فاطمة عطفة (أبوظبي)

أخبار ذات صلة مناقشة رواية «البيت الأندلسي» في «بحر الثقافة»

نظمت مؤسسة بحر الثقافة، أول أمس، ندوة بعنوان: «ورشة إضاءات على فن الخطابة والإلقاء»، قدمها الكاتب والمخرج السوري فرحان بلبل، الأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وأدارت جلسة الحوار هند شعبان، وقد تناول المحاضر عدة محاور منها: لماذا فن الإلقاء؟ دور الإلقاء في تاريخ البشرية، معايير فن الإلقاء، التطبيق العملي على النص المختار.


استهل فرحان بلبل حديثه بشاهد من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يوم سئل: لماذا شاب باكراً، فقال: «شيبني صعود المنابر»، مؤكداً أن فن الإلقاء في الخطابة من أهم وأسرع وأقوى وسائل التأثير لدى الآخرين، وتساءل: هل بغير الكلمة الطيبة في الخطاب تلين القلوب وتستقيم النفوس، وتصلح المجتمعات؟ وتابع قائلاً: إن النطق الصحيح يدخل إلى عقول الآخرين وقلوبهم، فلا تضطرب المعاني عند المتكلم والسامع، ولا يضيق أي منهما بالفهم والإفهام؛ لأن اللغة وعاء الفكر البشري، كما أن صحة النطق وجماله يدلان على رقي الأمة ومقياس لدرجة حضارتها، موضحاً أن النطق الصحيح الجميل يقوم على النظام والترتيب.
وحول دور الإلقاء في تاريخ البشر، أشار إلى أن الإلقاء الجيد والكلام الفصيح له دور حيوي في التفاهم وحسن المعاملة والتفاعل في المجتمعات، إضافة إلى تنمية وعي الشعوب على مدى العصور، وتعزيز الثقة بالنفس لمن امتلك ناصية البلاغة والقدرة على مواجهة الآخرين، متسائلاً: كم عدل الإلقاء والخطابة من المفاهيم والقناعات، وغرس القيم وساهم في تغيير مسار الأمم، مستعرضاً بعض النماذج ممن أتقنوا فن الإلقاء والخطابة انطلاقاً من العصر الجاهلي، ومنهم قس بن ساعدة الذي أصلح بين قبيلتين بخطابه وحسن إلقائه.
وتابع المحاضر حديثه حول معايير وأصول فن الإلقاء الجيد والمؤثر في الآخرين، مبيناً أنه مهارة عالية المستوى تعتمد على أسس ومعايير، مثل: الإعداد الجيد للمحتوى والمناسب للموقف، وحسن اختيار العنوان والافتتاحية، والدخول إلى صلب الموضوع لجذب جمهور المتلقين، وإثارة اهتمامهم وتشويقهم لمتابعته حتى ينتهي من حديثه وتوصيل فكرته وإقناعهم بما يعرضه عليهم، موظفاً الكلمات المؤثرة والصياغة الجيدة لعباراته، إضافة إلى أهمية الصوت الواضح الذي يراعي الدقة في الحفاظ على مخارج الحروف، وتلوين الصوت والتغيير في النبرة والتحكم بدرجة انخفاضه أو ارتفاعه، بما يتناسب مع الموقف والمحتوى.
وأشار فرحان بلبل إلى أهمية الحركة والتواصل البصري مع الجمهور ليشعرهم المتحدث إليهم بأهميتهم فيتفاعلوا معه وينصتوا إليه باهتمام، تقديراً له وتفاعلاً مع أفكاره واحتراماً لما يقدمه. ولفت إلى أهمية توظيف بعض الإشارات غير اللفظية والمتنوعة أثناء الإلقاء والخطابة، مع مراعاة تحقيق التوازن والانسجام، وقال: يجب أن لا ننسى التركيز والإيجاز والتكثيف، دون الإخلال بالمعنى. ويأتي دور الصدق والثقة بالنفس، فالصدق يجعل الكلام يشد انتباه المستمعين للخطيب، والثقة بالنفس تمنح المتكلم قوة وقدرة على الإلقاء بكفاءة عالية ومهارة وجودة في التقديم ومخاطبة الناس، مؤكداً على أن كلام المتحدث الذي ينبع من القلب يصب في قلوب مستمعيه.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الخطابة الإلقاء فی فن الإلقاء

إقرأ أيضاً:

أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية

أحمد زيور باشا، هذا الاسم الذي يلمع في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد شخصية سياسية عابرة، بل هو رمز للإصرار والعطاء والتفاني في خدمة وطنه. 

ولد زيور باشا في الإسكندرية عام 1864 في أسرة شركسية تركية الأصل، كانت قد هاجرت من اليونان، لكنه بالرغم من جذوره الأجنبية، حمل قلبه وروحه على مصر، وجعل منها مسرحا لحياته المليئة بالعطاء والمسؤولية. 

منذ نعومة أظافره، أظهر أحمد زيور براعة وحسا عميقا بالواجب؛ فقد التحق بمدرسة العازاريين، ثم واصل دراسته في كلية الجزويت ببيروت، قبل أن يتخرج من كلية الحقوق في فرنسا، حاملا معه العلم والخبرة ليخدم وطنه الغالي.

طفولته لم تكن سهلة، فقد كان صبيا بدينا يواجه العقوبات بحساسية شديدة، وكان العقاب الأصعب بالنسبة له مجرد “العيش الحاف”، لكنه تعلم من هذه التجارب الأولى معنى الصبر والمثابرة، وكان لذلك أثر واضح على شخصيته فيما بعد، إذ شكلت بداياته الصعبة حجر أساس لصقل إرادته القوية وعزيمته التي لا تلين.

عندما عاد إلى مصر بعد دراسته، بدأ أحمد زيور مسيرته في القضاء، ثم تقلد مناصب إدارية هامة حتى وصل إلى منصب محافظ الإسكندرية، وبدأت خطواته السياسية تتصاعد بسرعة. 

لم يكن الرجل مجرد سياسي يحكم، بل كان عقلا مفكرا يقرأ الواقع ويفكر في مصلحة الوطن قبل أي اعتبار شخصي، تولى عدة حقائب وزارية هامة، منها الأوقاف والمعارف العمومية والمواصلات، وكان يتنقل بين الوزارات بخبرة وإخلاص، ما جعله شخصية محورية في إدارة شؤون الدولة، وخصوصا خلال الفترة الحرجة بعد الثورة المصرية عام 1919.

لكن ما يميز أحمد زيور باشا ليس فقط المناصب التي شغلها، بل شخصيته الإنسانية التي امتزجت بالحكمة والكرم وحب الدعابة، إلى جانب ثقافته الواسعة التي جعلته يجيد العربية والتركية والفرنسية، ويفهم الإنجليزية والإيطالية. 

كان الرجل يفتح صدره للآخرين، ويمتلك القدرة على إدارة الصراعات السياسية بحنكة وهدوء، وهو ما جعله محل احترام الجميع، سواء من زملائه السياسيين أو من عامة الشعب.

عين رئيسا لمجلس الشيوخ المصري، ثم شكل وزارته الأولى في نوفمبر 1924، حيث جمع بين منصب رئاسة الوزراء ووزارتي الداخلية والخارجية، مؤكدا قدرته على إدارة الأمور بيد حازمة وعقل متفتح. 

واستمر في خدمة وطنه من خلال تشكيل وزارته الثانية، حتى يونيو 1926، حريصا على استقرار الدولة وإدارة شؤونها بحنكة، بعيدا عن أي مصالح شخصية أو ضغوط خارجية.

زيور باشا لم يكن مجرد سياسي تقليدي، بل كان رمزا للفكر المصري العصري الذي يحترم القانون ويؤمن بالعلم والثقافة، ويجمع بين الوطنية العميقة والتواضع الجم. 

محبا لوالديه، كريم النفس، لطيف الخلق، جسوره ضخم وقلوبه أوسع، كان يمزج بين السلطة والرقة، بين الحزم والمرونة، وبين العمل الجاد وروح الدعابة. 

هذا المزيج الفريد جعله نموذجا للقيادة الرشيدة في وقت كان فيه الوطن بحاجة لمثل هذه الشخصيات التي تجمع بين القوة والإنسانية في آن واحد.

توفي أحمد زيور باشا في مسقط رأسه بالإسكندرية عام 1945، لكنه ترك إرثا خالدا من الخدمة الوطنية والقيادة الحكيمة، وأصبح اسمه محفورا في وجدان المصريين، ليس فقط كوزير أو رئيس وزراء، بل كرجل حمل قلبه على وطنه، وبذل كل ما في وسعه ليبني مصر الحديثة ويؤسس لمستقبل أفضل. 

إن تاريخ زيور باشا يعلمنا درسا خالدا، أن القيادة الحقيقية ليست في المناصب ولا في السلطة، بل في حب الوطن، والعمل الدؤوب، والوفاء للعهود التي قطعناها على أنفسنا تجاه بلدنا وشعبنا.

أحمد زيور باشا كان نموذجا مصريا أصيلا، يحكي عن قدرة الإنسان على التميز رغم الصعاب، ويذكرنا جميعا بأن مصر تحتاج دائما لأمثاله، رجالا يحملون العلم والقلب معا، ويعملون بلا كلل من أجل رفعة وطنهم وشموخه. 

ومن يقرأ سيرته، يدرك أن الوطنية ليست شعارات ترفع، بل أفعال تصنع التاريخ، وأن من يحب وطنه حقا، يظل اسمه حيا في ذاكرة شعبه، مهما رحل عن الدنيا، ومهما تبدلت الظروف.

مقالات مشابهة

  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • أحمد زيور باشا.. الحاكم الذي جمع القوة والعقل والإنسانية
  • مبادرات جديدة لتعزيز الأمن الفكري وتنمية الخطابة في الأحساء
  • اليوم.. النطق بالحكم على رئيس حي شرق الإسكندرية في قضية الرشوة
  • الفرق بين الورم والسرطان.. ما الذي يجب معرفته؟
  • اليوم.. النطق بالحكم على رئيس حي شرق الإسكندرية بقضية الرشوة
  • من الذي فتح باب حمام الطائرة الرئاسية رغمًا عن ترامب «فيديو»
  • العثور على جثمان الطفل الذي جرفته السيول في كلار
  • لا تُصادِر فرح الآخرين
  • من هو غسان الدهيني الذي أصبح زعيم القوات الشعبية في غزة بعد أبو شباب؟