زيارة قاآني وبيانات نفي.. إيران تفعل كل شيء لتجنب مواجهة أميركا
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
منذ هجوم الأحد الماضي على قاعدة البرج 22 شمالي الأردن الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين، تتواصل التصريحات الإيرانية التي تتحدث عن عدم رغبتها في الدخول بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة رغم العداء الكامن بينها وبين الغرب.
بعد الضربة التي نفذتها طائرة مسيرة في 28 يناير ضد "برج 22"، وهي قاعدة للدعم اللوجستي في الأردن على الحدود مع سوريا، ومقتل ثلاثة جنود أميركيين للمرة الأولى في المنطقة منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر، وجهت أجهزة الاستخبارات الأميركية أصابع الاتهام بالتحديد إلى "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهي مجموعة فصائل عراقية ذات نفوذ واسع تربطها علاقات وثيقة مع طهران التي نفت علاقتها بالهجوم.
وألمح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي الى أن "كتائب حزب الله" التي تعتبر أبرز فصيل في "المقاومة الإسلامية في العراق" تتحمّل مسؤولية الهجوم.
يهدد الهجوم على "برج 22" بتوسع الصراع على اعتبار أنه تسبب بمقتل عسكريين أميركيين بنيران معادية في المنطقة للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
ومع ذلك تحاول إيران بشتى الوسائل تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لعدة أسباب من أهمها أن مشاكلها الداخلية أكبر من أن تجعلها قادرة على التعامل مع أي هجوم واسع النطاق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
تقول الصحيفة في تقرير، الخميس، إن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماعا طارئا هذا الأسبوع، معربا عن قلقه العميق من أن الولايات المتحدة سوف تنتقم لمقتل جنودها الثلاث.
وناقش المجلس، الذي يضم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وقادة القوات المسلحة واثنين من مساعدي المرشد الأعلى للبلاد، كيفية الرد على مجموعة من الاحتمالات.
ونقل التقرير عن ثلاثة إيرانيين مطلعين على مداولات المجلس وغير مخولين بالتحدث علنا، أن من بين الاحتمالات التي جرى مناقشتها هي شن هجوم أميركي مباشر على الأراضي الإيرانية إلى توجيه ضربات ضد ميليشيات موالية لطهران في المنطقة.
يقول التقرير إنه جرى نقل ما تمت مناقشته في الاجتماع والخطط التي تم تطويرها لمواجهة ذلك في اجتماع يوم الاثنين إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وفقا لمصادر مطلعة على المناقشات.
أكدت تلك المصادر، حسبما نقلت نيويورك تايمز، أن خامنئي رد بأوامر واضحة تتمثل في تجنب حرب مباشرة مع الولايات المتحدة وإبعاد إيران عن تصرفات وكلائها التي تسببت بمقتل جنود أميركيين، مع الاستعداد للرد إذا ضربت الولايات المتحدة إيران.
يشير التقرير إلى أنه بالنسبة "لحكومة قمعية مثل الحكومة الإيرانية لا تحظى بشعبية وتعاني من أزمة اقتصادية، فإن الصراع المباشر مع الولايات المتحدة لا يهدد بدمار إيران فحسب، بل يمكن أن يهدد قبضة النظام الاستبدادي على السلطة".
ووفقا لشخص مقرب جدا من دائرة خامنئي واستراتيجي عسكري له علاقات بالحرس الثوري فقد أخبر المرشد الإيراني المقربين منه أنه "يعارض الحرب مع الولايات المتحدة لأن الحفاظ على قبضة النظام الإسلامي على السلطة هو الأولوية القصوى".
وفي حين تؤكد طهران أنها لا تريد الحرب، إلا أنها مع ذلك استعدت لجميع الاحتمالات، وفقا للصحيفة.
وضعت إيران جميع قواتها المسلحة في حالة تأهب قصوى، ونشطت أنظمة الدفاع الجوية ونشرت صواريخ باليستية على طول الحدود مع العراق، وفقا لثلاثة إيرانيين مطلعين على الخطط، ومسؤول حالي ومسؤول سابق.
في المقابل تقول الصحيفة إن التحركات الإيرانية استمرت لتجنب الحرب المباشرة.
تشير الصحيفة إلى أن قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني أجرى زيارة للعراق مؤخرا صدر بعدها بفترة وجيزة بيان من ميليشيا كتائب حزب الله قالت فيه إنها ستعلق الهجمات على القوات الأميركية، مضيفة أن "إيران لم تكن متورطة في قرار استهداف القوات الأميركية، بل أنها في الواقع كانت ترفض في بعض الأحيان الهجمات على الأميركيين".
الصحيفة أشارت أيضا إلى أن العديد من القادة العسكريين الإيرانيين غادروا قواعد في العراق وسوريا يمكن أن يتم استهدافها من قبل القوات الأميركية لتجنب سقوط ضحايا بارزين في صفوفهم قد تتطلب من طهران الرد في المستقبل.
يقول مدير شؤون إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز إن المعضلة التي تواجه إدارة الرئيس جو بايدن هي "محاولة كسر أنف إيران من دون لمسها".
ويضيف أن "المشكلة هي أن كل جانب ينتقم من الآخر، وهذا يولد الحاجة إلى ضربة مضادة لتستمر هذه الحلقة المفرغة"، لكنه استدرك قائلا: "عند نقطة معينة سوف ينفجر" الوضع.
ومع ذلك بالنسبة لإيران، فإن الحسابات معقدة بنفس القدر على الأقل، فإذا حاولت كبح جماح القوات التي تدعمها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، فإنها تخاطر بتشويه ادعاءاتها بأنها تقود ما يسمى بـ "محور المقاومة" المكون من الميليشيات وحلفاء في الشرق الأوسط، ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
في عام 2020، كادت التوترات بين واشنطن وطهران أن تتحول إلى صراع مستمر بعد أن أمر الرئيس السابق، دونالد ترامب، آنذاك بشن غارة جوية أميركية في بغداد، أسفرت عن مقتل فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
ومع ذلك يرى مدير المركز العربي للدراسات الايرانية محمد صادقيان أن "هناك تقاربا في وجهات النظر بين إيران وواشنطن بعدم توسيع نطاق الحرب".
ويضيف صادقيان لموقع "الحرة" أن "هذا لا يعني ان واشنطن لا تمتلك القوة، لكن ليس لديها نية لفتح مواجهة مع طهران باعتبار أن إيران ليست دولة ضعيفة ولديها خيارات متعددة".
ويتابع صادقيان أنه "لا من مصلحة إيران ولا أميركا فتح هذه المواجهة، لأنها لن تخدم مصالح أي من الأطراف المعنية".
صادقيان أشار إلى أن "استهداف برج 22 في الأردن أحرج الجميع، لكن إيران قالت إنها غير معنية بتصرفات فصائل المقاومة وهذا يؤكد عدم إصدارها أوامر لأي فصيل بأن يتخذ هذا السلوك أو ذاك".
ويختتم صادقيان بالقول إن "إيران ومنذ السابع من أكتوبر تركت الباب مفتوحا لهذه الفصائل لاتخاذ القرار المناسب من خلال تقدير الموقف الذي تتبناه هذه الجهات لمواجهة إسرائيل ودعم مواطني غزة".
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حمل مسؤولية الهجوم لـ"جماعات مسلحة متطرفة مدعومة من إيران".
وقال بايدن إنه حدد طبيعة الرد الأميركي على الهجوم، لكنه لم يعلن تفاصيل الخطط أو توقيت الرد، بينما شدد على أنه لا يسعى إلى حرب أوسع في الشرق الأوسط. وأشار البيت الأبيض إلى إمكان اتخاذ "إجراءات متعددة" ردا على الهجوم.
ومنذ منتصف أكتوبر، تعرضت القوات الأميركية والتحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش في العراق وسوريا، لأكثر من 165 هجوما، في انعكاس مباشر للحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: مع الولایات المتحدة القوات الأمیرکیة کتائب حزب الله فی المنطقة فی الأردن فی العراق إلى أن مع ذلک
إقرأ أيضاً:
الاستعمار الرقمي ودروس العدوان على إيران
لا يجب أن يمر علينا خبر وقف إيران لاستخدام برامج تحديد المواقع والملاحة الأمريكية «جي بي اس» على أراضيها واستبداله بالنظام الصيني «بيدو» مرور الكرام. هذا التحول الإيراني له دلالاته وتبعاته العالمية، خاصة بعد استخدام إسرائيل والولايات المتحدة الواسع لهذه البرامج في العدوان على إيران واستهداف علمائها وقادتها العسكريين، والسيطرة على أجوائها وتحييد دفاعاتها الجوية طوال أيام الحرب الأخيرة.
ورغم الدروس الكثيرة التي يمكن أن نتعلمها من هذه الحرب فان الدرس الأساسي والمحور- في ظني- هو الاعتراف بتدني قدراتنا كدول عالم نامية في المجال الرقمي، وعدم قدرتنا على مواجهة التفوق التقني الأمريكي- الصهيوني، وضرورة العمل على حماية أنفسنا وأوطاننا من الاستهداف الرقمي الذي يسعى إلى إبقائنا في موضع التبعية الرقمية. انضمت إيران بهذا التحرك المتأخر إلى دول عديدة في العالم اتجهت في السنوات الأخيرة مدفوعة برغبتها في الحفاظ على أمنها القومي إلى وقف استخدام هذه البرامج على أراضيها واستبدالها بأنظمة وطنية أكثر أمنا، حتى وإن لم تكن بالضرورة أكثر كفاءة من الأنظمة الأمريكية.
ولعل من أبرز الدول التي تسعى إلى تحقيق الاستقلال الرقمي، روسيا، التي نجحت في تطوير نظام ملاحة وتحديد المواقع يعتمد على الأقمار الاصطناعية يسمى «جلوناس»، يتم استخدامه في الأغراض المدنية والعسكرية. وأسست الهند نظام ملاحة إقليميا خاصا بها يسمى «نافيسي» مصمما لتقديم خدمات تحديد المواقع في الهند والدول المحيطة بها. وطورت كوريا الشمالية أنظمة ملاحتها الخاصة ليس فقط بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، ولكن أيضا لأسباب أمنية أيضا تمنعها من استخدام الأنظمة العالمية. ورغم تحالفها القوي مع الولايات المتحدة أطلقت دول الاتحاد الأوروبي نظام ملاحة خاصا بها يسمى «جاليليو» ليكون بديلا مستقلا للنظام الأمريكي، يوفر لدول الاتحاد المزيد من الاستقلالية والأمن.
لم تكتف إيران بذلك، واستفادت من دروس المواجهة غير المتكافئة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، ودعت مواطنيها إلى التوقف عن استخدام بعض تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي مثل «واتساب»، و«تلغرام» وغيرهما من التطبيقات التي تعتمد على نظام تحديد المواقع، وذلك بعد أن تبين أن الشركات الأمريكية التي تدير هذه التطبيقات تواطأت في تمرير معلومات حساسة إلى الأمريكيين والإسرائيليين ساعدتهم في استهداف المواقع الإيرانية واغتيال الشخصيات المؤثرة خلال الحرب. وقد أثارت الخطوة الأخرى مخاوف شركة «ميتا» المالكة لواتساب وفيسبوك خشية أن تسير دول أخرى في العالم على نفس النهج الإيراني الجديد.
كل ما سبق يقودنا إلى إدراك حقيقة أن هناك احتلالا أمريكيا رقميا للعالم، سمح لها عبر شركات التقنية العملاقة المرتبطة بالتأكيد بالمخابرات المركزية الأمريكية «سي آي آيه» بالوصول إلى قلب كل دولة ومراقبة أنظمتها التقنية، واستنزافها سياسيا واقتصاديا، دون حاجة لغزو عسكري أو احتلال أراض. إنه استعمار من نوع جديد يختلف تماما عن صور وممارسات الاستعمار القديم. استعمار لا يقوم على إخضاع الدول والشعوب بقوة السلاح أو الاقتصاد فقط، وإنما بالسيطرة أيضا على أنظمتها الرقمية وانتهاك سيادتها بالخوارزميات والأنظمة التكنولوجية شديدة التعقيد، التي تستطيع تحديد قائمة الأهداف في الصراعات العسكرية وضربها عن بعد، وإشعال النزاعات والحروب الأهلية والإقليمية وتأجيج الثورات وهندسة الانقلابات في الدول والأقاليم التي لا ترضى عنها الإدارة الأمريكية وحلفائها.
حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة تسيطر على السوق الرقمي سيطرة شبه كاملة، وباستثناء محاولات محدودة لتحقيق الاستقلال الرقمي كما في حالات الصين وروسيا والهند وكوريا الشمالية، والاتحاد الأوروبي، وإيران الآن، تبقى دول العالم محتلة رقميا من جانب الولايات المتحدة، سواء على مستوى الأجهزة التي يتم استخدامها في الوصول إلى الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي، أو على مستوى قدرة تلك البرامج والأنظمة على الوصول إلى أدق التفاصيل عن الدول والشعوب، ووأد أية محاولة للتمرد على السيد الأمريكي القوي.
وكما تواطأت شركات إنتاج أجهزة البيجر التي استخدمتها إسرائيل في اغتيال عدد كبير من قادة حزب الله في حربها على لبنان، تواطأت شركات عالمية أخرى متخصصة في إنتاج الهواتف المحمولة لتسهيل عملية استهداف القادة العسكريين والعلماء الإيرانيين الذين كانوا يستخدمون تلك الأجهزة.
وقد اعترفت مصادر إسرائيلية بذلك، وأكدت «إن فرق «الموساد» الإسرائيلي التي انتشرت في إيران قبل الحرب استقدمت أجهزة من الخارج عبر شركات تجارية محلية، في سيناريو شبيه بتفجيرات البيجر التي طالت الصيف الماضي المئات من عناصر حزب الله في لبنان». وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإننا يجب ألا ننسى أن اغتيال شخصيات فلسطينية ولبنانية رفيعة المستوى مثل اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غرفته بفندق في طهران منذ عام تقريبا، وموجة الاغتيالات التي طالت قادة من الحركة مثل صالح العاروري، وقادة حزب الله في لبنان وعلى رأسهم حسن نصر الله الأمين العام للحزب وعدد من قادته العسكريين والميدانيين، تمت كلها عبر اختراق شبكات الاتصال.
في تقديري أن هذه الاغتيالات لم تكن لتتم على هذا النحو الكاسح لولا هذا الاستعمار الرقمي الذي مكن العدو من تحديد مواقع القادة بدقة واستهدافهم بشكل مباشر. في مقابل ذلك فإن استمرار الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، واستمرار نجاح المقاومة في استهداف الجنود الإسرائيليين وعجز إسرائيل بكل ما لديها من قوة على الوصول إلى أماكن احتجاز أسراها يؤكد حقيقة إمكانية العمل دون أجهزة وبرامج اتصالات أمريكية بعد أن نجحت المقاومة في بناء نظامها الخاص وإنتاج سلاحها بإمكانات محدودة للغاية وما زالت رغم هدم غزة كلها تقريبا قادرة على إيلام العدو ومنع وصوله إلى أسراه داخل القطاع.
إن التحرر الوطني من التبعية الرقمية للولايات المتحدة أصبح ضرورة، خاصة في هذا العصر الذي تحولت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها القريبون جدا منها مثل إسرائيل إلى محتل رقمي يمكن أن تصل ذراعه الطويلة إلى أي مكان في العالم. لم تعد الولايات المتحدة مؤتمنة على العالم وهي تكيل بمكيالين وتتعامل مع العالم بمنطق استخدام القوة المفرطة على جميع الأصعدة.
من هنا يتوجب على دول العالم أن تسعى إلى تحقيق سيادتها الرقمية على أراضيها، خاصة تلك الدول التي تتوافر لها إمكانات بشرية وموارد اقتصادية قادرة على إنتاج الأنظمة والبرامج والتطبيقات وأجهزة الاتصالات المؤمنة من الاختراق. لقد ناضلت دول العالم لسنوات طويلة للتحرر من الاستعمار الأوربي التقليدي ونجحت بعد عناء في الحصول على استقلالها، وعليها الآن أن تناضل من أجل التحرر من الاستعمار الأمريكي الرقمي، الذي لا يهدد الأمن الوطني لكل دولة على حدة، وإنما يهدد الأمن والسلم العالميين.