الراية البيضاء المستحيلة!
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
الراية البيضاء المستحيلة
خيارات العدو الصهيوني كلها في غاية السوء، فلا يمكنه وقف العدوان ولا الاستمرار فيها ولا التراجع، ولا الكف عن فعل أي شيء.
العدو يتصرف بهستيريا في غزة، ويمعن في الإبادة، بحثا عن "الأشباح" الذي يقنصون جنوده ويفجرون آلياته، ويعتقد أن عليه مسح كل غزة، للوصول إلى هدفه.
غزة تحتاج لإسناد حقيقي من جبهات أخرى، وبغير هذا سنشهد مزيدا من القتل الأعمى الذي قال ماكرون إنه يحتاج لعشر سنوات ليصل العدو لرؤية الراية البيضاء!
إحدى الأفكار "السوداء!" في عقل جمعي صهيوني بدا يائسا من انتصاره في حرب كل خياراتها مستحيلة وتجري وفق إيقاع المقاومة لا وفق خطط العدو والبنتاغون.
يمكن القول إن شهرين من العدوان نتيجته العسكرية صفر، ومن رأى صواريخ المقاومة تشعل سماء تل أبيب يسأل: ماذا يفعل آلاف الجنود في غزة طيلة شهرين؟
-1-
قد يحتاج الشعب الفلسطيني في غزة لمعجزة لإنقاذه من الإبادة الجماعية الحقيقية التي يتعرض لها اليوم، فحجم نار الهستيريا الإجرامية التي تشتعل في نفوس المستوطنين اليهود في فلسطين لا يطفئها حتى القضاء على حماس، وهو أمر يبدو بعيد المنال حتى الآن، إن لم يكن مستحيلا.. نحن أمام حرب قروسطية تتجاوز في فظاعتها كل ما وقع من حروب في التاريخ المعاصر، مرورا بالحربين العالميتين الأولى والثانية وحروب البوسنة والهرسك وما تعرض له المسلمون من فظائع، والأهم من كل هذا، أن هذه الحرب الوحشية مدعومة بشكل كامل من ترسانة سلاح لا تنفد، وغطاء دولي لا تهمه لا مظاهرات ولا احتجاجات ولا عرائض استقالة!
وفضلا عن مخاطر الإبادة الجماعية، ثمة خطر لا يقل بشاعة وهو خطر التهجير الجماعي، الذي بدأ يأخذ صورة عملية جنوب قطاع غزة. والحقيقة أن الاعتماد على المقاومة وثباتها الأسطوري لا يكفي لدرء الأخطار التي تحيط بالشعب الفلسطيني في غزة، فالصمود والمناجزة هما مهمة المقاومة، ولكن ماذا عن المحيط العربي والإسلامي المنخرط في التفويض الغربي لقوة الاحتلال بإتمام مهمتها والمضي قدما في الإبادة والتهجير؟
حجم الجنون في كيان العدو تلخصه إحدى الكاتبات في صحيفة "هآرتس" حين تقول: "لا يهم ما الذي ستفعله إسرائيل بحماس، هذا لن يغير ما فعلته حماس بإسرائيل. ما حدث فقد حدث. إسرائيل تم اغتصابها بوحشية. هي يمكنها أن تقتل من اغتصبها وأن تخصيه وأن تدفنه وهو على قيد الحياة تحت الأرض، وأن تنفذ كل سيناريوهات الانتقام التي يمكن تخيّلها، لكن هذا لن يغير الحقيقة المرة بأن إهانتها على يديه ستكون مسجلة الى الأبد" (كارولينا ليندسما، هآرتس، 1 كانون الأول/ ديسمبر).
أحد المراسلين المقربين من رئيس أركان العدو قال: لو قرر نتنياهو إنهاء الحرب، وسحب الفرقتين العسكريتين من غزة.. فإن فرقة على الأقل ستتوجه نحو القدس لإسقاط حكومته!
وثمة تحذيرات من كبار ضباط الجيش الصهيوني، من أن وقف الحرب سيؤدي إلى تفتيت الجيش!
وفي خط متواز نقرأ ما يناقض كل ما سبق: "كل الأحاديث عن حرب حتى النصر وإبادة حماس وتصفية الإرهاب هي كلام، حماس هي فكرة وحركة تاريخية: لا يمكن إبادة فكرة. (الإرهاب) هو ظاهرة لا سبيل إلى تصفيتها بعملية عسكرية. أحد وزراء اليمين قال لي هذا الأسبوع: حتى لو خرج السنوار من الخندق بيدين مرفوعتين، وكل المخطوفين ساروا في صف واحد وراءه، فإن هذه الحرب لن تنتهي بالنصر!".. هذا ما كتبه ناحوم برنياع (يديعوت أحرونوت- 1 كانون الأول/ ديسمبر 2023)!
نحن اليوم أمام مشهد سوريالي، بل مستحيل، وخيارات العدو الصهيوني كلها في غاية السوء، فلا يمكنه وقف العدوان ولا الاستمرار فيها ولا التراجع، ولا الكف عن فعل أي شيء، ويمكننا القول إن ما يقارب الشهرين من العدوان كانت نتيجته العسكرية صفرية، ومن رأى صواريخ المقاومة تشعل سماء تل أبيب وما حولها ليلة السبت/ الأحد سيسأل: ماذا يفعل آلاف الجنود في غزة طيلة ما يقارب الشهرين، وقد بدت أجواء تل أبيب وكأننا في بداية الحرب؟
-2-
كتب الدكتور يهودا بيلانجا، الخبير في شؤون العالم العربي في قسم الشرق الأوسط بجامعة "بار إيلان"، مقالا في "إسرائيل اليوم" (28 تشرين الأول/ نوفمبر 2023) مقارنا ما بين "غزوة الخندق" و"طوفان الأقصى" بعد سرد تاريخي لقصة المعركة، والتذكير بأن "فتح مكة" قد جاء بعدها بثلاث سنوات.
وكتب قائلا: "تعتبر المعركة مثالا لمقاومة القلة ضد الكثرة، ولصبر القوة المدافعة. لقد احتاج المسلمون إلى الوقت، وقد حصلوا عليه من خلال الحاجز الاصطناعي الذي أقاموه (الخندق). بعد ذلك، كل ما تبقى عليك فعله هو التمسك بالحصار، والاستمرار في كسب الوقت، وسيأتي الخلاص."
ثم يقول: "بعد مرور 1396 عاما على تلك المعركة في الصحراء العربية، تطبّق حماس نفس السياسة في حرب "السيوف الحديدية (طوفان الأقصى)"، تماما كما فعلت في الجولات السابقة التي قامت بها ضد إسرائيل. يحيى السنوار وإسماعيل هنية وخالد مشعل يعرفون أنه في قتال مباشر ضد إسرائيل، ليس لدى حماس أي فرصة للفوز. لكن في نظرهم، من خلال الإرهاب وشنّ حرب الاستنزاف ("سيف الاستنزاف")، سيكون من الممكن تآكل "الكيان الصهيوني" ببطء، والتسبب في انهياره في نهاية المطاف".
ويختم بالقول: "لقد تصرّفت إسرائيل حتى الآن وفقا لخطة حماس تماما. في الواقع، ظلت إسرائيل على مفهوم 6 أكتوبر، وبهذه الطريقة انجرّت إلى الحرب دون أن تتمكن من الرد بشكل صحيح على استراتيجية العدو، وهي: إذا نجونا، فسننتصر في النهاية".
هذه واحدة من الأفكار "السوداء!" التي تدور في العقل الجمعي الصهيوني، الذي بدا يائسا من انتصاره في حرب كل خياراتها مستحيلة، وتجري وفق إيقاع المقاومة بعيدا عن خطط جنرالات العدو ومن شاركهم من جنرالات البنتاغون.
ولعل هذا بالضبط ما يدفع العدو للتصرف بهستيريا في غزة، ويمعن في الإبادة، بحثا عمن يسميهم "الأشباح" الذي يقنصون جنوده ويفجرون آلياته، وهو يعتقد والحالة هذه أن عليه مسح كل غزة، للوصول إلى هدفه!
غزة اليوم تحتاج لإسناد حقيقي من جبهة أخرى أو حتى جبهات، وخاصة من لبنان، وبغير هذا سنشهد مزيدا من القتل الأعمى الذي قال الرئيس الفرنسي ماكرون إنه يحتاج لعشر سنوات كي يصل إلى هدفه وهو رؤية الراية البيضاء لحماس!
*حلمي الأسمر كاتب صحفي من الأردن
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل العدو الأشباح غزة الاستسلام الراية البيضاء طوفان الأقصى الرایة البیضاء فی غزة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو والأحلام المستحيلة
يحلم “نتن بني صهيون” أو كما يسمي نفسه “النبي يوشع” بكل ما هو مستحيل تحقيقه، محاولاً استغلال حالة الانبطاح العربي والارتهان الإسلامي، وساعيا بقدر من الغطرسة والزهو ليتخذ من رموز أنظمة الذل والارتهان جسورا يسير على ظهورهم نحو أهدافه الاستعمارية، مسنودا بدعم أمريكي _غربي..
في زمن هؤلاء عشاق العبودية والارتهان والتبعية جاء “نتن بني صهيون” محمولا على ظهر “خنزير بري أمريكي”..
شعاره وحلمه هو تجريد مقاومة فلسطين من بندقيتها ومصادرة صواريخ مقاومة لبنان ونزع بنادق قبائل اليمن، وبعد ترتيب أمريكي _بريطاني _غربي، طريق “النتن” على جغرافية الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج..
حصل” النتن “على شرعية وغطاء دولي وقانوني لإبادة سكان غزة بأريحية غير مسبوقة في التاريخ، وامتد على إثر ذلك إلى لبنان، حيث اصطدم بالمقاومة فتم تطويعها عربيا وأمريكيا وضرب رموزها، ثم تحييدها، وتطويع لبنان الرسمي، والتوجه نحو دمشق فتم التخلص من نظامها العربي القومي، عبر صفقة مقايضة إقليمية ودولية، ولم يكتف “النتن” بسقوط النظام في سوريا وتسلم تلامذته وحلفائه السلطة، بل ذهب يدمر كل قدرات الجمهورية العربية السورية _أو التي كانت تسمى كذلك.
توهم “النتن” إمكانية إعادة تطبيق سيناريو حزب الله على إيران، ثم تطبيق نظرية ترتيب البيت اللبناني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حتى أن الرجل وأقصد “النتن” يحتضن منذ أشهر في منتجعه الخاص بمدينة يافا العربية الفلسطينية نجل شاه إيران وأسرته، ويبدو أنه قد شكل حتى حكومة إيرانية بديلة لحكومة الثورة وعلى غرار حكومة” نواف سلام، ورئيسها عون”..
لم يستوعب” نتن بني صهيون” أن هناك فرقاً بين حزب مقاوم ودولة ذات سيادة.. دولة ونظام واجها الحروب والحصار والاختراقات الأمنية ويخوضان حرباً استخبارية طاحنة منذ أربعة عقود، ومؤامرات شارك فيها الأشقاء والأصدقاء الملحدون والموحدون القريبون والبعيدون، خونة الداخل وخونة الجوار والإقليم..
لذا ذهب” النتن “فيما كان الحوار جاريا بين طهران وواسنطن وبرعاية عمانية ورغبة خليجية ومباركة دولية، ذهب” النتن “ليستبق اتفاق معلوم ومتوقع بين طهران وواشنطن، وبعلم أمريكا الطرف الآخر على طاولة الحوار مع طهران، التي مارست واحدة من أهم الخدع الاستراتيجية على طهران..
لكن هل طهران هي من خدعت وحدها..؟!
الجواب قطعا لا، فقد خدعت سلطنة عمان وخدعت أنظمة الخليج وحكامها، وخدعت روسيا والصين، وخدع القانون الدولي والنظام الدولي والعالم بأسره طالته خديعة ترامب الاستراتيجية وليست خديعة “النتن “..
خديعة لكن يمكن أن تكون لإيران قد جاءت على قاعدة رب ضارة نافعة”..!
فطهران التي كانت حريصة على التخصيب كحاجة تنموية واقتصادية وعلمية ومعرفية، ولم تكن تفكر بالتسلح النووي، ومع ذلك تعرضت للعدوان وهذا بحد ذاته مبرر قدم لها على طبق من ذهب لإنتاج سلاحها النووي كعامل ردع في مواجهة عدو متغطرس ورعاة أكثر غطرسة وحماقة..
إذ أن حلم” النتن” لم يقف عند حدود ضرب البرنامج النووي الإيراني، بل يريد أيضا تجريد إيران من كل أسلحتها التقليدية التي تدافع بها عن نفسها، ويرغب في جعلها دولة عاجزة عن الدفاع عن نفسها حتى أمام عصابات تجار المخدرات.
لقد ذهب بعيدا في حلمه وهو إسقاط النظام لأنه لا يثق بأي حاكم أو نظام لم ينصبه هو وعلى طريقته، إذ يظل متوجسا من أن ينقلبوا عليه ذات يوم، وخاصة أن كانوا” ريديكالين” خضعوا لمنطق القوة..
فالرجل لم يثق بعد بالجولاني ويطالب أمريكا بضمانته، رغم كل ما قام به الجولاني الذي تجاهل كل ما يقوم به” النتن” بحق بلاده وشعبه وقدراته وجغرافيته وسيادته _هذا أن كان الجولاني سوريا فعلا – ولم يكن من سلالة ” آل كوهين”..
طبعا رد فعل “الكيان والنتن” جاء بقدر من التراجع بعد رد الفعل الإيراني غير المسبوق وبعد أن قضى 7 ملايين مستوطن ليلتهم في الملاجي”..
اليوم لا يريد “النتن” إسقاط النظام ولا تدمير قدرات إيران النووية، بل إعاقة طهران من إنتاج قنبلة نووية.. وأن كان يتمنى أن تتخلص طهران من برنامجها الصاروخي..
يعني مطلوب وباختصار تجريد كل من يقاوم العدو من سلاحه سواء كان هذا السلاح بندقية كلاشنكوف، أو طائرة مسيرة، أو صاروخاً، فما بالكم بالبرنامج النووي، هذا بنظر الكيان وأمريكا والغرب كفر، وتحد للقانون الدولي الذي يحضر دوما حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، لكنه ينداس تحت الأقدام إن تعلق الأمر بالكيان وجرائمه..