لجريدة عمان:
2025-12-05@23:29:31 GMT

هل انتهى زمن التعايش؟

تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT

حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى أوروبا باعتبارها الملجأ الأخير للهاربين من الحروب أو من التضييقات السياسية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالحريات الشخصية بالنسبة لشباب الشرق الأوسط (أو غيرها من بلدان العالم)، أما اليوم فيبدو أن المهاجرين يفتقدون الشعور بالأمان، بل يشعرون أن وظائفهم، سكنهم، ووجودهم بأسره مُهدد، وبالإمكان خسارتها بكل سهولة، أو تغيير حياتهم كما يعرفونها بمجرد الإدلاء برأيهم حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو إظهار أي رمز من رموز التعاطف مع الفلسطينيين مثل ارتداء الكوفية أو حمل/ تعليق/ ارتداء العلم الفلسطيني.

ثمة إرهاب فكري شرس، إذ وصلت درجات الصوابية السياسية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة لمستويات غير مسبوقة وللحد الذي أصبحت فيه معاداة إسرائيل (وليس السامية حتى) ذنبا لا يغتفر. بل إن «السياقية» أصبحت هي الأخرى مرفوضة، أعني أن تقول أن ما فعلته حماس يأتي كرد فعل على سنوات من الإرهاب والظلم والحصار المفروض على غزة.

لم يعد يُسمح بالمظاهرات، أعني أن أي احتجاج عادة يتطلب استخراج رخصة، وهي ما أصبحت لا تُعطى إذا ما كانت المظاهرة داعمة للشعب الفلسطيني. كل هذا من شأنه أن يخلق حنقا شعبيا، إذا ما حُرم هؤلاء من التنفيس عن غضبهم بالطرق المشروعة، عبر التظاهر، أو النشاط على الشبكات الاجتماعية.

تقلقني هذه الأيام فكرة أن التعايش بين الشرق والغرب قد انتهى (بل وأشك في وجوده أصلا على النحو الذي نتخيل)، وأن التمييز الذي كان مختبئا خلف أقنعة البيروقراطية أو الاختيارات الفردية ومعادلات العرض والطلب، يصبح ظاهرا دون خجل. لطالما كانت معاداة المهاجرين غير الأوروبيين حاضرة إلا أن المستشار الألماني أولاف شولتس هذا الأسبوع دعا إلى إعادة النظر في سياسات الهجرة، وهدد بالترحيل العاجل. بالطبع المتضررون من شيء كهذا هم أولئك الأقل حظا، ممن لا يملكون جوازا ألمانيا يحميهم، ويفتقرون لأنواع الحماية القانونية والاجتماعية الأخرى.

في الصحافة الألمانية، وعندما يتم التحدث عن المجازر التي تحصل في غزة، يُشار دائما لأن الأخبار قادمة من حماس لنزع المصداقية عنها. فأنت لا تقرأ أن الغارات الإسرائيلية تسببت في مقتل أكثر من خمسة آلاف فلسطيني إلى الآن، وإنما تقول إن حماس «تدعي» ذلك، أو تقول إنه تم قصف المستشفى الذي «تُديره حماس». واستخدام لغة إدانة مباشرة لأفعال إسرائيل يُنظر إليها كما قلنا على أنها ذنوب لا تغتفر.

ما لا يفهمه الغرب في مسألة عداء السامية هذا، أن لغة الاعتراض العربية لا تتطابق بأي شكل مع تلك الغربية لأن سياقها مختلف تماما. فعندما يقول العربي (أو الشرقي ما دمنا نتحدث عن محور الشرق والغرب) «اليهود» فهو يقصد من استوطن أرضه، لا يخطر بباله عداء اليهود كما تعرفه أوروبا لأنه لم يكن يوما جزءا منه، ولأن عداءه مع اليهودي لا علاقة له بهويته كيهودي بل بكونه مستوطنا للأرض.. وهكذا فما يقوله رجل ألماني يُمكن أن يُعد عداءً للسامية، فيما لا يُعد القول نفسه كذلك عندما يخرج عن فلسطيني يعيش في ألمانيا.

الحديث عن الشرق والغرب صار اليوم حاضرا، يتم أيضا الحديث عن محور الشر ومحور الحضارة (الذي يقوده العالم الحر والمتحضر). فبينما انشغل أكاديميونا (في الغرب والشرق على حد سواء) لفترة طويلة في الحديث عن ما بعد الكولونيالية والديكولنيالية، والوقوف على الآثار الاستعمارية طويلة الأمد، وأشكال الاستعمار الخفي (الاقتصادي والثقافي) أو دراسة العنصرية الضمنية (ظانين أن العنصرية بشكلها الصريح لا يكاد يكون لها أي وجود) نعود الآن لسردية الإنسان المتحضر والإنسان البربري، ويضع الأبيض نفسه مجددا في مكان تفوق، ناظرا بدونية إلى الآخر الذي لا يشبهه، ويجيز لنفسه أن يُعامله كإنسان من الدرجة الثانية.

لا أعرف ما الذي يحدث في هذه المرحلة، لكنني أشعر أن العالم بأسره يتغير، يذهب في اتجاه لا رجعة فيه. ربما يكون هذا الصدام بين الشرق والغرب، بين الغاصب والمغتصب ليس ضروريا وحسب بل وحقيقي أيضا. تسقط أقنعة اللطافة المصطنعة وتظهر خيراتنا وشرورنا وتشتبك. لا أريد الاعتراف بأن الصراع حتمي وباقٍ إلا أن هذا ما يبدو أنه حقيقة العالم التي تتعرى الآن. حتى هوياتنا وكيف نُعرّف ونقدم أنفسنا يتغير. الحديث عن المواطن العالمي، عن الإنساني المنتمي للإنسانية بأسرها فكرة لا مكان لها في العالم الواقعي.

تعريفنا لليمين واليسار صار مختلطا وإشكاليا وصعبا. الكوفية التي ارتبطت باليسار في ألمانيا خلال الستينيات، أصبحت اليوم رمزا لليمين المتطرف، وحتى نحن الذين نعرف عن أنفسنا باعتبارنا منتمين لليسار نفشل في أن نجد قرينا يساريا غربيا يتفق معنا في هذا الموضوع تحديدا رغم الاتفاق بالعموم على القضايا الأساسية من العدالة الاجتماعية، حقوق المهمشين، والإيمان بأحقية الناس في صياغة مستقبلهم، مناهضة الخصخصة، ومعارضة الحرية التامة للسوق في تحديد شكل المجتمع.

فكرة التعايش مهددة اليوم بالانهيار. ثمة قهقرة تُعيد الناس إلى هوايتهم الأولى، وتدفعهم لرفض فكرة تعقيد الهوية وتسطيحها. فالمهاجر الذي يرى نفسه مشتملا على هذا وذاك، يرى اليوم نفسه مجبرا على الوقوف بحدية والاصطفاف في جانب ضد الجانب الآخر، في ظل الاستقطاب وتقلص المناطق الرمادية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشرق والغرب الحدیث عن

إقرأ أيضاً:

فيفا يعلن تفاصيل قرعة المونديال.. هل انتهى عصر “مجموعة الموت”؟

الولايات المتحدة – قبل نحو 7 أشهر من انطلاق كأس العالم لكرة القدم، تتجه أنظار العالم إلى العاصمة الأمريكية واشنطن غدا الجمعة، حيث تقام قرعة النسخة الأكبر في تاريخ المونديال

داخل مركز جون كينيدي للفنون الأدائية، سيكتشف 42 منتخبا ضمنت تأهلها حتى الآن، إضافة إلى ستة منتخبات ستلتحق عبر الملحقين الأوروبي والعالمي، الطريق الذي ستسلكه في بطولة تقام لأول مرة في ثلاث دول: الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

ويشارك في الملحق الأوروبي 16 منتخبا يتأهل منها أربعة، بينما يشهد الملحق العالمي مشاركة ستة منتخبات يصعد منها منتخبان.

ورغم أن البطولة لا تزال بعيدة نسبيا على روزنامة كرة القدم، فإن لحظة إجراء القرعة تعد نقطة الانطلاق الحقيقية للاستعدادات الفنية والتحليلية، سواء بالنسبة للمنتخبات الكبرى أو للفرق التي تخوض النهائيات للمرة الأولى.

حتى الآن تأهل 42 منتخبا من أصل 48، بانتظار المنتخبات الستة التي سيحسم مصيرها في مارس المقبل. وتم توزيع المنتخبات على أربعة أوعية كالتالي:

الوعاء الأول: كندا، المكسيك، أمريكا، إسبانيا، الأرجنتين، فرنسا، إنجلترا، البرازيل، البرتغال، هولندا، بلجيكا، ألمانيا.
الوعاء الثاني: كرواتيا، المغرب، كولومبيا، أوروغواي، سويسرا، اليابان، السنغال، إيران، كوريا الجنوبية، الإكوادور، النمسا، أستراليا.
الوعاء الثالث: النرويج، بنما، مصر، الجزائر، اسكتلندا، باراغواي، تونس، كوت ديفوار، أوزبكستان، قطر، السعودية، جنوب إفريقيا.
الوعاء الرابع: الأردن، كاب فيردي، غانا، كوراساو، هايتي، نيوزيلندا، إضافة إلى أربعة منتخبات من الملحق الأوروبي ومنتخبين من الملحق العالمي.

وقد يرتفع عدد المنتخبات العربية في المونديال إذا نجح العراق في تخطي نهائي الملحق العالمي، إذ يفصله 90 دقيقة فقط عن حلم المشاركة.

وبحسب الاتحاد الدولي لكرة القدم، ستمنح المنتخبات المستضيفة الثلاث كرات بألوان مختلفة، بحيث توضع المكسيك على رأس المجموعة الأولى، وكندا على رأس الثانية، وأمريكا على رأس الرابعة، وفق جدول المباريات المعتمد بداية 2024.

كما سيحدد توزيع بقية منتخبات الوعاء الأول على رؤوس المجموعات من خلال القرعة أيضا.

ولتحقيق التوازن، تم استحداث قيود تمنع وقوع المنتخبات الأعلى تصنيفا في مسار واحد مبكرا، مثل إسبانيا والأرجنتين، وكذلك فرنسا وإنجلترا، لتجنب مواجهتهم قبل الدور قبل النهائي في حال تصدروا مجموعاتهم.

أما منتخبات الأوعية 2 و3 و4، فسيحدد موقعها داخل كل مجموعة وفق نمط معتمد يضمن التوازن الفني.

ويرى محللون أن النظام الجديد يمنح أفضلية نسبية للمنتخبات المستقرة فنيا، بينما يفرض ضغطا إضافيا على القوى الكبرى التي لن يكون أمامها هامش كبير للتعثر.

كما يتوقع أن تلعب الجغرافيا الواسعة للبطولة دورا مؤثرا، إذ تختلف الظروف المناخية بين الساحل الشرقي الأمريكي، والجنوب المكسيكي، ومدن الشمال الكندي، إلى جانب فروقات التوقيت وتعدد التنقلات.

ورغم أن زيادة عدد المنتخبات تقلل نظريا احتمالات ظهور “مجموعة موت” تقليدية، إلا أن وقوع منتخب أوروبي قوي من المستوى الثاني مع منتخبين ذوي خبرة من المستوى الثالث يبقى احتمالا واردا، ما قد يخلق مجموعة معقدة منذ الجولة الأولى.

المصدر: “وكالات”

مقالات مشابهة

  • عبدالباسط عبدالصمد.. صوت مصر الذي أسحر القلوب
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تطلق أعمال مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة
  • هل انتهى حلم الهايبرلوب أم أنه يتجدّد في دول أخرى غير أمريكا؟
  • وفد الأزهر يختتم زيارته لإسبانيا بلقاء عمدة "بارلا" لتعزيز التعاون وقيم التعايش
  • فيفا يعلن تفاصيل قرعة المونديال.. هل انتهى عصر “مجموعة الموت”؟
  • أندرسون: لقاء قادة الشرق والغرب كان أولوية لتشجيع “الحوار المفتوح” والعمل المشترك
  • السوداني:حكومتي استثمرت موقع العراق ليكون جسراً بين الشرق والغرب
  • مادورو يتحدث عن الاتصال القصير مع ترامب.. هكذا انتهى
  • حظك اليوم لمواليد برج الحوت: فرصة للتأمل والتفكير في نوع الحب الذي تريده
  • الأهلي السعودي ينافس على جائزة أفضل نادي في العالم من جلوب سوكر