السودان … مصر … تركيا …1821م … 1956م.
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
الهيمنة Hegimoney …
والسيادة sovereignty …
السودان … مصر … تركيا …1821م … 1956م.
من الضروري أن نعلم الفرق بين مصطلح السيادة sovereignty والهيمنة Hegimoney.
السيادة أن تكون الدولة مستقلة سيدة نفسها ، تحكمها حكومة وطنية وتتخذ قراراتها داخل رقعتها الجغرافية بغض النظر عن نظام الحكم سواء كان سلطانيا وراثيا داخل سلالة حاكمة أو كان إنتخابيا بالإرادة الشعبية عبر صندوق الانتخابات أو توليفة بينهما.
ولكن الإستقلال قد يتم فقدانه تدريجيا مع بقاء مظاهره من سلطة وطنية وحكومة وانتخابات وهلمجرا ولكن الدولة تكون تحت هيمنة Hegimoney دولة أو مجموعة دول أو جمعيات سرية.
و تاريخيا فإن السودان قد ارتبط عضويا بدولة الخلافة العثمانية من 1820م حين غزاه جيش الولاية الأقرب وهي مصر.
لم تكن مصر دولة مستقلة ولكنها كانت دولة تابعة Vasal State للدولة العثمانية ولكن كان لها حكم ذاتي بصلاحيات كبيرة للوالي محمد علي باشا الذي وصل للحكم في 1805م.
وبالرغم من أن الدولة العثمانية منحت محمد علي باشا حق الحكم لورثته إلا أن القرار باعتماد كل وال جديد كان لابد أن يصدر من الخليفة في استنبول وكان القرار السلطاني يسمى الفرمان، وبهذا ظل السلطان العثماني صاحب الحق في عزل والي مصر ، ولكن !
الحق يقال أن من كان يملك هذا الحق من خلف الستار هي القوى صاحبة الهيمنة Hegimoney داخل أروقة الحكم العثماني وهي الممالك الأوروبية وعلى رأسها روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.
وتأثيرات الهيمنة الخفية تجدها حين تتخذ الدولة قرارات ضد مصلحتها الاستراتيجية أو حين تقوم بتوقيع معاهدات تتضمن تنازلات ضخمة من طرف واحد.
وتأثير الهيمنة كان واضحا حتى في حكمدارية السودان 1821م – 1885م وهو حكمدارية تابعة لولاية تابعة ، فمثلا كانت ضغوط القناصل الأوروبيين ذات أثر فعال أحيانا في تراجع الحكمدار عن قرارات في مصلحة الحكمدارية مثل قرارات رفع سعر شراء الصمغ العربي من المنتجين فكان القناصل يتدخلون فورا لإلغاء القرار وقد ينجحون في استصدار قرار بعزل الحكمدار ولذلك تميزت فترة التركية السابقة 1820م – 1885م بكثرة تغيير الحكمداريين.
مثال آخر لقرارات لا يمكن إتخاذها إلا بتأثير الهيمنة المعاهدات التجارية بين الدولة العثمانية والممالك الأوروبية وهي معاهدات تم توقيع أولها قبل حوالي 400 سنة من إنهيار الدولة في 1923م وتتالت المعاهدات حتى ضمت الولايات المتحدة ودول من أمريكا الجنوبية.
تم توقيع أول معاهدة تنازلات في 1534م والدولة العثمانية أقوى عسكريا من كل دول أوروبا مجتمعة ، لماذا ؟ ماهو المبرر ؟
ولنعلم خطورة تلك المعاهدة والمعاهدات التي تلتها على نفس المنوال وبشكل تصاعدي فإن الأوروبيين أنفسهم وحتى اليوم لا يطلقون عليها معاهدات بل يطلقون عليها تنازلات Capitulations ويمكنك مراجعة الرابط في التعليقات كرأس خيط للتعرف على هذا الموضوع.
تضمنت تلك التنازلات مكاسب من طرف واحد لرعايا الدول الأوروبية داخل الدولة العثمانية وولاياتها وشملت حرية التنقل والإقامة والتجارة والتملك والإعفاءات من الجمارك والضرائب ونظر قضاياهم في محاكم خاصة بهم يرأسها قناصل بلادهم ولم تشمل مكاسب مماثلة لرعايا الدولة العثمانية داخل الممالك الأوروبية !
تسببت معاهدات التنازلات Capitulations
التجارية في تكاثر رهيب لرعايا الدول الأوروبية في الولايات العثمانية بسبب فرص الثراء والحماية التي لا تتوفر لهم حتى في بلادهم ، وعلى مدى ثلاث قرون تسببت في تدهور وضعف الصناعات العثمانية لأن الجاليات الأوروبية داخل الولايات العثمانية وبفضل المزايا التفضيلية حتى على المواطنين العثمانيين حققوا الثراء وهيمنوا على التجارة وصاروا وكلاء المصانع في بلادهم وكان من مصلحتهم تنشيط استيراد جميع أنواع السلع فبارت وكسدت منتجات المصانع في الدولة العثمانية وتدهورت وتخلفت تسويقيا وتقنيا.
ظاهرة المتأسلمين :
وكان الكثير من أولئك الأوربيين الذين استوطنوا داخل الدولة العثمانية وولاياتها يظهرون الإسلام ويطلقون على أنفسهم أسماء إسلامية عربية أو تركية ويتزيون بالأزياء التركية ويلبسون الطربوش ولكنهم يظلون محتفظين سرا بأديانهم المسيحية واليهودية ويورثون نفس التدين المزدوج لأولادهم جيلا بعد جيل : الإسلام ظاهرا وفي الباطن يهود أو نصارى.
وبعض أولئك المتأسلمين تسنموا مناصب رفيعة في الدولة ولعبوا أدوارا في غاية الخطورة وكانت غالب قراراتهم في مصلحة دولهم الأوروبية.
والغريب جدا الغياب شبه الكامل لقضية تنازلات الإمبراطورية العثمانية Capitulations of the Ottoman Empire عن الدراسات التي تناولت أسباب إنهيار الدولة العثمانية ذلك في الوقت الذي تجد أن أكثر من بحث فيها وكشف نتائجها المدمرة هم الباحثين الأوروبيين المستفيدين منها.
فتجد غالب دراسات الإسلاميين تركز على السنوات الأخيرة التي برز فيها نجم الجمعيات مثل تركيا الفتاة وكمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية.
هل تصدق أيها القارئ أن أول قرارات مصطفى كمال أتاتورك حين تولى الحكم وألغى الخلافة ونفى الأسرة الحاكمة العثمانية كان إلغاء الإمتيازات الأجنبية ؟
بل قد تندهش أكثر إذا علمت أن أول قرار لكتشنر بعد معركة كرري في أم درمان 1898م كان إلغاء الإمتيازات الأجنبية داخل السودان بل أن كتشنر جمع التجار السودانيين في أم درمان وعرض عليهم جعل وكالات الاستيراد والتصدير حكرا عليهم ، ولكنهم وياللأسف رفضوا لضيق أفقهم ، وهذا دليل أن كتشنر الأوروبي كان يعلم مساؤي الامتيازات ومن بعده كمال أتاتورك كذلك.
وهكذا كلما تتوغل في دراسة الدولة العثمانية تجد القرارات الإستراتيجية المنحرفة ، مثل قرار أن يتولى صموئيل بيكر اليهودي البريطاني في 1870م قيادة حملة فتوحات خط الإستواء من الخرطوم فحينئذ تتساءل عن متى في التاريخ الإسلامي أسندت قيادة حملة أطلق عليها فتوحات لقائد يهودي ؟
ومن ذلك التاريخ 1870م لم يحكم مسلم جنوب السودان وكانت كل قرارات صموئيل بيكر تضييقا على وجود الشماليين وإبعادهم من الجنوب وإفتعالا للمعارك مع القبائل الإستوائية واليوغندية.
وعندما تستوعب تأثيرات الإمتيازات في الدولة العثمانية من 1533م وتراكماتها على مدى 300عام قد تجد بعض العذر لمحمد علي باشا وأولاده فقد استلم محمد علي باشا حكم مصر في 1805م وقد استوطن بها مئات الآلاف من الجاليات الأوروبية وترسخ وجودهم على مدى أجيال واكتسبوا الجنسية العثمانية خاصة المتأسلمين منهم وتشربوا بالثقافة المصرية مع محافظتهم على تميزهم الطبقي وهيمنتهم على التجارة والصناعة وعلاقاتهم الوطيدة مع دولهم الأصلية.
السيادة والهيمنة في القرن العشرين :
من المعلوم أن القرن العشرين 1900م بدأ وعموم أفريقيا ترزح تحت وطأة الاستعمار المباشر ، وجاءت حقبة الحربين العالمية الأولى 1914م والثانية 1944م وبدأ تدشين النظام المالي الدولي وفي نهاية الخمسينات 1956م وبداية حقبة الستينات 1960م بدأت الدول الأفريقية تنال الإستقلال وبدأت تظهر الجمهوريات المستقلة.
رئيس وعلم ونشيد وطني وفريق قومي وغير ذلك من آليات الترويج لمظاهر السيادة.
وتحت كل ذلك ظلت تقبع الهيمنة في طورها الجديد ، هيمنة النظام المالي العالمي تأسيس بريتينوودز ونظام العملة الصعبة الدولية والتحكم في التجارة الدولية من خلال مركزية السويفت ومن يخرج عن الخط يكفي قرار تنفيذي رئاسي من الدولة المتحكمة ويعقبه نقرة فارة كمبيوتر لتجميد مشاركة الدولة المستهدفة في المعاملات البنكية الدولية ووضعها تحت الحصار الإقتصادي ، لا خطابات إعتماد بنكية ولا تصدير ولا استيراد ، إلا بطرق ملتوية تكلف ما تكلف.
إذن القيادة السياسية الواعية عليها أولا أن تدرك حقائق التاريخ وأن تدرك ثانيا أين تتجه في تحالفاتها لأن هناك دول كبرى ضجرت من هيمنة نظام بريتينوودز فبدأت منذ ما يقارب الخمسة عشرة عاما صياغة نظام بريكس BRICS للتخارج من الهيمنة الخانقة ، ونظام بريكس تحالف دولي جديد يتكون من البرازيل Brazil وروسيا Russia والهند India والصين China وجنوب أفريقيا South Africa ويسعى هذا التحالف لبناء سلة عملات خارج الدولار للتعامل في ما بينها في مجال التجارة الدولية.
#كمال_حامد ????
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدولة العثمانیة علی باشا
إقرأ أيضاً:
بين القصف والعطش.. مياه الشرب تتحول لعملة نادرة في السودان
في ظل حرب لم تترك للبنية التحتية مجالا للصمود، تحولت مياه الشرب في السودان إلى مورد نادر يتصارع عليه النازحون في مدن أنهكها القصف، ومعسكرات اختنقت بالاكتظاظ، لتغدو أزمة العطش وجها آخر للمأساة الإنسانية المتفاقمة.
وتبرز مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، بوصفها نموذجا صارخا لهذه الأزمة، إذ تستضيف نحو مليون نازح فرّوا من مناطق القتال، في وقت تعاني فيه المدينة نقصا حادا في إمدادات المياه يقدَّر بنحو 50% عقب تدمير مصادرها الرئيسية خلال المواجهات.
وبحسب مصادر محلية، فإن هيئة المياه تحاول تعويض جزء من هذا العجز عبر التوسع في حفر الآبار الجوفية داخل المدينة، والتي تنتج حاليا قرابة 3 آلاف متر مكعب يوميا، غير أن ارتفاع نسبة الملوحة يجعل معظم هذه المياه بحاجة إلى معالجة إضافية.
ومع تدفق أعداد كبيرة من النازحين من ولايات كردفان، تقلصت حصة الفرد من المياه إلى مستويات مقلقة وسط ضغط متزايد على مراكز الإيواء، مما خلق أزمات مركبة تتجاوز العطش لتشمل مخاطر صحية وبيئية متصاعدة.
ولا تختلف الصورة في مخيم "طينة" على الحدود التشادية، حيث يواجه اللاجئون السودانيون شحا حادا في المياه الصالحة للشرب، وتضطر العائلات للاصطفاف لساعات طويلة من أجل الحصول على كميات محدودة لا تلبي احتياجاتها اليومية.
وتروي لاجئات من المخيم معاناة مستمرة مع مصادر مياه بعيدة وغير نقية، في ظل وصول متقطع لصهاريج المياه التي توفرها المنظمات، والتي لا تكفي الأعداد الكبيرة من المحتاجين، لتتحول المياه إلى مصدر توتر يومي داخل المعسكرات.
حلول إسعافيةويؤكد مراسل الجزيرة من مدينة الأبيض الطاهر المرضي أن المدينة فقدت نصف مصادرها المائية بعد تدميرها، مما دفع السلطات المحلية إلى حلول إسعافية، مثل حفر مضخات جديدة لا تغطي سوى نسبة محدودة من الاحتياج الفعلي.
إعلانويشير المرضي إلى أن المياه المستخرجة من بعض هذه المصادر ذات ملوحة مرتفعة، مما يجعلها غير صالحة للشرب، في حين يتكدس النازحون حول أي مصدر يوفر ماء عذبا، في مشهد يعكس عمق الأزمة الإنسانية.
وتتفاقم هذه المعاناة في ظل وجود عشرات الآلاف من الأطفال داخل المعسكرات ممن يحتاجون إلى مياه نظيفة للحد من الأمراض المنقولة بالمياه، في وقت تتراجع فيه الخدمات الصحية بشكل حاد.
وفي العاصمة ومحيطها، يوضح مراسل الجزيرة أسامة سيد أحمد من الخرطوم بحري أن المعارك السابقة ألحقت دمارا واسعا بمحطات المياه والآبار، مما جعل الحصول على مياه الشرب تحديا يوميا للسكان.
ويشير إلى أن جهودا محلية أعادت تشغيل بعض الآبار باستخدام الطاقة الشمسية لتوفير المياه لآلاف الأسر، غير أن هذه المبادرات تبقى محدودة مقارنة بحجم الدمار الذي طال شبكة المياه في العاصمة.
تأثير بالغ للحرب
من جهته، يقر وزير البنى التحتية والتنمية العمرانية بولاية شمال كردفان معاوية آدم بأن الحرب "أثرت بشكل بالغ على قطاع المياه"، موضحا أن احتياجات مدينة الأبيض اليومية تبلغ نحو 70 ألف متر مكعب من مياه الشرب.
ويقول آدم إن الدمار والنهب طال جميع محطات المياه تقريبا، مما أدى إلى فقدان كميات كبيرة من الإنتاج، مشيرا إلى أن الولاية تمكنت، بعد تحسن نسبي في الوضع الأمني، من توفير نحو 35 ألف متر مكعب فقط، أي ما يعادل نصف الاحتياج.
ويوضح الوزير أن هذه الكمية توزعت بين مصادر جنوبية وآبار جوفية داخل المدينة، لكنها لا تكفي لتغطية الطلب المتزايد، خاصة مع استضافة الأبيض لأكثر من 160 ألف أسرة نازحة، الأمر الذي خفّض حصة الفرد اليومية إلى نحو 10 لترات فقط.
ويضيف أن حكومة الولاية، بالتعاون مع المنظمات الدولية والمحلية، تسعى إلى توسيع الإنتاج وإعادة تأهيل المصادر الشمالية فور تحسن الأوضاع الأمنية، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة في ظل استمرار النزوح.
وضع صعب للغاية
وعلى مستوى إقليم دارفور، يصف مسؤول العمليات في المجلس النرويجي للاجئين نواه تايلر الوضع الإنساني بأنه "صعب للغاية"، خاصة مع دخول الموسم الجاف وتزايد أعداد الفارين من مناطق النزاع.
ويشير تايلر إلى أن بعض المخيمات، مثل مخيم طويلة، تؤوي مئات الآلاف من النازحين، في وقت لا يتوفر فيها سوى عدد محدود جدا من نقاط توزيع المياه، مما يضع آلاف الأشخاص في مواجهة مباشرة مع العطش.
ويحذر من أن الأوضاع الأمنية وتعقيدات الوصول تعيق عمل المنظمات الإنسانية، رغم محاولاتها توفير مواد لتعقيم المياه، وتقديم مساعدات نقدية ودعم للمستجيبين الأوائل.
ويؤكد أن استهلاك مياه ملوثة يهدد حياة الفئات الأكثر هشاشة، من أطفال وكبار سن ومرضى، في ظل ضعف الخدمات الصحية، مشددا على ضرورة ضمان وصول إنساني آمن وكافٍ لتفادي تفاقم الكارثة.
وبين القصف وشح المياه، تتكشف ملامح أزمة إنسانية عميقة في السودان، حيث لم تعد مياه الشرب مجرد خدمة أساسية، بل تحولت إلى معركة يومية للبقاء، في انتظار استجابة دولية عاجلة تتناسب مع حجم المأساة.