هل تهذيب حاجب المرأة يدخل في مفهوم النمص؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (أريد أن أقوم بتهذيب حاجبيّ؛ لأنهما غير مهذبين؛ وقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك. فقال: «لَعَنَ اللهُ النَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ»؛ فهل هذا النهي على إطلاقه؟
وأجابت دار الإفتاء على السؤال، بأنه قد ورد عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» متفق عليه.
وذهب بعض العلماء ممن مَنع الأخذ من الحاجبين استنادًا إلى نَهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نَتْفِ المرأة لحاجبيها: إلى ما إذا كان الأخذ من الحاجِبَينِ لغير حاجة، أو قصدت به المرأةُ الفجور، أو أرادت به التمويه على الرجال والتدليس عليهم، ونحو ذلك مما نصَّ عليه العلماء بما فهموه من معنى النهي الوارد في الحديث، فإذا انتفَت هذه المعاني انتفَى القولُ بالمنع، وقد تقرَّر في أصول الشريعة أنَّ "الحكم يدور مع علته وسببه وجودًا وعدمًا"، ولهذا إذا علَّق الشارع حكمًا بسببٍ أو علةٍ زال ذلك الحكم بزوالها، والشريعة مبنيةٌ على هذه القاعدة؛ كما قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "إعلام الموقعين" (5/ 528، ط. دار ابن الجوزي).
وعلى ذلك الفهم في توجيه النهي الوارد في الحديث جاءت نصوص الفقهاء على اختلاف مذاهبهم:
- فنصَّ الحنفية على أنَّ النهي عن الأخذ من الحاجبين قد يكون محمولًا على ما إذا فعلته المرأة لتتزين به للأجانب.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (6/ 373، ط. دار الفكر): [النمص: نتف الشعر، ومنه المنماص المنقاش.. ولعله محمولٌ على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب] اهـ.
- ونصَّ المالكية على أنه إذا انتفت علة التدليس وتغيير خلق الله، أو ما يجعله باقيًا أبدًا أو يظهر وكأنَّه من أصلِ الخِلقة: انتفى معنى النهي الوارد في الحديث:
قال القاضي عياض المالكي في "إِكمَال المُعْلِمِ" (6/ 655، ط. دار الوفاء): [وقد روي عن عائشة رضي الله عنها.. رخصةٌ في جواز النمص وحفِّ المرأة جبينَها لزوجها، وقالت: "أَمِيطِي عَنْكِ الأَذَى".. قال بعض علمائنا: وهذا المنهي عنه المتوعد على فعله فيما يكون باقيًا؛ فإنه من تغيير خلق الله، فأما ما لا يكون باقيًا.. فلا بأس به للنساء والتزين به عند أهل العلم] اهـ.
ونصَّ بعض المالكية على أنَّ النهي عن الأخذ من الحاجبين إنَّما هو محمولٌ على مَن نُهيَت عن استعمال الزينة امتثالًا للشرع؛ كمَن تُوفي عنها زوجها أو فُقِدَ؛ لأن ذلك منافٍ لمعنى الحِداد عليه.
قال الشيخ أبو الحسن العدوي المالكي في "حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني" (2/ 459، ط. دار الفكر): [النهي محمولٌ على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينةٌ لها؛ كالمُتَوفَّى عنها والمفقود زوجها، فلا يُنافي ما ورد عن عائشة رضي الله عنها من جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه] اهـ.
أي أنَّ الحكم بالمنع في الأحاديث ليس على إطلاقه، بل هو مخصوصٌ بالمرأة المنهية عن الزينة، وقد تقرر أنَّ "جميع عمومات الشرع مخصَّصة بشروط في الأصل والمحل والسبب؛ إما بدليل العقل أو السمع أو غيرهما، وقلَّما يوجد عامٌّ لا يُخصَّص"؛ كما قال حجة الإسلام الغزالي في "المستصفى" (ص: 245، ط. دار الكتب العلمية).
- وأمَّا الشافعية: فهم وإن ذهبوا إلى القول بالكراهة في معنًى من معاني الحديث، إلَّا أنهم نَصُّوا على جواز نفس المعنى عند الحاجة؛ كالعلاج، أو وجود عيبٍ، أو تشويهٍ، أو نحو ذلك، وهذه الأشياء قد تكون ضرورية أو حاجيَّة أو تحسينيَّة:
قال الإمام النووي الشافعي في "شرح مسلم" (14/ 106، ط. دار إحياء التراث العربي) في بيان معنى المُتَفَلِّجَات: [أما لو احتاجت إليه لعلاجٍ أو عيبٍ.. ونحوه: فلا بأس] اهـ.
وذكرت دار الإفتاء، أن كونُ حاجبي المرأة غير مألوفَين أو مُنَفِّرَين لا يخرج عن جملة العيوب المستثناة من الكراهة؛ سواء كان لها زوجٌ أو فعلته رغبةً في النكاح، فيدخل ذلك ضمنَ ما أجازوه للحاجة، وتنتفي الكراهة إن كان تهذيبهما لحاجة معتبرة؛ لما تقرّر في قواعد الفقه أن "الكراهة تزول بأدنى حاجة"، فقد يكون الشيء مكروهًا في أصله.
فإذا اقتضته الحاجة انتفت كراهته؛ كما نص عليه الإمامُ ابن مازه الحنفي [ت: 616هـ] في "المحيط البرهاني" (2/ 192، 5/ 403، ط. دار الكتب العلمية)، ونقله العلامة أبو عبد الله المواق في "التاج والإكليل" (6/ 153، ط. دار الكتب العلمية) عن الإمام مالك، والإمامُ النووي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الطباعة المنيرية)، والعلامةُ السفاريني الحنبلي في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة).
- وأمَّا الحنابلة: فقد وجَّهوا النهي الوارد في الحديث على معنى النتف، لا على مجرد إزالة الشعر، فإذا أزالت المرأة الشعرَ بطريقةٍ غير النتف جازَ لها ذلك، على أنَّ من العلماء من جعل معنى النِّمَاص: إزالة الشعر منِ الوجه، لا اختصاصه بالحاجبَين.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 107، دار الفكر): [فأما النامصة: فهي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة: المنتوف شعرها بأمرها؛ فلا يجوز؛ للخبر، وإن حلقت الشعر فلا بأس؛ لأن الخبر إنما ورد في النتف، نصَّ على هذا أحمد] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الحاجبين الفقهاء نتف الشعر دار الإفتاء الأخذ من على أن
إقرأ أيضاً:
لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار
الاستغفار من أعظم الأذكار التي يحتاج إليها الإنسان في كل لحظة من حياته، لما فيه من خير عظيم في الدنيا والآخرة، ومن بين المواضع التي شُرع فيها الاستغفار بعد الصلاة مباشرة، حيث أوصى به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبيّن لنا أن ترديده ثلاث مرات بعد التسليم من الصلاة من السنن المستحبة.
تكمن أهمية هذا الاستغفار في كونه وسيلة لتحقيق الأماني وقضاء الحوائج، وقد يكون بابًا تُفتح منه الخيرات وتُرفع فيه الكروب، فهو وصية نبوية تجمع بين الطاعة والرجاء، وتمنح المسلم فرصة لمراجعة نفسه وشكر ربه على نعمة العبادة.
ولهذا فإن سؤال "لماذا نستغفر بعد الصلاة ثلاث مرات؟" ليس مجرد فضول بل هو مدخل لفهم فضل هذا الذكر ومكانته في المنهج النبوي، وطريق من طرق الفلاح والنجاة.
الشيخ عويضة عثمان من كبار علماء دار الإفتاء المصرية أوضح أن المسلم يطلب منه الاستغفار عقب كل عبادة وليس بعد الصلاة فقط وهذا يشمل حتى عبادات كبرى كالحج كما جاء في قوله تعالى: “ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم” البقرة ١٩٩ ، فإذا كان الاستغفار مطلوبا بعد عبادة عظيمة كالحج فمن باب أولى أن يكون مطلوبا بعد الصلاة.
وقد جاء عن النبي ﷺ في حديث رواه ثوبان رضي الله عنه أنه كان يستغفر ثلاث مرات بعد التسليم ثم يقول :"اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام "، وهذا يدفع المسلم لمراجعة قلبه ونية عمله ويساعده على المداومة على ذكر الله بشكر وتسبيح.
ابن القيم رحمه الله أشار إلى أن هذا الاستغفار يعكس إدراك المسلم لتقصيره في تأدية الطاعة بالشكل الذي يليق بجلال الله تعالى لذا فإن تكرار الاستغفار بعد الصلاة يعد وسيلة لتطهير العمل وتعظيم الأمل في قبول العبادة.
فوائد الاستغفار لمن واظب عليه
ومن جهة أخرى فإن الإكثار من الاستغفار له أثر مبارك على حياة المسلم فمن داوم عليه نال الرحمة الإلهية واتسعت له أبواب الرزق وسترت ذنوبه وفرجت كروبه وقد ربط القرآن بين الاستغفار والرحمة في آيات عدة منها قول الله تعالى:"لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون" النمل ٤٦ .
كما أن الاستغفار يمنح العبد فرصة متجددة ليكون أقرب إلى استجابة الدعاء لأن من أكثر الاستغفار ابتعد عن الذنوب التي تمنع الدعاء من الوصول وفي الحديث النبوي
من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب.