عربي21:
2025-05-10@06:26:27 GMT

جدلية القراءة والتفاهة

تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT

عندما عرض الله آدم للملائكة

من الواضح في الإخبار القرآني عن آدم أن ميزته منظومته العقلية وقدرتها على إدارة الطارئ والحدث، والذات من حاجات وغرائز، فعندما عرض آدم على الملائكة لم يعرض عضلاته ولا جمال هيئته، بل منظومته العقلية هذه، والعمليات التي تجري في المنظومة العقلية ومعالجة المعلومات هي العزيمة، فعندما لم يستخدم آدم قدراته في التفكير ومعالجة المعلومة اعتبر لا عزم له، بل إنه نسي، أي لم يستحضر المعلومة والتحذير له من هذا الذي أغواه عندما استثار غريزة حب البقاء والتملك والنوع، وسيطرت عليه عندما لم يفكر ويتدبر المعلومة: "فوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يبلى" (طه: 120).

. نلاحظ الخلود معبرا عن حب البقاء، وملك لا يبلى عن غريزة التملك، ثم النوع بعد المخالفة ليكون الزلل.

فكان الفشل في إدارة المعلومة الجاهزة والسيطرة على الغرائز، وهكذا نحن على الأرض لاختبار منظومتنا العقلية. المعلومة لا تأتيك دفعة واحدة وإنما تتعلم وتفكر فتكتشف وتبدع وتنتج. وهذه درجات في نجاح المنظومة، ولكي تتعلم فلا بد أن "تقرأ" من أجل هذا كانت الكلمة الأولى في الرسالة القرآنية، وما بعدها دعوة للتفكر بالتدرج والتطور. فقابلية الإنسان رهيبة تظهر حتما عندما تقيس حجمه إلى حجم ما يبني من سدود وناطحات سحاب، واستقرائه المحيط والخليقة أدوات سلمه وحربه، فمن نجح في استخدام منظومته العقلية، وطورها وفكر في مهام البشرية في الحفاظ على السلالة البشرية وعبادة الله بحركته الحياتية وعمارة الأرض، بإقامه العدل وتميز الآدمية. هذا النوع يعود إلى الجنة، وأما من لا يستخدم منظومته العقلية ويهلك الحرث والنسل، أو يعيش على الهامش لا تهمه إلا حاجاته فيسدها أو غرائزه فيشبعها، ولا تزداد معرفته، وإن زادت فإدارتها مهملة، فسيكون إذن فيمن حصب جهنم وحطبها يوم القيامة.

من هذا نستخلص أن التفكير وضبط ضعفها وإدارة الحياة؛ واجبة، فلا تؤخذ الأمور بالتهرب من مسئولية الآدمية بطلب مبرر لها من رجل دين (مع تحفظي على كلمة رجل دين)، فالإسلام العبادة فيه في إقامة واجبات الآدمية، ونحن لا نرى اليوم ما يشير إلا إلى فقدان العزيمة عند الأغلبية الحاكم والمحكوم لتحل التفاهة والخروج عن منطق الخلافة الآدمية.

معاملة المعلومة للوصول إلى القرار السليم تدل على قلب أي تفكير سليم، وإلا ما أكثر التافهين وهم يبدون كنشطاء في مجتمع ولهم حضور جسدي في كل حفل ومكان.

التفاهة في مجتمعاتنا باتت غالبة مضرة بالقيم والعادات والتقاليد والتكافل وكل القيم المعبرة عن إدامة السلالة وعمارة الأرض، لقد بات الإضرار بالآخرين تمكينا بينما هو ظلم للنفس والآخر وظلم النفس بتعريضها للعقاب.

الظلم في واقعنا أصبح رديفا للتمكين والأذى بالفعل والكلمة، دارج دون انتباه لكرامة الإنسان ولشخصه، بل هو نوع من استضعاف بين المستضعفين، واستخفاف بالقيمة والكرامة الإنسانية نتيجة الجهالة والجهل المركب الذي يظهر بشكل التفاهة المنفرة للنفوس الراقية.

مجتمع بلا هوية غاص في التفاهة

في أمة اقرأ التي تركت القراءة وتثاقلت، وتمرضت وتألمت، أصبحت تكتب وتجادل في وسائل التواصل وتفرض تفاهتها على الساحة وتسفه العقلاء، لذا سنجد أسبابا داعمة لمشكلة التفاهة التي تسود في الحياة والكلام والعلاقات ومنها:

* المنظومة المعرفية: وهي مجموعة المأثورات والمنقولات والتقديس للأشخاص وبعض التعاليم المتوارثة، تقيسها انطباعات. الكلام نفسه عن الدين وفهمه، أي دين وليس الإسلام فقط، هو كلام انطباعات ومنقول بلا تفكير أو تمحيص وإنما جعل معيارا وهو بلا سند إلا السرديات التي كتبها المؤرخون.

* الرغبات والأمنيات التي لا تتحول إلى أهداف ولن تتحول إلى غايات، ولأسباب عديدة تمجد وتذم وتفاضل بين السيئين دون الانتباه إلى ضرورة استكشاف الناس الكفء بل الكفء في ظرف ما، وهو في الغالب ليس مرغوبا ومحاربا من قوى الشر والفساد؛ وغالبا ما يضعف أمامهم لضعف إمكانياته.

* بحث الناس عن الرغد والسكينة المجاني والمتعة بلا مقوماتها، رغم أنهم واقعا هاربون من القهر والظلم عند المتمكن والعجز عن صد الظلم فيهرعون إلى الأوهام التي يسمونها حلما أو نجاة لبعض الناس على حساب قومهم وآخرين، أو بيع النفس لشياطين الإنس من أجل وهم لا يتحقق أو حياة رغد ينظر لها من بعيد كسراب يحسبه الظمئان ماء.

لا يمكن أن نتوقف عن التفكير فهذا من بنية الخلق والتفكير يحتاج القراءة والمعرفة كمادة للإبداع والتصويب وليس لمعرفة لا تنقل من حالة الغفلة، تلك جدلية القراءة والتفاهة فشتان بين يفكر في معطياته وتطويرها ليصل وبين من يجتر الأوهام بحثا عن حياة الهدوء وسط الضجيج.

الإنسان قيمة فلا تبع نفسك برخص بل وتخلص بخيانتك لخلقك وتبدع في التضليل، هنا ستكون كما إبليس وتصبح شيطانا. التفاهة لا علاقة بذي علم أو معرفة بل بمدى ضعف المنظومة العقلية وحيودها عن رسالة الآدمية في الحياة ولا تليق التفاهة بعظمة الإنسان، فما ملك مهما ملك من ملك والتفاهة من ضمن أوصافه، فهو فقير مسكين ظالم لنفسه، والقناعة هي منعطف حياتي محظوظ من يجتاز التواءها بسلام، ومحظوظ من ساعد الآخرين على اجتيازها بلا إضرار لهم أو بكرامتهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات التفكير التفاهة المعرفة التفكير ادم التفاهة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

للإنسانية قيمة..

الإنسان رهين مجموعة من العوامل المادية والمعنوية، فهي التي توجهه نحو اليمين ونحو الشمال؛ نحو الرضى ونحو الغضب؛ نحو الكرم ونحو البخل؛ نحو الشجاعة ونحو الجبن؛ نحو التضحية ونحو الانهزام؛ نحو التقدم ونحو التقهقر؛ نحو العلم ونحو الجهل؛ نحو التواضع ونحو التكبر؛ نحو السمو ونحو الوضاعة، والسؤال المحوري هنا: من أين تبدأ استقلالية الفرد حتى يتجاوز هذه الثنائية؛ فيكون أكثر قدرة على توجيه بوصلته للأهداف التي يريد تحقيقها؛ دون أية ضغوط ثانوية تؤثر على ذلك؟

في هذا السؤال؛ العائم؛ والذي يمكن أن يجاب عليه بإجابات متعددة، تبقى حالة محورية فيه، وهي المرتكز للانطلاقة نحو تحييد الإجابة عن التشعب، هذه الحالة هي الإنسانية باستحقاقاتها الكاملة، فإنسانية الإنسان هي التي تجله، وتميزه عن بقية الكائنات الحية في هذا الوجود، ولولا هذه الإنسانية لما استطاعت الكائنات الأخرى أن يكون لها موطئ قدم بين المجتمع الإنساني، حتى في وجود الصلف المعتاد من قبل بعض الحيوانات للفتك بالإنسان والقضاء عليه، ومع ذلك تجد هذه الحيوانات المساحة الآمنة للاطمئنان في المساحة الإنسانية حيث يتيح لها الإنسان هذه الفرصة، فالإنسانية هنا تشكل محور الإنسان كفعل ومعنى في هذا الوجود، ويقاس عليها كل تصرفاته وانفعالاته، وأخذه ورده؛ وإقدامه وتقهقره؛ وقس على ذلك مجموعة المتناقضات التي تعتريه في كل تصرفاته المقصود منها؛ وغير المقصود؛ والتي تأتي اتساقا مع طبيعته الإنسانية دون تكلف أو توجيه.

وهذه الاستقلالية التي يتم الحديث عنها في هذه المناقشة، وهي الموسومة بالإنسانية هي التي تجلي وتصقل كل تصرفات الفرد مع نفسه، ومع الآخرين من حوله، ومتى فقدت هذه البوصلة «الإنسانية» فقد الفرد ذاته، وأصبح رقما ثانويا لا قيمة له، وقد يصبح معول هدم خطير، أكثر منه عامل بناء لخيره، وللآخرين من حوله، وقد يصل الأمر إلى التحذير منه، ومن تصرفاته العوجاء، وبطشه وجبروته، التي لا تفرق بين حق وباطل، وبين صديق وعدو، ويكون أشد فتكا من الضواري التي تحتمي بإنسانية الإنسان في مواقف كثيرة، ذلك أن الضواري متى أشبعت غريزتها وارتوت، هدأت وأصبحت من مثيلاتها المدجنة التي تعيش ما بين جدران أربعة مشاركة الإنسان استقراره وطمأنينته.

وبقدر هذه القيمة الإنسانية التي تجل تصرفات الإنسان، يحتسب للإنسان قدره ومكانته بين بقية المخلوقات، وتقاس تصرفاته وسلوكياته من هذا المبدأ الإنساني، وبالتالي فأي تصرف شاذ عن المعنى الإنساني يفقد في المقابل القيمة الإنسانية لذات الفرد، وينزله منازل الكائنات غير العاقلة، وليس معنى ذلك أن يرفع عنه القلم، ويعذر فيما يقترف من موبقات، سواء تلك التي تنزله منازل البهيمية العجماء، أو تلك التي يخطط لها بعقل راشد ليؤذي بها غيره «ما سبق الإصرار والترصد» إطلاقا؛ إنما تستلزم محاسبته، ودفع أثمان ما يقترف، سواء ذلك وفق القانون الذي يؤمن بأهميته أفراد المجتمع، أو القانون الإلهي الذي سوف يجده عدالته في يوم غير يومه في الحياة.

فالقيمة الإنسانية تشعر الفرد بأهمية الدور الذي يقوم به في مجتمعه، وهو دور يذهب إلى الصلاح والرضى، ويضع الفرد في المكانة التي تجله وتقدره كفرد صالح يؤمن بأهمية كل ما حوله، ويرى أنه مسؤول عنه في تلك اللحظة التي يتعامل معه، ويعمل على المحافظة عليه، وعند إسقاط مجموعة الأوامر النواهي؛ وعلى أنها المهمة في تصويب تصرفات الفرد نحو كل ما حوله، فإن ذلك لن يزيد على إنسانية الإنسان الحقيقية، وبالتالي فإن لم يؤمن بها الفرد، فإنها تظل حبرا على ورق؛ ولن تجدي نفعا في تصويب سلوكيات الإنسان، حيث يتم تجاوزها والتلاعب بها، واختراقها بصورة متعمدة.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عُماني

مقالات مشابهة

  • خبير تربوي يشيد بقرار التعليم بتفعيل برامج علاجية صيفية لطلاب المرحلة الابتدائية
  • للإنسانية قيمة..
  • مدرسة تأسيس الخاصة تكرم طلابها المتأهلين للمرحلة الثانية من مبادرة ‏تحدي القراءة العربي بموسمها التاسع
  • خبير تربوي يوضح مزايا البرامج العلاجية لتعليم الأطفال مهارات القراءة والكتابة
  • خبراء تربويون: البرنامج الصيفي خطوة لتحسين مهارات الطلاب
  • مبادرة تحدي القراءة تصدر تنبيهاً للطلاب المشاركين حول مواعيد تسليم الجوازات
  • ننشر تفاصيل برامج علاجية صيفية للصفوف الأولى لضمان إتقان القراءة والكتابة قبل الانتقال للصف الأعلى
  • ماهي التهديدات التي يواجهها الدولار في دول اسيوية
  • الرئيس الشرع: شهدنا مؤخراً أحداثاً مأساوية وتحركنا سريعاً لمواجهة الهجمات وشكلنا لجنة للتحقيق في الأحداث التي افتعلها مسلحون تابعون للنظام البائد في الساحل ورحب مجلس حقوق الإنسان بتشكيلها
  • التحضيرات لإقامة المرحلة الثانية من مبادرة تحدي القراءة العربي خلال ‏اجتماع بوزارة التربية