في عالمنا العربي لدينا مفاهيم مغلوطة في فهمنا السياسي حول مبدأ التفاوض على أي شيء، مادي أو معنوي.
التفاوض في ثقافتنا الشعبية هو «عار كامل» و«تخلٍّ وتنازل» حتى لو أدى إلى مكاسب، و«عدم التفاوض» هو شرف عظيم ومكانة وقوة حتى لو أدى إلى خسائر مؤكدة.يدخل التاريخ في الثقافة الأنجلو ساكسونية السياسي الذي يتمكن من الحفاظ على الأرض والأرواح والمكاسب المادية والحفاظ على السيادة الوطنية دون خسائر بشرية.
في عالمنا العربي، يدخل التاريخ من أوسع أبوابه من يقاتل حتى لو أدى ذلك إلى فقدان الأرض والسيادة.
تقييم البطولة ليس مرتهناً بالنتائج النهائية، ولكن بما يدفع مشاعر الناس شعبوياً.
الثقافة الشعوبية السياسية تقوم على مخاطبة انفعالات وجموح الجماهير الراجية في التنفيس السياسي عن إحباطها بمعارك طواحين الهواء.
هل هذا يعني أن كل من يعلن الحرب مغامر وشعبوي؟
بالتأكيد لا، هناك حرب مشروعة يكون فيها الحلال بيّناً والحرام بيّناً، ويكون فيها ظالم ومظلوم، ويكون خيار الحرب هو الخيار النهائي الأخير بعدما تكون كل أنواع الحوار العقلاني قد استنفدت ووصلت إلى مرحلة: «كتب عليكم القتال» لأنه لم يعد هناك أي وسيلة أخرى.
ويقول الجنرال الأمريكي، والرئيس الأسبق أيزنهاور «إن أكثر من يسعى إلى تجنب الحروب هم الجنرالات؛ لأنهم يدركون فداحة الثمن الذي يتوجب دفعه».
والتعريف السياسي للتفاوض هو: «عملية يمكن من خلالها حل النزاعات أو تسوية المعاملات بمختلف أنواعها أو إنشاء اتفاقيات بين الأفراد والجماعات».
ويمر أي تفاوض بعدة مراحل هي: التجهيزات ثم النقاش، ثم توضيح الأهداف، ثم البحث عن نتيجة مرضية للطرفين، ثم التوصل إلى اتفاقية مبادئ، ثم تنفيذ العمل حسب المسارات المقترحة.
وهناك مجموعة من المهارات يجب أن تتوفر لدى المفاوض، تبدأ من الإلمام الكامل بموضوع التفاوض، وتوفر المرونة في التكتيكات، مع الحفاظ على المبدأ الاستراتيجي، وإدارة تلك العملية بصدق ومهارة وإبداع.
وهناك دول برعت في قتل المفاوضات من خلال ما يعرف بـ«الصبر الاستراتيجي»، أي إطالة الأمد بشكل ضاغط يعتمد على الضغط والرفض اللانهائي.
الصبر الاستراتيجي صفة لدى المفاوض الإيراني مع الأمريكيين، والفيتنامي مع كسينجر، والإثيوبي مع مصر والسودان، والإسرائيلي في كامب ديفيد، والسوري في «واي ريفر».
أخطر ما في مسألة التفاوض هو إيمان أحد الأطراف بأن ثمن الوصول إلى طريق مسدود مهما كانت الكلفة هو أهون من إنجاز اتفاق مهما كانت المكاسب.
انظروا الآن إلى مفاوضات غزة، والحرب الأهلية في السودان، ومسألة الاتفاق على تسمية رئيس في لبنان، وتحديث الدستور في سوريا، والاتفاق على الإصلاح السياسي في تونس، أو التسوية النهائية بين شمال وجنوب اليمن.
كلها كوارث إنسانية تغلب فيها «جنون الرفض» على أي عقلانية سياسية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
ألمانيا تقرر ممارسة الغموض الاستراتيجي بخصوص مساعداتها لأوكرانيا
قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس اليوم السبت خلال زيارة للعاصمة الأوكرانية كييف إن الحكومة الألمانية ستتوقف عن نشر تفاصيل المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
كانت مصادر مطلعة قالت لرويترز في وقت سابق إنه سيتم تقليص المعلومات العامة المتعلقة بتسليم أنظمة الأسلحة لأوكرانيا لتحقيق "غموض استراتيجي" ومنع روسيا من الحصول على أي مزايا استراتيجية.
وقال ميرتس لشبكة تلفزيون (آر.تي.إل) في كييف: "تحت قيادتي.. سيحجب النقاش بشأن شحنات الأسلحة وعيارها وأنظمتها وما إلى ذلك عن الرأي العام".
وعقب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، نشرت الحكومة الألمانية في بادئ الأمر تقارير بشكل غير منتظم عن المساعدات العسكرية المقدمة لكييف. وتحت ضغط من أعضاء البرلمان ووسائل الإعلام شرعت لاحقا في نشر قائمة محدثة بالأنظمة والسلع المقدمة.
وقال ميرتس الذي تولى منصبه الثلاثاء الماضي إن التزام ألمانيا بدعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي لن يتغير.
وأضاف مخاطبا زعماء أوروبيين آخرين في اجتماع في كييف: "ستواصل ألمانيا توسيع دعمها المالي. أعول عليكم... أن تفعلوا الشيء نفسه معنا".
في سياق متصل، وجهت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون، إلى جانب الولايات المتحدة، السبت إنذارا إلى روسيا من أجل وقف كامل وغير مشروط لإطلاق النار لمدة 30 يوما اعتبارا من الاثنين، تحت طائلة فرض الدول الغربية "عقوبات هائلة" جديدة على موسكو في حال رفضه.
ووُجّه الإنذار خلال زيارة إلى كييف قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسا الوزراء البريطاني كير ستارمر والبولندي دونالد توسك، مؤكدين أن هذا الطرح يحظى أيضا بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما يظهر وحدة موقف نادرة بين الدول الغربية.
وأكد الكرملين السبت أنه "سينظر" في مقترح وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في تصريح لشبكة سي إن إن السبت: "علينا أن ننظر في ذلك. إنه تطوّر جديد"، وفق ما أورد الإعلام الروسي الرسمي، مضيفا: "لكن محاولة الضغط علينا غير مجدية".
وفي وقت سابق السبت، ندد الكرملين بموقف أوروبي "صدامي" حيال روسيا.
وصرح بيسكوف للصحافيين: "نسمع تصريحات متناقضة من جانب أوروبا. إنها تركز في شكل عام على المواجهة أكثر من تركيزها على مبادرات تهدف إلى إحياء علاقاتنا في شكل أو في آخر".
وقدّمت أوكرانيا مقترحا لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما عدة مرات في الأسابيع الأخيرة، ولكن روسيا رفضته داعية إلى تقديم التزامات بتحقيق مطالبها أولا، ولا سيما وقف تسليم الأسلحة الغربية إلى كييف.