لم تشهد غزة قط مثل هذا القدر من النزوح في مثل هذا الوقت القصير، فبينما أجبرت الصراعات السابقة مئات آلاف الفلسطينيين على ترك منازلهم، قال خبراء إن الحرب الإسرائيلية الحالية غير مسبوقة بالنسبة لعدد النازحين داخل القطاع البالغ مساحته 360 كيلو مترا، بحسب صحيفة "ذا نيويورك تايمز" الأمريكية (The New York Times).

الصحيفة أردفت، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أنه مع استقبال الملاجئ أضعاف طاقتها، يقول عمال الإغاثة الإنسانية إنه مع استمرار القتال لا يوجد مكان آمن للنزوح إليه في القطاع الذي يسكنه نحو 2.3 مليون فلسطيني.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، تخللتها هدنة لمدة 7 أيام، خلّفت 15 ألفا و523 شهديا فلسطينيا و41 ألفا و316 جريحا، بالإضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.

ووفقا للصحيفة، "يوجد ما لا يقل عن 14 ملجأ حكوميا وأمميا داخل منطقة الإخلاء الجديدة، التي أعلنت عنها القوات الإسرائيلية أمس السبت، وسجلت هذه الملاجئ أكثر من 68 ألف نازح حتى 28 نوفمبر/تشرين الثاني (الماضي)".

أحد هؤلاء النازحين هو يوسف هماش، مسؤول في المجلس النرويجي للاجئين، وقد فر من منزله في شمال القطاع، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليقيم مع أكثر من 40 من أقاربه في مخيم للاجئين.

وقال هماش إن "الناس ينامون في الشوارع والأرصفة دون أي وسيلة للحماية"، مضيفا: "عليك أن تنتظر في الطابور لمدة ساعتين، فقط لاستخدام الحمام.. أما الاستحمام فبمثابة حلم."

وتساهم الأماكن المكتظة ومحدودية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والحمامات في انتشار المرض، إلى جانب بداية فصل الشتاء، وفقا لمنظمة الصحة العالمية التي أعلنت بالفعل عن آلاف حالات التهابات الجهاز التنفسي الحادة والإسهال والطفح الجلدي في المتوسط يوميا.

اقرأ أيضاً

"الموت راحة".. الفارون من شمال غزة يشعرون بالندم والإحباط والعجز  

أماكن النزوح

ووجد حوالي 1.4 مليون فلسطيني مأوى داخل أو خارج المدارس والمراكز الطبية والمساجد والكنائس في غزة، ويُعتقد أن بقية النازحين، نحو نصف مليون شخص، يقيمون مع أقارب أو غرباء، وغالبا ما ينامون في الخارج في الساحات أو محشورين في شقق صغيرة، كما زادت الصحيفة.

وتابعت أن أغلبية النازحين انتقلت إلى جنوب القطاع، بعد أن دمرت الغارات الجوية والبرية المكثفة التي شنتها القوات الإسرائيلية جزءا كبيرا من الشمال، مما جعله غير صالح للعيش.

وأردفت: "لكن التقديرات تشير إلى أن عشرات الآلاف ما زالوا في الشمال، بما في ذلك العديد من الأشخاص غير القادرين على السفر، مثل المرضى والمعاقين".

و"تحذر المنظمات الإنسانية من أن الملاجئ، حتى في الجنوب، ليست محمية من القتال. وأفادت الأمم المتحدة، في 23 نوفمبر الماضي، بأنه منذ بداية الصراع، قُتل نحو 191 شخصا وأصيب 798 آخرون في ملاجئ"، بحسب الصحيفة.

وأضافت أن ما لا يقل عن 28 مدرسة حكومية تعمل كملاجئ تعرضت لأضرار جسيمة في محافظتي شمال غزة وغزة، مما جعلها غير صالحة للاستخدام، كما تعرضت 122 مدرسة أخرى في جميع أنحاء القطاع لأضرار متوسطة أو طفيفة.

اقرأ أيضاً

المشهد بعد انهيار هدنة غزة.. ف. تايمز: حماس تزداد شراسة والفلسطينيون يرفضون النزوح لرفح

استهداف الجنوب

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن معظم ملاجئها استقبلت أربعة أضعاف طاقتها الاستيعابية على الأقل، وغير قادرة على استيعاب المزيد من الأشخاص.

وقالت الصحيفة إن عدد سكان الملاجئ في غزة ارتفع منذ بداية الحرب، وخاصة في المناطق الوسطى والجنوبية من دير البلح وخان يونس ورفح، وهي المناطق التي طلبت القوات الإسرائيلية مؤخرا من الفلسطينيين إخلاءها.

وخلال وقف إطلاق النار، الذي استمر سبعة أيام حتى 1 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، غادر نازحون الملاجئ مؤقتا للعودة إلى منازلهم لتقصي الأضرار، حتى أن بعض النازحين في الجنوب حاولوا العودة إلى الشمال، بحسب الأمم المتحدة.

وشددت الصحيفة على أن "سلامة النازحين غير مؤكدة؛ مع استمرار القتال في أسبوعه التاسع". وقال هماش: "إننا نتجه إلى مستوى جديد من الجنون والقصف (الإسرائيلي).. الآن جاء دور الجنوب".

اقرأ أيضاً

إبادة جماعية ونزوح نحو مصر.. تنديد أممي باستئناف حرب غزة

المصدر | ذا نيويورك تايمز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يحاصر الرُضّع.. منع إدخال الحليب يهدد حياة آلاف الأطفال بغزة

غزة- تحتضن "أم يحيى" القيشاوي أحد رضيعيها بيد، وتضع اليد الأخرى على حضانة يرقد بها رضيعها الثاني في "مستشفى شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح (وسط القطاع) وتوزع نظرات الحب والاهتمام بين توأمها من عينين غائرتين، وقلبها يخفق بقوة قلقا عليهما، نتيجة تدهور حالتهما الصحية بسبب سوء التغذية.

وينتاب الأم (38 عاما) قلق شديد على توأمها "ماجد" و"منير" اللذين أنجبتهما مبكرا قبل بضعة أيام، وقرر الأطباء وضعهما في الحضانة، لنقص وزنهما ومعاناتهما من سوء التغذية.

وتزيد تحذيرات وزارة الصحة الفلسطينية من قلق هذه الأم، حيث لا يتوفر الحليب العادي ولا العلاجي في مستشفيات القطاع، جراء منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال أي شحنة حليب منذ نحو 4 أشهر.

ولادة خطرة

لسنوات طويلة ظلت والدة الرضيعين تعاني من مشكلات في الإنجاب، حتى رزقت بطفلها البكر يحيى قبل 3 أعوام، لتكتشف خلال الحرب كما تقول للجزيرة نت حملها بهذا التوأم "كدت أطير فرحا، غير أن تجربة الحمل في ظل ظروف الحصار والمجاعة سرقت مني فرحتي، كانت تجربة صعبة وقاسية للغاية".

ولم تكمل أم يحيى شهرها الثامن في الحمل، حيث خضعت لعملية ولادة قيصرية اضطرارية بسبب معاناتها من سوء التغذية الحاد، ووضعت توأمها بوزن لا يتجاوز كيلو ونصف الكيلوغرام لكل منهما، واستدعى ذلك إدخالهما قسم الحضانة.

وفي اليوم الخامس تحسّنت الحالة الصحية لأحد الرضيعين، بينما بقي الآخر في الحضانة، وتقول أم يحيى "أشعر أن قلبي قد شق لنصفين من القلق على كليهما، ولا أعرف كيف سأتدبر أمري مع الحليب".

وتعاني الأم نفسها من سوء التغذية، وتقول إنها لا تستطيع إرضاع توأمها طبيعيا، وفي الوقت ذاته لا يتوفر الحليب في الصيدليات، وحال توفره في بعضها فإن أسعاره مرتفعة جدا ولا تقوى عليها.

أم يحيى أنجبت توأما بعملية قيصرية وتعاني معهما المجاعة وسوء التغذية (الجزيرة)

وتقيم أم يحيى وأسرتها في مدينة دير البلح منذ نزوحها الجبري من منزلها في حي الشجاعية (شرقي مدينة غزة) عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتقول "الحرب أثَّرت على الجميع، وأوضاعنا الاقتصادية صعبة، ولا يمكننا توفير عبوتيْ حليب أسبوعيا لتوأمي".

إعلان

وغير بعيد من قسم الحضانة في مستشفى شهداء الأقصى، كانت أسماء أبو جمعة تقف بجانب رضيعها يوسف الذي وضعته قبل أيام، واستدعت حالته الصحية ونقص وزنه إدخاله للحضانة أيضا.

وتركت فترة الحمل الصعبة التي مرت بها أم يوسف (38 عاما) أثرها على مولودها، بالرغم من أنها أرضعته طبيعيا بداية، لكنها لم تستطع مواصلة ذلك، لأنها تعاني هي الأخرى من المجاعة ولا تتوفر في القطاع أصناف البيض واللحوم والدجاج والفواكه التي تساعد المرضعة على إدرار الحليب، وفي الوقت نفسه لا يتوفر الحليب الصناعي في المستشفيات والصيدليات.

وخاضت أم يوسف -كما تقول للجزيرة نت- تجربة الحمل والولادة 12 مرة قبل تجربتها الأخيرة خلال الحرب، التي تعتبرها الأقسى، نفسيا وجسديا، حيث الخوف والجوع، وعانت خلالها من انخفاض في نسبة الدم.

أسماء وضعت مولودها بصحة سيئة ولا يمكنها إرضاعه لمعاناتها شخصيا من سوء التغذية (الجزيرة)

وتقطن السيدة الفلسطينية وأسرتها في بلدة الزوايدة وسط القطاع، وساءت أحوالهم المعيشية خلال الشهور الماضية، لعدم انتظام عمل تكية خيرية هي مصدرهم الرئيسي للتزود بالطعام.

ونتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد منذ 2 مارس/آذار الماضي، وإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، خرجت أغلب تكايا الطعام الخيرية عن الخدمة، وتفشت المجاعة على نطاق واسع وفتكت بأكثر من مليونين فلسطيني في القطاع.

وتقول أم يوسف إن الوضع الاقتصادي لأسرتها لا يسمح بشراء الخضار الشحيح أصلا في الأسواق ويباع بأسعار خيالية، وتشعر بقلق شديد على رضيعها وأشقائه الآخرين "وكلهم أطفال يعانون الجوع وسوء التغذية".

كارثة محققة

وقد حذَّرت مستشفيات في قطاع غزة من كارثة صحية وشيكة تهدد حياة آلاف الأطفال الخُدّج (المواليد الجدد) والرُضّع في أقسام الحضانة، نتيجة نفاد الحليب العادي والعلاجي بأنواعه المختلفة.

ويقول رئيس مستشفى الأطفال والولادة في "مجمع ناصر الطبي" الدكتور أحمد الفرا -للجزيرة نت- إن المستشفيات الحكومية والمؤسسات الصحية الأهلية والدولية تعاني من انعدام كامل في حليب الأطفال، سواء العادي أو العلاجي، جراء منع الاحتلال دخوله للقطاع منذ 4 أشهر.

وأوضح الفرا أن الحليب المخصص لمراحل نمو الطفل المختلفة بات مفقودا تماما من القطاع الصحي، مما ينذر بمخاطر حقيقية قد تفتك بأرواح آلاف الأطفال، ما لم تهب المؤسسات والهيئات الدولية المختصة للضغط على إسرائيل لفتح المعابر وإدخال الحليب بسرعة وفي غضون ساعات قليلة.

وتزداد هذه المخاطر المحدقة بالمواليد الخدج والرضع مع معاناة الأمهات من سوء التغذية، وعدم قدرتهن على الرضاعة الطبيعية، بحسب تأكيد الدكتور الفرا.

الطبيب أحمد الفرا يحذّر من كارثة وشيكة تهدد حياة آلاف الخدج والرضع جراء نفاد الحليب (الجزيرة)

ويستقبل "مبنى التحرير" المخصص للأطفال في مجمع ناصر الطبي، الحكومي الأكبر والوحيد في مدينة خان يونس (جنوب القطاع) نحو 10 حالات يوميا لأطفال يعانون سوء التغذية الحاد.

ويقول الفرا "لا نستطيع استيعاب جميع الحالات اليومية بسبب الاكتظاظ الشديد في الأقسام وقلة الإمكانيات لمنع الاحتلال الحليب والامدادات الطبية والغذائية".

إعلان

وتشير بيانات فلسطينية رسمية إلى أن عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية في أوساط الأطفال بمراحلهم العمرية المختلفة بلغ 60 حالة حتى الآن.

ووفقا للطبيب الفرا، فإن النقص في التغذية لدى الطفل في سنواته الثلاث الأولى لا يؤدي فقط إلى الوفاة أو الأمراض، بل يترك آثارا دائمة على النمو العقلي والنفسي، قد تلازمه لبقية حياته أو لسنوات طويلة.

"إبادة صامتة"

والخميس الماضي، أطلق "مستشفى الرنتيسي" بمدينة غزة نداء عاجلا للتدخل من أجل وقف الكارثة التي تهدد حياة مئات الأطفال جراء الانقطاع التام للحليب. وقال إنه لا يملك حاليا أي علبة حليب واحدة، رغم استقباله يوميا عشرات الأطفال الذين يواجهون سوء التغذية وضعف الامتصاص.

ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت إن "الأطفال يشكلون النسبة الأكبر من الضحايا المحتملين في المرحلة القادمة، نظرا لهشاشة أجسادهم وعدم قدرتهم على الصمود أمام هذا الحصار الغذائي الخانق، مما يضع جريمة الحصار وإغلاق المعابر في مصاف جرائم الإبادة الجماعية".

وأضاف المسؤول الحكومي أن "الأطفال يُتركون وحدهم في مواجهة آلة الموت البطيء، بلا غذاء، ولا دواء، ولا ماء نظيف، ولا حتى حليب الرضع" متهما إسرائيل بارتكاب ما سماها "جريمة إبادة صامتة بحق أطفال غزة باستخدام سلاح التجويع ومنع الحليب".

مقالات مشابهة

  • سموتريتش وقرعي يدعوان للتصعيد بغزة وتعزيز التهجير بعد الحرب مع إيران
  • تحقيق إسرائيلي: القتلى الـ 4 في بئر السبع كانوا داخل الملاجئ!
  • غالبيتهم من المجوّعين.. إسرائيل تقتل 39 فلسطينيا بغزة
  • الحرب مع إيران تكشف فشل منظومة الحماية المدنية الإسرائيلية
  • بالصور والفيديو... سلسلة غارات إسرائيليّة تستهدف الجنوب
  • لمحة عن التكنولوجيا المستخدمة في ملاجئ الأغنياء
  • 29 شهيدا في قصف إسرائيلي للمنازل ومراكز المساعدات بغزة
  • صاروخ إسرائيلي يتسبب بحريق في الجنوب
  • سقوط شهداء وجرحى.. قصف إسرائيلي يستهدف خيام النازحين في خان يونس
  • الاحتلال يحاصر الرُضّع.. منع إدخال الحليب يهدد حياة آلاف الأطفال بغزة