيقة يتعلق بكيفية احتساب هذه الضريبة، لاسيما في ميزانية الشركات التي تدفع بالفعل ضرائب في أسواقها الخارجية.
من حيث المبدأ، هناك شبه توافق محاسبي على فرضية خصم الضرائب المدفوعة خارجياً من إجمالي المدفوعات المستحقة من الأرباح المجمعة.
وللتبسيط، وبافتراض أن الأرباح المجمعة لشركة ما بلغت 600 مليون دينار، نصفها متأتٍّ من أسواق خارجية وهي محمّلة بضرائب هذه الأسواق، يكون المبلغ المستوجب دفعه محلياً 300 مليون دينار، وبتطبيق ضريبة الـ15 في المئة محلياً على هذا المبلغ يكون المستحق دفعه للخزينة العامة 45 مليون دينار.
وبخصم الضرائب التاريخية التي تُدفع محلياً بإجمالي 6 في المئة وهي عبارة عن 1.5 في المئة زكاة (متوقع احتساب قيمة الزكاة كاملة 2.5 في المئة) ومثلها لدعم العمالة وواحد في المئة لمؤسسة التقدم العلمي، ومن ثم يكون مبلغ الضريبة الإضافية الذي ستتحمله الشركة ذات الأرباح المفترضة بقيمة 300 مليون دينار هي 9 في المئة.
وهذا يعني محاسبياً أن حجم الحجز الضريبي المستحق من أرباح الشركة محل المثال 27 مليون دينار.
أسئلة حائرة
بالطبع، هناك أسئلة محاسبية لا تزال الإجابة عنها حائرة وتقبع في دائرة الغموض، وأبرزها ما إجراءات إعادة توزيع ضرائب الشركات متعددة الجنسيات، للدول التي تضم مقارّها وتنتشر فيها أرباحها إذا لم تطبّق الضريبة المحلية التي تعفي من دخول نطاق ضرائب «منظمة التعاون».
وبمعنى أدق، إذا كانت الشركة الكويتية المشمولة بضريبة المنظمة تعمل في الخليج وأوروبا ومصر وتركيا وغيرها من الأسواق كيف سيوزع إجمالي ضرائبها؟ وهل سيكون التطبيق بمفهوم الغرماء أم حسب النسبة من الدخل؟
هيكل جديد
وضمن الأسئلة المثارة حول الهيكل الضريبي الجديد المرتقب تطبيقه على الشركات الكويتية ما إذا كان سيؤخذ في الاعتبار تقديم حوافز تشجيع الشركات التي تقدمها بعض الدول؟ وما إذا كانت الشركات الكويتية متعددة الجنسيات ستستفيد من الإعفاءات المنصوص عليها في المعاهدات الضريبية الموقعة مع الكويت؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير لا تزال بحاجة إلى تفصيل، ولذا هي محل بحث عميق بين الشركات الكويتية متعددة الجنسيات ومكاتب تدقيقها الخارجية والداخلية، لفهم عناصر مفهومها المحاسبي التقني للغاية، والذي بناءً على مخرجاته سيتم وضع تصوّر محاسبي أكثر دقة لصافي الأرباح المستقبلية.
وحتى تُحسم تفاصيل تطبيق الإجراء ضريبياً وآلية احتسابه يكون مفيداً حسب المصادر الاستعداد لزمن الضرائب بتحديد الأثر المالي لتفادي أي تكلفة إضافية غير متوقعة تؤثر على توقعات الربحية ومعدل كفاية رأس المال مستقبلاً.
هل تُحتسب مبالغ المسؤولية المجتمعية من الضريبة؟
ضمن الأسئلة المتصدرة بنقاشات الشركات الكويتية المعنية بالضريبة الجديدة إمكانية خصم المبالغ التي تدفعها سنوياً ضمن برامج مسؤوليتها المجتمعية من إجمالي الضريبة المستحقة؟
ولعل ما يزيد وجاهة هذا السؤال قيمة المبالغ التي تدفعها الشركات الكويتية سنوياً. فيكفي الإشارة إلى أن حجم مساهمات بنوك الكويت المجتمعية منفردة يقدر بنحو 680 مليون دينار خلال السنوات الـ30 الماضية.
إلى ذلك، أوضحت مصادر محاسبية أن الأقرب للتطبيق احتساب أي مبالغ تدخل ضمن نطاق مدفوعات الزكاة من الضريبة، أما الإنفاق المجتمعي للدولة أو لمكوّناتها مباشرة فقد يصعب احتسابها ضمن مفردات هذه المدفوعات، قياساً على المطبّق بالدول صاحبة التجارب الضريبية العريقة.
التخفي وراء «الإقامة الضريبية»
لفتت المصادر إلى أن مشروع قانون «OECD» يستهدف منع الشركات من التخفي وراء «الإقامة الضريبية» في هذا البلد أو ذاك الذي يعتمد نسب ضرائب جذابة، وغير المرتبطة فعلياً أو تعمل في الملاذات الضريبية التي لا تفرض ضرائب كافية على شركاتها الكبرى مثل الكويت.
ويرتكز الإصلاح المطروح على ركنين، الأول يهدف إلى توزيع عادل بين الدول لحقوق فرض ضريبة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، والثاني يقوم على فرض ضريبة عالمية دنيا للتحقق من أن الشركة لا تدفع أقل مما ينبغي أينما كانت موجودة.
وتقدر «منظمة التعاون» العائدات الضريبية المتوخاة سنوياً على أساس 15 في المئة بحوالي 150 مليار دولار.
المصدر: جريدة الحقيقة
كلمات دلالية: متعددة الجنسیات مشروع قانون ملیون دینار على الشرکات فی المئة إلى أن
إقرأ أيضاً:
عشرات الآلاف بدون جنسية.. من استهدف قرار الداخلية الكويتية؟
تناول تقرير لوكالة فرانس قرارات سحب الجنسية من آلاف الكويتيين خلال الفترة الماضية، مستعرضة شهادات لأشخاص سحبت الجنسيات منهم بأوامر من وزارة الداخلية.
وكانت إحدى الشهادات لسيدة استخدمت اسم لمى لإخفاء هويتها حيث اكتشفت فجأة أنها لم تعد كويتية حينما دخلت صالة رياضية في مدينة الكويت وهمّت بدفع رسوم الجلسة، لتُصدم بأن بطاقتها الائتمانية أوقِفت، وحسابها البنكي جُمّد مؤقتًا، بسبب إسقاط جنسيتها المكتسبة عن طريق الزواج.
وأضافت "لمى" الخمسينية، الأردنية الأصل: "أن تكون مواطنًا ملتزمًا بالقانون طيلة 23 عامًا، ثم تستيقظ يومًا ما وتكتشف أنك لم تعد كذلك.. هذا غير مقبول إطلاقًا"، بحسب الوكالة.
وقالت الوكالة، إن عمليات سحب الجنسية جماعيا صورت على أنها جزء من حملة إصلاحات يقودها أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي أعلن حلّ مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور، بعد بضعة أشهر من تسلّمه السلطة في ديسمبر/ كانون الأول 2023.
ويبدو أن سياسة الجنسية الأخيرة التي انتهجها الأمير تهدف إلى حصر الجنسية لمن ورثوها أبًا عن جد في الدولة الصغيرة الغنية بالنفط، وإعادة تشكيل الهوية الكويتية، وربما أيضًا تقليص عدد الناخبين، بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي، بحسب ما أفاد محللون لـ "فرانس برس".
وفي خطاب متلفز، في آذار/مارس الماضي، موجّه لسكان البلاد، الذين لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة، ثلثهم فقط من الكويتيين، وَعَدَ الأمير بـ”تسليم الكويت لأهلها الأصليين، نظيفة، خالية من الشوائب التي علقت بها”.
وتُعد لمى واحدة من بين أكثر من 37 ألف شخص، بينهم 26 ألف امرأة على الأقل، سُحبت منهم جنسيتهم الكويتية، منذ آب/أغسطس، وفق تعداد أعدّته وكالة فرانس برس استنادًا إلى معطيات رسمية. وتشير تقارير إعلامية محلّية إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير.
ورغم أن عمليات سحب الجنسية ليست جديدة في الكويت، إلا أن "حجمها غير مسبوق"، بحسب أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت بدر السيف.
يوجد في الكويت فئة مهمّة من الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية، ويُعرفون بـ”البدون”، ويُقدّر عددهم بمئة ألف شخص، وهم من حُرموا من الجنسية عند استقلال الكويت من الحماية البريطانية في العام 1961.
يلاحقون الأمهات
تلغي هذه الحملة التجنيس عن طريق الزواج، والذي كان ينطبق على النساء فقط. وهكذا، سُحبت الجنسية من جميع من أصبحن كويتيات عبر الزواج منذ العام 1987. وتشير أرقام لوزارة الداخلية إلى أن 38,505 نساء حصلن على الجنسية الكويتية بين 1993 و2020.
كما تستهدف الحملة حاملي الجنسية المزدوجة، بما أن الكويت لا تسمح بذلك، إضافة إلى الأشخاص الذين حصلوا وعائلاتهم على الجنسية بطرق غير قانونية، كاستخدام وثائق مزورة، على سبيل المثال.
وسحبت الكويت أيضًا جنسية العديد ممن حصلوا عليها تحت بند “الأعمال الجليلة” في المجتمع، ومن بينهم المطربة نوال الكويتية، والممثل داود حسين.
وقالت سيدة الأعمال أمل، التي حملت الجنسية الكويتية لما يقارب عقدين: “بين عشية وضحاها، أصبحتُ بلا جنسية”.
وهكذا، وجد كثيرون أنفسهم في مأزق قانوني وهم يكافحون لاستعادة جنسيتهم السابقة.
وقالت الباحثة في منظمة العفو الدولية، منصورة ميلز، لوكالة فرانس برس: “الحق في الجنسية حق إنساني أساسي للغاية، وعدم احترامه وضمانه قد يضرّ بحياة الناس، وهو أمر يدركه البدون جيدًا”.
ويرى محللون أن الحملة الأخيرة تتمحور حول مسألة الهوية الوطنية الكويتية.
ويرجع بدر السيف ما يحدث إلى “مفهوم الهوية”، متسائلًا: “من نحن كأمة؟”.
تعتمد الكويت على نظام برلماني عُرف بثقله وتأثيره، بخلاف عدد من دول الخليج، إلا أن نظام الجنسية المنضوي تحته يحصر الحقوق السياسية لمن وُلدوا لأب كويتي.
وفي أعقاب غزو العراق عام 1990، منحت الكويت حق الانتخاب لمن مضى على تجنيسهم 20 عامًا، ولمن وُلدوا بعد تجنيس والديهم.
ويرى السيف أن ذلك كان عربون تقدير للوقوف إلى جانب الكويت، لكنه أيضًا “دفع نحو الوحدة الوطنية بعد التحرير".
ويبدو أن القيادة الكويتية الجديدة لديها “رؤية إقصائية للقومية الكويتية” تستبعد “من يفتقرون إلى جذور راسخة هناك”، من وجهة نظر الرئيس التنفيذي لمركز “غلف ستيت أناليتيكس”، جورجيو كافييرو.
وبالنسبة لميليسا لانغورثي، الباحثة من مركز “إنكلودوفيت”، والتي درست قضايا التجنيس في الخليج، فإن النساء المُجنّسات "يُقال لهن بوضوح إنهن لسن أمثل مُنتجات لهذه الأمة".
وقالت لمى بأسف شديد: “لاحقونا نحن الأمهات، أساس الأسرة ونواة المجتمع… لم يأخذوا بعين الاعتبار أننا أمهات وجدّات أبناء هذا البلد”.
بريئات
في البداية، قُدّمت هذه الحملة على أنها مبادرة تستهدف المحتالين الذين يستغلون المزايا السخية التي تقدمها الكويت، ولهذا لاقت ترحيبًا أوليًا واسعًا. لكن سرعان ما انقلب الوضع.
وقال رجل كويتي سُحبت من زوجته الجنسية إن الحكومة “ساوت بين البريئات والمحتالات".
وشرح، في حديثه لـ”فرانس برس”، أن المعاش التقاعدي لزوجته، التي كانت موظفة حكومية، مُعلّق منذ أكثر من ستة أشهر، مضيفًا أن قرضها المصرفي جُمّد.
وتساءل: “ما الرسالة من التحريض على العنصرية ومعاملتهن بشكل غير عادل؟”.
ووعدت السلطات بمعاملة تلك النساء معاملة المواطنات الكويتيات، والإبقاء على مزاياهن الاجتماعية، لكن المتضررات بقين في النهاية بلا جنسية، وفقدن كل حقوقهن السياسية.
وأشار أمير الكويت إلى المواجهات المستمرة بين النواب والحكومة المعيّنة من طرف العائلة الحاكمة عندما حلّ مجلس الأمة، والتي أعاقت الإصلاحات اللازمة لتنويع الاقتصاد، الذي اعتمد طويلاً على النفط.
ويقول كافييرو: "ربما تسعى القيادة الكويتية إلى تقليص عدد المواطنين بهدف تشكيل فئة ناخبة أصغر حجمًا وأكثر قابلية لإدارتها سياسيا".