«الخزانة المقدسة».. قاعات متحفية تعانق برج كنيسة التجلي في سانت كاترين
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
الخزانة المقدسة داخل دير سانت كاترين من أهم المزارات داخل الدير، والذي يضم مجموعة كبيرة من الأيقونات والمخطوطات الدينية والفنية والرمزية، إضافة إلى الكنوز الأثرية التي ترجع إلى العصور القديمة، وتحديدا مقتنيات القديسة كاترين، وأهمها الصندوق الذي يحوي رفاتها، لذا تعد «الخزانة» متحفا لعرض المقتنيات المقدسة بالدير.
يقول توني كازامياس، مستشار الأنبا ديمتري ديمانيوس مطران الدير وأسقف سيناء، لـ«الوطن»، إن الخزانة المقدسة تحوي عدة غرف، الأولى بها لوحة تعود للقرن الثاني عشر الميلادي، ومجموعة من المخطوطات ورقائق تعود إلى أقدم الكتب المقدسة في العالم.
وبحسب كازامياس، توجد أيضا غرفة داخل الخزانة تضم أهم الأيقونات التي تمثل مدارس التصوير البيزنطي منذ نشأته وتطوره، وعديد من الأيقونات الروسية والمعاصرة التي يعود جزء كبير منها إلى الفترة السابقة على حرب تحطيم الأيقونات، موضحا أن هذه الأيقونات ليس لها نظير على المستوى العالمي، وتتنوع ما بين اليونانية واللاتينية والسوريانية والقبطية والأثيوبية والسلافية والأمهرية والأرمينية.
كما تحوي الخزانة المقدسة أيضا تحفا فنية وأزياء مطرانية، مثل عصا المطران وبطرشيل الكاهن وقلنسوة من الحرير المطرز تعود إلى القرنين الـ16 والـ18 الميلادي، وكذلك تابوت رخام لحفظ رفات القديسة كاترين، بحسب «كازامياس».
موقع الخزانة المقدسة داخل دير سانت كاترينويذكر عبد الرحيم ريحان، الخبير الأثري، أن تجربة إنشاء قاعة للعرض المتحفي لمقتنيات دير سانت كاترين داخل الدير تعد تجربة رائدة لإنشاء معارض ذاتية بدأت منذ عام 2001، واستمرت حتى الآن، فالمتحف يقع في أجمل مكان بالدير مواجهًا لكنيسة التجلي، وهي الكنيسة الرئيسية بالدير وشجرة العليقة التى ناجى عندها نبى الله موسى ربه، ويتعانق برج كنيسة التجلى مع مئذنة الجامع الفاطمي داخل الدير لتتعانق الأديان فى بقعة واحدة.
وأوضح الخبير الأثري لـ«الوطن» أشهر مقتنيات الخزانة المقدسة، وهو مخطوط التوراة اليونانية المعروفة باسم «كودكس سيناتيكوس»، وهي نسخة خطية غير تامة من التوراة اليونانية كتبها أسبيوس أسقف قيصرية عام 331 تنفيذًا لأمر الإمبراطور قسطنطين، ثم أهداها الإمبراطور جستنيان إلى دير طور سيناء عند بنائه للدير عام 560 م، الذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين بعد العثور على رفات القديسة كاترين على أحد جبال سيناء، الذى عرف باسمها.
وأضاف، أن من اكتشف هذا المخطوط فى الدير هو تشيندروف، وهو روسي الجنسية عند زيارته للدير أعوام 1844، 1853، 1859، والجزء الأكبر من الوثيقة حصل عليه تشيندروف في رحلته الأخيرة عام 1859، وهي التي قدمها إلى الإسكندر الثاني قيصر روسيا، وحفظت بمدينة سان بطرسبورج بأمر القيصر الروسي وفي عام 1933 باعتها الحكومة الروسية للمتحف البريطانى بمبلغ مائة ألف جنيه إسترليني.
وأوضح «ريحان»، أن «تشيندروف» جاء إلى دير سانت كاترين وطلب أن يستعير هذا المخطوط السينائى من الدير لحساب إمبراطور روسيا على أن يعيدها، إلا أنه لم يعد منها شيئًا للدير، وفى عام 1933 اشتراها المتحف البريطانى ولا تزال معروضة به حتى يومنا هذا.
وأشار «ريحان» إلى المخطوط الثاني في المتحف، وهو العهدة النبوية، وهو كتاب العهد الذي كتب للدير فى عهد نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، حيث كان في الأصل محفوظًا فى الدير إلى أن دخل السلطان العثماني سليم مصر غازيًا عام 1517م، فأخذ الأصل وأعطاهم نسخا معتمدة منه مع ترجمتها بالتركية.
أهم الأيقونات داخل الخزانة المقدسةومن جانبه، يشير هشام حسين، المشرف العام على آثار جنوب سيناء، إلى أن الخزانة المقدسة داخل دير سانت كاترين تضم عدة قاعات، منها قاعة للأيقونات وذخائر ومخطوطات الدير وقاعة تضم الملابس الكهنوتية، ومن أشهر أيقونات الدير أيقونة السيدة العذراء تحمل السيد المسيح من القرن السادس الميلادي، وأيقونة البانتوكراتور ضابط الكل من القرن السادس الميلادي، وأيقونة القديس بطرس من القرن 6 الميلادي، وأيقونة الميلاد من القرن الثامن الميلادي، وأيقونة النبى موسى «خلع نعليه أمام العليقة المقدسة من القرن 13م، وأيقونة النبى موسى يتسلم الألواح من القرن 13م، وأيقونة البشارة من القرن 13م، وأيقونة سلم الفضائل من مخطوط يوحنا السلمى و تعود للقرن 13م.
أهم المخطوطات بالخزانةوبحسب «حسين»، يوجد مخطوطات منها الإنجيل السريانى من القرن 4م، وقانون الرهبان بالسريانية مكتوب على رق غزال ينظم حياة الرهبنة ويعود للقرن 11م، وإنجيل يوحنا باللغة العربية مكتشف حديثًا يعود إلى القرن 11م، ومخطوط كوزماس الملاح من القرن 12، و13م، ومخطوط «سفر أيوب»، و«زمبيل» من العصور الوسطى، وتشتمل الخزانة المقدسة علي قاعة للتحف المعدنية من مقتنياتها مجموعة من الأواني المقدسة تشمل 17 إناء، منها 2 كأس مناولة، 1 مبخرة، و2 صندوق لحفظ رفات القديسين، و3 قلادات، وصليب المباركة، و1 قنديل، و2 تيجان للرهبان، حاملا لأرغفة «القربانة»، وحافظة ذخائر خاصة بالقديسة كاترين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: دير سانت كاترين سانت كاترين دیر سانت کاترین من القرن
إقرأ أيضاً:
سياسات منطقة الخليج ووعي أجياله
الحديث عن دول الخليج ليس من باب الانتماء المتعالي، كما لا يمكن فصلها عن عالمها العربي لمشتركات عديدة على رأسها الدين واللغة، وفي المقابل لا يعيش الخليج بمعزل عن التحولات العالمية في الجوانب السياسية والاجتماعية والمعرفية والاقتصادية، إلا أن دول الخليج مرت بنقلة نوعية مع بدايات اكتشاف النفط، أحدث شيئا من التحول المادي والديمغرافي أثر في الجانب الثقافي، كما أثر في تحولات الوعي لدى أجياله، وإن بدأ الحراك الثقافي والمعرفي مبكرا في البحرين والكويت خصوصا، ثم حدث شيء من الاستقرار في السعودية منذ خمسينات القرن العشرين، ثم إن باقي الدول تبعتها في الاستقرار المادي، والانتعاش الاقتصادي، والانفتاح الخارجي والديمغرافي منذ بداية سبعينات القرن الماضي كما في عُمان والإمارات وقطر.
ودول الخليج سياسيا دول ملكية أسرية وراثية، استقرت على هذا ردحا من الزمن، بيد هذه الأسر لها خصوصيتها من حيث القرب من شعوبها، والبساطة في الانفتاح لهم بدل البرتوكولات المعقدة، أو العظمة المستبدة، وكما يرى محمد البغيلي أن «الملكيات منذ القدم تفتح أبوابها للنقد والاعتراض، حتى في الخليج؛ شريطة عدم القرب من السلطة، أو أن تكون النوايا صادقة للإصلاح، وفي وقته، فخوفهم من دخول بيانات سرية، وتنظيمات مخيفة، ودخول أسلحة باسم المعارضة أو الإصلاح فهذا طبيعي يخيفهم».
بيد أن دول الخليج في محاولتها للتحرر من التأثيرات الماركسية، وكان خطابها قويا في الستينات من القرن العشرين كما في الكويت والبحرين وجنوب اليمن، إلا أنها كظاهرة معرفية تحررية امتدت في جميع دول الخليج بما فيها صحراء نجد وعُمان وما حولهما، ولإضفاء بديل خطابي اتجاه الخطاب الماركسي؛ من هذه الدول من حاولت تغليب الثقافة بشكلها العام بعيدا عن الأدلجة الماركسية، ومنها من حيث الاتجاه الأكبر مالت إلى خطابات الأسلمة، والتي بعد عام 1979م ستتشكل في اتجاهات حركية تحت منظومة أسلمة الدولة كما يرى زكي الميلاد أنه «بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ... تبنت بعض الحركات الإسلامية مناهج للتغيير في مجتمعات لا تناسبها مثل هذه المناهج على الإطلاق، واندفعت حركات أخرى باتجاه تصعيد وتيرة العمل، والانتقال به إلى مراحل متقدمة، وفجأة وجدت بعض هذه الحركات نفسها في صدام عنيف مع السلطات في دولها»، ومنها دول الخليج بأشكال متنوعة، خصوصا بعد منتصف ثمانينات القرن الماضي.
عاشت الشعوب الخليجية لأكثر من نصف قرن تحت تأثير خطابات الأسلمة بشكل أكبر، مع محاولة غالب دولها على تشجيع الانفتاح الثقافي من حيث الإعلام الرسمي العام، بيد أن تأثير الأول كان أكثر تأثيرا واستغلالا لقضايا المنطقة كفلسطين وأفغانستان وكوسوفو والشيشان وغيرها، كما نقلها من التدين الشعبي البسيط المتعايش مع بعضه إلى التدين الآحادي الشكلاني الملغي للمختلف، والذي ينظر بريبة إلى الآخر حتى داخل الدين أو المذهب ذاته، والذي تطور إلى اتجاه حركي بين فترة وأخرى.
في هذه المرحلة لم تستطع دول الخليج خلق مؤسسات ثقافية مستقلة تنطلق من داخلها، وتقرأ واقعها وتحولها وفق المرحلة، فكانت أقرب إلى ردات الفعل الآنية، وفي كثير من الأحوال هي ذاتها لبست لباس الأسلمة، وحجمت من النشاطات الثقافية المستقلة، فعاشت النقيضين، بين خطاب وإعلام خارجي ورسمي داخلي أقرب إلى الاتجاهات الثقافية في جوها اللبرالي المنفتح، وبين خطاب داخلي شعبي أقرب إلى اتجاهات الأسلمة، مع تخوف واضح من وجود اتجاهات ثقافية مستقلة ناقدة وقارئة بعمق للتحول الاجتماعي في منطقة الخليج، وإن وجد فأغلب رموزه من خارج المنطقة، أي من أجزاء الوطن العربي بشكل عام.
وفي المقابل بسبب الوفرة المالية، والاستقرار السياسي؛ دعمت بشكل واضح التحديثَ في المنطقة، وإن نظرت بريبة إلى الحداثة، ففي أقل من خمسين عاما كان التحديث المادي واضحا؛ أدى إلى الهجرات العمالية إلى الخليج، وهذه تهاجر بثقافاتها ولغتها وأفكارها، مما سيؤثر لاحقا في التفكير الاجتماعي، وفي الوقت ذاته استخدمت دول الخليج الأسس الاشتراكية في مجانية التعليم، والتشجيع عليه، كما شجعت على إرسال البعثات الخارجية، خصوصا في العقود الثلاثة الأخيرة، ليرجع جيل أكثر انفتاحا، حيث العديد ممن رجع يحمل مفردات الحداثة، ولا يتوقف عند التحديث فقط، فأصبحت دول الخليج منتجة لرموز ثقافية ومعرفية لا يقلون شأنا عن إخوانهم في الوطن العربي، وأصبح لهم حضورهم الكتابي والمعرفي والثقافي والفني بشكل عام.
وإن كانت الحاسة السياسية في الخليج قبل 1995م خصوصا متحكمة إداريا في توجيه الإعلام داخل الدولة القطرية وفق خصوصيتها السياسية والدينية والثقافية والفنية، إلا أنه مع الانفتاح التقني في الشبكة العالمية، واشتراكية الحضور الإعلامي، وقدرة الفرد على كسر حاجز التعبير عن رأيه، وتقديم ما يضمره من معرفة، ولو خارج السياق الديني والثقافي والسياسي بل والجندري وفق ما يراه كفرد، حيث انتقل من المعرفات الوهمية في الشبكات الإلكترونية، ومن التحيزات الفئوية والجمعية في الفضائيات وبعض المواقع، إلى الفردانية والتصريح بفكره صوتا وصورة وكتابة بعد 2006م من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
كل هذا وغيره - حيث يصعب حصر ذلك في مقالة قصيرة كهذه - أثر في امتداد الوعي رأسيا وأفقيا، وهذا مشاهد بشكل واضح، فينبغي أن يكون تفكير سياسات منطقة الخليج وفق المرحلة التي نعيشها اليوم، وأن يكون التقنين متلائما مع هذه المرحلة من تطور مستوى الوعي والحداثة، لا أن يكون بذات العقليات قبل خمسين عاما، فإن كان كذلك سوف يزيد من درجة الفجوة بين سياسات المنطقة، وبين ما تحمله الأجيال الحالية من وعي، وأن تدرك هذه السياسات أن قوتها في الاقتراب من وعي شعوبها والاستماع لهم، ومن الانفتاح على الجميع بشكل مؤسسي يوسع من دائرة الحريات، وهذا لا يغني عن أهمية وجود مؤسسات بحثية تقرأ هذا السياق الزمني بعمق، حتى لا تتكرر الأخطاء الفردية، والقرارات الانطباعية غير القارئة بعمق للواقع المعيش.