الأخطاء السياسية التاريخية لعلي سالم البيض: تحليل نقدي للوحدة اليمنية
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
عدن ((عدن الغد ))خاص:
بقلم /حافظ الشجيفي
في سجلات التاريخ اليمني جنوبا وشمالا، ظلت اتفاقية الوحدة الاندماجية التي وقعها علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في الجنوب، مع قيادة الجمهورية العربية اليمنية، بممثلة بالرئيس علي عبد الله صالح، موضوعاً للنقاش الحاد والنقد المتواصل. حيث كان هذا القرار العاطفي وغير المدروس، في نظر الكثيرين، بمثابة فرصة ضائعة لإنشاء دولة فيدرالية دائمة بين الجانبين بدلاً من الوحدة الاندماجية المتسرعة التي تسببت في ظلم الجنوبيين على نحو غير مسبوق.
جمعت اتفاقية الوحدة، الموقعة في عام 1990، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المستقلة سابقًا (اليمن الجنوبي) والجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) في دولة واحدة. وبينما أشاد البعض بهذه الخطوة باعتبارها انجازا تاريخيا لتوحيد الشعب اليمني، فقد تعرضت لانتقادات بسبب أخطائها السياسية والاستراتيجية الفادحة، حيث تحمل البيض النصيب الأكبر من اللوم.
أحد أهم الانتقادات الموجهة إلى البيض هو الافتقار الملحوظ إلى الشروط والضمانات الكافية للجنوب في الاتفاقية . وكان الشعب الجنوبي، يتوقع او يتطلع لصفقة عادلة من شأنها أن تحمي مصالحه وثقافته وهويته السياسية وحدوده الجغرافية. وبدلاً من ذلك، فقد ادى القرار الاندماجي العاطفي الانفرادي الذي اتخذه البيض وافتقاره إلى خطة مدروسة إلى فشل ذريع ومدمر في حماية مكاسبهم ومصالحهم السياسية والاقتصادية والجغرافية والعسكرية.
علاوة على ذلك، فإن قرار علي سالم البيض بدمج الجنوب مع الشمال بدلاً من إنشاء دولة فيدرالية، يعتبره الكثيرون خطأً سياسياً فادحاً. وكان من شأن هيكل الدولة الفيدرالية أن يسمح لكل من الشمال والجنوب بالحفاظ على درجة من الحكم الذاتي لكل منهما أثناء المشاركة في دولة يمنية اتحادية تحفظ للجانبين هويتهم السياسية والثقافية. وكان من الممكن أن يعالج هذا مخاوف الجنوبيين الذين شعروا بأن ثقافتهم وهويتهم قد تم استيعابها في الشمال الأكثر اكتظاظًا بالسكان.
وبعد فوات الأوان، تبين أن البيض لم يأخذ بعين الاعتبار الفوارق الثقافية والتاريخية والسياسية بين الشمال والجنوب، والتي لا تزال تؤجج الصراعات والتوترات حتى يومنا هذا. ومن خلال اختيار الاندماج الكامل بدلاً من الترتيب الفيدرالي، أضاع فرصة ضمان احترام حقوق ومصالح شعب الجنوب واهدافهم وتطلعاتهم
إن معالجة هذه الأخطاء السياسية التاريخية مهمة معقدة وحساسة. وإعادة النظر في شروط اتفاقية الوحدة الاندماجية أو النظر في إمكانية قيام دولة فيدرالية قد يتطلب جهداً سياسياً ودبلوماسياً كبيراً، فضلاً عن الالتزام بالمصالحة الوطنية. ومن الضروري أن نعترف بأن اتفاقية الوحدة أصبحت الآن جزءاً من تاريخ اليمن، ولا يمكن التراجع عنها بسهولة.
في ضوء الصراع المدني المستمر في اليمن والأزمة الإنسانية الأليمة التي تواجه الشعب شمالا وجنوبا، هناك حاجة ملحة لعملية سلام شاملة تأخذ في الاعتبار مظالم مختلف الاطراف. وقد يتضمن ذلك إعادة النظر في هيكل الدولة ومعالجة مخاوف الشمال والجنوب، والعمل على تحقيق مستقبل أكثر إنصافًا واستقرارًا للجنوبيين.
لا تزال الأخطاء السياسية التاريخية التي ارتكبها علي سالم البيض في دمج شمال وجنوب اليمن تلقي بظلالها الطويلة على الشعبين. ويجب التعامل مع تقييم هذه الأخطاء وتصحيحها بحذر وحساسية، لأن جراح الماضي عميقة. ومن الأهمية بمكان بالنسبة للمجتمع الدولي، وكذلك القادة اليمنيين وأصحاب المصلحة، تسهيل الحوار الذي يعالج مظالم جميع الأطراف المعنية.
ينبغي أن يتضمن أحد الجوانب الحاسمة في أي عملية مصالحة الاعتراف بالمظالم التاريخية للجنوبيين والاعتراف بالتضحيات التي قدموها خلال نضالهم من أجل الاستقلال واستعادة الدولة. ومن الضروري خلق شعور بالعدالة والإنصاف، وهو ما يمكن أن يساعد في شفاء الجروح العميقة والاستياء المستمر داخل اليمن.
للمضي قدمًا، لا بد من دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات شفافة وشاملة مع جميع القوى والاطراف اليمنية لتحديد أفضل مسار للعمل. وقد يتضمن ذلك إعادة النظر في البنية السياسية للبلاد، أو النظر في النظام الفيدرالي، أو إنشاء آليات لحماية الهوية الثقافية والسياسية لكل من الشمال والجنوب. ويجب أن تسترشد هذه المفاوضات بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، مما يضمن ان تتوج القضية الجنوبية بحل عادل ومرضي.
ويمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورا حيويا في دعم هذه الجهود. ومن الممكن أن يساعد الضغط الدبلوماسي والوساطة والمساعدات الإنسانية في خلق بيئة مواتية للحوار والمصالحة. ويجب على المجتمع الدولي أيضًا دعم المبادرات التي تهدف إلى إعادة بناء البلد الذي مزقته الحرب، وتعزيز مؤسساته، ومعالجة الأزمة الإنسانية التي ابتليت بها اليمن لسنوات.
وفي الختام، فإن الأخطاء السياسية التاريخية التي ارتكبها علي سالم البيض في دمج الجنوب مع الشمال هي قضية معقدة . وفي حين أنه قد يكون من الصعب تصحيح هذه الأخطاء بشكل كامل، إلا أن الأمر ليس مستحيلاً. إن الطريق إلى المصالحة ومستقبل أكثر استقرارا لليمن يكمن في حوار مفتوح وشامل وشفاف يعالج مخاوف جميع الأطراف المعنية.
إن الصراع المدني المستمر في اليمن والأزمة الإنسانية الخطيرة تجعل الأمر أكثر أهمية بالنسبة للقادة اليمنيين والجنوبيين والمجتمع الدولي وجميع أصحاب المصلحة للعمل معًا لإيجاد حل يحترم حقوق وتطلعات وتضحيات الشعب الجنوبي. فقط من خلال الجهد الجماعي يمكن تصحيح أخطاء الماضي وتحقيق مستقبل أكثر سلاما وازدهارا للجنوب.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: الشمال والجنوب اتفاقیة الوحدة علی سالم البیض النظر فی
إقرأ أيضاً:
قطر: تصريحات مكتب نتنياهو الأخيرة تفتقر لأدنى مستويات المسؤولية السياسية والأخلاقية
تابعنا أيضا عبر تليجرام t.me/alwatanvoice رام الله - دنيا الوطن
أعربت وزارة الخارجية القطرية، اليوم الأحد، عن رفضها بشكل قاطع ما وصفتها بالتصريحات التحريضية الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدة أن هذه التصريحات "تفتقر إلى أدنى مسؤوليات المسؤولية السياسية والأخلاقية".
وكان مكتب نتنياهو، قد قال في بيان مقتضب، مساء السبت: "إسرائيل تدعو قطر إلى التوقف عن اللعب على الجانبين بخطاباتها المزدوجة، واتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت إلى جانب الحضارة أم إلى جانب حماس"، مضيفا أن "إسرائيل ستنتصر في هذه الحرب بوسائل عادلة"، وفق وصف البيان.
وقال ماجد الأنصاري، المتحدث باسم الخارجية القطرية، في بيان: "تصوير استمرار العدوان على غزة كدفاع عن التحضّر" يعيد إلى الأذهان خطابات أنظمة عبر التاريخ استخدمت شعارات زائفة لتبرير جرائمها بحق المدنيين الأبرياء".
وتابع الأنصاري: "منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، عملت دولة قطر، بالتنسيق مع شركائها، على دعم جهود الوساطة الهادفة إلى وقف الحرب، وحماية المدنيين، وضمان الإفراج عن الرهائن. ويجدر هنا طرح سؤال مشروع: هل تم الإفراج عن ما لا يقل عن 138 رهينة عبر العمليات العسكرية التي توصف بـ"العدالة"، أم عبر الوساطة التي تُنتقد اليوم وتُستهدف ظلماً؟".
وأردف قائلا: "في المقابل، يعيش الشعب الفلسطيني في غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، من حصار خانق وتجويع ممنهج، وحرمان من الدواء والمأوى، إلى استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح للضغط والابتزاز السياسي. فهل هذا هو "التحضّر" الذي يُراد تسويقه؟".
حملات التضليل
وشدد الأنصاري على أن "السياسة الخارجية لدولة قطر، المبنية على المبادئ، لا تتعارض مع دورها كوسيط نزيه وموثوق. ولن تثنيها حملات التضليل والضغوط السياسية عن الوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة، والدفاع عن حقوق المدنيين بغضّ النظر عن خلفياتهم، وعن القانون الدولي دون تجزئة أو انتقائية".
وذكر أن "دولة قطر تواصل عملها الوثيق مع كل من جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، والدفع نحو سلام عادل ودائم، يقوم على قيم العدالة والإنسانية، لا على العنف والمعايير المزدوجة".
وجدد تأكيد دولة قطر إيمانها الراسخ بأن "السلام الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال تسوية عادلة وشاملة، تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وتنهي الاحتلال، وتكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
وقبل يومين، قدمت قطر مرافعة أمام محكمة العدل الدولية، وقالت فيها: "إسرائيل تستخدم المساعدات الإنسانية سلاحا ضد المدنيين وتبتز بها شعبا كاملا"، مضيفة أنها "مُلزمة فورا بإلغاء قانونها ضد الأونروا الصادر في 28 أكتوبر 2024".
وتابع الوفد القطري: "نشهد جنازات جديدة في الضفة الغربية كل يوم كمرآة لما يحدث في غزة"، مردفا: "إسرائيل لم تنه احتلالها بل واصلت الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين خاصة بغزة".
وذكر أن "ممارسات الحرب الإسرائيلية تظهر استهتارا تاما بالحياة البشرية"، مؤكدا أنّ "التجويع سياسة إسرائيلية ممنهجة وهو جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي".
وأشار إلى أن "وساطة قطر ومصر وأمريكا فتحت شريان حياة لقطاع غزة، قبل أن تغلقه إسرائيل مجددا"، متسائلا: "كيف أنّ إسرائيل تدمر جيلا كاملا من الفلسطينيين، وإنّها مُلزمة بضمان التغذية الكافية للأطفال بموجب اتفاقية حقوق الطفل".
ونوه الوفد القطري إلى أنّ "القطاع الصحي قد انهار بشكل شبه كامل في غزة بسبب الانتهاكات الإسرائيلية. أقل من ثلث المرافق الصحية التابعة للأونروا يعمل في غزة".
وجاءت المرافعة القطرية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، ضمن الجلسات العلنية التي عقدتها المحكمة، للاستماع للمرافعات الشفوية المتعلقة بالرأي الاستشاري، بشأن التزامات دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاه أنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الأخرى بالأراضي الفلسطينية المحتلة.