تمثل هجمات المتمردون الحوثيون في اليمن، المدعومون من إيران، على السفن التجارية، وما تبعها من تصعيد في منطقة البحر الأحمر، "اختبارا جديدا" لمساعي الصين، التي تطمح إلى أن تلعب دور "الوسيط" القوي في الشرق الأوسط، بحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية.

وأدت الهجمات الحوثية على أحد أهم طرق الشحن في العالم، إلى قلب التجارة العالمية رأسا على عقب، مثيرة مخاوف من نشوب صراع إقليمي أوسع نطاقا، بعد نحو 4 أشهر من الحرب بين إسرائيل وحماس.

والثلاثاء، التقى نائب وزير الخارجية الصيني، دنغ لي، نظيره اليمني في الحكومة الشرعية، مشددا على أن بكين "تدعم الحل السياسي لتسوية القضية اليمنية"، وفق ما ذكرت وكالة رويترز.

ونقلت وزارة الخارجية الصينية عن دنغ قوله، في بيان، إن الصين "تدعم اليمن في حماية سيادته واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه"، لافتة إلى أن الجانبين "تبادلا وجهات النظر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والوضع في البحر الأحمر".

ومع ذلك، أشارت "سي إن إن" إلى أن ردود الصين العلنية في تفاعلها مع أزمة بالبحر الأحمر حتى الآن، اقتصرت على الدعوة إلى وضع حد للهجمات على السفن المدنية، وتوجيه انتقادات مبطنة للعمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد التصعيد الحوثي بالمنطقة.

وقال مردخاي تشازيزا، وهو محاضر متخصص في علاقات الصين مع الشرق الأوسط،  بكلية عسقلان في إسرائيل، إن "الرد الصيني الحذر أو المتردد، يلقي بظلال ثقيلة على طموحاتها في أن تصبح قوة عالمية مسؤولة".

وأفاد تحليل شبكة "سي إن إن"، بأن تدهور الأوضاع بالبحر الأحمر، "يحمل مخاطر كبيرة" بالنسبة لأكبر دولة تجارية في العالم، إذ يتم شحن معظم الصادرات الصينية إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، في حين تمر عشرات الملايين من الأطنان من النفط والمعادن عبر هذا الممر المائي للوصول إلى الموانئ الصينية.

كما أن الوضع هناك يمثل "تحديا دبلوماسيا" للزعيم الصيني، شي جين بينغ، الذي تعهد في السنوات الأخيرة بالمساهمة بـ"الحكمة الصينية في تعزيز السلام والهدوء في الشرق الأوسط"، كجزء من مبادرته لـ"تقديم بديل للنظام الأمني الذي يقوده الغرب"، على حد وصفه.

"رد فعل خافت"

ومنذ 19 نوفمبر الماضي، يشن الحوثيون الذين يسيطرون على أجزاء واسعة من اليمن، هجمات بواسطة صواريخ ومسيّرات، يقولون إنها تستهدف سفنا تجارية إسرائيلية أو مرتبطة بإسرائيل، تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة، فيما تؤكد تقارير عديدة أنها تطال سفنا تجارية لا صلة لها بإسرائيل.

ودفع الوضع في البحر الأحمر، شركات شحن الحاويات والنفط في العالم إلى توجيه سفنها بعيدا عن هذا الممر المائي نحو رأس الرجاء الصالح، في أقصى جنوب أفريقيا، مما يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا لمدة أسبوع تقريبا، ويؤدي إلى تضاعف كلفة النقل.

ولمحاولة صد هجمات الجماعة اليمنية الموالية لإيران، وحماية الملاحة بهذه المنطقة الاستراتيجية التي يمر عبرها 12 بالمئة من التجارة العالمية، شنت القوات الأميركية والبريطانية سلسلة ضربات على مواقع عسكرية تابعة لهم في اليمن.

وإضافة إلى العمل العسكري، تسعى واشنطن إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية ومالية على الحوثيين، إذ أعادت تصنيفهم منظمة إرهابية، بعدما أسقطتهم من لوائح الإرهاب، إثر تولي الرئيس جو بايدن منصبه.

وعلى مدار أسابيع، كان رد الفعل العام في الصين "خافتا بشكل ملحوظ"، حيث لم تدن بكين هجمات الحوثيين، ولم تستجب سفنها الحربية لنداءات الاستغاثة من السفن القريبة التي تتعرض لهجوم، وفقا للشبكة التي أشارت إلى أن بكين "اكتفت بالدعوة إلى وضع حد للهجمات على السفن المدنية".

وحثت بكين "الأطراف المعنية على تجنب صب الزيت على النار"، معتبرة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لم يأذن قط باستخدام القوة من قبل أي دولة في اليمن، في انتقاد ضمني للضربات الأميركية.

واعتبر المسؤولون الصينيون أن أزمة البحر الأحمر "امتداد" للصراع في غزة، مشيرين إلى ضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، باعتباره أولوية.

ووفقا للشبكة، سعت بكين منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى تقديم نفسها "بطلةً للجنوب العالمي وبديلا للقوة الأميركية"، من خلال التعبير عن دعمها للقضية الفلسطينية، وانتقاد إسرائيل والولايات المتحدة بسبب الأزمة الإنسانية في غزة.

ويعكس إحجام بكين عن الخوض في أزمة البحر الأحمر، حضور حسابات جيوسياسية لدى بكين.

في هذا الجانب، يقول المحلل السياسي الإسرائيلي: "ليس للصين أي مصلحة في الانضمام إلى تحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة"، معتبرا أن من شأن مثل هذا الإجراء أن "يعزز مكانة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة إقليمية ويضعف موقف الصين في المنطقة".

ومع عدم إظهار الصين أي رغبة في التورط بشكل مباشر في الأزمة، سعت الولايات المتحدة إلى حثها على الضغط على إيران التي تدرب وتمول الحوثيين، من أجل وقف هجماتهم.

وفي اجتماع مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في بانكوك خلال عطلة نهاية الأسبوع، حث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بكين على استخدام "نفوذها الكبير مع إيران" لوقف الهجمات، حسبما صرح مسؤول كبير في البيت الأبيض للصحفيين، السبت.

وقال مسؤول في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن "سوليفان ضغط على وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لاستخدام نفوذ بكين للمساعدة في كبح دعم إيران لجماعة الحوثي اليمنية".

وذكر المسؤول، أن بكين قالت لواشنطن، إنها تثير هذه المسألة مع طهران، مضيفا أن الولايات المتحدة تنتظر لمعرفة ما إذا ما كانت الصين تفعل ذلك، ومدى فاعلية ذلك التواصل.

"مصالح بكين مهددة"

ونقلت رويترز، عن مصادر إيرانية، الجمعة، أن المسؤولين الصينيين طلبوا من نظرائهم الإيرانيين في عدة اجتماعات عقدت مؤخرا، المساعدة في كبح الهجمات التي يشنها الحوثيون، وإلا فإن ضررا قد يلحق بالعلاقات التجارية مع بكين.

وذكرت المصادر الإيرانية المطلعة، أن المناقشات بشأن الهجمات والتجارة بين الصين وإيران جرت خلال عدة اجتماعات، عقدت مؤخرا في بكين وطهران. ورفضت المصادر إعطاء أية تفاصيل أخرى بشأن موعد عقد الاجتماعات أو من شارك فيها.

وقال مسؤول إيراني مطلع على المحادثات، تحدث إلى رويترز شريطة عدم الكشف عن هويته: "بشكل أساسي، تقول الصين ’إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسيؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران. لذلك اطلبوا من الحوثيين ضبط النفس’".

وأشارت المصادر الأربعة، إلى أن المسؤولين الصينيين "لم يدلوا بأي تعليقات أو يوجهوا تهديدات محددة بشأن كيف يمكن أن تتأثر العلاقات التجارية مع طهران إذا تضررت مصالح بكين نتيجة هجمات الحوثيين".

وقالت المصادر الإيرانية، إن "بكين أوضحت أنها ستشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه طهران إذا تعرضت أي سفن مرتبطة بالصين لهجوم أو تأثرت مصالح البلاد بأي شكل".

ولفت أحد المصادر الإيرانية المطلعة لرويتزر، إلى أنه "رغم أن الصين مهمة لإيران، فإن لدى طهران حلفاء في غزة ولبنان وسوريا والعراق، إلى جانب الحوثيين في اليمن"، وأن "تحالفاتها وأولوياتها الإقليمية تلعب دورا رئيسيا في صنع قرارها".

في هذا الجانب، يقول الأستاذ المساعد بجامعة غرونينغن في هولندا، ويليام فيغيروا: "الحقيقة أن نفوذ الصين محدود للتأثير فعليا على سلوك إيران".

وعلى الرغم من أن الحوثيين قالوا إنهم لن يستهدفوا السفن الصينية أو الروسية، فإن مصالح الصين تبقى "مهددة بسبب الأزمة"، وفقا لـ"سي إن إن".

ومثل العديد من شركات الشحن العالمية، حولت شركتا الشحن الصينيتان المملوكتين للدولة "COSCO" و"OOCL"، عشرات السفن من البحر الأحمر إلى طريق أطول بكثير حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، وفقا للبيانات التي جمعتها شركة "Kuehne + Nagel"، وهي شركة لوجستية، مقرها سويسرا. 

ومن المحتمل أن تؤثر المواجهة في البحر الأحمر على تكلفة واردات الطاقة الصينية، إذ شكلت واردات الصين النفطية من الشرق الأوسط 46 في المئة من إجمالي واردات البلاد من النفط الخام، في أول 11 شهرا من العام الماضي، وفقا لبيانات نقلتها وكالة "بلومبيرغ" عن الجمارك الصينية.

وتقول شركة الخدمات اللوجستية العالمية "فليكسبورت"، ومقرها سان فرانسيسكو، إن "90 بالمئة من البضائع المشحونة من الصين إلى أوروبا كانت تنتقل عبر البحر الأحمر، غير أن نسبة مماثلة من حركة المرور هذه، تأخذ الآن منعطفا حول إفريقيا".

"المهمة الشائكة"

وتعليقا على الموقف الصيني بشأن ما يجري في البحر الأحمر، يقول جوناثان فولتون، وهو زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي، مقره أبوظبي، إن "تقاعس الصين يقوض مصداقيتها لدى الجهات الإقليمية الفاعلة".

وتابع في حديثه للشبكة، أن التصور الذي تروج له بأنها "قوة ناشئة من خارج المنطقة، لن يصمد إذا لم تحاول إشراك نفسها" فيما يقع بالبحر الأحمر.

وأضاف أنه، فيما يقوم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بـ"العمل الصعب، تكتفي الصين بالمراقبة"، معتبرا أن هذا سيدفع القادة الإقليميين للنظر إليها على أنها "نمر من ورق".

وبعد أن نجحت بكين في التوسط لتحقيق تقارب تاريخي بين السعودية وإيران، تبقى مسألة وقف هجمات الحوثيين "مهمة شائكة"، بحسب حديث محللين لـ"سي إن إن".

في هذا الجانب، يقول فولتون: "كان هناك زخم كبير لفكرة أن الصين أصبحت لاعبا دبلوماسيا وسياسيا وأمنيا رئيسيا بالمنطقة"، غير أنه يلفت إلى أن الأحداث التي تلت الحرب بين إسرائيل وحماس "أظهرت أن نهج الصين تجاه المنطقة لا يزال مدفوعا إلى حد كبير بمصالحها الاقتصادية، وأنها لا تملك، حتى الآن، الرغبة أو القدرة على لعب دور مهم للغاية في المجالات الأخرى". 

لماذا ينأى الزعيم الصيني بنفسه عن أحداث البحر الأحمر؟ في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضربات جوية لمنع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران من مهاجمة السفن في البحر الأحمر، تجد الصين نفسها تقف على الهامش دون أن تبدي امتعاضا وغضبا، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" على موقعها الإلكتروني.

من جانبها، تقول كبيرة محللي الاقتصاد الجغرافي في بلومبيرغ إيكونوميكس، جينيفر ويلش، إن القادة الصينيين "ليس لديهم الكثير ليكسبوه في حال قرروا اتخاذ مواقف أقوى.. وذلك مشابه لنهجهم في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يدعون إلى السلام لكنهم يرفضون إدانة روسيا أو المساهمة بشكل كبير في الجهود المبذولة لإحلال السلام هناك".

وفي المقابل، يرى البعض في بكين أيضا أن الصين "مستفيدة" من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر .

في هذ الجانب، يوضح شياو يون هوا، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني لجيش التحرير الشعبي الصيني، في ديسمبر على وسائل التواصل الاجتماعي: "بطريقة ما، قدم الحوثيون عن غير قصد خدمة كبيرة للصين".

ورأى شياو، أن التعطيل سيدفع مزيدا من التجار إلى استخدام شبكات السكك الحديدية، مما يعزز مبادرة "الحزام والطريق" التي كان قد أطلقها شي لتشييد البنية التحتية في الاقتصادات الناشئة، حسبما نقلته بلومبيرغ.

وتابع أن توسيع مبادرة الحزام والطريق "استراتيجيتنا الدولية لقطع هيمنة واشنطن، وتقويض القوة البحرية الأميركية، وتعزيز التعددية القطبية العالمية".

وبحسب وكالة بلومبيرغ، فإن من المرجح أيضا أن يواجه الرئيس الصيني، "رد فعل عنيف في حال إرسال قوات لمحاربة الحوثيين، سواء من أولئك في الشرق الأوسط الذين قد يعارضون هذه الخطوة، أو من الصقور في الغرب الذين قد يثيرون مخاوف بشأن التوسع العسكري الصيني"، وفقا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة شرق الصين العادية في شنغهاي، غريغوري ماهوني.

واستطرد: "من المحتمل أن يكون هناك أيضا الكثير من الانتقادات من بعض الصينيين لمثل تلك الخطوة، خاصة القوميين (المتشددين)".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: بین إسرائیل وحماس الولایات المتحدة الخارجیة الصینی فی البحر الأحمر هجمات الحوثیین الشرق الأوسط فی الیمن سی إن إن إلى أن

إقرأ أيضاً:

العلاقات التركية الصينية في النظام العالمي المتغيير

أنقرة (زمان التركية) – تعد تركيا من بين الدول المتأخرة نسبيًا في إدراك الوجود الاقتصادي والتجاري والسياسي والاقتصادي المتنامي للصين في المنطقة وخارجها.

وبعد زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى تركيا في يوليو 2023، أجرى وزير الخارجية هاكان فيدان اتصالات مختلفة في الصين في إطار زيارة استمرت ثلاثة أيام الأسبوع الماضي.

وأصبح فيدان أول سياسي رفيع المستوى يذهب إلى شينجيانغ منذ عام 2012.

رسائل هاكان فيدان من الصين

و بعد أن كانت قضية الأويغور، على جدول أعمال الحوار مع بكين، تظهر الرسائل التي وجهها فيدان خلال اتصالاته في بكين ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي خلال زيارته إلى أورومتشي وكاشغار، أن تركيا تقيم الآن علاقاتها مع الصين في سياق أوسع في مواجهة الظروف المتغيرة في العالم.

ووصف الوزير فيدان تركيا والصين بأنهما حضارتان عريقتان في آسيا، وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية وانغ يي، ومن ثم ناقش الخطوات التي يمكن أن يتخذها البلدان في الفترة المقبلة، خاصة في تطوير العلاقات السياسية بكافة أبعادها، الاقتصاد والتجارة والطاقة والسياحة والعلاقات الإنسانية المدرجة.

وكان من الجدير بالذكر أن فيدان أكد مرتين في خطابه على أن تركيا تدعم بشكل كامل وحدة أراضي الصين وسيادتها السياسية، وأن تركيا لا تدعم الأحداث التي تحاول إثارة الاضطرابات الداخلية في الصين.

ومع تغير العالم، سوف تحتاج تركيا إلى إعادة تشكيل استراتيجيتها في التعامل مع الصين، ليس فقط على أساس العلاقات الثنائية، بل وأيضاً على أساس التعاون المحتمل على المستوى الإقليمي والعالمي.

ولن يكون من الخطأ اعتبار زيارة الوزير فيدان للصين خطوة في هذا الاتجاه.

إن مواصلة تطوير العلاقات مع الصين سيؤدي إلى مناقشات “تحول المحور” ، كما هو الحال في العلاقات مع روسيا، ولن يكون من الصواب أن تركز تركيا على منطقة واحدة فقط في نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتعدد الأطراف، وسياسة التوازن التي اتبعتها. حيث أن تأسيس الجمهورية سوف يتجدد ومن الواضح أنه سيكون في مصلحتها بلا شك إذا استمر في القرن الحادي والعشرين.

ومن المؤكد أن تأثير التركيز على التطورات في منطقة أنقرة يرجع إلى أن معظم الصراعات التي وقعت منذ التسعينيات تحدث حول تركيا.

ومع ذلك، تتبع بكين سياسة طويلة الأجل تعود إلى ما يقرب من نصف قرن لتحدي النظام العالمي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية. فبدءًا من الثمانينيات، مكن التحول الاقتصادي المثير للإعجاب في الصين من أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة احتوائها على عناصر نادرة جعلت الصين سوقًا مهمًا، خاصة بالنسبة للدول الأوروبية، مما جعل تحويل الطاقة هدفها الأساسي.

بجانب هذه القضايا، أظهرت الصين نفوذها في جغرافية واسعة من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية وأخيراً إلى الشرق الأوسط من خلال العديد من المشاريع الضخمة، بما في ذلك مبادرتها، التي وضعت الأسس في عام 2012 وتسمى حالياً “مبادرة الحزام والطريق”.

من ناحية أخرى، نرى أن الصين، التي حققت اختراقات كبيرة في مجال الصناعة الدفاعية، هي أيضًا أكثر نشاطًا على الجبهة السياسية والدبلوماسية.

دور الصين في التوسط في اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية، ومحاولاتها المختلفة لوقف النزاعات وإرساء السلام بين روسيا وأوكرانيا، واهتمامها المتزايد بأفغانستان وسوريا، وأخيراً جهودها لتحقيق المصالحة بين الفلسطينيين في سياق حرب غزة، توضح أن الصين تريد الوجود كقوة عالمية في كل جانب. وفي مواجهة هذا الصعود الحتمي للصين، تحاول العديد من الدول، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تطوير استراتيجيات جديدة للصين.

على الرغم من أن إدارة بايدن أعلنت أنها تريد “التنافس بمسؤولية” مع الصين، فإن واشنطن تشعر بانزعاج عميق من أن بكين ستحقق مكانة قوة عظمى على الساحة العالمية تتحداها.

وتدافع الولايات المتحدة، التي تعتبر الصين تهديدًا وتريد أن يشارك حلفاؤها في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، عن فرضية أن العالم يتطور إلى صراع بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية في القرن الحادي والعشرين.

يحاول الغرب وحلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وضع أنفسهم في موضع الأقل تضرراً من خلال محاولة عدم التورط في التنافس بين القوتين العظميين.

الصين وتركيا

تركيا في خضم منافسة القوى العظمى والتغيرات في العالم، كما تحافظ تركيا، التي دعمت سياسة “صين واحدة” منذ عام1971، على علاقات تجارية واقتصادية مع تايوان.

وبدأت العلاقات بين بكين وأنقرة في التطور، خاصة بعد عام2010، حيث اتبعت أنقرة سياسة خارجية متعددة الأبعاد. وكانت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة في عام 2010 نقطة تحول في هذا المعنى، حيث يدعم كلا البلدين التعددية والتعددية القطبية.

وفي هذا السياق، حسنت تركيا مؤخرًا علاقاتها مع منظمة شنغهاي للتعاون ودعمت صعود الجنوب العالمي والخطوات المتخذة لإصلاح النظام الدولي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، إذ هناك العديد من المناطق الجغرافية التي يمكن للطرفين التعاون فيها، خاصة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا.

بالنسبة للصين، تعد تركيا سوقًا قيّمة بمفردها، ولكنها أيضًا بوابة إلى أوروبا. وتعد تركيا أيضًا طريقًا مهمًا للصين في إطار مبادرة الحزام والطريق.

على الرغم من أن ظهور الممر الأوسط مع الحروب في شمالنا وجنوبنا يمكن اعتباره عنصرًا من عناصر التنافس بين الطرفين، يُرى أن تنسيق هذين الخطين يتم التأكيد عليه في الاتصالات بين البلدين، فالاتفاقية الموقعة بين البلدين في عام 2015، التي تنص على مشاركة تركيا في “مبادرة الحزام والطريق”، تقوم على تكامل الممرين.

من وجهة نظر تركيا، تعد الصين شريكًا تجاريًا ومستثمرًا مهمًا في مشاريع البنية التحتية الضخمة. وفي الوقت الحالي، تعد الصين أول شريك تجاري لتركيا في آسيا وثالث أكبر شريك تجاري في العالم.

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت اتفاقيات الصرافة الثنائية (SAWP) حيوية لاقتصاد تركيا الهش. ومع ذلك، فإن تأثير الصين المتزايد على القطاعين المصرفي والمالي يجلب معها مخاطرها.

وعلى الرغم من الزيادة في الزيارات الرسمية والتجارة والسياحة ووفرة المنتجات التجارية الصينية في السوق التركية، فإن الرأي العام التركي لا يزال مترددًا تجاه الصين.

وفقًا لنتائج الدراسات الاستقصائية المختلفة التي أجريت بين عامي 2005-2020، فإن 60 في المئة من متوسط الأتراك لديهم نظرة سلبية عن الصين. وبما أن البلدين كانا في معسكرين مختلفين خلال الحرب الباردة، فقد يكون لهذا التصور أسباب تاريخية.

وعلى الصعيد الآخر، يتسبب وضع الأويغور الناطقين بالتركية الذين يعيشون في منطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي في توتر العلاقات بين البلدين من وقت لآخر، حيث وصف الرئيس رجب طيب أردوغان سياسة بكين تجاه الإيغور بأنها إبادة جماعية خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء في عام 2009، ولكن على مر السنين خففت تركيا من دعمها التقليدي للإيغور وانتهاكات حقوق الإنسان في الصين.

وكلما أثارت تركيا القضية، ترد الصين ببطاقة حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب، منتقدة سياسات تركيا تجاه مواطنيها الأكراد ووجودها في سوريا.

Tags: العلاقات التركية الصينيةهاكان فيدان

مقالات مشابهة

  • الكونجرس الأمريكي: تصعيد “الحوثيين” يكشف فشل استراتيجية بايدن
  • المحور الصيني الباكستاني يوجه ضربة للهند
  • تفاصيل التصعيد الأميركي البريطاني ضد الحوثيين في اليمن ... ضربات جوية وعقوبات اقتصادية..
  • الجارديان: الاتحاد الأوروبي يتخذ إجراءً بشأن واردات السيارات الكهربائية الصينية
  • من أيزنهاور إلى دايموند.. الحوثي يبحث عن انتصارات وهمية في البحر الأحمر
  • بناءً على المقترح الصيني.. الأمم المتحدة تعتمد يومًا عالميًا للحوار بين الحضارات
  • العلاقات التركية الصينية في النظام العالمي المتغيير
  • “التعاون الخليجي” يدعو إلى اتخاذ موقف حازم تجاه ممارسات الحوثيين التي تقوّض السلام باليمن
  • توترات بحر الصين الجنوبي.. بكين تطلق قانون التعدي الصيني
  • الصين وباكستان تتفقان على تعزيز التعاون في مجال التعدين