في ظلال طوفان الأقصى "6".. لا عودة إلى ذل اللجوء ومهانة النزوح
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
بقلم/د. مصطفى يوسف اللداوي
بدت واضحة الأهداف الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي من وراء القصف المدمر المهول الذي تقوم به على كل مساحة قطاع غزة، حيث لم تسلم منطقة على امتداد أرض القطاع الضيقة من القصف العنيف والغارات المدمرة، التي تفتت الأبنية وتحولها إلى أنقاضٍ وتسويها بالأرض، فضلاً عن الحفر العميقة التي تتسبب بها القنابل الاستراتيجية التي استخدمت أجيالٌ قديمة منها في قصف جبال أفغانستان، ومنطقة تورا بورا الحصينة، ولكن الأجيال الجديدة منها أكثر تدميراً وأعمق أثراً، وعند سقوطها تسجل أجهزة رصد الزلازل الإسرائيلية من تل أبيب اهتزازات أرضية منخفضة نسبياً على ميزان ريختر.
يبدو من خلال القصف العنيف والمتكرر لنفس المناطق التي تشطب من الخارطة، وتعدم فيها مظاهر الحياة، ولا يحذر فيها السكان قبل القصف، التي تُستهدف فيها عائلاتٌ بأكملها، وأسرٌ اجتمع أطفالها ونساؤها بحثاً عن السلامة والأمان، داخل المخيمات وأحياء المدينة المكتظة بسكانها، أن العدو الإسرائيلي يتعمد قتل أكبر عددٍ ممكنٍ من الفلسطينيين، بهدف إخلاء القطاع كله من سكانه، وإخراجهم منه قتلاً أو طرداً، فهو لا يريد أن يعود إليها سكانها الفلسطينيون إذا ما وضعت الحرب أوزارها، ولا أن تعمر من جديد، ولا أن تعود صالحة للعيش فيها مرةً أخرى، ولهذا يقوم بدعوة المواطنين الفلسطينيين عبر منشوراتٍ تلقيها طائراته، وبياناتٍ تصدرها هيئاته، إلى التوجه جنوباً نحو المعبر باتجاه صحراء سيناء.
إلا أن الفلسطينيين الذين يقصفون شمالاً وجنوباً في قطاع غزة، قد أصموا آذانهم عن كل هذه الدعوات الإسرائيلية، وأصروا واستكبروا على التهديدات الإسرائيلية استكباراً، وأعلنوا رغم القتل الحار والنزف المستمر والحصار الخانق، أنهم ها هنا باقون، وهنا ثابتون، وسيبقون صامدين ثابتين، وأنهم لن يغادروا قطاعهم، ولن يتركوا أرضهم، ولن ينزحوا منها من جديدٍ، ولن يلجأوا إلى أي دولةٍ، ولن يستجيبوا إلى أي دعوةٍ، ولن يكرروا لجوء النكبة ولا نزوح النكسة، فكلاهما أورثهم الذل والهوان، وسلمهم إلى التيه والضياع، وتركهم مشردين في الأرض ومشتتين في البلاد.
بينما البقاء في الأرض والثبات في الوطن رغم الوجع والألم، والقتل والدم والخراب والدمار، يمنحهم عزة وكرامةً، ويورثهم شرفاً ومقاماً، ويحفظ هويتهم ويبقي على قضيتهم، ويفشل مؤامرات عدوهم، ويحبط مشاريعه، ويفسد مخططاته، فهم يعلمون أن هذا هو حلم الإسرائيليين القديم منذ عشرات السنوات، وأن مشروع تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء ما زال يراودهم، ولكن الذي أفشلهم أول مرةٍ سيفشلهم هذه المرة وكل مرةٍ، مع التأكيد على اختلاف الثقافة ونمو الوعي واكتساب الخبرة، فالفلسطينيون اليوم يختلفون عن أجيالهم السابقة، وقد أسقطوا من حياتهم مفاهيم اللجوء والهجرة والنزوح، ولم يعد في قاموس حياتهم مكان للتخلي عن الأرض ومغادرتها إلى أي مكانٍ آخر مهما بلغت الضغوط أو زادت المغريات.
ربما يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة بنوعٍ من الاطمئنان إلى الموقف القومي المصري الذي يرفض كلياً تهجير الفلسطينيين، ويعتبر ذلك تصفيةً للقضية الفلسطينية، ونقلاً للأزمة الفلسطينية من المسؤولية الإسرائيلية والدولية إلى المسؤولية المصرية والعربية، وكان الجيش المصري الذي استنفر قواته خشية تدهور الأوضاع وتدحرجها نحو الأسوأ، قد اتخذ إجراءاته المشددة على امتداد الحدود المصرية مع قطاع غزة، ليمنع تنفيذ هذه الجريمة الكبيرة، وليحول دون دفع الفلسطينيين بالقوة نحو سيناء تحت وابل القصف الجوي والبري والبحري الإسرائيلي المدمر.
وكانت السلطات المصرية قد رفضت الدعوات الإسرائيلية بفتح معبر رفح الحدودي باتجاهٍ واحدٍ نحو مصر، ورفضت السماح بدخول رعايا الدول الغربية والعاملين الأجانب إليها من قطاع غزة، قبل الوصول إلى هدنة إنسانية، تتوقف خلالها عمليات القصف، ويتم السماح بإدخال المؤن والأدوية والمساعدات الغذائية إلى سكان قطاع غزة، ولعل مصر تحظى بدعم وتأييد العديد من الدول العربية التي باتت تقف خلفها دعماً لموقفها القومي، مما يساعد الفلسطينيين على الصمود والثبات، والتصدي لكل محاولات الطرد والترحيل والتطهير والإقصاء.
المصدر: سام برس
كلمات دلالية: قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يرتكب مجزرة مروعة في حي الصبرة بغزة تخلّف عشرات الشهداء والجرحى
ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة مروعة في حي الصبرة، وسط مدينة غزة، أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 15 فلسطينيا، بينهم 6 أطفال، وإصابة أكثر من 50 آخرين، في قصف استهدف منزلا سكنيا بصاروخين، وفق ما أفاد به الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، للجزيرة.
وقال بصل إن القصف أدى إلى تدمير المنزل بالكامل، مشيرا إلى أنه "من شبه المؤكد أن جميع من كانوا داخله قد استشهدوا"، في حين لا يزال نحو 85 شخصا تحت الأنقاض، وسط صعوبات كبيرة في الوصول إليهم.
وأضاف أن طواقم الدفاع المدني اضطرت إلى الانسحاب من موقع القصف بسبب تعذر الوصول إلى الجثامين، مؤكدا أن "المشهد في الموقع قاس جدا"، وأن "ما جرى هو مجزرة مكتملة الأركان".
وأشار إلى أن الإصابات التي وصلت إلى المستشفيات "خطيرة للغاية"، في وقت تعاني فيه المنظومة الطبية من دمار واسع ونقص حاد في المستلزمات، مما يفاقم معاناة الجرحى ويهدد حياتهم.
وأكد المتحدث أن الدفاع المدني يفقد عديدا من الناجين بسبب نقص معدات الإنقاذ، موضحا أن الطواقم تعتمد على الجهد البشري فقط بعد تدمير معظم الآليات والمعدات خلال العدوان المستمر.
كما ناشد ضرورة التوصل إلى هدنة إنسانية عاجلة في قطاع غزة، قائلا: "نحن في حاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار لإتاحة المجال أمام إنقاذ الأرواح وانتشال الشهداء".
إعلانوتتواصل جهود الإنقاذ وسط ظروف ميدانية بالغة الصعوبة، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي الذي يفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع المحاصر.