ألقى الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال: اعلموا أن بعض الأبواب لم تفتح لكم لأنها ليست لكم، وما قسم لكم فهو خير لكم، وإن كان مؤلماً. وكونوا -رحمكم الله- ممن يتغاضى ويتراضى، ولا تكونوا ممن يحقق ويدقق.

والدنيا دار ممر لا دار مقر، وخيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، ومن أطعم الطعام، ورد السلام، فهو على خير. وخير الناس أنفعهم للناس. وإذا تنازع في الفؤاد أمران فاعمدوا للأعف الأجمل.
وتابع قائلاً: إن أعظم نعم الله وأجلها توفيقه عبده للإيمان، وما يورثه هذا الإيمان من طمأنينة في النفس، وسكينة في القلب. وقد استشعر السلف من الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن بعدهم هذه النعمة العظيمة، وعبروا عن مقدار حفاوتهم ورضاهم بها، فعن معاوية بن قرة أن سالم بن عبدالله حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال “ما فرحت بشيء من الإسلام أشدَّ فرحًا بأن قلبي لم يدخله شيء من هذه الأهواء”، أي الشبهات والانحرافات، كما قال أبو العالية رحمه الله: “ما أدري أي الغنيمتين علي أعظم؛ إذ أخرجني الله من الشرك إلى الإسلام، أو عصمني في الإسلام أن يكون لي فيه هوى، يعني: شبهة أو شك”، مضيفًا: بأنهم كانوا أشدَّ تحوطًا لدينهم، وفرارِهم من الشبهات والمشتبهات والإشكالات.
واستطرد قائلاً: جاء رجل إلى الحسن فقال: يا أبا سعيد: تعال أخاصمْك في الدين؟ يعني أجادْلك وأحاورْك، فقال الحسن: “أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه”، أي ابحث عنه. كما دخل رجلان من أهل الأهواء، أي أهل الجدل والمراء وإثارة الشبهات، على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر نُحدثك بحديث؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله، قال: لا. قال: تقومان عني وإلا قمت. فقام الرجلان فخرجا. فقال بعض القوم: ما كان عليك أن يقرآ آية؟ قال: إني كرهت أن يقرآ آية فَيحرِّفانها فَيَقِرَّ ذلك في قلبي.
وأردف قائلاً: معاشر الإخوة وأيها الشباب: ليس هذا التحوطُ والفرارُ من الشُّبَه لضعف في الدين، أو ضعفٍ في التصور، أو ضعفٍ في الحجة –حاشا وكلا-، بل صحة التصور عند هؤلاء السلف -رحمهم الله- مبنية على حجج وبراهين، ومعرفة للحق في كل الثوابت الشرعية، ولكن لا مصلحة من الاستماع إلى شيء من الباطل؛ إذ قد قال مالك بن أنس رحمه الله: “الداء العضال: التنقل في الدين، أي: الاضطراب وعدم الاستقرار”. فالسلامة لدين المرء – أيها الشباب – البعدُ عن هذه الموارد، أما البروز لكل شبهة، أو الدخول في كل إشكال، فعرضة لكثير من الزلل والخطأ والخطل، والاضطراب والقلق.
وأضاف: يقول عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-: “من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل (يعني أنه يضطرب، ولا يستقر على حال). ومن أكل الطعام الفاسد أو المسموم فسوف يمرض، أو يموت، وكذلك شأن الأفكار على العقول والقلوب”. مؤكدًا بقوله أن: الميدان الأكبر لإثارة الشبهات، وبثِّها، واستقبالهِا، ونشرِها، والخوض فيها هو كثير من شبكات التواصل، فاحذروا هذه المواقع المشبوهة، وميزوا بين السمين النافع والغث الذي لا نفع فيه، فقد هلك فيها خلق كثير، فإياكم أن تحكموا على ما ترون أو تسمعون من هذه الشبكات والمواقع، فخلفها صور زائفة وادعاءات كاذبة، وكلمات منمقة، وواقع كريه، يدَّعون النصح وهم الكذَّابون، ويزعمون الإخلاص وهم المخادعون، في كثير منها متابعة لما لا ينفع، واطلاعٌ على ما لا يفيد، فيا معاشر الشباب إن القلب المنهمك في مطالعة الكتب، وتصفح المواقع المتضمنة للتصورات الفاسدة، والتشكيكات المضلة، يكون عرضة لتشرب هذه المفاهيم المنحرفة، واسمعوا نصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم -رحمهما الله- يقول: “لا ‌تجعل ‌قلبك للإيرادات والشبهات مثلَ السِّفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أَشْرَبتَ قلبَك كلَّ شبهة تمر عليك صار مقرًّا للشبهات”. انتهى كلامه رحمه الله.
ودعا فضيلته إلى ضرورة العناية بمصادر التلقي من أجل الوصول إلى المعلومات الصحيحة، والحقائق الثابتة، وضبط العلاقة بين العقل والنقل، والتفريق بين خبر المعصوم وخبر غير المعصوم، مبيناً أن المعصوم هو الذي لا يصدر عنه خطأ، وهذا هو خبر الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، والسنة الصحيحة الثابتة ممن لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، إن هو إلا وحي يوحى، وإجماع الأمة الثابت.
وقال: وأما ما عدا ذلك فهي مصادر محترمة يستفاد منها، وفيها خير كثير، ولكنها ليست معصومة مهما بلغ صاحبها من المنزلة العلمية، والإمامة في العلم، والدين.
واستطرد في الخطبة قائلاً: يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: من الناس من هو‌ ضعيف ‌الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه إما خوفاً، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. مستشهداً بقول الله تعالى {فَإِنْ أَصَابَه خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} أي: إن استمر رزقه رغداً، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه، فهذا ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه: {وَإِنْ أَصَابَتْه فِتْنَةٌ} من حصول مكروه، أو زوال محبوب: {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} أي: ارتد عن دينه: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ}. أما في الدنيا فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأساً لماله، وعوضاً عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له، وأما الآخرة: فظاهر، حُرِم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار: {ذَلِكَ هُو الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} أي: “الواضح البين”، وإلا فاتقوا الله رحمكم الله، وتأملوا ما يقوله ابن القيم -رحمه الله-: إن في القلب فاقة، وفراغاً، وحاجة لا يسدها شيء سوى الله تعالى، وإن في القلب شعثًا لا يلمه إلا الإقبال عليه سبحانه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاصِ له، وعبادتِه وحده لا شريك له، فالقلب دائمًا يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، وحينئذ يذوق طعم الحياة، ويصير له حياة غير حياة الغافلين المعرضين.
* وفي المدينة المنورة استهل فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن طالب بن حميد خطبة الجمعة موصياً المسلمين بتقوى الله في السرّ والعلن، والعمل بالصالحات، واجتناب المعاصي والمحرمات؛ للفوز بالرحمة والمغفرة والرضوان من ربّ الأرض والسماوات.
وقال: اعلموا أن في الصّبر على ما تكرهون خيرًا كثيرًا، وأن النّصر مع الصّبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً. مبيناً أن الله تبارك وتعالى قد أرسل رسله بالوحي وأيّدهم بالصدق، ووعدهم بالنصر، وجعل في التنزيل شرف الذكر، وقصم الظُّلم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْـألُواْ أهل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
وأضاف: وجعل سبحانه وراثة الأرض للصالحين أتباع المرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ}، وقال جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وحثّ فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي على شكر الله والإيمان بقضائه، والتوكّل عليه سبحانه حقّ التوكّل، فقال: اعلموا عباد الله أن القلم قد جفّ بما هو كائن، فلو اجتمع الخلق على النفع أو الضرّ لم يكن إلا ما قدره الله، فاعملوا لله بالشكر واليقين، واعلموا أن في الصّبر على ما تكرهون خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً. ومن أقامه الله في باب من الخير فليلزمه مع الإخلاص والصدق، فإنه يبارك له فيه، ويفتح فيه عليه، ومن أصلح قلبه أجابته بالخير أطرافه، فإذا صحّ الرأس فما على الجّسد من بأس، وأتوا من الأقوال والأفعال لغيركم بما تحبون أن يؤتى به إليكم، وأحبوا لإخوانكم ما تحبون لأنفسكم، وجانبوا السوء وأهله، واستحيوا من الله حق الحياء، في السرّ والعلن، وتذكروا الموت والبلى، وآمنوا بالله واستقيموا على أمره، وتوكلوا عليه حق توكله، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ونفّسوا عن المكروبين، ويسّروا عن المعسرين، واستروا المسلمين يستركم الله يوم الدين، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وأشار إلى أن في الصدّ عن سبيل الله ضلال الأعمال، وأن في الإيمان بالتنزيل والعمل به صلاح البال، وأن مشيئة الله نافذة حتى يبلغ قدر الله منتهاه، فقال الله -عز وجل-: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّه أَضَلَّ أعمالهُمْ. وَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمنوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُو الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمنوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ. كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّه لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية رحمه الله على ما

إقرأ أيضاً:

ديوان الرئاسة: الجمعة 6 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك

يعلن ديوان الرئاسة ثبوت رؤية هلال ذي الحجة ثبوتاً شرعياً مساء اليوم وبذلك يكون يوم غدٍ الأربعاء هو الأول من شهر ذي الحجة 1446هـ، الموافق 28 من شهر مايو 2025م، ويوم الجمعة 10 ذي الحجة الموافق السادس من شهر يونيو 2025 هو أول أيام عيد الأضحى المبارك.
وفيما يلي نص بيان الديوان //بسم الله الرحمن الرحيم يعلن ديوان الرئاسة بناء على قرار "لجنة تحري هلال شهر ذي الحجة لسنة 1446هـ" المنبثقة عن مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، والتي عقدت اجتماعها بهذا الخصوص مساء اليوم في جامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي بتاريخ: 29 ذي القعدة 1446هـ، الموافق 27 مايو 2025م، وبعد مداولة ما ورد على اللجنة من تقارير ونتائج الترائي في ربوع الدولة، ثبوت رؤية هلال ذي الحجة ثبوتاً شرعياً مساء اليوم.
وبذلك يكون يوم غدٍ الأربعاء هو الأول من شهر ذي الحجة 1446هـ، الموافق 28 مايو 2025م، ويوم الجمعة 10 ذي الحجة 1446هـ الموافق 06/06/2025م هو أول أيام عيد الأضحى المبارك.
وبهذه المناسبة المباركة نتقدم بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات وإلى سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة وسمو أولياء العهود ونواب الحكام وشعب دولة الإمارات العربية المتحدة، والعالم أجمع، ونسأل الله تعالى أن يعيده علينا وعلى وطننا الغالي باليمن والبركات والخير والمسرات، والحمد لله رب العالمين.

 

أخبار ذات صلة رئيس الدولة ورئيس وزراء لبنان يبحثان علاقات البلدين والتطورات الإقليمية عبدالله بن زايد ووزيرة خارجية النمسا يبحثان هاتفياً تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • السيد الرئيس أحمد الشرع في كلمة خلال مشاركته في فعالية حلب مفتاح النصر: يا أبناء حلب وبناتها من شيب الأمة وشبابها، يا من كتبتم بالدماء الزكية سطور المجد ونسجتم من الصبر أشرعة الإقدام وصغتم من عرق الكفاح قلائد العزة والرفعة
  • رسميًا.. عيد الأضحى يوم الجمعة 6 يونيو ووقفة عرفات الخميس 5 يونيو
  • الإمارات: الجمعة 6 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك
  • ديوان الرئاسة: الجمعة 6 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك
  • السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو
  • تخصيص خطبة الجمعة لتوعية المصلين بأحكام مناسك الحج
  • مركز الملك سلمان الاجتماعي يُكرّم الشيخ عبدالله العلي النعيم
  • ما حكم كلام القائمين على المسجد أثناء خطبة الجمعة لتنظيم الناس؟.. الإفتاء تجيب
  • بالفيديو..وزارة التربية تُطمئن مترشحي الباك والبيام
  • غياب لب الموضوع في كثير من نقاشاتنا سبب استمرار الخلاف